في الماضي الغير بعيد، واقصد به قبل حوالي العشر سنوات ليس الا، حينما كان لا يخلو بيت من الصحيفة اليومية ان لم تكن اثنتان، كان دوما رب العائلة يجلس في المساء، يمسك قلمه ويلبس نظارته السميكة، و بيده احدى صفحات تلك الصحيفة، ويعمل على كتابة بعض الاحراف ضمن بعض المربعات، في العادة كان اطفال تلك العائلة يلتفون حول اباهم ليطلعوا على ما يفعل، قبل امتصاص رحيق تلك الخبرات، ونقلها الى اصابعهم واقلامهم ، ومن قبل ادمغتهم، لترى انهم اصبحوا يبحثون هن بعض الصحف القديمة في البيت، والتي نسي كبيرهم تعبئة تلك المربعات، ليحولوا جهدهم في حلها، قبل ان يعودوا اما مطأطئي الرأس نحوه رغبة في المساعدة، او بإبتسامة المنتصر في نظرة الى افعالهم وانجازهم.
تلك اللحظات على بساطتها والتي تكون في الغالب قريبة من منا دون تحسسها، هي ما تكون ذاكرة مكان ما في داخلنا، وتنحت خريطة الماضي، الان ومع تسارع هائل في التطور ادى الى الغاء الكثير من وسائل الماضي، وقد وصل هذا الى الصحف والتي بدأت وعلى تقليديتها تتحول من اوراق مطبوعة الى كلمات على شاشة نتمعن فيها امامنا ان كان بواسطة الحاسوب البيتي او المحمول او اللوحي، او حتى الهاتف النقال الذكي، لم يعد يدور بخلدنا كيف نعاود النعايش مع اللحظات الماضية. ولكن لنبحث في امر تلك المربعات مرة اخرى، قهي وكجزء من مائة سنة خلت اصبت يوميا في صباحنا او مساءنا، ولعلنا الان نستطيع ان نجدها أمامنا بواسطة تلك الشاشة، فهل نحن فعلا بحاجة الى ذلك المربع الكبير وما بجوفه، وما قصته ايضا، وما هي فوائده.
حكاية الكلمات المتقاطعة :
حكاية الكلمات المتقاطعة بدأت بسيطة بعض الشيء، وتعود بدايتها الى العقد الثاني من القرن الماضي، عندما رغبت احدى الصحف الامريكية ( نيويورك وورلد ) في تضمين نسختها اليومية بإحدى الالعاب المسلية والتي تعمل على جلب جمهور القراء اليها، فكانت ان كلفت احد الصحفيين العاملين لديها بالبحث عن احدى هذه الالعاب القابلة ان تكون خطية ضمن الصحيفة وان تكون مسلية جدا، لغايات اجتذاب اكبر عدد من القراء والجمهور، فلم تكن سياسة تلك الصحيفة ان تكون فقط اخبارية سياسية، فقام هذا الصحفي والذي يدعى ( أرثر أوين ) وهو بالمناسبة بريطاني الاصل ولكنه قام بالهجرة الى الولايات المتحدة الامريكية والعيش والعمل هناك، فقام بالبحث عن بعض الالعاب التي قد تكون مناسبة لما ترغب الصحيفة بتضمينها، وعندما لم يجد ما يشعره بالرضا، قام بمحاولة الاختراع والتي تفتقت عنها عبقريته حتى وصل الى هذا الناتج الجميل، وفي البدء كانت الكلمات المتقاطعة على شكل معين وليس مربع، وكانت كافة المربعات في داخلها بيضاء، فلم بكن يوجد فيها اي مربع اسود، ولكنه ونظرا للضرورة تم تغيير شكلها بحيث اصبحت ضمن الشكل الحالي، اما تاريخ ميلاد هذه الكلمات المتقاطعة فقد كان 21 -كانون الاول – 1913
أما الطريف في الامر وانه مع ازدياد شعبية هذه اللعبة فقد كانت هناك بعض الصحف والتي تنظر الى هذه اللعبة على انها لا تستحق ان توجد فيها ، فهي ليست جادة كفاية، وليست مفيدة بل فقط مضيعة للوقت، ومن هذه الصحف ( نيويورك تايمز)، والتي اضطرت لاحقا الى تعديل موقفها، فقامت بتخصيص مساحة من صفحاتها لهذا اللغز المتقاطع.
ومع الوقت اصبحت الكلمات المتقاطعة من اشهر الالعاب التي يمارسها الانسان، ومن اكثرها انتشارا.
كيف تلعب الكلمات المتقاطعة :
الكلمات المتقاطعة في الاساس هي احجيات وتعتمد على القدرة على ايجاد الكلمات المناسب وتعبئتها ضمن الفراغات الموجودة ، ففي البدء يوجد المربع الكبير الخاص باللعبة والذي يقسم الى مربعات صغيرة فارغة، ويوجد اسفل المربع وضمن جدول مرقم بعض الكلمات والجمل التي تدل القارئ على الكلمة التي ستوضع في المربعات، ولهذا فهي تعتمد على الاستخدام السليم للعقل وسعة الاطلاع والمعلومات المتوفرة عن الشخص الذي يرغب بحل هذه الاحاجي.
ما هي فوائد الكلمات المتقاطعة :
العاب تنشط الدماغ :
أثبتت العديد من الدراسات والصادرة عن الكثير من المعاهد والمختبرات ان ممارسة هذه اللعبة يساعد في تنشيط مناطق معينة في الدماغ على الاداء الافضل والاسرع، فهي تعمل على اشغال العقل في البحث والتفكير، ومن ثم التفكير المنطقي الافضل حتى يصل الى الحلول المنطقية.
تساعد على الاطلاع وزيادة المعلومات :
من الامور البديهية حتى يستطيع الشخص التمكن من حل هذه اللعبة ان يكون يملك المعلومات اللازمة والتي تساعده وتمكنه من حل الاحاجي والالغاز، وهذا الامر بالضرورة يتطلب من محبي هذه اللعبة القراءة والبحث عن المعلومات والاطلاع اكثر، وليس هناك افضل من اكتساب المعرفة من خلال بعض الالعاب، فهو امر يوازي من يصيب هدفين بحجر واحد.
هي العاب للتسلية :
وهو احد الاسباب الاساسية والتي تم تنظيم هذه اللعبة واختراعها لاجلها، فهي لعبة للتسلية، والمساعدة على تمضية الوقت، واستغلاله، وبالتالي فأينما اصابنا الملل والرغبة بالتسلية، يمكن وبكل بساطة تناول الصحيفة والقلم والبدء ببمارسة هذه اللعبة، وقد يعنينا ايضا ان نقول بممارسة هذه الرياضة ايضا.
تتوفر بسهولة و لا تتطلب مكان لممارستها :
كما قلنا سابقا و سنقوله لاحقا فهي لعبة من السهل توفرها، فهي توجد حاليا على شبكات الانترنت و بسهولة، وتوجد في كل صحيفة او مجلة، والامر الجيد الاخر هو امكانية ممارستها في اي مكان او مساحة ولا تتطلب اماكن معينة او شروط معينة، فيمكن ممارستها وقوفا او جلوسا، وفي وسائل النقل العام، وفي الطائرات، وعند انتظار الموعد عند الطبيب ، وفي صالون الحلاقة.
غير مكلفة مالية :
فعليا فكل ما تتطلبه هذه اللعبة او الرياضة الدماغية هو صحيفة يومية او مجلة، وهو امر ميسر ويتوفر باقل الاسعار، وبعكس العديد من الالعاب التي قد تكون مكلفة وخارج القدرات المالية والشرائية لمحبيها، فعادة لا يتجاوز سعر القلم الرصاص او الحبر العادي العشر قروش والصحيفة الربع دينار، فهل هناك لعبة تكلف خمسة وثلاثون قرشا بمثل هذه الفوائد الهائلة.
يمكن المشاركة في اعدادها :
وهذا امر يمكن الاستفادة منه جيدا، فالعديد من الاشخاص من محبي الكلمات المتقاطعة ، هذه اللعبة او الرياضة العقلية، اصبحوا يشاركون في اعدادها، وتشكيلها، وهي فائدة اخرى لهم في محاولات البحث عن الكلمات والاشكال التي يرغبون استخدامها ضمن احجيتهم القادمة وضمن اي اسلوب.