علم الاجتماع البشري هو علم مجال بحثه مواضيع مثل التمدن والعلاقات الإنسانية، فقد بدأ الإنسان بعد أن كان مجرد ساكن كهوفٍ يبحث عن قوت يومه ويحمي أطفاله ليلًا من الوحوش في تكوين المجتمعات، وبعد أن عاش حياة التنقل والخوف والتغير وجد في نفسه الحنين إلى الاستقرار والمنزل الآمن والوطن، وجد بنفسه رغبةً في تكوين مجتمع يأنس فيه بالآخرين ويؤنسهم، وجد أنه لن يستطيع التقدم أو تقديم شيءٍ لهذه الحياة ما لم يبدأ بأن يقدم لنفسه المنزل والموطن، وبعد أن وجد الإنسان ضالته تلك في الآخرين بنى لنفسه المجتمع وأقام فيه حياةً وبدأ مع الاستقرار يجد لنفسه الحرف ويبحث في الأرض عن موارد الحياة، ومر عليه الزمن وبدأت العلوم في الظهور، بدايةً أوجد العلوم التي احتاج إليها واستخدمها في حياته والوصول إلى ضرورياته وأساسياته كالطب، ثم التأمل فيما حوله ومحاولة فهم الطبيعة وتحليلها كعلم الفلك، ثم جاءت عليه لحظة أدرك فيها أن عليه أن يجد علومًا جديدة، ليست بعملية الطب أو ملموسةً مرئيةً كالفلك وإنما هي أقرب ما يكون للتاريخ والقصص التي كان يرويها عن الأجداد، جاءت تلك اللحظة التي أدرك فيها الإنسان أنه أعظم مخلوقٍ على هذه الأرض وأنه يحتاج علومًا له، علومًا تتحدث عنه وتدرسه كما درست ما حوله فبدأت علومٌ مثل علم الاجتماع البشري وعلم النفس في الظهور، علومٌ وضعت الإنسان ومجتمعاته وحياته وكينونته هي المركز وبدأت بالدوران في فلكها لدراسته.
علم الاجتماع البشري وعلم النفس
علم الاجتماع البشري
علم الاجتماع البشري هو علم يدرس الإنسان لكن من الخارج، أي الإنسان وعلاقته بمجتمعه وبمن حوله ويحاول أن يضع القواعد والقوانين والنظريات التي تفسر سلوك الإنسان وأفعاله داخل المجتمع، يركز على السلوك الاجتماعي للشخص سواءً كان إيجابيًا يتقدم به في علاقته بما ومن حوله أو سلبيًا يؤخره عن أقرانه في ذلك، العلم يدرس الحياة الاجتماعية بكافة أشكالها ويدرس المجتمعات عن قرب، المجتمع لدى علم الاجتماع البشري ليس لفظًا جامدًا ولا لقب مكانٍ أو شيءٍ غير ملموس، المجتمع هو عبارةٌ عن كتلةٍ تنبض بالحياة وحدتها الإنسان، ومن هذا المنطلق بدأ العلم في دراسة حركات المجتمع ونشأته وتقدمه وتخلفه وطريقة تفاعله وتعامله مع المجتمعات الأخرى، ووضع يده على العراقيل والعوائق التي تواجه تقدمه وتمكن من وضع مناهجٍ لحل تلك المشكلات وتجاوزها والنجاة به، هذا العلم يتعامل مع المجتمع كأنه كائنٌ حيٌ يشعر ويفكر ويقرر ويسعد ويحزن وينجح ويفشل، كما أنه يجمعنا معًا ويدرس تفاعلاتنا ويهدف إلى تقريبنا من بعضنا وغايته استقرار الإنسان وأمانه وإشباع الحاجة الغريزية فيه للشعور بالأمان والاستقرار وإيجاد الوطن والانتماء إليه، علم الاجتماع البشري تجده يجمع بين كل العلوم وكأنه حلقة الوصل التي تربط علوم الفكر والإنسان بعلوم الطبيعة والأرض محاولًا دمجهما معًا وإيجاد الطريقة الأفضل التي يوفر بها بيئةً تناسب الإنسان وتليق به وتشبع حاجاته وتريحه.
علم النفس
وعلى الناحية الأخرى جاء علم النفس يدرس الإنسان بذاته، ليس ما خارجه وما حوله كما فعل علم الاجتماع البشري وإنما كشف أستاره وهدم جدرانه وتعمق بداخله يعرض أسراره، علم النفس بحث عن مركز الروح وأخذ يغوص في أعماق الذات البشرية محاولًا إيجاد الإجابة على كل ألغازها، الإنسان لغزٌ بحد ذاته لكن الأكثر حيرةً أنه لغزٌ متحركٌ لا يعرف كيف يحل نفسه، الألغاز تخبئ أسرارها بداخلها ولا شك في أن اللغز يعرف حل نفسه أليس كذلك؟ لا ندري ولم نعد متأكدين من ذلك لأن الألغاز هامدةٌ جامدة لا تخبرنا إلا بسرها الذي نظن نحن أنها تعرفه ولم نقابل قط لغزًا قادرًا على التفكير والتكلم غير الإنسان، وللأسف كان الإنسان لغزًا لا يعرف ذاته، وجد الإنسان أنه يسأل نفسه أسئلةً كثيرةً ويحتار في إجاباتها ونفسه صامتةٌ كالقبر لا تجيب فجاء علم النفس يجاور علم الاجتماع البشري تاركًا له الخارج وبدأ يبحث هو في الداخل، هذا العلم هو دراسةٌ للإنسان ولكل اللاملموس واللامحسوس فيه، دراسةٌ لتصرفاته وأفعاله وأفكاره وأحاسيسه ومشاعره وردود أفعاله وطريقة حياته، دراسةٌ للأشياء التي نفعلها بدافع العادة دراسةٌ للأفعال التي تدفعنا إليها الغريزة دراسةٌ للذات البشرية الصافية بدون إضافات، ثم دراسةٌ لتفاعل ذاتٍ مع ذات وروحٍ مع روح وكيف يتصرف الإنسان حول غيره من البشر وتفسير تلك التصرفات والأفعال، ثم جاء الجزء الأهم الذي درسه علم النفس وهو تأثير الخارج على الداخل، وتحقيق القانون الفيزيائي المادي بأن لكل قوةٍ قوةً مساويةً لها في المقدار ومضادةً لها في الاتجاه، فبدأ يخبرنا عن الذي يحدث للإنسان نتيجة كل ما يقع عليه من العالم الخارجي وكيف يكون صدى ذلك في نفسه.
الفرق بين علم الاجتماع البشري وعلم النفس
الفرق الأول والأبرز كان المكان والاتجاه! علم الاجتماع البشري خارج الإنسان أما علم النفس فداخله، علم الاجتماع البشري يدرس المجتمع حول الإنسان وما يعطيه وما يأخذ منه بينما علم النفس يدرس أثر كل ذلك المجتمع وكل ما صنعه علم الاجتماع البشري على نفس الإنسان من الداخل، علم الاجتماع البشري يخبر علم النفس عن الأحوال التي يعيش فيها الإنسان وعلم النفس يفسر لعلم الاجتماع البشري كيف يشعر الإنسان اتجاه تلك البيئة وسبب تفاعله معها بتلك الطريقة أو تلك، علم الاجتماع البشري يحاول أن يوفر للإنسان الاستقرار يحاول أن يعطيه بيئةً مريحةً ملموسةً وحلًا عمليًا اجتماعيًا لكل ما يحدث حوله وللحياة التي يعيش فيها، بينما علم النفس يحاول أن يعطي الإنسان الإجابات التي طلبها وحسب، يحاول أن يساعده على الفهم والإدراك أكثر يحاول أن يتجاوز به مرحلة الحيرة ويحاول أن يعطيه سر فهم الحياة بأن يفهم نفسه في المقام الأول، علم النفس يريد أن يعطي للإنسان أرضًا ثابتةً معنويةً لا تهتز تحت قدميه ليشعر بالثقة وعلم الاجتماع البشري يريد أن يهديه الأرض الملموسة والوطن المحسوس، علم الاجتماع البشري يريد أن يتنبأ للإنسان بكيف ستصبح حياته وأين سيكون مجتمعه في المستقبل أما علم النفس فكل ما يريده هو أن يخبرك كيف سيكون رد فعلك في الموقف التالي وكيف تتجنب الرد الخاطئ وتجد الصحيح وتفهم الآخر.
هل يعني ذلك أن كل علمٍ منهما وحده؟
إن تأملت قليلًا في كلا العلمين ثم جئت تقول أن علم الاجتماع البشري وعلم النفس لا يمتان لبعضهما بصلةٍ وكل علمٍ منهما قائمٌ بذاته يمكن أن يستغني عن الآخر فأنت لم تستوعب شيئًا من هذين التوأمين المتشابهين المختلفين، لسنا نبالغ لو قلنا أنه لم يكن ليوجد أحدهما لو لم يوجد الآخر فاليوم الذي ولد فيه علمٌ منهما كانت لحظة الإعداد لولادة الآخر، إن قلنا باختصارٍ أن علم الاجتماع البشري يدرس المجتمع فما المجتمع؟ إنه مجموعة أفراد بدونهم لن يكون موجودًا من الأساس، ثم قلنا أن علم النفس يدرس الفرد فما الفرد؟ هو نواة المجتمع ولا مفر من وجود المجتمع إن وجد، كل ما في الأمر أن كل علمٍ يدرس وجهًا مختلفًا من العملة أفلا يلتقي وجها العملة معًا؟ قد لا يلتقيان بالوجه لكنهما ملتصقان تمام الالتصاق من الظهر يدعم كل وجهٍ منهما الآخر، لو لم يكن هناك علمٌ يدرس النفس البشرية وسلوكها لما عرف علم الاجتماع البشري كيف يدرس المجتمع ويحل مشاكله ويتقدم به، ولو لم يكن هناك علمٌ يدرس الحياة الاجتماعية والبيئة المحيطة بالإنسان لما عرف علم النفس أبدًا إجابة سؤالٍ واحدٍ من أسئلته.
أضف تعليق