في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر تغيرت موازين القوى في فرنسا بسبب كومونة باريس ، وللمرة الأولى في تاريخها، تنهض طبقة العمال في صراعها ضد أصحاب رؤوس الأموال من طبقة البورجوازيين. ولم يتشكل الصراع ليمثل مجرد نزاع، أو مظاهرات فحسب، بل تطورت المواجهة بشكل حاسم لتسيطر طبقة العمال وأنصارهم على المشهد، ويتولوا تنظيم الحياة وتسييرها في باريس، وطوال مدة قيام الكومونة، إلى أن انتهت وعادت السلطة مجددًا لذات الطبقة التي ثار العمال وأنصارهم عليها. وبالرغم من سقوط الكومونة وانهيارها لأسباب منطقية ووجيهة، إلا أنها تبقى علامة توضح أهمية الدفاع والاستماتة على الحقوق، وأن معركة الحقوق والكرامة هي معركة ممتدة من جولات عديدة، وليست الهزيمة في جولة واحدة تعني التخاذل التام، وهذا ما فعلته فرنسا في ثورتها سنة 1879.
استكشف هذه المقالة
فرنسا ما قبل كومونة باريس
لم تقم أحداث كومونة باريس بلا مسببات، أو بفعل مجهود نظري لأحد الفلاسفة أو المفكرين، ولكنها كانت أحداث تمثل رد فعل صاخب وغاضب على الحالة التي وصلت إليها فرنسا بعد الحرب مع مملكة بروسيا. ففي الثاني من شهر سبتمبر من عام 1870 وعقب معركة “سيدان” تفاجئ الشعب الفرنسي بهزيمة بلاده أمام مملكة بروسيا، واستسلام نابليون الثالث نفسه في المعركة أمام المستشار البروسي “بسمارك”. عقب ذلك خضوع حكومة فرنسا للشروط المهينة التي فرضتها عليها مملكة بروسيا، حتى تضمن تراجعها عن اجتياح فرنسا وضمها لمملكتها. عقب ذلك انتخابات تشريعية في فرنسا أسفرت عن انتخاب “أدولف ثيير” وإعلان الجمهورية الثالثة.
قيام كومونة باريس
قررت حكومة فرنسا المؤقتة، يترأسها “أدولف ثيير” نزع سلاح الحرس الوطني في باريس –والذي تكون بالأساس دفاعًا عن باريس ضد الحصار الألماني- وفي الثامن عشر من مارس من عام 1871 اندلعت المقاومة في باريس بالتعاون بين الحرس الوطني والجماهير للذود عن حفظ سلاح ومدفعية الحرس الوطني وعدم تسليمه للحكومة. مما صعب الفرصة على مهمة الجنود التابعين للحكومة وفشلوا في نزع السلاح بالقوة. وفي السادس والعشرين من مارس تقرر إجراء انتخابات بلدية تنظمها اللجنة المركزية للحرس الوطني، وأسفرت عن انتصار الثوار وتكوين مجلس أغلبه من اليعقوبيين والجمهوريين ممثلًا حكومة كومونة باريس . وأعلن المجلس المنتخب، باريس بلدية (كومونة) مستقلة، وأن فرنسا عليها أن تتبع النظام الفيدرالي الذي يتكون من بلديات أو (كومونات) مستقلة وتتمتع بحكم ذاتي.
الطبقة العاملة تخلق حياة جديدة
بالتوازي مع انسحاب القوات الحكومية وتشكيل مجلس كومونة باريس ، بدأت تظهر مسئوليات وآفاق جديدة للرؤية تتمثل في تحديات وصعوبات على الكومونة أن تواجهها، كسبل الإعاشة، وتنظيم الحياة اليومية، والتعامل مع الموارد، وغيرها الكثير. وبالفعل قبلت كومونة باريس التحدي ونهضت بعزم وبإرادة عمال وسكان باريس لمواصلة الطريق ودفع حياتهم للأمام بشكل أكثر إنسانية، وعدلًا من ذي قبل.
اللجنة المركزية للحرس الوطني
تشكل الجناح السياسي لـ كومونة باريس عبر الانتخابات التي أجريت في الثامن عشر من مارس والتي ضمت مندوبين منتخبين من مقاطعات باريس المختلفة والمنتمين للحرس الوطني. جرى انتخاب المندوبين ليشمل العديد من المقاطعات الباريسية، ولضمان تمثيلهم للعمال عن مختلف تلك المقاطعات. وفي الغالب كان هؤلاء المفوضين المنتخبين غير معروفين خارج دوائر مقاطعتهم، ما ضمن تمثيل حقيقي لمصالح عمال كل مقاطعة في اللجنة المركزية، بلا ارتباطات مسبقة بينهم وبين اللجنة. خلال أسبوعين قامت اللجنة المركزية بإدارة المدينة وملأ الوزارات الشاغرة، وتسيير المصالح، إلى أن قامت الانتخابات، وعبر الاقتراع العام تم تشكيل الحكومة المنتخبة والتي عرفت بالبلدية أو “الكومونة”.
تحدي القوميات داخل كومونة باريس
بعد أن تم تشكيل حكومة الكومونة، كان النظام الجديد لا زال غريبًا ويثير الكثير من التساؤلات حوله، حتى بين الباريسيين نفسهم. من بين تلك الأسئلة المثارة كان سؤال القوميات. فمن بين المفوضين المنتخبين داخل اللجنة المركزية كان هناك أجانب (مفوض ألماني)، وعاد السؤال للتكرار حول ماهية الكومونة، وهل كونها استقلت عن فرنسا، مسوغ لأن يتولى أمورها ويساهم في صياغة القرارات غير فرنسيين؟
كانت الإجابة بنعم، وأن التمسك بالقوميات يعني تمسك بأنظمة بورجوازية تم تجاوزها، وأن مبادئ وشعارات كومونة باريس كانت مبادئ لطبقة عمال العالم، وليس باريس فقط.
كومونة باريس وقضية الأمن
بعد أن قامت اللجنة المركزية بالاستغناء عن الجيش والشرطة كنظام أمني ودفاعي داخلي وخارجي، قامت باستبدال هاتين الهيئتين بالجماهير. فهذه الهيئات من وجهة نظر اللجنة المركزية أدوات لقمع الشعب لصالح الحكومة، ولاستبدالهما قامت اللجنة بتسليح الجمهور نفسه للقيام بحماية نفسه. وتم تسليح كل مقاطعة وتوليها مسئولية الدفاع عن نفسها. وما يستحق ذكره هنا أن طوال عشرة أسابيع قامت فيهم كومونة باريس ، تم انخفاض غير عادي لمعدل الجرائم، نتيجة لشعور الجماهير بأنها مسئولة عن نفسها، وأن ما تقدمه من أعمال وبذل، لا ينتهي أثره إلى غيرهم، ولا تستحوذ عليه سلطة ما. فمع انتهاء الاستغلال، وشعور الناس بالتغيير في الحياة الاجتماعية، انخفضت معدلات الجرائم بشكل ملحوظ.
المؤسسات البورجوازية والتعليم الديني
بعد أن تخلصت كومونة باريس من سلطة النظام الأمني البورجوازي الذي يتمثل في الشرطة والجيش، بقى أن تنفض عنها سلطة أي مؤسسات وأفكار محافظة أخرى. ولمزيد من تحرر الدولة من النظم البورجوازية تم إلغاء الضرائب من على الكنائس الكاثوليكية؛ مما كفل قطع علاقتها وارتباطها بالدولة. كما أثر هذا القرار على ضعف سلطة الكنيسة على النظام التعليمي، فتم تجديد والنظام التعليمي، وتعديل المناهج التعليمية بشكل محى معه أي أثر لتعليم ديني كاثوليكي لأول مرة. وكانت هذه من النقاط المفصلية في كومونة باريس وهي تخلص النظام التعليمي والمدارس من أي تحيزات أو خرافات تعيق تقدمها، وتقدم الحالة التعليمية، وتجعلها تتقدم علميًا بشكل مطرد بعيدًا عن المؤسسات البورجوازية.
نظام الحكم البيروقراطي
اعتمدت كافة الأنظمة البورجوازية في العالم نظام حكم بيروقراطي، يضمن ثقة الحاكم في مسئوليه ويقصي ذوي الخبرة والكفاءة عن أماكنهم الطبيعية في اتخاذ القرارات. ففي الوقت الذي كان فيه ممثلو الحكومة السابقة في فيرساي متوسط أعمارهم 62 عامًا، كان متوسط أعمار المفوضين المنتخبين في كومونة باريس هو 37 عام، مما جعل الشباب يرسمون بإرادتهم الحرة مستقبل كومونتهم الجديد. فضلًا عن إن كل أعضاء الكومونة باستثناء عضو تقريبًا كانوا ثوريين أو عمال، أو ممثلين عن عمال، مما خلق جوًا ثوريًا في بنية الحكومة المتشكلة.
نظام الانتخاب وسحب الثقة
كان النظام السياسي في كومونة باريس يوجب انتخاب جميع المسئولين الحكوميين، ويكون هذا عبر الانتخاب، لا بالتعيين. وإذا تم رفض هؤلاء المسئولين من الشعب بعد ذلك، بوسعهم التصويت لإعفاءه من مهمته. كما أن حقيقة أن أجور المسئولين الحكوميين لا تتعدى أجور العمال، كما أنه ليس هناك من موضع أو مأثرة للسلطة ليستغلها هؤلاء المسئولين، تصبح المسئولية الحكومية كأي وظيفة أخرى، ولا تدفع المسئول للتمسك بمسئوليته الحكومية إذا تم الاقتراع برفضه. كما أن كومونة باريس كانت ملتزمة ومسئولة بالقرارات والتشريعات التي تنفذها، بعكس ما يجري في الحكومات البورجوازية من قيام أحد المنتخبين بتصديق التشريع على قانون ما، وما إن يثبت خطأه حتى يسارعوا بإلقاء اللوم على المسئول المعين الذي يقوم بتنفيذ القانون أو التشريع.
السلطة والعمال داخل كومونة باريس
كما ذكرنا أنه ليس هناك من مشجعات أو تمييزات يحوزها أي مسئول بناء على حجم مسئوليته، وبالتالي لم تكن هناك ثمة سلطة معينة فوق العمال. وأصبح هناك العديد العمال في لجان الكومونة المنتخبة، والعديد من المسئولين الحكوميين في السابق، أصبحوا مرؤوسين بواسطة عمال. وبالتالي أصبحت كومونة باريس تدار عبر العمال بذات أنفسهم، بلا أي سلطة من فوقهم. وضلع العمال بهذه الوظيفة وأثبتوا قدرتهم وفاعليتهم لإدارة شئون كومونتهم الوليدة. وكان النتاج يتمثل في زيادة الكفاءة والمسئولية والإنجاز. كما أن الخدمات التي انقطعت أثناء فترة الحصار الألماني عادت للعمل مرة أخرى. بالطبع لم تكن هناك أجور كبيرة، كما كانت حكومة كومونة باريس الوليدة لا زالت تعاني فقر الموارد مما أثر على رواتب العمال والمسئولين أيضًا.
كومونة باريس الاشتراكية
ولأن الحال كما لمسنا في الفقرات السابقة، أصبحت كومونة باريس، بلدية يحكمها عمالها؛ وهذا أثر بالطبع في قرارات وسياسات هذه الحكومة. وتبدى واضحًا كيف أن الحكومات تخدم طبقتها الخاصة. فكان هناك العديد من القرارات والإجراءات التي قامت بها الحكومة لخدمة العمال. فقامت الحكومة بإعلان تعليق دفعات الإيجار والديون لمدة تسعة أشهر، نظرًا للأحوال المعيشية الصعبة لدى الشعب. كما حررت الحكومة وتملكت وسائل إنتاج العمال؛ كأدواتهم الخاصة في العمل والتي يضطرون لرهن ممتلكاتهم للحصول عليها. وتم إلغاء دوام العمل المسائي؛ نظرًا لتأثيره السلبي على صحة وحياة العمال. كما قامت حكومة كومونة باريس بإلغاء الغرامات التي يفرضها أصحاب العمل على العمال نظرًا لأخطاء العمل. وتم استعادة المصانع المملوكة لبعض الباريسيين الهاربين من كومونة باريس الثورية وإدارتها بواسطة العمال أيضًا.
كومونة باريس وكيف غيرت مفاهيم المجتمع؟
استمرت كومونة باريس عشرة أسابيع وخلالها حققت إنجازات هامة، وأهم هذه الإنجازات يتمثل في تغيير مفاهيم المجتمع والطبقة العاملة عن طريق تغييرات عملية تثبت جدارتها ونجاحها. لقد نجحت كومونة باريس في تخطي عتبات السلطة البورجوازية وكونت مجتمعًا يحكم نفسه بنفسه، وأثبتت حق الطبقة العاملة في القيادة ونجاحها في ذلك، حتى أنه صارت هناك دعوات وأسئلة عن حق العمال في تملك وإدارة المصانع، وارتفع سقف الحقوق والطموحات لديهم. كما ساهمت الكومونة في خلق مناخ ثوري عالمي، عن طريق حق انتخاب مندوبين للعمال والشعب غير فرنسيين. بهذا أقرت وأثبتت كومونة باريس أن دعوتها عالمية وتخلصت من آثار الإمبريالية الفرنسية، عبر خطوات وقرارات هامة أفرزت كومونة عالمية غير خاضعة لأي سلطة سوى سلطة نفسها وحقوق الطبقة العاملة فقط.
كومونة باريس وحركة الثقافة والمعرفة
من الآثار الإيجابية لـ كومونة باريس هو جعلها الثقافة والفن والتعليم حقوق أساسية لطبقتها. فتم فتح متحف اللوفر أمام الجميع، وفتح دار الأوبرا للفقراء وتنظيم حفلات يستطيع حضورها كل الشعب. وحاولت تنظيم حركة تعمل على توزيع الكتب على جمهور الشعب. كما صار التعليم مجاني لجميع أبناء الكومونة. كما حاول واستطاع العمال تكوين ثقافة حقيقية عن طريق الاهتمام بمواطن شغف كل مواطن وتشجيعه على تنميته. لقد خلقت كومونة باريس جوًا من القابلية والإتاحة لكل موهبة وثقافة تبحث عن تنميتها. ومع الكومونة أدرك العمال أن بوسعهم أن يتعلموا، يطوروا أنفسهم، ويقودوا بلا سلطة من أي نظام عليهم.
كيف تعاملت كومونة باريس مع قضايا المرأة؟
ظهرت المرأة وبقوة في الكومونة وكان دورها قيادي وغير مهمش. نهضت المرأة العاملة بنفسها وواجهت المشكلات التي تواجهها وتواجه بني جنسها. وليس عبر القوانين التي تمنع الدعارة، ستستعين المرأة، بل عبر إجهاض هذه الفرصة من جانب اقتصادي بحت، يجعل من غير الضروري للمرأة ومن غير المبرر أن تخضع لضغوط تجبرها على ممارسة الدعارة. كما حاربت المرأة أيضًا للاعتراف بحق الأطفال غير الشرعيين، واعتبارهم على قدم المساواة مع جميع الأطفال ومنع التمييز ضدهم. كما حاربت الخرافات الدينية التي تكبل المرأة وتمنعها من الاختلاط بالحياة العامة وتكوين مفاهيمها الخاصة. وحتى في أوقات الدفاع والهجوم كانت المرأة حاضرة وراء المتاريس لتذود عن أرض الكومونة وتمنع من اجتياحها. لقد كانت المرأة عنصر قوي وفعال وغير مهمش في كومونة باريس، ويعكس هذا موقفهم التقدمي من المرأة ودورها المجتمعي الهام.
كيف انهارت كومونة باريس ؟
بالطبع كان الوضع في فرنسا على أشده، ورغبت الحكومة البورجوازية في استعادة باريس مرة أخرى. والوسيلة كانت الحرس الوطني. ورغم احترام قيادات الكومونة لأملاك البورجوازيين وعدم مساسها بأملاكهم وثرواتهم. ورغم عدم استيلائهم على البنك واحترام قوانينهم التي فرضوها على أنفسهم. تم استخدام تلك الأموال التي في البنوك من حكومة فيرساي لتسليح الجيش والحرس الوطني لاجتياح كومونة باريس واستعادتها مرة أخرى. وفي تلك الأثناء تحققت نبوءة كومونة باريس واتسع الحلم لتتكرر المحاولة في مدن فرنسية أخرى لإقامة كومونات، ولكن لضعف التنظيم وفقد التسليح، وعدم وجود وجهة صريحة ومحددة للعمال، تبخر الحلم مرة أخرى وساهم الحرس الوطني في القضاء على أي حركة مشابهة تقوم في فرنسا. ومع تقديم النوايا الحسنة واعتقاد قيادات كومونة باريس أنهم في مأمن من حكومة فيرساي طالما احترموا ملكيتهم الموجودة في باريس ولم تمتد أيديهم إليها. وأثرت تلك النوايا على التسليح وحركة الدفاع، فلم تكن منظمة بالقدر الكافي مما يجعل اجتياح كومونة باريس من قبل الحرس الوطني، اجتياح بمثابة مهلكة للكومنة وسكانها.
اجتياح كومونة باريس
في السياسة يتصالح الخصوم لمواجهة عدو واحد، وهذا ما حدث في تلك الأثناء فتم تسليح ومساعدة الحرس الوطني الفرنسي بواسطة الجيش الألماني الذي يحاصر باريس بالفعل. وتم تسريح والإفراج عن الجنود الفرنسيين المعتقلين لدى الألمان وحاصروا باريس. وفي أول أبريل أرسلت حكومة فيرساي جيشها لمحاصرة واجتياح باريس. ولمدة شهر كانت باريس تحت القصف والدمار المهلك من الجيش الفرنسي والألماني. وحدثت المقتلة الكارثية عند اجتياح جنود فيرساي لباريس في الحادي والعشرين من شهر مايو. وحينها أظهر الباريسيون شجاعتهم ونضالهم المستميت للدفاع عن كومونة باريس والدفاع عن أفكارهم ومعتقداتهم ونظامهم الذي كونوه بأنفسهم. ولثمان أيام ظلت الحرب والقصف والمواجهة والقتل في الشوارع قبل أن تسقط الكومونة في الثامن والعشرين من مايو 1871.
حرب الدماء في باريس
لم يكن هذا اجتياح عادي لاستعادة مدينة، بل حقد طبقي متوجه لطبقة بعينها، أصبح سفك الدماء يومي وفي كل ساعة. يسير جنود فيرساي في الشوارع ليقتلوا كل من يقابلهم، يكفي أن تكون يدك متصلبة لتعلن عن نفسها أنها يد عامل وبالتالي هذا مبرر قوي لجنود فيرساي ليقتلوك. كانت المرأة عمود رئيسي في هذه المواجهة، ومع انهيار النظام الدفاعي للكومونة، حاربت المرأة لاستعادة المدافع وعدم التفريط فيها. تم احتجاز والقبض على كثير من النساء والأطفال أيضًا أثناء المواجهة، تم تصفية ما يقارب الآلاف رميًا بالرصاص. استمر القتل لما يقارب أسبوع وأبحرت الدماء في شوارع باريس وامتلأت كومونة باريس بجثث متعفنة في الشوارع والمقاطعات. ومع ذها الجو المرعب انتشرت الأمراض بين سكان الكومونة وتم حرق العديد من الشوارع والمقاطعات الباريسية. ولم ينتهي سفك الدماء عند هذه اللحظة بل تم أسر ما يقارب 30,000 مواطن باريسي وإعدامهم. واعتقال ما يقارب 45,000 آخرين من بينهم نسوة وأطفال.
لقد فضحت كومونة باريس النظام البورجوازي البطريركي في فرنسا وبلدان أوروبا، وأثبتت أن العمال يستطيعون القيادة وتحقيق مكاسب حقيقية لطبقتهم، ومع انهيار الكومونة تم تسجيل لحظات مخيفة لما فعلته البورجوازية وسلطة فرنسا في البشر وكيف تحولت باريس لمدينة من الأموات. لقد كانت كومونة باريس تجربة حية حقيقية أثبتت الكثير، ولابد من إعادة دراستها مجددًا وكشف نقاط الخطأ والضعف لتجنب الآثار السلبية ووسائل انهيار القضية، كي تعبر البشرية لنظم أكثر إنسانية وعدلًا.
أضف تعليق