إن التطور الحاصل في المجتمعات الحالية أدى إلى تغيير كل مفاهيم مهنة التدريس التقليدية، فقد أضحت متطلبات العصر تحتاج إلى توصيف مهنة التدريس بأشكال وصور متعددة، حيث أصبحت تلك المهنة من الضخامة والاتساع بالشكل الذي تحولت معه من مجرد نقل العلوم إلى مهمات وعمليات أكثر تعقيدًا تهدف في النهاية إلى تحقيق النمو الشامل المتكامل للمتعلم، والذي يتبعه بالضرورة النمو الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع.
استكشف هذه المقالة
تعريف مهنة التدريس
تعريف مهنة التدريس وفق الإطار التقليدي القديم لم يخرج عن أنها ما يقوم به المعلم من نشاط بهدف نقل المعارف إلى عقول التلاميذ. والواضح من صياغة التعريف السابقة أن دور المعلم إيجابي، بينما دور التلميذ سلبي في معظم الأحيان، فالتلميذ هنا لا يوجه الأسئلة، لا يُبدي رأيًا. كما يشير التعريف التقليدي إلى أن المعلم هو المصدر الوحيد للمعرفة بالنسبة للتلميذ، وهذا لا يمكن تحقيقه أو القول بصحته في ظل الانفتاح التكنولوجي الحالي.
تبعًا لهذه المفاهيم السلبية والغير واقعية لتقليدية تعريف مهنة التدريس نُحِّيّ هذا التعريف جانبًا وظهر بديلًا عنه تعريف جديد أكثر معاصرة وواقعية. حيث قيل في التعريف المعاصر لمهنة التدريس بأنها علمًا تطبيقيًا انتقائيًا متطورًا، وأنها عملية تربوية هادفة وشاملة، تأخذ في الاعتبار كافة العوامل المكونة لعمليتي التعليم والتعلم. ويظهر من تلك الصياغة الجديدة مدى التعاون بين المعلم والتلاميذ من ناحية، وبينهما وبين الإدارة المدرسية وغرف التدريس والأسرة والمجتمع من ناحية أخرى، وذلك لتحقيق الأهداف التربوية.
كما يظهر أيضًا أن مهنة التدريس قد تحولت إلى عملية تفاعل اجتماعي، وسيلتها الفكر والحواس والعاطفة واللغة، وأهدافها النمو الشامل للمجتمع. وبذلك لم يعد التلميذ سلبيًا كما السابق، فقد أصبح الآن يذهب إلى المدرسة مزودًا بخبرات عديدة من مصادر شتى، ومن ثَم يحمل معه التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات، وبالتالي سيكتسب بجانب إجابات أسئلته عدة مهارات أخرى منها القراءة والاستماع والنقد وإصدار الأحكام.
العوامل الحاكمة لنجاح مهنة التدريس
وفق التعريف الجديد للمهنة نكتشف أن نجاحها ونجاح من يمتهنها في تحقيق أهدافها يتوقف على عدة عوامل هي: درجة إعداد المعلم، طرق تنشئة وتربية التلاميذ، الأهداف المرجو تحقيقها من التدريس، الزمن المتاح للتدريس، المكان المخصص للدرس، وسائل وطرق التدريس التي يستخدمها المعلم، العلاقة بين المدرسة والبيت، المحيط الاجتماعي للتلميذ.
أهمية مهنة التدريس
تنبع أهمية مهنة التدريس من كونها أشرف المهن التي يؤديها الإنسان، وكذلك لكون المعلم يترك آثارًا علمية ونفسية وأخلاقية واضحة على تلاميذه، وهي ما ستنعكس على المجتمع كله لا محالة.
الأهمية الثانية تأتي من أن مهنة التدريس هي الأساس الأسبق والقواعد الراسخة التي تُبنى عليها المهن الأخرى، فالطبيب والمهندس والمحامي والمحاسب والصيدلي وغيرهم لا بد وأن يقوم بتعليمهم شخص المدرس، أي أن ما وصلوا إليه من تميز وتفوق إنما هو نتاج عمل وجهد المعلم في مراحل التعليم المختلفة.
أما الأهمية الأعم والأشمل فهي استمرارية المعلم في التجديد والابتكار ليُوقع الأثر الظاهر للعيان من حيث إنارة عقول التلاميذ وتهذيب طباعهم، وكذلك توضيح الغامض وكشف الستار عن الخفي لديهم، مع الربط بين الماضي والحاضر، وذلك كله بهدف خلق الأمل واليقين في نفوس الأجيال الناشئة وتأهيلهم لبناء مجتمع ناجح.
المبادئ العامة لمهنة التدريس
التعريف المعاصر لمهنة التدريس جعل التربويون يُصيغون مجموعة من المبادئ العامة والركائز الأساسية التي تقوم عليها المهنة، وأبرز ركائز مهنة التدريس ما يلي:
- التلميذ محور العملية التعليمية والتربوية، وليس المعلم أو المنهج أو المجتمع.
- اختلاف الأساليب المستخدمة في مهنة التدريس باختلاف حالة التلاميذ الإدراكية والعاطفية والجسمية.
- مهنة التدريس يسعى القائمون بها إلى تطوير كل القوى الإدراكية والعاطفية والجسمية والحركية للتلاميذ بصيغ متوازنة.
- التدريس المعاصر يسعى إلى تأهيل التلاميذ للحاضر والمستقبل.
- مهنة التدريس أصبحت تقوم على نظريات علمية مدروسة تشمل تحليل سمات التلاميذ وقدراتهم، ثم تطوير الخطط والأنشطة والمواد التعليمية لتتناسب مع هذه الخصائص والقدرات.
- يتولى المعلم وفق مبادئ مهنة التدريس صقل وتعديل وتطوير مدارك ومعارف وآمال وطموحات التلاميذ.
- مهنة التدريس عملية إيجابية مفادها إشباع رغبات التلاميذ وتحقيق طموحاتهم، وليس كما الماضي معاقبتهم نفسيًا أو جسديًا أو تربويًا بالفشل والرسوب.
ما مزايا مهنة التدريس؟
رغم ما تحمله مهنة التدريس في طياتها من إجهاد، ضغط نفسي، مجهود بدني كبير، وهي المساوئ التي تدفع عددًا كبيرًا من الأشخاص إلى تجنب تلك المهنة والخوف منها، إلا أنها تحتفظ بمجموعة كبيرة من المزايا التي تجعل منها أكثر المهن شغفًا وأفضلية على الإطلاق. ولا نُنكر أن العديد من النشرات والدوريات العلمية والتربوية وحتى المجلات غير المتخصصة نشرت مئات المزايا عن مهنة التدريس، بل وقسموها عند النشر ما بين مزايا مادية من خلال المقارنة بين رواتب المعلمين ورواتب المهن الأخرى في عدة دول، وما بين مزايا مجتمعية، ومزايا شرفية… إلخ، إلا أن ما يهمنا هنا هو توضيح لبعض المزايا المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمعلم والتلميذ.
ومن أبرز عشرة مزايا تجعل مهنة التدريس هي الأفضل مهما اختلف المكان أو الزمان ما يلي:
المعلم شخصية مؤثرة في حياة طلابه
لا يمكن لأي أحد بمن فيهم المعلمين أنفسهم تخيل عدد الطلاب الذين تأثروا بكلام المعلم، بل إن بعض التلاميذ يجعلون تعبيرات المعلمين شعارًا لهم في حياتهم، بل وينقلونها إلى أولادهم وأحفادهم، والأمر منوط فقط بمدى حب التلميذ لمعلمه.
المعلم دائمًا مستعد لاكتساب المهارات الجديدة
قد يكون أصل المادة التي يقوم بتدريسها لا جديد فيه، لكن المعلم المتميز يسعى إلى تعلم دقائق وتفاصيل المواد والأنشطة البرمجية والتعليمية الأخرى.
المعلم متجدد دائمًا
حياة المعلم المهنية لا يشوبها الملل أبدًا، فكل يوم عمل لديه يحمل أحداثًا ومواقف جديدة ومختلفة عن اليوم الذي سبقه.
المعلم في شباب دائم
قضاء معظم الوقت مع التلاميذ وخصوصًا الأطفال منهم لا يجعل المعلم يشعر بكبر سنه.
المعلم دائمًا يوصف بأنه قدوة
طالما امتهن شخص مهنة التدريس يُجلَّه الجميع ويسعون إلى أخذ نصائحه وخصوصًا التربوية.
مهنة التدريس فرصة لتنمية العلاقات الإيجابية
حيث أن طبيعة المهنة تفرض على المعلم وجود علاقات اجتماعية سواءً مع الطلاب أو عائلاتهم، فضلًا عن العلاقات مع زملاء المهنة.
مهنة التدريس كرة بينج بونج
فالمعلم لا ينقل المعارف إلى تلاميذه وكفى، بل إنه يكتسب من التعامل معهم كم هائل من الصفات وطرائق الممارسات، أي أن كلا الطرفين يُعلم الآخر بشكل ما.
نجاح الطلاب متعة
رؤية أحد الطلاب ينجح ويرتقي في مهنته ومجتمعه يضفي نوعًا من الاستمتاع للمعلم كونه جزء من هذا التفوق.
الفخر
تعلق الطلاب بالمعلم مدعاة للفخر والاعتزاز.
المرتبط بمهنة التدريس لا يتخلى عنها أبدًا
ممارسة مهنة التدريس لفترة زمنية وإن كانت قصيرة تخلق شعورًا وجدانيًا بالارتباط بها وعدم تغييرها.
إلى هُنا عزيزي القارئ نكون قد أوضحن بشكل مفصل وشامل تعريف مهنة التدريس وفق الإطار التقليدي القديم والحديث، العوامل الحاكمة لنجاح تلك المهنة مع توضيح لمزاياها وعيوبها.