مظاهرات الاحتجاج هي المتنفس لكل المواطنين للتعبير عن أراؤهم وإبراز غضبهم على ما لا يروقهم من أوضاع لتصحيحها، وتحسين مستوى ما يقدم لهم من خدمات وحقوق، ومؤخرا انتشرت تلك الحركات الاحتجاجية بكثرة حتى أصبحت ثقافة عامة ذات إقبال جماهيري و وسيلة شائعة لنيل الحقوق الفئوية والعمالية والسياسية، وهو مالا يعد نقمة في حد ذاته، إنما تكمن بعض الإشكالات في عدم التزام القانون والقواعد العامة التي تضعها الدول المنظمة قانونيا ل مظاهرات الاحتجاج تلك بالإضافة إلى الوقفات والاعتصامات الملازمة لها. وقد لمسنا خلال ثورة 25 يناير سنة 2011 من الشعب المصري توفيق كبير في تنظيم وتسيير مسيرات احتجاجية ضمت عشرات وربما مئات الآلاف من المواطنين، من الحفاظ على ميادين محددة للتظاهر حتى تعمد تنظيف وترتيب وإعادة الميدان لحالته الأولى قبل الرحيل في الثاني عشر من فبراير، وكانت تلك بادرة راقية تحمل وجه شبه بين مصر ودول أخرى متقدمة في رقي احتجاجاتها.
ما تحتاج إلى معرفته بشأن مظاهرات الاحتجاج
القواعد المنظمة ل مظاهرات الاحتجاج والهدف منها
يكمن الهدف الأساسي والأهم من الالتزام بقواعد الاحتجاجات والقوانين المنظمة لها في الحفاظ على أرواح المشاركين في تلك المظاهرات الاحتجاجية، فلا يصح أن يتعرض أحدهم لأذى لسوء التنظيم أو التدافع بين الجموع الوافدة والمتظاهرة في المكان، في حين يكون الهدف من تلك التظاهرات هو الحصول على حقوق أولئك المتظاهرين في المقام الأول، كما أن الصورة التي تقدمها أعمال التظاهر التي تنقل تلفزيونيا خلال وسائل إعلام محلية ودولية تعد نسخة كربونية من مستوى ثقافة وتحضر الشعوب لذا فمن المهم جدا بالنسبة للدول أن تحافظ على تلك الصورة الراقية في الخارج، و خاصة في الدول التي تعتمد على السياحة كمصدر أساسي للدخل. والتظاهرات المنظمة السلمية البعيدة عن العنف والتخريب تمنح زوار البلد الإحساس بالأمان مهما كانت الأوضاع والأزمات السياسية التي تمر بها.
ويعد العامل الأمني عاملا مهما في تنظيم تلك التظاهرات، فمن المهم أن تتحلى مظاهرات الاحتجاج بطابع السلمية من طرفي الأمن المنظم والمتظاهرين كي لا تحدث خسائر مادية وعينية للمواطنين والسكان القريبين الذين لا ينتمون لتلك الاحتجاجات.
مظاهرات الاحتجاج وأنواعها
تتنوع الاحتجاجات السياسية والاقتصادية تنوع شتى، وتختلف الأساليب التي يبرز بها المواطنين اعتراضهم على الأوضاع، وتدخل جميعا فيما يسمى بثقافة الاحتجاج الشعبي.
- التظاهرات: وهي أبرز وسائل الاعتراض المنتشرة في العالم وفيها يتجمع المواطنين تجمعات سلمية بأعداد غفيرة تجمعهم شعارات واحدة ومطالب ثابتة توجه للسلطات المسؤولة في البلد، إما لتغيير أمر سياسي أو وضع اجتماعي أو للمطالبة بحقوق سياسية واقتصادية واجتماعية. وتشمل تلك التظاهرات نوعين; هما المسيرات والتجمعات في الميادين.
- الاعتصامات: والاعتصام يعني التجمع لفترات طويلة غير محددة أو محددة المدة في أماكن العمل للمطالبة بحقوق عمالية أو في ميادين وأماكن عامة إذا ما كانت المطالب سياسية واقتصادية ونحوها، وتمتد فترة الاعتصامات لأيام على خلاف التظاهرات التي تستمر عدة ساعات في الغالب، وقد يرفع المعتصمين سقف الاعتصامات فيلجئوا للامتناع عن الطعام والشراب في محاولة سلمية للضغط والحصول على مطالبهم.
- العصيان المدني: ويعتبر العصيان المدني الخطوة الأخيرة في سلم مظاهرات الاحتجاج السلمي، حيث يمتنع الناس عن العمل والمشاركة في أي نشاط عام، بل حتى يلجئون للامتناع عن النزول للشارع بما يبرز اعتراضهم على الأوضاع العامة.
قواعد حفظ الأمن خلال مظاهرات الاحتجاج
تنظيم مظاهرات الاحتجاج الحضارية يوجب على المتظاهرين إخطار الجهات التنفيذية بمواعيد للتجمعات وأماكنها ومدة المشاركة بها، على أن تلتزم قوات الأمن في المقابل بحماية أولئك المتظاهرين من المخربين والمفسدين كي تخرج التظاهرة بشكل راقي. كما يجب على المنظمين تلافي استحداث اشتباكات أو تدخلات غير مرغوبة أو ضرورية مع قوات الأمن قدر الإمكان، وعلى الطرفين ضبط النفس إلى الحد الأقصى لأن المتظاهرين دائما ما يلازمهم عدم الرضى والنقمة على الأوضاع والإحساس الداخلي بالظلم بما يحرك فيهم ردود فعل غاضبة في كثير من الأحيان.
يجب أيضا على المتظاهرين التزام الأماكن المحددة للتظاهر وعدم الخروج عنها والسعي قدر الإمكان تلافي الأماكن المحورية التي تعج بالسكان أو تشكل نقاط مرور أساسية بين أطراف المدينة محل التظاهر، وعدم تعطيل السير، وعليهم تقديم الاحترام المناسب لسكان المناطق محل التظاهر والذين قد يشعروا بالتضرر من التظاهرات. وعلى المنظمين محاولة تقليل قدر الضرر الواقع على سكان تلك المناطق قدر الممكن.
على المتظاهرين الوضوح قدر الإمكان بخصوص مواعيد مظاهرات الاحتجاج المرتقبة ونيتهم للتظاهر كي يتسنى لغيرهم من المواطنين معرفة الأوقات التي ستعود بها حركة السير لسيرتها الأولى لإنجاز أعمالهم واستكمال حياتهم بشكل طبيعي بعقب انتهاء التظاهر، وعليهم أيضا الوضوح بشان نيتهم للاعتصام من عدمه.
ومهم أن يعي المتظاهرين ضرورة التجمع في أماكن عامة لا يتحقق بها التعدي على ملكيات خاصة، وعليهم كذلك الحفاظ على ملكيات نظرائهم من المواطنين قاطني المنطقة التي تحوي التظاهرة القائمة. ويقع على كاهل منظمي الاحتجاج مسؤولية تأمين الاحتجاج بما يضمن عدم تواجد دخلاء أو مخربين يسعون لإلغاء الطابع السلمي للتظاهر وافتعال المشكلات حتى وإن اندفع العض في سبيل ذلك بدافع الغضب لا بدافع المؤامرة. وفي هذا يقع أيضا عليهم مسؤولية تأمين حياة المشاركين في التظاهرة مع قوات الأمن.
التعامل الأمني مع مظاهرات الاحتجاج
إن قوات الأمن هي قوات أمن الشعب أولا وأخيرا، ولها ما لهم من حقوق، وتنص القواعد القانونية الحديثة أن حقوق فرد من الشعب تساوي حقوق كل الشعب، لذا فما للمتظاهرين من مطالب وحقوق عامة يجب أن يشعر الأمن بمسؤوليته وفخره في تأمين المطالبة بها والاحتجاج في طريق تحقيقها والحصول عليها. وهنا –بما أننا نتناول جهة قانونية- علينا أن نبرز القواعد القانونية العامة التي أقرتها الهيئات الدولية المختصة بتنظيم التظاهرات كما أبرزنا القواعد الحضارية التي يجب أن يتحلى بها المتظاهرين والمنظمين في مظاهرات الاحتجاج.
الكثير من الأحداث المؤسفة تحدث في التظاهرات من شرق العالم إلى غربه، لكن الأمم المتحدة قد وضعت القواعد القانونية العامة واضحة لكل رجل أمن شريف للالتزام بها ومنها:
- أن حق التظاهر السلمي والتجمع مكفول وعلى الأمن عدم استخدام القوة إلا في حالات الضرورة القصوى لحماية نفسه وحماية المتظاهرين السلميين فقط.
- وتكون تلك القوة متناسبة مع الهدف المشروع المراد تحقيقه وكذا مع خطورة الجريمة التي يواجهها. أيضا من المهم أن تتناسب تلك القوة مع القوانين المحلية والمبادئ الدولية، فلا يستخدم السلاح إلا في الوقت الذي تصبح فيه غيره من وسائل القوة غير فعالة بشكل كامل عند تعرض حياته هو نفسه للخطر الوشيك بالموت، ويكون الاستعمال أيضا في الحدود اللازمة. ويكون السلاح المستخدم في تلك الحالات هو الخرطوش والمطاط ليس السلاح الناري، وحتى عند استخدام مثل تلك الأسلحة في تلك الحالات يجب على فرد الأمن تقليل الخسائر قدر الإمكان وتجنيب من لا ذنب لهم الخطر.
- يجب على قوات الأمن عدم استخدام القوة لفض مظاهرات الاحتجاج السلمية الغير قانونية، وعند استخدامها لظرف طرأ يجب أن تكون القوة في الحدود الدنيا لها.
- أي أن على الأمن ورؤسائه التفاوض أولا مع المتظاهرين، وعند استخدام القوة يجب إخطار المنظمين للتظاهرة أولا بنية استخدامها ويكون ذلك عبر وسائل أقل خطرا مثل الغازات المسيلة للدموع. ويعتبر استخدام الأسلحة النارية لفض مثل تلك التظاهرات السلمية أمر غير قانوني إطلاقا.
- عند قيام بعض الدخلاء المخربين من المدنيين الآخرين باستخدام العنف ضد المشاركين في مظاهرات الاحتجاج يجب على قوات الأمن الإمساك بالمخربين ومرتكبي الجرائم لمنع ارتكاب المزيد من العنف، وفي كل الأحوال لا يجب على الأمن تجاوز دوره بإلقاء القبض على المدنيين المعتدين دون اتخاذ أي إجراءات عقابية ضد الجناة، لأن هذا من تخصص السلطة القضاء.
- نفس الأمر ينطبق على أمر التعدي على ملكيات خاصة أو عامة، فيجب على الأمن استخدام القوة في حدودها الدنيا وأن يقصر نشاطه على الإمساك بالمخربين المعتدين دون إي عقاب يطالهم، ولا يبرر للأمن استخدام القوة النارية وجود تخريب أو تهجم على الممتلكات.
كانت تلك الخطوط العامة التي تجبر الملتزمين بها من المتظاهرين والأمن على مسلك حضاري في التظاهرات تخرجها بالصورة اللائقة ببلد متحضرة وشعب متحضر، وفي النهاية فإن الحق والمطالبة به يحده حق الغير، وأن الواجب والالتزام به يحده واجب الأمن لحماية المتظاهرين والغير متظاهرين على السواء.
أضف تعليق