تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » تفاعل اجتماعي » محاورة الآخر : كيف تحاور شخصًا مختلفًا عنك ؟

محاورة الآخر : كيف تحاور شخصًا مختلفًا عنك ؟

آداب وأساليب محاورة الآخر يجب ان تكون جزء منك لأن اختلاف الآراء هو طبيعة البشر، ولولا اختلافها لما كان العالم بشكله المعتاد. تعلم كيف يمكنك محاورة الآخر

محاورة الآخر

محاورة الآخر من الأمور التي تدل على المدنية والتحضر وصول البشرية إلى أعلى درجات الرقي الإنساني، حيث من الظواهر الصحية في المجتمع هو اختلاف الآراء، فالناس ليسو نسخًا من بعضهم، بل كل شخص له تجاربه وخبراته والمواقف التي مر بها في حياته الشخصية ومصادر الوعي والمعرفة التي تزود منها بقدرته على إدراك الأمور، ومع تنوع مصادر الوعي والمعرفة هذه، واختلاف تجارب وحياة كل شخص عن الآخر لابد وأن ينشئ هذا أيضًا اختلافًا في الآراء، وبحكم احتكاك الناس يوميًا واضطرارهم إلى التعامل مع بعضهم بعضًا، والعمل مع بعضهم بعضًا، واحتياجهم أيضًا إلى مناقشة أفكارهم ومناظرتها واستعراض تباين الرؤى وتباعد أو تقارب وجهات النظر، وتكليلاً لهذه الظاهرة الصحية في المجتمعات وهو تنوع الآراء فمن ثمَّ لابد أن يكون هناك حوارًا بين هؤلاء الأفراد ذوي الرؤى المختلفة، لذلك كان ولابد من آداب وقواعد لمحاورة الآخر.

آداب وأساليب محاورة الآخر

التجرد

من آداب محاورة الآخر ومناقشته هو التجرد، فأنت دائمًا لديك فكرة أو حزمة من الأفكار وتود التعبير عن هذه الأفكار ومقارنتها بأفكار أخرى لدى شخص آخر يمتلك رؤية مغايرة لك، لكنك لا تريد أن تضيف مجدًا شخصيًا لك ولا أن تشعر بالزهو والانتصار، بل أن تصل للحقيقة واستيضاح الجانب الصواب لكي تقف بجواره، لا الانتصار لفكرتك أو حبًا للظهور.

استعدادك للاعتراف بالخطأ

هذه النقطة شديدة الأهمية حيث يسعى الناس دائمًا إلى إظهار أنفسهم على صواب حتى وإن تبينوا عكس ذلك وكذلك يسعون إلى تبرير أقوالهم وأفعالهم باستمرار، لذلك ضع في حسبانك أنك من الممكن أن تكون على خطأ، ويجب أن تكون مستعدًا للاعتراف بذلك متى تبين لك ذلك.

العثور على نقطة انطلاق

اختلاف المعايير بين كلا المتناقشين هو ما يؤدي إلى الجدال العقيم، لذلك أولاً لابد من توضيح المعايير والأسس التي تجري على أساسها المناقشة والتي لابد وستنتج نقطة اتفاق واحدة على الأقل ثم الانطلاق منها، فوجود أرضية ثابتة يقف عليها كلا المتناقشين هي ما يجعل النقاش يصل إلى تقريب لوجهات النظر أو وجود نقاط اتفاق أخرى، فمثلاً لابد أن يكون الدافع إلى الحوار هو الوصول إلى المثل العليا الحق والخير والجمال ونصرة الحق والوقوف في وجه الظلم وتحري العدالة، أما إن كان هناك شخص لا يؤمن بمبادئك ولا بمعتقداتك من أساسه فلا داعي لإجراء النقاش لأن الأهداف هنا والأسس غير متوافقة وبذلك سقط الغرض من الحوار منذ بدايته.

احترامه

مهما كان حجم الاختلاف بينك وبين من أمامك فلابد أن تحترم شخصه وتسعى دومًا إلى إظهار توقيره وأنك لا تكن له أي كراهية أو بغضاء من أي نوع وأنك تتقبل اختلافه عنك بصدرٍ رحب وأنك لا تسعى لفرض ما تؤمن به عليه فرضًا، ولا محاولة إقناعه بمعتقدك فحسب، بل تحاول تقريب وجهات النظر وتوضيح الرؤى.

قد أكون على خطأ

من آداب محاورة الآخر دائمًا أن تضع احتمالية أنك قد تكون على خطأ، لذلك دائمًا لا تتحدث بصيغة اليقين المطلق والحقيقة المحسومة التي لا يخالطها الشك ولا يداخلها الريب ولا تشوبها شائبة، بل دائمًا تحدث بصيغة الظن، وبنبرة المتواضع.. فمثلاً: أكثر من قول: “أظن أن النقطة هذه فيها كذا وكذا، لا أدري ولكن ربما لا يكون الأمر على هذا النحو.” مع إبراز دائمًا انك تنقل رأيك الشخصي وليس الكلام على إطلاقه، فمثلاً عليك الكلام بجمل مثل: “من وجهة نظري المتواضعة…، حسب رؤيتي المحدودة…، أرى ولا أجزم أنه كذا وكذا…” لأنك بذلك تتجنب الغرور والتعصب المذموم لآرائك والذي يجعل الجميع ينفر منك.

انفتح على الثقافات الأخرى

من آداب محاورة الآخر لا بد أن تعلم أنك مهما تعلمت وتثقفت فلا ينبغي الاكتفاء لما تعلمته أو عرفته، لذلك فالحوار هو أحد أهم مصادر إثراء معارفك وإضافة إلى رصيد ثقافتك، لذلك ينبغي عليك تفهم الآراء الأخرى وقبولها مهما كانت غريبة أو شاذة بالنسبة لك، ولا تتسرع في رفضها أو إعلان نفورك منها أو إظهار استغرابك لها، لأنه على الجانب الآخر الشخص الذي تحاوره هو أيضًا يرى أن رأيك غريب وشاذ، لذلك تقبلك لجميع الآراء وتفتُّح ذهنك لجميع الأفكار والرؤى هو ما يثري ثقافتك ويوسع مداركك وآفاقك.

الإصغاء والتفهم

من آداب محاورة الآخر أنه يجب عليك أن تعلم أنك لست الوحيد الذي يملك أفكارًا أو رؤى في العالم، وكما تريد أن يستمع الناس إلى عرضك لهذه الأفكار والرؤى والإصغاء إليك وأنت تقولها واحترامك أثناء إلقائها، فينبغي عليك أنت أيضًا الإصغاء إلى أفكار الآخرين والاستماع إليهم وعدم مقاطعتهم، واستيعاب الأفكار هذه وتفهمها، وعدم التسفيه أو التحقير من أي رأي مهما كان، بل يجب عليك دائمًا احترام كل الآراء والأفكار والاهتمام بها دون تجاهل شيء أو التقليل من شأن أحد.

ضع نفسك مكانه

من قواعد محاورة الآخر وأيضًا من علامات النضج لدى الشخص والاتزان هو وضع نفسك مكان من تحاوره وتفهم الظروف النفسية والاجتماعية التي جعلته يعتنق هذا الرأي أو يصدر هذه الفكرة ومن خلال هذا الإطار يمكنك الحكم بشكل أفضل وبزاوية رؤية أكثر اتساعًا عما يقال وإبداء رأي فيه، فدائمًا ما تكون الدوافع النفسية والاجتماعية ذات عامل كبير في تكوين الآراء والمعتقدات.

عدم التجريح والإهانة

هذه بالطبع ليست أثناء المحاورة فقط، بل ينبغي تطبيقها في شتى مناحي الحياة، لأن تعمد جرح شخص أو التسبب في إهانته بشكلٍ شخصي هو مذمة ما بعدها مذمة، ولا ينبغي على الإنسان أن يحمل هذه الصفة النابية بل ينبغي أن يحافظ على شعور الآخر ويحرص على ألا يغضبه ولا يهين كرامته ولا يجرح شعوره باللفظ ولا بالفعل ولا حتى بالتلميح، بل أن يتوخى دائمًا الحذر ويتعامل مع من أمامه باحترام وتقدير ومراعاة لأحاسيسه.

التعبير عن التقدير والاحترام

من آداب محاورة الآخر وأهم ما قد يزيل البغضاء والكراهية ويحل بدلاً منها المحبة والاحترام هو التعبير عن التقدير والإجلال للشخص الذي تحاوره، كأن تقول له: “أنا سعيد لأنني أناقشك” أو “رغم اختلافنا في الكثير من الآراء إلا أنك من أقرب الناس إلى قلبي” أو مثلاً: “اختلافي معك في وجهات النظر لا ينقص من حبي لك شيئًا” وغيرها من الكلمات التي تشعر الشخص بأهميته وباحترامه.

خاتمة

وأخيرًا فإن الهدف من المناقشات والحوار مع الآخر دائمًا ليس التناحر أو التضاد أو الحرص على الاختلاف أو التعصب لرأي أو لمعتقد أو لحزب أو لفكرة، بل لتقريب وجهات النظر واحتواء الخلافات بين البشر مع بعضهم بعضًا وقبول الرأي الآخر وتعزيز قيم التواصل بين الثقافات والآراء المختلفة، فربما يأتي يومًا ويحيا جميع من في الأرض بسلام واطمئنان دون خلافات أو كراهية.

محمد رشوان

أضف تعليق

اثنان × واحد =