تُعرف تلك الحالة بعدة أسماء إما فوبيا النظافة أو فوبيا الجراثيم أو هوس النظافة أو فيرمينوفوبيا وكلها دلالةٌ على حالةٍ واحدة تصيب البعض وهي رهاب الجراثيم أو الخوف الوسواسي من الجراثيم والميكروبات وكل ما قد يصيب الشخص منها أثناء تعامله اليومي العادي، من المعروف أن العالم من حولنا مليءٌ بالميكروبات الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة وأنها محيطةٌ بنا في كل مكان، لها العديد من الأنواع ما بين البكتيريا والفيروسات وغيرها وكل نوعٍ له العديد من الأنواع الأخرى.
بل إن ما لا يعرفه البعض منا أن أجسادنا تحمل ملايين الأعداد من البكتيريا الصغيرة وأن جلودنا على سطحها عددٌ لا يحصى منها، ليست كل البكتيريا ضارة والبكتيريا الموجودة في أجسادنا مفيدة ومهمة لنا ولو قضينا عليها بأي طريقةٍ من الطرق قد يعرضنا ذلك للأمراض والإصابة والعدوى، لذلك ليس كل كائنٍ ميكروسكوبي دقيق يسبب المرض وحتى الأنواع التي تسبب المرض منها لا تؤثر على الجسد إلا بأعدادٍ ضخمة.
وبعض الميكروبات والجراثيم لا تؤثر على الجسد من الأساس ولا تسبب المرض إلا عند دخولها الجسد بطريقةٍ محددة فالفيروس الذي يدخل الجسم عبر الدم إن تم تناوله مع الطعام لن يسبب أي مرض، لكن برغم كل ذلك وبرغم معرفة الناس بذلك ما زال هناك من يعانون من فوبيا النظافة لأن الأمر لا يقتصر على المعرفة وحسب وإنما هو خارجٌ عن إرادتهم.
فوبيا النظافة : المشكلة والعلاج
ما هي فوبيا النظافة؟
هي حالةٌ تصيب بعض الناس تسبب لهم قلقًا شديدًا وغير مُسيطرٍ عليه في بعض الأحيان بسبب مسألة الجراثيم والميكروبات، فبينما نحن نتعامل معها بشكلٍ مبسطٍ يحتاج الحفاظ على النظافة الشخصية وغسل أيدينا قبل تناول الطعام واتباع الوقاية في الأوبئة وانتهى الأمر.
أما بالنسبة إليهم فمجرد أن يسعل أحدٌ بجوارهم أو يمسكهم بيدٍ يشكون في نظافتها ترتفع معدلات القلق والوسوسة في نفوسهم بشكلٍ لا إرادي ويجعلهم بحاجةٍ قويةٍ لتطهير كل ما تعرض للتلوث من منظورهم سواءً أجسادهم أو أشياءهم أو الأماكن التي يجلسون فيها، كما أن استخدام الأماكن العامة أو كل ما هو متاحٌ للجميع يعتبر كابوسًا لهم يحاولون تجنبه قدر الإمكان، وإن تعرضوا له يواجهون حالاتٍ قويةً من الذعر والهلع لمجرد تفكيرهم في ملايين الأشخاص الذين استخدموا هذا المكان قبلهم وكمية الجراثيم التي تركوها فيها.
لماذا تكون الفوبيا لا إرادية
عندما ينظر أحدٌ إلى معنى فوبيا النظافة وكيف يسير الحال مع من يعانون منها قد يعتقد أن الأمر أكثر بساطةً من أن يظهر بكل ذلك التعقيد، وأن الشخص الذي يعاني من فوبيا النظافة شخصٌ واهم أو غير عاقل أو يحاول المزاح أو جذب انتباه الآخرين أو التصرف بغرابةٍ وحسب، البعض لا يفهم معنى أن يشعر شخصٌ بأن عليه تنظيف نفسه من الجراثيم بشكلٍ وسواسي، وقد يشعر بإهانةٍ شخصية إن رفض المصاب بالفوبيا مصافحته أو سارع لتعقيم يده بعد ملامسته ويعتبرها اتهامًا مباشرًا له ولنظافته.
لكن الحقيقة أن الفوبيا هي مرضٌ نفسيٌ شهيرٌ جدًا وموجودٌ ولطالما أرهق مرضاه وأطباءه على مدار الزمن، والفوبيا لها الكثير من الأنواع كما أن الهوس ومتلازمات التكرار العصبية وغيرها من الأمراض النفسية التي تقود بالمريض إلى أفعالٍ لا إرادية يكون هو نفسه غير مقتنعٍ بمنطقيتها لكنها يقوم بها على أي حال، فتخيل الحال حين يحدث دمجٌ بين الإثنين فيكون الشخص مرعوبًا من فكرة الجراثيم والميكروبات المحيطة بنا ولا نراها وفي نفس الوقت رغم علمه وثقافته وإدراكه ألا حاجة به إلى كل تلك السلوكيات التنظيفية فهو عاجزٌ عن منع نفسه من الهلع عندما يقع في موقفٍ يثير مخاوفه، ويستمر القلق في التزايد والتزايد حتى يقوم بالتنظيف والتطهير فيهدأ.
كيف تحدث فوبيا النظافة
الفوبيا مع النظافة مثلها مثل أي فوبيا أخرى أو مرض نفسي آخر غالبًا ما يكون سر بدايتها هو الطفولة حينما حدثت أمام الطفل حادثةٌ كبيرة أثرت فيه أو سببت له الصدمة أو غيرت له مجرى حياته لدرجة أن جزءًا من نفسه ظل حبيسًا في تلك اللحظات ولم يستطع مغادرتها أو التخلص منها وتجاوزها رغم مرور السنين عليها، تبدأ تلك الحوادث بالتأثير في النفس سواءً بالتدريج حتى تصل لقصوتها أو تصل للدرجة القصوى فجأة بعد الحادثة مباشرةً وتستمر معها بعد ذلك.
في حالة الذي يعاني من فوبيا النظافة فغالبًا كان إصابته بعدوى شديدة أو مرضٍ عضالٍ في طفولته أو ربما فقد أحد الأشخاص المهمين في حياته بسبب المرض فصار يهابه ويرهبه ويشعر بالقلق الشديد من الإصابة بأي عدوى أو إصابة من يحبهم بها، ونرى ذلك واضحًا في الأم المصابة التي تفرط في حماية أبنائها والمحافظة على نظافتهم لدرجة أنها قد تتسبب بإصابة أحد أبنائها بتلك الفوبيا وتصاحبه بقية حياته.
أعراض فوبيا النظافة
بالطبع للمصابين بهذه الفوبيا أعراض تظهر عليهم غالبًا عندما يشعرون بالقلق من الجراثيم أو العدوى مثل موقفهم عند مصافحة الغرباء أو الإمساك بشيءٍ في الأماكن العامة أو ملامسة النقود أو قبل تناول الطعام وتظهر الأعراض في إحساسٍ ظاهرٍ بالقلق والتوتر وعدم القدرة على تمالك الأعصاب مع هالةٍ من الفزع تبدأ في الظهور بهدوء لكنها تزداد كلما زادت حاجتهم للنظافة بدون أن يشبعوا تلك الحاجة.
من ناحيةٍ أخرى تظهر عليهم أعراضٌ لحظية في نوبة الفوبيا كالتعرق وبرودة الأطراف وحدة المزاج وطريقة الكلام وكثرة الحديث عن المرض والجراثيم وعدم الثبات في المكان والتململ بقلق وتسارع دقات القلب، ويظهر الأمر كذلك في بيوتهم أو الأماكن التي يجلسون فيها بحرصهم الوسواسي للمحافظة على نظافتها والإصابة بالهلع عندما ينسكب شيء أو يسير أحدهم بالحذاء على أرض البيت، ويقومون بغسل أيديهم كل فترة بسببٍ أو بدون سبب.
علاج فوبيا النظافة
فوبيا النظافة مرض مثلها مثل أي مرضٍ آخر يحدث له تقدم وتطورات، وإذا لم يتلقَ الشخص العلاج المناسب فإن حالته تزداد سوءًا مع الوقت حتى يغرق المريض في قلقه ورهابه ويصبح مهووسًا بالنظافة غير قادرٍ على التفكير في شيءٍ سواها وممارسة حياته بشكلٍ طبيعي أو قريبٍ من الطبيعي حتى.
يحتاج العلاج إلى طبيبٍ نفسيٍ متخصص لأن التعامل غير المهني مع تلك الحالات لا يزيدها إلا سوءًا ولا يزيد أصحابها إلا غرقًا في حالتهم تلك، يلجأ الطبيب إلى برنامجٍ علاجيٍ طويلٍ وقويٍ لتخليص الشخص تمامًا من الكابوس الذي يطارده، أحيانًا قد يستعين بأدويةٍ مضادةٍ للقلق إلا أن تلك الأدوية لم تعطِ نتيجةً قويةً مع أصحاب فوبيا النظافة لذلك يكون التركيز على البرامج العلاجية أكثر.
يوجد نوعان منها النوع الأول يتم فيها حث المريض على إخراج كل ما بداخله وما يشعر ويفكر به وما وراء تصرفاته الهوسية ومناقشته فيها وتحديها لإقناعه بالعدول عنها والتخلص منها، وغالبًا ما يكون ذلك البرنامج قاسيًا وحادًا على بعض المرضى، النوع الآخر يتم فيه تعريض المريض لما يخافه ويرهبه بالتدريج وبدرجاتٍ متصاعدة من الأقل للأعلى لينتهي العلاج باقتناع المريض أن كل شيءٍ بخير وأنه بخير وألا وجود لمخاوفه تلك.
أضف تعليق