كثير ما نسمع عن مصطلح ” ما وراء الطبيعة “، ولكن لا يعرف الكثيرون معناه، والبعض يذهب تفكيره إلى القصص الخيالية أو إلى عالم ديزني، وهل أصل هذا المصطلح علمي وله أصول مثل باقي العلوم الموجودة؟، فنحن الآن نتحدث عن موضوع ينجذب إليه كثير من الشباب لما فيه من الغرابة والتشويق والإثارة. فاستطاعت روايات ما وراء الطبيعة جعل جيل من الشباب يقرأ، كما أثّرت عليهم من الناحية الثقافية والإدراكية، وساعدت في حرية التخيّل وإعمال العقل. فمصطلح ما وراء الطبيعة أو “الميتافيزيقيا” في الأصل فرع من فروع الفلسفة، ويدرس الوجود وعلم الكون، أما بمعناها العامي أو بالمعنى الركيك في عصرنا هذا فهي الخرافات والمفاهيم غير التجريبية. فما رواء الطبيعة أو الميتافيزيقيا تشير إلى ماهية الأشياء، كماهية العقل، وماهية الوجود. ونشير في هذا الموضوع إلى تأثير روايات ما رواء الطبيعة على الشباب، وكم هي مهمة بالنسبة إليهم.
استكشف هذه المقالة
كيف جعلت روايات ما وراء الطبيعة جيلًا من الشباب يقرأ؟
يحب أي قارئ مُبتدأ وخصوصًا إذا كان من الشباب الاطّلاع على مواضيع شيّقة ومثيرة، فيبدأ بالبحث عن المواضيع الغريبة، فيجد أن هناك روايات مختلفة تروي قصصًا خيالية كالتي كان يسمعها من أحد الأبوين وهو صغير قبل النوم، ولكن هذه الروايات تسرد نوعًا آخر من القصص بطريقة الراوي المختلفة وطريقة سرد الحكاية، والحُبكة القصصية الموجودة من أول الرواية حتى آخرها، ولا سيّما أن الكاتب الذي يقرأ له يتحدّث عن صيته الشباب، فيبدأ كل منهم البدء بالقراءة، ثم تتوارد على ألسنة الشباب وهكذا، وهناك ما يميز هذه الروايات، فنجد أنها ألمّت بالمفردات اللغوية واللغة فيها فصيحة وسليمة، وستجد فيها سعة الخيال الذي سيأخذك إلى موقع آخر غير الذي تقيم فيه، واستطاعت روايات ما رواء الطبيعة مخاطبة القارئ بأسلوب سردي عادي قريب من الأفهام، وفي ثناياها ستجد كثير من المعلومات الصحيحة، والأماكن التي يشير إليها الكاتب موجودة بالفعل، كما تستطيع عند القراءة أن تميز بين ما هو أسطوري مقبول وساذج، كما أنها لا تمس المعتقدات الدينية ولا تخلط بين الثقافات المختلفة والتي يمكن أن تشوش عقلك.
طبيعة روايات ما وراء الطَبيعة
تسرد روايات ما رواء الطبيعة سلسلة قصصية عن بطل القصة أو الشخصية التي تقوم بالمغامرات، وتحكي في كل فصل أسطورة ومغامرة قامت بها هذه الشخصية، وتبدو هذه القصص مترابطة فيما بينها، إذ يروي الكاتب قصة وراء قصة بينهم تتابع بطريقة فنية مبدعة، ويقوم بطل القصص بالذهاب إلى أماكن حقيقية يشير إليها الكاتب، وفي كل مكان يقوم بمغامرة مع أحد أصدقائه، وإذا بها تحدث الأسطورة المنتظرة، ومن أشهر هذه الأساطير: أسطورة مصاص الدماء، وأسطورة الرجل الذئب، وأسطورة وحش البحيرة، وأسطورة آكل البشر، فكما تجد في هذه الروايات الإثارة تجد الرعب، وتجد أكثر من غيرها التشويق والرغبة في المزيد، كما تجد فيها أن الكاتب صوّر أبطال القصة كالمفتقرين إلى عوامل البطولة، بمعنى أنهم ليسوا أبطالًا خارقين بل هم فقط أشخاص عادية تحاول الوصول إلى مغزى الحقيقة، مع الشعور بالإحباط والضعف الشديد أثناء مواجهة هذه الوحوش الأسطورية، لكنه مع ذلك يصورهم كأبطال المهمة المستحيلة، ولكن رغم ذلك نجح في جعل الشباب يشعرون اتجاه هؤلاء الأبطال بالاحترام وكيف يعانون في مواجهة واقعهم الأليم، فمزجت هذه الروايات بأسلوب الكاتب المتميّز بين سلاسة السرد، وغزارة المعلومات، والسخرية التي تعكس إحباطات الواقع الأليم.
مدى تأثير روايات ما وراء الطبيعة على الشباب
على وجه العموم، روايات ما وراء الطبيعة لا تبالغ في الرعب، ولا تساهم في إقناع الشباب بوجود الأساطير، بل بطل القصة نفسه لا يؤمن بالخرافات، ولكن مع كل مغامرة يعيشها يحاول إيجاد تفسير مقنع لحدوث هذه الوقائع الغريبة، فنجد أن تأثيرها على الشباب في معظمه إيجابي، كما أنها قدّمت أسلوب الرعب بطريقة جديدة، فساهمت ما رواء الطبيعة في عدة أشياء: أعادت الروح القصصي، وأحيت الخيال المفقود، وفُتحت عقول الشباب على مدارك مختلفة، واستطاعت أن تعكس القصص الأسطورية على واقع الشباب الموجود من خلال أبطال القصة، وغير أنها أعطت فكرة الانفتاح على الآخرين باختلاف المعتقدات الدينية والفكرية، وفي نفس الوقت لا تجعلك تنحاز لفكر معين أو ثقافة بعينها، كما أنّ معظم الشباب يعرف الثقافات الأجنبية الأخرى عن طريق الأفلام، لكن نجح الكاتب في تمثيل الأشخاص بثقافتهم المتنوعة، كبيان الاختلاف في طريقة المعيشة في الأكل وارتداء الثياب وغير ذلك. وذكرت روايات ما رواء الطبيعة أسماء كثير من المخرجين والكتاب المشهورين، والعديد من المعلومات الطبية والعلمية، ومعلومات عن تاريخ الحروب العالمية، مما شجّع الشباب على المعرفة، والبحث بعد ذلك عن هذه المعلومات.
ما وراء الطبيعة وعلاقتها بالواقع
الميتافيزيقيا أو ما وراء الطبيعة ترجمتها الحرفية عند اليونان “ما بعد الطبيعة”، والموضوع الأساسي الذي تبحث فيه ما وراء الطبيعة هو الوجود، ووجود الله، والطبيعة وتطور الكون، كما أنها علم فلسفي. ونتخذ من ورائها أسئلة وجودية عن الوجود الإلهي، وعن تطور العقل، وعن وجود العدم، وكيفية وجود الزمان والمكان، والمادة، والجوهر..، أي أنها جميعًا أسئلة وجودية يبحث علماء الفلسفة عن إجابات منطقية لها، ولا تعتبر رغم ذلك جميعها منطقية، فيسلّمون في هذه الحالة بالواقع كما هو موجود، ويحاول علماء الفلسفة الدخول العميق إلى ماهية الأشياء المذكورة، والتعمّق في الأشياء بشدة يؤدي بالعقل إلى التيه بل ويزداد التفكير فيها تعقيدًا. ولكن السؤال هو: هل يمكن لما وراء الطبيعة الدخول في واقعنا الموجود والتأثير فيه؟؛ لا مانع من تفكير الإنسان بطبيعة الشيء ومن أين أتى وما أصله..، لكن هذا يؤدي إلى ما يسمّى بالاستفزاز العقلي، وهو أن كل سؤال يسأله الإنسان لنفسه يتبعه سؤال آخر..، وقد لا يجد إجابة مقنعة لسؤاله في بداية الأمر، فلا يقف عقله عند حد معين من التفكير، وقد يؤدي به الأمر إلى التشكيك في معتقداته الثابتة.
الفرق بين قصص الأسطورة وقصص الخرافة
الأسطورة تقوم بسرد قصص لها علاقة بالتاريخ تسعى إلى زرع قيمة معينة في القارئ، لها بداية ولها نهاية، وترتبط بمكان أو إنسان أو حدث معين، وقد تكون واقعية في ما وراء الطبيعة، ولها زمن محدد ومكان محدد، أما الخرافة فهي ناتجة عن خيال شعبي ولا علاقة لها بالواقع، وغير مرتبطة بحدث أو مكان أو زمان..، والغالب في قصص الأسطورة أنها تحكي عن بطل تاريخي، ويكون صاحب مرتبة عالية أو من الحكماء، أما بطل القصص الخرافية يكون خيالي من نسج شعبي، ولا تهتم الخرافة بتقديم قيم تربوية أو أخلاقية، كما أن القصص الخرافية أعمال غير أدبية، أما القصص الأسطورية تندرج تحت العمل الأدبي، ولها كتّاب لهم أهمية كبيرة في المجتمع، وتنقلنا قصص الأسطورة إلى عالم قريب من الواقع، بحيث يحدث فيها مزيج بين عالمنا وعالم بطل القصة، أما الخرافة فتنقلنا إلى خيال شبيه بعالم الأحلام، وأبطاله خارقون يتخلصون من مشكلاتهم بسهولة. وهكذا يستطيع القارئ التمييز بين عالم الخيال البعيد كل البعد عن الواقع، وبين عالم أبطاله لهم اتصال بالواقع.
وهكذا يستطيع الشباب قراءة روايات ما وراء الطبيعة برؤية واضحة، وعقل متفتّح، خصوصًا الشباب في سن المراهقة. ونجحت هذه الروايات في إقبال الشباب على القراءة، وتقديم محتوى شيّق وممتع يهدف في نهايته إلى زرع قيم معينة، والتأثُّر بشخصية أبطالها، وإعمال عقولهم، وإطلاق الخيال. ودائمًا ما نرغب في وجود كتّاب قادرين على جذب عقول الشباب، والتشجيع الدائم على القراءة.
أضف تعليق