علم التشفير (Cryptography بالانجليزية)، هو علم تشفير البيانات أي إخفائها، عن طريق تحويل البيانات (مثل الكتابة) من الشكل الطبيعي لها المتعارف عليه لدى أي شخص، إلى رموز غير مفهومة، بحيث يصعب على من لا يعرف رموز هذه البيانات وسريتها معرفة مضمون وفحوى هذه البيانات، ولهذا العلم في هذه الأيام مكانة كبيرة ومرموقة بين العلوم المختلفة، وأصبح لهذا العلم العديد من التطبيقات في شتى المجالات العسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية والمعلوماتية والمصرفية والهندسية، الخ، ويعد علم التشفير فرع من علوم الرياضيات والحوسبة، فمنذ العصور القديمة استخدم العرب التشفير في الحروب القديمة حيث كان يستخدم في المراسلات الحربية، وفي العصر الحديث توسع استخدام التشفير بعد ثورة الاتصالات، حيث تحتاج هذه الثورة الآن إلى السرية وضمان عدم الاطلاع على المعلومات أو التنصت، ومن التطبيقات العلمية الجديدة التي أفرزها التشفير تقنيات التوقيع الرقمي والتصويت الإلكتروني والنقد الرقمي، وسوف نستعرض في السطور التالية، كيفية فهم علم التشفير بطريقة شيقة ومبسطة.
تعرف على أساسيات علم التشفير
نظام التشفير
يظن البعض أن علم التشفير علم حديث لم يعرفه البشر إلا مؤخرا، والحقيقة خلاف ذلك فهو علم قديم، فكما يستخدمه البشر الآن في العصر الحديث، استخدموه في العصور القديمة، وأصبح التشفير الآن معتمدا على أساسيات رياضية متينة، ولقد استندت أغلبية نظم التشفير سواء القديمة أو الحديثة على مبدأين أساسين، المبدأ الأول هو مبدأ الاستبدال، وهو يعني استبدال الحرف الأبجدي للنص المقروء بحرف أو أكثر من النص غير المقروء (النص المشفر)، وهذا وفقا لقاعدة خاصة للاستبدال تعرف باسم مفتاح التشفير، أما المبدأ الثاني فهو مبدأ الإبدال أو القلب، ويعني هذا تغيير وتبديل مواقع حروف النص المقروء، ويكون ذلك أيضا وفقا لقاعدة استبدال معينة تعرف بمفتاح التشفير، وفي كلا المبدأين المذكورين سالفاً لا يعرف مفتاح التشفير إلا من يمتلك سرية المعلومات التي يتم تشفيرها، وسوف نستعرض في هذا المقال أمثلة مختلفة على نظم التشفير منها القديم ومنها الحديث، بحيث نخرج بعد قراءة هذه المقال بمعلومات عامة وافية كافية عن هذا العلم.
نظام قيصر للتشفير
وسمي هذا النظام بنظام قيصر لأنه ينسب إلى يوليوس قيصر ويعد هذا النظام من الأنظمة القديمة في علم التشفير ، حيث يعتبر هذا النظام من أقدم نظم التشفير التي تستند على مبدأ الاستبدال، حيث قام يوليوس قيصر باستحداث نظام لتشفير رسائله التي يرسلها إلى جنوده، وفي هذا النظام يتم استبدال كل حرف بالحرف الثالث الذي يليه في أبجدية النص المقروء، وعند فك شفرة هذا النص السري نرجع باستبدال كل حرف بثالث حرف يليه في أبجدية النص المقروء وبعد استبدال جميع الأحرف يظهر أمامنا النص الحقيقي، ويلاحظ في هذا النظام أن أبجدية النص المقروء هي نفس أبجدية النص المشفر وما حدث ما هو إلا مجرد تبديل للأحرف، ومن السهل فك شفرة هذا النظام بدون معرفة مفتاح التشفير، وذلك بواسطة حساب تواتر الحروف في اللغة الخاصة بالنص الواضح، وبعد ذلك حساب تواتر الأحرف في النص الذي تم تشفيره، وفي النهاية يمكنا توقع أكثر الحروف التي تواترت في النص الأصلي بما يقابلها تواترا في النص المشفر، وإذا ظهر النتيجة النهائية نص مقروء انكسر مفتاح التشفير.
نظام التشفير أحادي الأبجدية المبني على أساس الإبدال أو القلب
يستند التشفير في هذا النظام على أساس الإبدال أو القلب وهو تغيير أماكن الحروف في النص الأصلي ويتم الإبدال وفقا لقاعدة محددة لمفتاح التشفير، فعلى سبيل المثال يمكن في نظام التشفير هذا عكس أحرف الكلمة، فمثلا كلمة مثل (قطار) يتم تشفيرها على النحو التالي (راطق)، ولفك الشفرة تعكس الأحرف، وعلى وجه العموم وفقا لقاعدة التشفير في هذا النظام يتم فك شفرة النص غير المقروء، ويعد هذا النظام من أنظمة علم التشفير التي يسهل فكها كم تم فك نظام قيصر للتشفير، وذلك عن طريق إجراء عدة تجارب بتغيير موقع حروف كل كلمة حتى تعطي الكلمة معني مفهوم، وبمعرفة طريقة الإبدال نطبق نفس القاعدة على كلمة أخرى فإن أعطت لنا معنى مفهوم انفك مفتاح التشفير ولزيادة التأكيد يمكننا تطبيق نفس التجربة على كلمة ثالثة.
نظام مورس للتشفير
يعد هذا النظام من أنظمة علم التشفير التي تعتمد على التشفير الصوتي، حيث يكون لكل حرف من حروف الأبجدية نغمة صوتية معينة على حسب قاعدة للتشفير التي تحدد نغمة مخصصة لكل حرف من حروف الأبجدية، ويستخدم هذا النظام في إرسال المعلومات السرية عن طريق التلغراف، فترسل هذه النغمات الصوتية على هيئة صفير طويل وقصير النغمة، ولكل حرف نغمة معينة حسب قاعدة التشفير، ويكون الشخص الذي يتلقى الرسالة على علم بنغمة كل حرف فبسماعة النص المشفر على هيئة نغمات يبدأ في فك شفرة كل حرف، أي يكتب حرف كل نغمة على حسب قاعدة التشفير، حتى ينتهي من كتابة النص المشفر صوتيا المرسل إليه، وسميت هذه الشفرة بشفرة موريس نسبةً إلى مبتكرها صمويل موريس الذي صنعها في بدايات عام 1840.
وفي أوائل القرن العشرين كانت غالبية الاتصالات تستخدم شفرة موريس عن طريق استخدام الخطوط التليفونية ودوائر الراديو كما كان لهذه الشفرة استخدام بالغ الأهمية في أجهزة المخابرات والجيوش والمطارات وعلى ظهر السفن، ولكن مع التقدم العلمي، وثورة الاتصالات والثورة المعلوماتية انحصر استخدامها تدريجيا حتى بات استخدمها محدود جدا أو شبه منعدم.
أهمية التشفير
يعد علم التشفير ذو أهمية بالغة في حياتنا، حيث أنه يحقق الخصوصية والأمن للبيانات أو المعلومات التي يتم نقلها عبر أي وسيلة اتصالات، وأصبحت الحاجة إلى نظم التشفير ملحة جدا، نظرا للتطور الاتصالات والثورة المعلوماتية الهائلة في عصرنا الحالي، فلا يمكن أن تؤدي وسائل الاتصالات الحديثة الحالية مهامها بأمان بدون سرية للمعلومات الهائلة التي يتم نقلها عبر تلك الوسائل بدون تجسس أو تصنت أو قرصنة على هذه المعلومات، لذلك ولهذه الأسباب أصبح لأنظمة التشفير هذه الأهمية البالغة، في عصرنا الحالي أكثر من العصور القديمة.
الخاتمة
التشفير هو تشفير أو إخفاء البيانات المنقولة، عن طريق تحويل تلك البيانات أو المعلومات (مثل الكتابة) من الشكل الطبيعي المتعارف عليه لدينا إلى رموز غير مفهومة بحيث يصعب على من لا يعرف رموز هذه المعلومات معرفة مضمونها، ولقد عرف علم التشفير من قديم الزمان، حيث تم استخدامه في المجال الحربي والعسكري في العصور القديمة ولقد كان للعرب محاولات للتشفير في العصور القديمة، وهناك انظمه متعددة للتشفير تم ذكر بعضها في هذا المقال مثل نظام قيصر للتشفير و نظام التشفير أحادي الأبجدية المبني على أساس الإبدال أو القلب و نظام مورس للتشفير مع شرح كل نظام على حده بالتفصيل.ولقد باتت الحاجة ضرورية وملحة لاستخدام علم التشفير في عصرنا الحالي، وذلك نظرا للثورة التكنولوجية والمعلوماتية وارتباط العالم يبعضه في عصر السماوات المفتوحة والشبكات المفتوحة، حيث يتم نقل كم هائل من المعلومات إلكترونيا عبر وسائل الاتصالات الحديثة مثل شبكة الانترنت والأقمار الصناعية والفاكس، فلابد من إيجاد طرق لحماية وتأمين تلك المعلومات من التصنت أو التجسس.