جاءت فكرة إنشاء منظمة التعاون الإسلامي بعدما تم حرق المسجد الأقصى من قبل الكيان الصهيوني، فقد اجتمعت العديد من الدول العربية والإسلامية في محاولة منها لصد مثل هذه التعديات، فالمسجد الأقصى كما نعلم هو أولى القبلتين وثالث الحرمين وله مكانة كبيرة جدًا في نفوس المسلمين كلهم وليس الشعب الفلسطيني فقط، ولذا كان لزامًا على المسلمين بشكل عام حماية مقدساتهم كلها فتوصلوا إلى عقد اجتماع لهم في المملكة المغربية ليتناقشوا فيه الأزمة الراهنة في العالم الإسلامي، ولكن لم يسفر هذا الاجتماع الأول عن تأسيس منظمة أو ما شابه فقد كان بمثابة اجتماع فقط، ولكن الاجتماع الثاني هو كان المعلن لإنشاء منظمة تحمل اسم التعاون الإسلامي هدفها الأول هو حماية المسجد الأقصى، وبالفعل تعاون المسلمون فيما بينهم حتى دخلوا حرب أكتوبر بعدها وتمكنوا من الانتصار فيها على الجيش الإسرائيلي، ولكنه لم يخرج من الأراضي الفلسطينية بسبب معاهدة السلام التي أوقفت إطلاق النيران قبل دخول المصريون إلى إسرائيل، عامة سنتناول هنا نشأة منظمة التعاون الإسلامي ومبادئها وأهدافها بشيء من التفصيل، فتابعوا معنا.
استكشف هذه المقالة
نشأة منظمة التعاون الإسلامي
في الواحد والعشرين من أغسطس عام 1969 حاولت إسرائيل أن تحرق المسجد الأقصى الذي يمثل قيمة كبيرة للشعب الفلسطيني والعربي بأسره، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ولذا كانت هذه الحادثة هي المحرك الأول لإنشاء منظمة التعاون الإسلامي، فبعد أن تم السيطرة على مجريات الأمور بالقدس قام المسلمون بعقد اجتماع لهم في الخامس والعشرين من سبتمبر نفس العام بمدينة الرباط عاصمة المملكة المغربية، وتباحثوا فيما بينهم عن كيفية حماية الأقصى الشريف وردع أي محاول للاعتداء على المسلمين في جميع بلدان العالم، وبذلك يكون الهدف الرئيسي للمؤتمر هو الدفاع عن الأقصى والقدس وفلسطين بأكملها.
وبعد مرور خمسة أشهر تقريبًا قام وزراء خارجية البلدان العربية بالاجتماع في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وأسفر هذا الاجتماع عن تأسيس منظمة التعاون الإسلامي بشكل رسمي وإنشاء أمانة عامة لهم، وتم تعيين أمين عام للمنظمة وهو تونكو عبد الرحمن الماليزي واختيار مدينة جدة السعودية كمقر مؤقت للمنظمة حتى تتحرر فلسطين وتصبح القدس هي المقر الدائم لها، وقد حدث كل ذلك في الاجتماع الثاني للمنظمة في شهر مارس عام 1970، وبعدها لم تجتمع المنظمة إلا عام 1972 وتحديدًا بشهر فبراير وتم وضع دستور المنظمة الذي سيتم السير عليه.
مبادئ منظمة التعاون الإسلامي
توجد بعض المبادئ التي أقرتها منظمة التعاون الإسلامي للسير عليها حتى تكون الأمور واضحة وعلى رؤية تامة من قبل الجميع، وأولى هذه المبادئ وأكثرها أهمية هي المساواة بين جميع أعضاء المنظمة بشكل تام وبدون أي تفريق بين دولة وأخرى، فكل الأعضاء سواسية ولا فرق بينهم سواء عضو جديد أو مؤسس كلًا له نفس الحقوق، بعد ذلك لدينا احترام جميع الدول من حيث استقلالهم وسيادتهم ووحدة أراضيهم، فلا يحق لأحد أن يتدخل في تلك النقطة ولا أن يقترح أي شيء يتعلق بضم دولة لأخرى من الناحية الجغرافية، ولدينا أيضًا من مبادئ منظمة التعاون الإسلامي عدم تهديد أو استخدام القوة تجاه أي دولة عضو في المنظمة لأي شكل من الأشكال، ويتوجب الرجوع إلى المنظمة لعقد اجتماع يحل مثل هذه الأمور الخطيرة.
وأيضًا عدم تدخل أي دولة في الشئون الداخلية لأي دولة أخرى مهما كانت، مع منح كل دولة حق تقرير المصير ويجب على الجميع احترام هذا الحق الشرعي لها، وأخيرًا عند نشوب أي نزاع بين دولتين من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي فيتوجب عليهم العودة إلى المنظمة لمناقشة مشكلتهم، والوصول إلى حل لها حتى لا تتفاقم وتصل إلى استخدام قوة السلاح، فالتفاوض والوساطة بين أعضاء المنظمة الإسلامية هي من الأمور التي يجب وضعها في حسبان كل عضو بها.
أهداف منظمة التعاون الإسلامي
تحدثنا فيما سبق عن الهدف الأساسي من إنشاء منظمة التعاون الإسلامي وهو لنصرة المسجد الأقصى والقدس وحماية حقوق المسلمين ومقدساتهم، وذلك لما حدث من انتهاكات عديدة بشأن المسلمين اختتمت بحريق المسجد الأقصى في عام 1969، ولكن بعدما تطورت المنظمة وانتهت أزمة القدس أو هدأت الأمور بعض الشيء كان لابد من وجود بعض الأهداف الأخرى التي ستعمل المنظمة من أجلها، فوضعت الأهداف في الاجتماع الثابت لمنظمة التعاون الإسلامي عان 1972 حيث وصع الدستور، وأولى أهداف المنظمة هي القضاء على العنصرية بجميع أشكالها وذلك سيرًا على منهاج النبي ص إذ قال “لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى”، وأيضًا زيادة التضامن والتعاون الإسلامي بين جميع بلدان العالم الإسلامي المنضمين للمنظمة.
والحرص على التعاون التام بين جميع أعضاء المنظمة في شتى المجالات مثل الاقتصاد والصناعة والسياسة والتعليم والثقافة، والحرص على حماية المسجد الأقصى وجميع المقدسات الإسلامية على حد سواء، ودعم الشعب الفلسطيني ومساندته بكل ما تملك المنظمة حتى يستعيد حريته ويخرج المحتل من أراضيه، وأيضًا دعم ومساندة جميع الشعوب الإسلامية لحفظ كرامتها والحفاظ على استقلالها، وأخيرًا تهيئة الجو المناسب لتعزيز التعاون الشامل بين جميع الدول الأعضاء، هده تعد أهم الأهداف التي وضعت في دستور المنظمة بعد انعقاد الجلسة الثالثة له.
تقسيمات المنظمة الإدارية
قسمت منظمة التعاون الإسلامي إلى ثلاثة أقسام إدارية يعقد كل قسم منهم اجتماعه فيما بينه حتى تتحقق جميع أهداف المنظمة بلا استثناء، وكان القسم الأول هو للسلطة العليا في جميع أعضاء المنظمة حيث كان يجمع في جلسته رؤساء الدول وملوكها، وقد كان يجتمع هذا القسم مرة واحدة كل ثلاثة أعوام يتم فيها وضع السياسة التي ستسير عليها المنظمة في الثلاثة أعوام القادمة، بعد ذلك لدينا القسم الثاني وهو الذي يجمع وزراء خارجية جميع الدول الأعضاء بلا استثناء، ويعقد اجتماع هذا المجلس مرة واحدة كل عام للبحث في آخر المستجدات ومعرفة مدى سير وتقدم الدول في تنفيذ ما تم وضعه من قبل رؤساء الدول والملوك.
أما عن القسم الثالث فهو من نصيب الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي والتي تجتمع برفقة جهاز المنظمة التنفيذي، ودورهم هو متابعة سير الأمور وحث الدول التي تتخاذل على تنفيذ ما هو مطلوب منها على أكمل وجه، ومن الجدير بالذكر أن الأمين العام الحالي لمنظمة التعاون الإسلامي هو يوسف بن أحمد العثيمين من المملكة العربية السعودية.
لجان منظمة التعاون الإسلامي
يوجد لمنظمة التعاون الإسلامي أربعة لجان دائمة مع ثمانية أخرى فرعية فأما عن اللجان الدائمة فهي لجنة القدس التي تم تدشينها من قبل ملك المغرب، ولذا تعد مدينة الرباط المغربية هي مقر تلك اللجنة ومن الجدير بالذكر أن هذه اللجنة هي الأولى ضمن لجان المنظمة، بعد ذلك لدسنا لجنة التعاون التجاري والاقتصادي الشهيرة بكومسيك ومقرها الدائم في العاصمة التركية أنقرة، ولذلك فرئيس الجمهورية التركية هو رئيس تلك اللجنة، وتوجد أيضًا لجنة الإعلام والشئون الثقافية الشهيرة بكومياك، ومقر هذه اللجنة في مدينة داكار بدولة السنغال ولذلك فرئيس السنغال هو رئيس تلك اللجنة، واللجنة الدائمة الرابعة هي لجنة التعاون التقني والعلمي الشهيرة بكومستيك، ويقع مقر تلك اللجنة في دولة باكستان الإسلامية وتحديدًا بمدينة إسلام أباد، وبالطبع رئيسها هو رئيس جمهورية باكستان ذاتها.
بعد ذلك لدينا اللجان الغير دائمة أو الفرعية وهي عبارة عن ثمانية لجان لا يرأسهم الملوك والرؤساء مثل اللجان الدائمة، وهم كالآتي الجامعة الإسلامية في دولة النيجر، والجامعة الإسلامية للتقنية في دولة بنغلاديش، ومركز البحوث والإحصائيات في دولة تركيا، ومجمع الفقه الإسلامي في المملكة العربية السعودية، والجامعة الإسلامية في دولة أوغندا، والمركز الإسلامي لتنمية التجارة في المملكة المغربية، ومركز البحوث التاريخية والثقافة في دولة تركيا، وصندوق التضامن الإسلامي في المملكة العربية السعودية.
الدول الأعضاء في المنظمة
تضم منظمة التعاون الإسلامي سبعة وخمسين دول أعضاء في مجلسها وهم متوزعون في قارة آسيا وإفريقيا وجزء من قارة أوروبا، وأشهر الدول الأعضاء بها أو المؤسسين لها هم أفغانستان، ومصر، والمملكة المغربية، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، والجزائر، وغينيا، وتشاد، وماليزيا، ولبنان، والمملكة الأردنية الهاشمية، والإمارات العربية المتحدة، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإندونيسيا، وتونس، ومالي، والسنغال، والكويت، وليبيا، وباكستان، وموريتانيا، وفلسطين، واليمن، والسودان، هذه تعد الدول المؤسسة لمنظمة التعاون الإسلامي وقد انضمت جميعها في العام التاسع والستين من القرن العشرين، وهو العام الذي تأسست فيه المنظمة بعد حريق المسجد الأقصى مباشرة، ويوجد العديد من الدول الأخرى التي انضمت للمنظمة فيما بعد حتى وصل مجموعها إلى سبعة وخمسين عضو.
ومن الجدير بالذكر أن كل أعضاءها يمتلكون أغلبية مسلمة في أراضيهم ولذا فالمنظمة هي الأكبر بالعالم من حيث المجال الديني، والثاني بالعالم بعد الأمم المتحدة من حيث التكتل الدولي بها، ويوجد في المنظمة خمسة دول هم أعضاء مراقبين لها فقط وهم روسيا، والبوسنة والهرسك، وتايلاند، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وقبرص الشمالية، وفي الأخير لا ننسى أن نذكر محاولة بعض الدول للانضمام إلى منظمة التعاون الإسلامي مثل دولة الهند، ودولة الفلبين، ولكن هذه المحاولات رفضت بسبب عدم توافق شروط الانضمام إلى المنظمة لديهم، وهذه الشروط هي أن تكون الدولة المتقدمة تعتنق الدين الإسلامي بأغلبية، وأن تكون دولة معترف بها من الأساس.