نظرية داروين اكتسبت شهرة أكثر من حجمها بكل تأكيد. الإنسان.. نحن ذلك المجهول الذي لطالما حير نفسه،عقولنا التي فُطرت على البحث والتعمق والعودة إلى الأصل وإيجاد السبب والمسبب والبحث عما أدى للنتيجة لم تكن لترتاح أبدًا مهما حاولنا، وإن أخمدنا صوتًا ترتفع مئات الأصوات مطالبةً بما طالب به الصوت الذي أصمتناه، البحث عن حقيقة ما حولنا كان طبيعيًا، وإمساك الخيوط من آخرها الذي بين أيدينا ثم جذبها لتعود بنا إلى نقطة بدايتها واقعٌ نعيشه خلال رحلات البحث والاكتشاف في تاريخ كل كائنٍ حيٍ سار ويسير على هذه الأرض، لكن هل كنّا استثناء؟
بالعكس فالإنسان قبل أن يرسل بصره للخارج نظر بعين الفضول إلى نفسه وداخله، حاول أن يعرف أدق تفاصيل وألغاز جسده البشري ثم عقله اللامادي ثم حقيقته ونفسيته واتجاهاته وبدأ أسئلته الفلسفية عن كون الإنسان مخيرًا أم مسير وبداية الإنسان ونهايته ومنشأه ومصيره ومهده ولحده، ثم جذب الخبط بقوةٍ أكبر يريد أن يعود للبداية الأولى، يريد أن يعرف كيف جاء أول إنسانٍ للوجود!
نظرية داروين : كيف ينظر إليها العلم اليوم ؟
دينٌ وعلم
جميع المؤمنين بدياناتٍ سماوية لديهم إجابةٌ شافيةٌ ومقنعةٌ على هذا السؤال وعن كيف جاء أول إنسانٍ للأرض، لديهم إيمانٌ ويقينٌ تامٌ ببداية الخلق لا شك فها أن أول إنسانٍ وطئ الأرض كان آدم عليه السلام والذي خلقه الله من طينٍ فبثّ فيه من روحه فأصبح حيًا يُرزق ثم أمر الملائكة فوقعوا له ساجدين، ثم من بعده كانت حواء التي خُلقت من ضلعه فصار على الأرض ذكرٌ وأنثى فحبلت بأولادها توائم كل توأمٍ ذكرٌ وأنثى وكان كل ذكرٍ يتزوج أنثى توأمٍ آخر حتى يعمروا الأرض وبهذا كانت بداية الإنسان كما عرفها أصحاب الديانات السماوية.
لكن من جهةٍ أخرى جاء من لا يؤمنون بأي ديانة ومنهم الملحدون الذين لا يرون سوى العلم دينًا لهم، والعلم بالنسبة إليهم هو أسبابٌ وتجاربُ ونتائج وخطط تُرسم أمامهم ويستطيعون لمس التغيرات والحوادث فيها بأنفسهم لا مجرد تكهناتٍ وافتراضيات، والبعض الآخر كان مؤمنا وصاحب علمٍ ودين لكنه نسجهما معًا بطريقةٍ غريبةٍ أو غير مألوفة وأوجد لنا نتائج غير متوقعة ولا تقليدية، وهؤلاء هم من لم يؤمنوا ببداية الإنسان كما عرفناها في الديانات وأخرجوا للعالم عدة نظرياتٍ عن بداية الإنسان وخلقه أشهرها على الإطلاق كانت نظرية داروين المعروفة.
داروين ونظريته
كان داروين واحدًا من أهم وأشهر العلماء الإنجليز في وقته فكان عالم أحياءٍ وجيولوجي وعالم تاريخٍ طبيعي، في البداية وٌلد داروين لأسرةٍ مسيحية تؤمن بالتوحيدية أي أن الله واحدٌ أحد ولا تؤمن بالثالوث، بينما كان والده وجده من المفكرين الأحرار بينما هو نفسه كان مسيحيًا تقليديًا ثم وصف نفسه بعد ظهور نظرية التطور باللاديني وبأنه ينكر وجود إلهٍ للكون، عندما كبر جذبه والده معه لمجال الطب وحلم بأن يرى ابنه طبيبًا عظيمًا في يومٍ من الأيام، إلا أن داروين لم يحمل نفس الحلم ولم يُعجبه الطب ولم تهمه تلك الدراسة فأهملها ومع الوقت اعتزلها، وكان اهتمامه من بداية شبابه منصبًا على الطبيعة والكائنات الحية والأنواع والسلالات والأجيال، حصل على فرصته في اكتشاف عالم الأحياء أكثر فأكثر في إحدى الرحلات التي قام بها واستمرت خمس سنوات وفي خلال هذه الرحلة لم يتوقف قط عن الكتابة والتأليف وتدوين الملاحظات والنظريات وجمع العينات عما يراه من كائناتٍ حيةٍ مختلفة، ومع الوقت وخلال عمله بدأت بلا وعيٍ منه تتكون فكرته عن نظرية التطور أو التي نعرفها باسم نظرية داروين .
كان داروين ينظر الأحياء المختلفة بعينٍ خبيرة يحاول عن طريقها إيجاد التشابه والاختلاف بينها ثم بدأت فكرته عن التطور تتبلور في رأسه وأن الأحياء يتطورون من نوعٍ لآخر ومن فصيلةٍ لأخرى في محاولةٍ منهم للتأقلم مع تغيرات البيئة والزمن، أي أنه كما رآه كان صراعًا للبقاء عماده التطور، في البداية لم يكن الإنسان ضمن نظريته لكنه ما إن رأى القرود أو الأنواع منها بعينها زجّ بالإنسان في نظريته وبدأ طريقه لإثبات كون الإنسان من أصل قرد.
التطور
بُنيت نظرية داروين على فكرة أو نظرية الانتقاء والانتخاب الطبيعي، وهي النظرية التي تعني أن البقاء للأقوى أو بمعنى آخر تعتمد على عدة جوانب وأركان أولها هو كون البقاء للأكثر قدرةً على التأقلم مع الظروف ومن لم يستطع التأقلم انقرض، ثانيها هو التطور عبر الأجيال وتوريث أسباب التأقلم عبر الجينات حتى أنه في بعض الأحيان ينشأ نوعٌ جديدٌ مختلف من نوعٍ قديمٍ اختفى لأنه لم يكن قادرًا على الاستمرار بحالته كدا فبدأ يتغير ويتطور حتى وصل للدرجة المثالية للتأقلم، يعتقد البعض أن نظرية داروين ماهي إلا عبارةٌ عن أنه خرج للناس ذات يوم يخبرهم أن أصلهم قرود ثم عاد للغرفة ثانيةً لكن ذلك المفهوم خاطئٌ تمامًا، فالذي حدث أنه كان يدرس الانتخاب الطبيعي وتطور السلالات والبقاء والانقراض واختلاف الصفات وتنوعها ثم بدأ في تطبيق ذلك على الإنسان واستمر في محاولة معرفة كيف يتطور الإنسان حسب تغير الزمن والبيئة التي عاش فيها، ثم أنه في إحدى المرات جذب الخيط ليعود للبداية فوجد نفسه يحاول إيجاد البداية التي تطور منها الإنسان فلم يهده تفكيره إلا للقرود التي وجد فيها ذكاءً قارب ذكاء الإنسان وتصرفاتٍ إنسانية، إلا أنه هو نفسه ظل طوال حياته عاجزًا عن إيجاد الحلقة المفقودة في نظريته بين القرد والإنسان أو عن النقطة التي سببت تحول القرد إلى إنسان دون أن يختفي القرد وينقرض!
التطور نظريةُ كبيرة ومتسعة بدأ بإسباغها على مجتمعاتنا وسلوكياتنا وتطورنا وتقدمنا في العلم والفكر والإنتاج وتغير جيناتنا ومحاولتها التأقلم مع البيئات التي نعيش فيها.
العلم ونظرية داروين
في البداية واجهت نظرية داروين الإنكار الشديد والغضب من عدة أطرافٍ وجهات أكبرها كانت الجهات الدينية ولم يكن هناك أحدٌ قادرًا على استيعابها والإيمان والاعتراف بها وواجه داروين الكثير من الهجمات والانتقادات والأسئلة التعجيزية التي بذل قصار جهده لحلها ولإصلاح أي ثقوبٍ أو عيوبٍ أو خللٍ في نظريته ليقدمها للعالم بشكلٍ أفضل، ثم تطور الأمر بعد ذلك -كأنه إثباتٌ عمليٌ على نظرية داروين للتطور- فأصبحت النظرية محل جدلٍ ونقاش] واسع ولم يعد يتم إنكارها وحسب لمجرد الإنكار وإنما صار البحث فيها قويًا ودقيقًا، ومع الوقت أصبحت الجهات العلمية بأجمعها مؤمنةً بنظرية داروين والبعض أصحاب الخلفية الدينية حاولوا تطويعها حسب خلفياتهم الدينية تلك وألغوا منها ما اعتبروه كفرًا بوجود الإله، أما الانتقاء الطبيعي والتأقلم وتطور الإنسان صار اليوم يُدرّس في كثيرٍ من دول العالم للطلاب ضمن علوم الإنسان والإحياء، بل صارت تلك النظرية منهاجًا قامت عليه سياسات بعض الدول وفلسفاتها في مسيرتها للتقدم وتحسين النسل وتحديده، ودخلت تلك النظرية في قلب الكثير من الإصلاحات السياسية والاقتصادية للعديد من الدول، بينما بقيت دولٌ أخرى تمتنع عن مناقشة نظرية داروين من الأساس أو الأخذ بها أثناء البحث العلمي أو حتى تدريسها لأبنائها وطلابها ومنها الدول الإسلامية باعتبارها تناقض الدين وتحط من قدر الإنسان بإرجاع أصله للحيوان.
أضف تعليق