نظرية الدومينو هي نظرية سياسية في الأصل، نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية في خمسينيات القرن العشرين، وكانت النظرية تنص على أن إذا كانت إحدى الدول تقع تحت سيطرة النظام الشيوعي فإن الدول المجاورة لها ستتأثر بنظام هذه الدولة، ومنذ بداية ظهور هذه النظرية على ساحة السياسة العالمية والبعض يؤكد صحتها والبعض يرى أن النظرية بها الكثير من الأخطاء، وفي الحقيقة النظرية لها مميزاتها وعيوبها، وفي الفترة الأخيرة وخصوصًا في الشرق الأوسط، وأثناء ثورات الربيع العربي، رأي العديد من المحللين أن ما يحدث في المنطقة هو تحت تأثير نظرية الدومينو، فبعد الثورة التونسية تحركت الثورة في مصر وانتقل الأمر إلى دول أخرى، وفي هذا الموضوع نتحدث عن تأثير الدومينو، والأسباب وراء خلق هذه النظرية، وأيضًا رأي بعض المؤيدين والمعارضين للنظرية.
استكشف هذه المقالة
تأثير الدومينو
تأثير الدومينو هو عبارة عن سلسلة من الأحداث، فعندما يحدث تغيير صغير يتسبب ذلك التغيير في حدوث تغيير مماثل بجواره، وهكذا، سيحدث تغيير آخر بجوار هذا التغيير في سلسلة من الأحداث الخطية، ويمكن استخدام هذا المفهوم للتعبير عن أي سلسلة من الأحداث المتتالية، وبدأ ظهور هذا التأثير بعد نشأة نظرية الدومينو خلال الحرب الباردة، وبالأخص خلال الحرب الأمريكية في فيتنام، وتأثير الدومينو السياسي يعتمد على أنه إذا تشابهت عدة دول في نظام الحكم، فأن أي تغيير في نظام الحكم الموجود في أحد هذه الدول سيؤدي إلى حدوث سلسلة من التغييرات المتتالية في أنظمة الحكم المجاورة، وكان هذا هو تفسير السياسة الأمريكية أثناء الحرب الفيتنامية للتأثير، إذ ظن القادة السياسيون والعسكريون أن وقوع فيتنام في أيدي النظام الشيوعي السوفيتي سيؤدي ذلك لوقوع الأنظمة المجاورة لفيتنام في الهند الصينية تحت سيطرة الشيوعيين.
نظرية الدومينو السياسية
في خلال الحرب الباردة وخصوصًا خلال الحرب الفيتنامية ظهرت مفهوم جديد في السياسة هو نظرية الدومينو السياسية، ومنذ ظهور هذه النظرية وقد سيطرت على تفكير وفهم الكثير من الشخصيات الأمريكية العسكرية والسياسية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وذلك رغبة منهم في احتواء المشهد السياسي الشرق آسيوي، وقد كان هناك عاملين أساسيين لظهور هذه النظرية:
- العامل الأول، مع انتصار القائد ماوتسي تونغ في الحرب الأهلية الصينية في عام 1947، بدأ ظهور تخوف لدى القادة الأمريكيين من أن تسقط الصين في يد الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين، وبذلك تسقط آسيا بأكملها وحتى القوى الكبرى في القارة كاليابان، ولن يصبح استقرار الولايات المتحدة الأمريكية في أمان.
- العامل الثاني، عندما لجأ المعسكر الشرقي للقوى العسكرية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة والمعسكر الغربي بقيادة الاتحاد السوفيتي باستخدام قوة السلاح بعد الصعوبات التي منعت من حل الخلافات بين الطرفين، وبذلك بدأت الحرب الباردة، وبذلك ظهرت حركات معارضة لهذه الحرب خوفًا من الدمار الذي سيحدث خصوصًا بعد ما شاهد العالم الدمار الكبير الذي حدث خلال الحرب العالمية الثانية، وكذلك عمل الاتحاد السوفيتي على تطوير الأسلحة النووية بداية من عام 1949.
نظرية الدومينو والثورات العربية
مع قيام الثورة التونسية في بداية ثورات الربيع العربي وإسقاط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، تعبت الثورة التونسية الثورة المصرية والتي أسقطت نظام الرئيس محمد حسني مبارك، وبدأت بلاد أخرى تشهد ثورات شعبية كاليمن وسوريا وليبيا، كل هذه الثورات كان الهدف منها إسقاط أنظمة الحكم الفاسدة، وقد رأى المحللون السياسيون أن ما حدث وما زال يحدث في المنطقة العربية ما هو إلا تطبيق حرفي لنظرية الدومينو السياسية، النظرية التي نشأت في أمريكا منتصف القرن الماضي، والتي كانت من أهم الأسباب التي ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة التغييرات السياسية والاجتماعية في كل من دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية.
بعد الثورة التونسية والمصرية وبداية الثورات الأخرى، كتب العديد من المحللين الغربيين أن ما يحدث في المنطقة العربية هو تحت تأثير نظرية الدومينو، ورغم ما وجه من انتقادات للنظرية في بدايتها، من أنها لا تهتم بالطبيعة الاجتماعية الموجودة في كل دولة، وكذلك مستواها الحضاري والثقافي، إلا أن النظرية صحيحة بشكل ما، فعلى الرغم من نجاح الثورة التونسية مع وجود نظام قمعي بوليسي، ساعد ذلك المصريين في كسر كل الحواجز النفسية وأهمها كسر حاجز الخوف، الذي جعلهم يدركون أن على الرغم من قوة النظام المستبد يمكنهم بكل سهولة إسقاط هذا النظام، ولكن لن يحدث ذلك إلا بالإصرار والإرادة القوية.
حجج تعارض صحة نظرية الدومينو
يُعد فشل التمدد الشيوعي السوفيتي في جنوب شرق آسيا أحد الحجج ضد صحة نظرية الدومينو ، وكذلك يرى بعض المحللين أن النظرية لا تستطيع تحديد طبيعة الصراع في الحروب كالحرب الفيتنامية، حيث كان هدف القائد الشمالي هوشي منه هو الاستقلال وليس مد سيطرة الشيوعية في المنطقة بافتراض كونه شيوعي تابع للصين والاتحاد السوفيتي.
ودليل آخر يلوح به مناهضي النظرية، هو الصراع بين الدول الشيوعية، ومثال على ذلك، الصراع بين الصين والاتحاد السوفيتي في خمسينيات القرن الماضي، وكذلك الحرب بين النظامين الفيتنامي والكمبودي بعد المجازر التي قام بها الكمبوديين في حق الفلاحين الفيتناميين، وانتهت الحرب بفرض سيطرة النظام الفيتنامي على كمبوديا، وفي عام 1979، وقفت الصين في مواجهة فيتنام في الحرب الصينية الفيتنامية.
ويرى المعارضون كذلك أن نظرية الدومينو لم يكن لها أي تأثير بخصوص تمدد النظام الشيوعي في الهند الصينية، حيث أن اعتماد لاووس وكمبوديا النظام الشيوعي جاء أثر الحرب الفيتنامية والتي امتدت حتى حدود هذه البلاد، ومع دخول فيتنام هذه البلاد زادت أطماعها السياسية، وبدأت في تشكيل أحزاب شيوعية في البلاد، ولضعف الجيش في لاووس لم تستطع الحكومة الدفاع عن البلاد، وفي كمبوديا كان هناك أسباب أخرى معقدة أدت في النهاية لدخول البلاد في حرب مع فيتنام.
أدلة تؤكد على صحة نظرية الدومينو
على الرغم من المحاولات الأمريكية، إلا أن نظرية الدومينو تحققت بشكل كامل في الهند الصينية، ومع سقوط فيتنام الجنوبية والاتحاد مع الإقليم الشمالي مرة أخرى تحت راية الحزب الشيوعي، اعتمدت أنظمة دول أخرى مجاورة كلاووس وكمبوديا النظام الشيوعي، وعلى الرغم من فشل الحملات الشيوعية في دول جنوب شرق آسيا، مثل إندونيسيا التي تم الإطاحة بالشيوعيين فيها عام 1967.
وأدت هذه الضربة التي تمت على أيدي فرق الموت الإندونيسية المدعومة من وكالة المخابرات من توقف مد النظام الشيوعي في هذه المنطقة، وعلى الرغم من ذلك يعتقد أنصار نظرية الدومينو أن ما حدث في من جهود لإيقاف سيطرة الشيوعيين على الأنظمة في آسيا أدي إلى انهيار الاتحاد السوفيتي وبذلك نهاية الحرب الباردة، ويرى أيضًا أنصار النظرية أن الأنظمة الشيوعية كانت تقدم المساعدات للأنظمة المجاورة التي تمر بأحداث وثورات، فعلى سبيل المثال، كان الاتحاد السوفيتي والصين يقدمون الإمدادات العسكرية لفيتنام الشمالية أثناء الحرب، وقام الاتحاد السوفيتي كذلك بمساعدة النظام الإندونيسي أثناء الحرب الأهلية التي قامت في البلاد عام 1958 بإرسال المساعدات العسكرية وخبراء الحرب، وهذا ما يؤكد لأنصارِ النظرية مصداقيتها.
أضف تعليق