من منا لم يمسك قلماً في لحظة توتر أو أثناء يوم عمل شاق أو حتى في ساعات الاستذكار الطويلة ويخط رسماً أو ينقش صورة؟ تلك هي فن الخربشات، والتي قد يفسرها البعض على أنها مضيعة للوقت وقد يعتقد آخرون أنها مرض نفسي أما علماء النفس فيقومون بتحليلها للوقوف على الحالة النفسية للمريض، ويستخدمها أفراد البحث الجنائي للوصول إلى حل للجرائم. مؤخراً أثبتت الأبحاث أن فن الخربشات من أبسط الطرق وأسهلها للتخلص من التوتر وأعباء الحياة المتراكمة، وثبت كذلك أن فن الخربشات في طريقه إلى أن يكون جزءاً من العلاج النفسي والذي قد يصبح يوماً ما حلاً لما نواجهه من مشكلات متراكمة في حياتنا اليومية. ويأتي السؤال الآن، كيف تتعلم فن الخربشات للتخلص من التوتر؟
تعلُم فن الخربشات له مميزات عديدة، تعله بطريقة سهلة
ما هو فن الخربشات؟
فن الخربشات أو الخربشة هي رسوم وخطوط لأشكال غير محددة، ولا تكون هناك نية مسبقة أو تحضير من قبل الشخص الذي يقوم بها لرسم شيء معين. ففن الخربشات هو أن تمسك بقلم وورقة وتقوم بالتخطيط أو الخربشة بلا قيد ولا هدف. معظم الخربشات تكون غير مفهومة أو بمعنى أدق تكون عفوية وتلقائية. وفي بعض الأحيان تمزج الرسومات في فن الخربشات بين الواقع والخيال، فعلى سبيل المثال يمكن أن تقوم برسم قطة لكن بشكل غير واقعي ولا تمت للقطة بصلة سوى ذيلها أو وجهها المستدير، وأحياناً ترسم شمساً مثلثة أو قمراً مبتسماً أو وردة لا تعدو عن كونها عبارة عن دوائر متلاصقة. ونرى هذا المثال بشكل واضح في الأطفال وخاصة في مرحلة الدراسة الابتدائية، حيث يكون الخيال لدى الطفل أكثر خصوبة، مما يجعله قادر على تخيل ورسم وابتكار أشكال غير تقليدية.
فن الخربشات والصحة النفسية
لفن الخربشات العديد من الفوائد، والتي يمكنها ببساطة الخروج بنا من دائرة التوتر المسيطرة على معظم البشر في ظل الحياة العصرية المعقدة التي نحياها، ومن أهم فوائد فن الخربشات ما يلي
زيادة التركيز والانتباه
يعتبر المخ البشري من أكثر الأجهزة حساسية في الجسم، ويعمل هذا العقل بانتظام ويتحكم في إفراز هرمونات تسير في مجرى الدم لتعطي الأوامر إلى جسمنا بالعمل بكل دقة ونظام. ومن تلك الهرمونات أيضاً ما يرجع مرة أخرى ليؤثر على المخ وهكذا. ويحتاج المخ إلى تحفيز حتى يعمل بنشاط وتركيز، والذي كثيراً ما نفقده عند تكرار عمل نفس الأشياء بطريقة نمطية مكررة، أو عندما نتعرض لموقف يشكل فيه الوقت العقبة الوحيدة الذي علينا اجتيازه ولا سبيل إلى ذلك سوى إكمال ما نفعله. فعندما تحضر محاضرة دراسية طويلة، أو عندما تشارك في اجتماع عمل أو حتى عندما تركب قطاراً للسفر إلى بلدة بعيدة، لا يكون هناك ما يمكنك فعله سوى الانتظار أو التفكير أو حتى تذكر أحداث سابقة أو التخطيط لأيام مستقبلية. وحسب بحث حديث تم نشره في مجلة علم النفس المعرفي التطبيقي عام 2012، على مجموعة من الطلبة، وُجد أن الطلبة الذين يقومون بالخربشة على أوراق أو في جانب من صفحات دفاترهم الدراسية هم أكثر تركيزاً في المحاضرة، وكانوا أكثر قدرة على معرفة كل تفاصيل المحاضرة وبالتالي سيحصلون على درجات أعلى من أقرانهم الذين كانوا ينصتون بشكل تقليدي للمحاضرة.
تحسين الذاكرة
خلق الله العقل البشري ليستطيع فعل عدة أشياء في نفس الوقت، بكل تناغم وتنسيق. لكن مع ضغط الحياة وزيادة التوتر والقلق يبدأ العقل في التقصير في إحدى هذه المهام، وقد يصل الفرد إلى عدم القدرة على التركيز إلا على شيء واحد فقط. ولكن في بحث قامت به جامعة واترلو تم عمل بحث على مجموعة من الأفراد، وكان يعرض أمامهم كلمات ثم طلب منهم كتابتها خلال 40 ثانية فقط من مشاهدتهم لها، وقد وجد في النهاية أن الأشخاص الذين حاولوا قراءة الكلمات وحفظها ثم كتابتها قد فشلوا في الوصول لتسجيل أكبر عدد من الكلمات، وفي المقابل فإن الأشخاص الذين اعتمدوا على نقش الكلمات أو رسمها دون محاولة فهمها أو تفسيرها كانوا أكثر تفوقاً بمرتين. وعلى ذلك فقد ثبت أن الخربشة تكسب الإنسان تركيزاً أكبر وتعمل على استرخاء المخ مما يعطيه فرصة أكبر للتذكر.
تنمية القدرات الذهنية
لنا أن نعتبر أن فن الخربشات من أبسط وأقوى تمارين التأمل، تلك التمارين التي تعمل على إزالة التوتر وتركيز الذهن وتصفية العقل. ويمكن لنا القول أن ممارسة فن الخربشات يعطي للشخص متعة وسعادة مما يجعله أكثر قدرة على التعلم والإبداع.
إضفاء البهجة وتحسين المزاج
يعتبر فن الخربشات من الفنون التي تضفي البهجة وتحسن الحالة المزاجية للشخص. وقد يكون فن الخربشات من الأساليب العلاجية المناسبة لأولئك الذين يشعرون بالخجل من المجتمع، أو الأشخاص متقلبي المزاج أو حتى ذوي الانفعالات السريعة. يعودك فن الخربشات على التفكير العميق، ويعطي إيحاءً بالإيجابية، كما يسهم في ترتيب الأفكار والتحكم في الانفعالات.
فن الخربشات والإبداع
يعتبر فن الخربشات مكتشف المبدعين، نعم، ففي البداية قد يرسم الطفل خطوطاً عشوائية، وبعد فترة من التدريب واختزانه للأشكال قد يبدأ في تطوير رسوماته لتكون مقاربة للواقع أحياناً، أو حتى يضفي عليها نوعاً من الإبداع. يمكن لأصحاب المهارات في الرسم اكتشاف أنفسهم من خلال فن الخربشات، ويمكن لهم كذلك استخدام فن الخربشات كنوع من التدريب الفني لتحسين مهارات اليد وضبط الخطوط ومعرفة التناغم اللوني والقياسات الواقعية للأجسام المرسومة.
التحليل النفسي
كما سبق وأوضحنا أن علماء النفس يعتبرون اللوحة المرسومة بالخربشات بمثابة نافذة للنظر إلى نفس المريض ومعرفة ما يجول بذهنه بكل وضوح. فقد يكون بعض الأشخاص كتومين أو لا يمتلكون القدرة للتعبير عن مكنونات نفوسهم. لكن عند الخربشة فإنك تخرج ما بداخلك بدون أي مجهود ولا تزييف. وقد أجريت جلسات تحليل بجامعة سيدني الأسترالية استطاع الأطباء النفسيين من خلال تحليلهم لخربشات المرضى الكشف عن حالات مرضية مثل الإدمان، الوسواس القهري، وبعض المشكلات النفسية الأخرى التي كانت تستلزم وقتاً طويلاً حتى يتسنى للطبيب تأكيدها. وفي الطب النفسي يوجد اختبار الخربشات، وفيه يسأل الطبيب مريضه عن وصفه لكلمة يقولها عن طريق الرسم، فمثلاً يسأله أن يصف له رؤيته لماضيه، أو قد يطلب منه رسم لواقعه وهكذا.
كيف تتعلم فن الخربشات للتخلص من التوتر؟
يمكنك بكل بساطة، تدريب نفسك على اللجوء إلى فن الخربشات كلما ألمت بك مشكلة أو حتى اختمرت في رأسك فكرة تريد إكمالها. لا تحتاج لممارسة فن الخربشات إلى مكان أو أدوات أو حتى أصول فنية يجب عليك إتباعها، كل ما في الأمر هو قلم وأي مسطح يمكنك الخربشة عليه؛ مثل ورقة بيضاء، ورقة كرتون مستخدمة، قطعة من ورقة صحيفة… بعدها امسك القلم واطلع لخيالك العنان، أعط لنفسك الوقت ولا تقطع الرسم، بعد انتهائك ستجد أنك أكثر نشاطاً وأكثر قدرة على مواصلة يومك بهدوء وتركيز.
خاتمة
يعتبر التوتر من أشد أعداء الإنسان في الحياة، ويعتبر عقبة أمام تحقيقه للنجاح في حياته العملية والاجتماعية على حد سواء. ومع زيادة إيقاع الحياة، تزداد الضغوط على الإنسان وفي وقت ما يجد نفسه لا يستطيع التحرك إلى الأمام أو حتى مسايرة الحاضر. وهناك عدة طرق للخروج من التوتر، ومن أبسطها فن الخربشات. فعند شعورك بالتوتر، امسك بقلمك، خط على الورقة ما تشعر به، أمهل نفسك وقتاً للتأمل، واشعر بالاسترخاء. وبهذه الطريقة يمكنك ممارسة حياتك بنشاط وبذهن صافي خالي من التوتر، وبتركيز أكبر.
أضف تعليق