إنّ الإنسان كائن حي مفكّر ذو طاقة حيويّة: فهو حيّ لأنّه يتمتع النّموّ والحركة، ومفكّر لأنّه قادر على اصدار حكم تجاه فعل أو شيء ما، وذو طاقة حيويّة تدفعه نحو الحركة. وما يهمّنا في موضوع الشعور بالخوف لدى الانسان هو الطّاقة الحيويّة فلابدّ من تعريفها حتّى يتسنّى لنا تحديد مصدر الشعور بالخوف عند الانسان فنقول الطاقة الحيويّة هي القوّة الكامنة في الانسان والتّي بسببها يندفع نحو الاشباع وإن لا يلبّي الانسان ذلك الاندفاع يحسّ بالقلق والاضطراب أو يؤدّي به ذلك إلى الموت. والطاقة الحيويّة نوعان هما الغرائز والحاجات العضويّة. أمّا الغرائز فهي التّي إن لم يشبعها الانسان أحسّ بالقلق ومنها اشباع جوعة الجنس أو ضرورة الاحساس بالأمن أو الاحساس بقدرة تفوقه ويؤمن بها… وأمّا الحاجات العضويّة فهي التّي إن لم يشبعها الانسان يموت وهي الأكل والشّرب والنّوم وغيرها من ضروريّات الانسان ليبقى على قيد الحياة.
الخوف غريزيّ لدى الانسان
الخوف هو عبارة عن احساس بعدم الأمان سواء كان هذا الأمر متعلّقا بذاتك أو بغيرك ممن يهمّك أمانه. لا يجب أن ينظر لمعنى الأمان من الجانب الضّيّق المتعلّق بحياة الانسان في حدّ ذاته. وإنّما عدم الأمان يمكن أن يتمثل في عدم الوثوق بامكانيّة اجتياز الامتحان والتفوق فيه فيقال أنك لا تأمن نتيجة الامتحان…
والغرائز لدى الأنسان ثلاثة وهي غريزة البقاء والنوع والتديّن والخوف متأتّ من اثارة غريزة البقاء لدى الانسان، فكلّ ما يمسّ بقاء الانسان فيه قابليّة اثارة الغريزة الانسان ويختلف الشعور بالخوف باختلاف حدّة مساس الواقع لغريزة البقاء. فإن كانت غريزة البقاء مثارة بحدّة كأن تجد نفسك في مكان شاهق وتشرف على السّقوط يكون عندها الخوف أكبر، وإن كانت غريزة البقاء مثارة بشكل طفيف كأن تقف أمام طبيب يوشك أن يغرز ابرة في جسمك يكون الخوف أقلّ بكثير ولكن في كليهما الاحساس بالخوف متأتّ من اثارة غريزة البقاء.
الشعور بالخوف أمر غريزيّ يثيره التّفكير
إنّ الاحساس بالخوف آت من اثارة الواقع المحسوس أو الوقع المتصوّر في الذهن للغرائز ويتمّ ذلك من خلال ربط هذا الواقع بالمعلومات السابقة في الدماغ فيحصل الادراك. فمثلا وجود حيوان مفترس أمامك أدركته من خلال حاسّة البصر ونقلت هذه المعلومة إلى الدّماغ وبما أنّك تحمل معلومة سابقة بأنّ الحيوان المفترس يمثّل خطرا على حياة الانسان أدركت بأنّ وجودك أمام ذلك الحيوان المفترس خطر على حياتك فأثيرت الغريزة ووجد عندك الشعور بالخوف .
ولولا أنّك ما رأيت الحيوان المفترس لما شعرت بالخوف وكذلك لولا أنّه توفّرت لديك معلومة سابقة بأنّ الحيوان المفترس خطر على حياة الانسان لما شعرت بالخوف وكذلك لو لم يكن لك دماغ سليم لما تمّت عمليّة الرّبط بين الاحساس بالواقع والدّماغ ولما شعرت بالخوف.
لماذا لا يشعر الانسان بالخوف في بعض المواقف المثيرة للغريزة البقاء
لا يمكن بحال من الأحوال أن تثار غريزة البقاء ولا يشعر الانسان بالخوف وإنّما ما يجري في الحالات التي يظهر فيها أنّ الانسان لا يشعر بالخوف هو أنّ عقله تغلّب على الشّعور أي تغلّب على الشعور بالخوف ويكون من خلال استحضار فكرة تكون بدرجة عالية من الاقناع تبلغ درجة القطع حيث لا يتردّد الانسان ولا يرتابه شكّ فيها. كالانسان الذّي ينطلق نحو الموت من أجل بلده أو دينه أو عائلته دون أي ارتباك فهذا الأمر ناتج من فكرة يحملها بأنّ حياته تهون أمام المساس بالبلد أو الدين أو العائلة، فليس الأمر عدم احساس بالخوف وإنّما تغلّب عليه.
أضف تعليق