تعتبر الطائرة من أهم الاختراعات في عصرنا الحالي، وقد شهدت صناعة الطائرة تطورات عديدة، فقد وصلنا من مرحلة الطيران الفاشلة التي قام بها (عباس بن فرناس) إلى تواجد الطائرات المدنية، والحربية، والشراعية، ومؤخرا ظهرت الطائرات التي يتم التحكم بها عن بعد، وعند النظر إلى صناعة الطائرة نجد البسيطة منها ذات المحرك الواحد، والمعقدة ذات المحركات العديدة، وتعود أول عملية طيران ناجحة إلى القرن الثامن عشر، وتمت بواسطة منطاد هوائي، وتعتبر الحرب العالمية الأولى والثانية سبب التطور السريع في هذه الصناعة.
استكشف هذه المقالة
كيف تتحرك الطائرات في الهواء؟
تعتبر الطائرات أثقل من الهواء، وترتكز ميكانيكية حركة الطائرة على قوانين الحركة والدفع، حيث تعتمد حركة الطائرة على دفع الهواء عكس اتجاه حركتها، وتنقسم حركة الطائرات إلى قسمين: المحرك، حيث يساعد في دفع الطائرة للأمام، والأجنحة، وتعمل على مساعدة الطائرة في التحليق لأعلى وأسفل، وتختلف وسائل الإقلاع من طائرة لأخرى، حيث يجب أن تتغلب الطائرة على فرق ضغط معين حتى تتمكن من الإقلاع، وهذا سبب رؤيتنا سير الطائرة لمسافة على الأرض قبل الإقلاع، حيث يجب أن يكون ضغط الهواء فوق جناح الطائرة أكبر من ضغطه أسفل الجناح، ونجد بعض الطائرات الحربية الأخرى تقلع إلى أعلى بشكل مباشر، وذلك لاعتمادها على قوة دفع الغازات في المحرك، حيث يوجد في المحرك ريش تساعد على دفع الهواء لأسفل، وتتشابه هذه الآلية كثيرا مع آلية إقلاع الصواريخ الفضائية، كما نجد بعض الطائرات بأجنحة ثابتة وتعتمد هذه الطائرات بشكل أساسي على سرعتها حيث تحقق لها سرعتها فرق الضغط المناسب للإقلاع، وتعود أول تجربة لهذا النوع من الطائرات إلى الصين عام 500 قبل الميلاد، ويرجع الفضل في التطور الذي حدث في الطائرات إلى الأخوين (رايت)، حيث نجحا في صناعة أول طائرة أثقل من الهواء تعتمد على محرك وجناحين ثابتين.
صناعة محركات الطائرات
يعد محرك الطائرة من أهم الأشياء التي تقوم عليها صناعة الطائرة ، كما تعد من أكثر الصناعات تعقيدا في العالم، حيث تقوم على العديد من الأقسام والأجزاء التي تعمل مع بعضها في تناغم، ويعد قانونا نيوتن الثالث والثاني للحركة هما القاعدة الأساسية التي تقوم عليها صناعة المحركات، وتعتمد حركة الطائرة على احتراق الموائع وتوليد قوة دفع عالية، وتنقسم محركات الطائرات إلى الكثير من الأنواع، لكن يوجد نوعان هما الأساس التي تقوم عليهما هذه الصناعة، وهما: المحرك التوربيني، والمحرك المكبسي، ويعتبرا الأكثر استخداما في الأنواع المختلفة من الطائرات. وتنقسم المحركات بشكل أساسي إلى مقطعين رئيسيين، وهما المقطع الساخن والمقطع البارد، أو القلب الأساسي، وقسم الدفع.
ولصنع محرك طائرة نحتاج عدة أدوات وهي:
- مروحة عملاقة يبلغ قطرها 274 سم، والتي ستدور بمعدل 2800 دورة كل دقيقة.
- عمود للدوران، ويعمل هذا العمود على ربط مراوح التوربين والمراوح الأمامية للطائرة ببعضها.
- ضاغط للهواء مزود بالعديد من المراوح الصغيرة في عدة صفوف متتالية.
- غرفة الاحتراق، وفيها يتم خلط الهواء بالوقود.
- التوربين، ويتكون من أسطوانات وريش دائرية تستمد طاقتها من الهواء المحترق.
- العادم أو (الخرطوش)، وهو ما يسحب الهواء في النهاية ليخرجه من جسم الطائرة.
ويتم ربط هذه الأجزاء مع بعضها لتعمل كوحدة واحدة، وسنعرض الآن أشهر آليتين لعمل المحركات.
المحرك التوربيني
يعتبر المحرك التوربيني من أشهر أنواع المحركات في أثناء صناعة الطائرة ، وهو المحرك الذي نراه عادة عند النظر إلى الطائرات الرابضة في المطار، وتعتبر الآلية الميكانيكية لهذا المحرك هي الآلية الشائعة التي تقوم عليها معظم المحركات، يبدأ المحرك بشكل هندسي مخروطي يسمى (الضاغط)، ويعمل الضاغط على سحب الهواء ثم يدخله إلى عدة مراوح صغيرة تعمل على ضغط الهواء، ثم تسلمه بدورها إلى منطقة الاحتراق ويقوم الجزء المسمى (حاقن الوقود) على خلط الوقود بالهواء المضغوط بالوقود، ثم يتم إشعال هذا الخليط عن طريق شرارة كهربائية، فيحدث انفجار شديد للغازات وتتجه هذه الغازات مباشرة إلى عدة مراوح موجودة في التوربين ومزامنة مع هذه العملية تتحرك المراوح في مقدمة الطائرة حيث تكون متصلة بعمود مع مراوح التوربين، وتصل القوة المتولدة في هذه المراوح إلى 1500 حصان، ثم تخرج هذه الغازات عن طريق العادم بقوة كبيرة تدفع بها الطائرة وكل مكوناتها إلى الأمام. ويعد المحرك التوربيني من أكثر المحركات تنوعا في شكله وتركيبه ووظائفه، حيث يتواجد بأنواع عديدة مثل: المحرك التوربيني المروحي، المحرك التوربيني الغازي، المحرك التوربيني البخاري، والكثير من الأنواع الأخرى، كما يستعمل في عدة آلات أخرى حيث يستعمل في الدبابات وبعض السفن.
المحرك المكبسي
تقوم فكرة عمل المحرك المكبسي على تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة حركية، ويكتسب الطاقة من غرف الاحتراق التي تصمم مشابهة لغرف الاحتراق في المحرك التوربيني، ويتكون هذا النوع من المحركات من عدة أسطوانات، حيث يتم صف الأسطوانات زوجيا على خط مستقيم، ويعتبر هذا المحرك هو الشائع في الطائرات الحربية، ويقتصر هذا النوع من المحركات على الطائرات ذات العجلات الخلفية، وتعتبر المشكلة الأساسية في هذا المحرك هو صعوبة التبريد حيث يستغرق المبرد وقت لإيصال الهواء لآخر أسطوانة، ولهذا السبب اقتصر عدد الأسطوانات على 4 أو 6 فقط، كما تقل قوة هذا المحرك بكثير عن المحرك التوربيني حيث تصل قوته 400 حصان، ولصنع هذا المحرك ستحتاج إلى:
- علبة المرافق: وتعتبر الوحدة الأساسية التي تحتوي على أجزاء المحرك الداخلية والخارجية.
- الأسطوانات: تثبت الأسطوانات في علبة المرفق.
- بيستونز: قطعة دائرية تعمل على سحب الهواء وضغطه.
- قضبان اتصال: تستعمل كوصلة للاتصال بين البيستونز والعمود المرفقي.
- صمامات: تتحكم في التحكم في كمية الهواء واحتراقه.
- آلية تشغيل الصمام: يعتمد عليه في سير الأمور بالشكل الصحيح.
- العمود المرفقي: يعتبر من أهم الأجزاء في المحرك حيث يعمل على وصل الأجزاء ببعضها وتوصيل القوة اللازمة للمراوح.
ويتم ربط هذه المكونات مع بعضها وفقا لآلية التشغيل التي ذكرناها.
هيكل الطائرة وخطوات صناعة الطائرة النهائية
يعتبر التعقيد الذي يلزم هذه الصناعة هو السبب الرئيسي في استغراق صناعة الطائرة الواحدة لعدة سنوات، وأحيانا نجد العديد من الدول يقومون بصناعة طائرة واحدة. عند النظر للهياكل الداخلية والخارجية للطائرة وآلية التصنيع فسنجد أن علم المعادن وخلطها وعلم الميكانيكا الإلكترونية هما الركيزتان اللتان تتم بهما صناعة الهياكل بجانب قوانين الفيزياء المتعددة، ولصنع الطائرة يجب أولا رسم النسخة المتخيلة على الورق، ويفضل بعد ذلك عمل نموذج مصغر قبل القيام بالطائرة الأصلية، حيث يتم شراء المعادن والأشياء اللازمة، ويتم نحت هذه المعادن لتشكيل جسم الطائرة، والجناحين، ثم تتم صناعة الذيل، وبعد ذلك تربط هذه الأجزاء مع بعضها ويتم وضع المحرك في قاعدة الطائرة، ثم يتم وضع محركين آخرين على الأجنحة كي يساعدا في تحريك الشفرات (المراوح)، ثم يتم تركيب مركز القيادة في مقدمة الطائرة، ويتم وضع أجهزة الملاحة، والاستقبال، ووضع جهاز التسجيل الذي يعرف بالصندوق الأسود، وبعد هذا يتم إغلاق الهيكل ووضع ثلاث عجلات رئيسية، وبعد إتمام الخطوات النهائية تكون الطائرة قادرة على الإقلاع، ويفضل العلماء أن يصنع الهيكل من الفولاذ والألمنيوم، وذلك لأن الألمنيوم يجعل السبيكة أخف كما يكسبها متانة عالية ويحافظ على تركيبه البلوري في درجات الحرارة المرتفعة. وبالتأكيد تختلف طرق الصناعة والتركيب حيث توجد طائرات بحاجة لوضع المحركات رأسيا، وأخرى بحاجة لوضعهم أفقيا، وهكذا العجلات وتركيب الأجنحة، ويرجع القرار النهائي للشكل الذي سيخدم صناعة الطائرة التي تتصورها.
صناعة الطائرات الحربية
تعتبر الطائرات الحربية أصعب من صناعة الطائرات المدنية، وأكثر تعقيدا، كما تحتاج إلى مهندسين وعمال أكثر خبرة وحرافية بهذا المجال، وللطائرات الحربية العديد من الأنواع، حيث نجد الطائرات العسكرية حاملة الجنود، وقاذفة القنابل، والكثير من الأنواع الأخرى كما تختلف طرق الصنع من بلد لأخرى، لذا سنوضح الأساليب المشتركة بين هذه البلاد في الصناعة، تعمل الطائرة الحربية بمحرك توربيني نفاث يشبه إلى حد كبير المحرك في الصواريخ إلى أن مراحل صنعه تعد أكثر تعقيدا، تتشابه آلية تشغيل محرك الطائرة الحربية مع آلية تشغيل الطائرة العادية، حيث يستمد الهواء من الجو ويعمل على ضغطه وحرقه لتتولد قوة دفع هائلة تعمل على تقدم الطائرة، وللبدء في صناعة محركات الطائرة الحربية، يتم أولا عمل قوالب شمعية لهذه المحركات، ثم يتم صب هذه المحركات وفي حالة لم تكن عملية الصب موفقة يتم إعدام الهيكل مباشرة، وإن كانت بالشكل الملائم يتم العمل عليها مباشرة، وبعدها يتم عمل نماذج شمعية للأجزاء الصغيرة في المحرك ثم يسكب المعدن عليها ويترك ليأخذ الشكل المطلوب، وبعد ذلك يتدخل الروبوت في العمل حيث تطلى المجسمات الشمعية بطبقة سيراميكية أو معدنية، ثم يتم تجفيف هذا الشكل والتخلص من الشمع ليبقى له الشكل الذي يريده.
الخطوات الأخيرة في صناعة المحركات الحربية والهيكل
بعد أن تتم صناعة أجزاء المحرك والانتهاء من القوالب، تدخل عملية صناعة الظائرة جميعا في مرحلة المعالجة الميكانيكية. وبالنظر لصناعة المحركات الحربية نجد للروبوتات دور كبير في هذه الصناعة حيث تعمل بدقة عالية بجانب توفيرها للمال والوقت، وتعتمد كفاءة المحرك على جزء يسمى (الدولاب الأحادي) وكان عمله يصل إلى شهر تقريبا، أما اليوم فتستعين المصانع بآلة خاصة تقوم بعمله في عدة أيام فقط وبدقة تفوق ما كان يصنع به، وبعد الانتهاء من كل الأجزاء، ترسل إلى مركز متخصص في قياس الأجزاء وتحديد دقة الصنع، وعند الانتهاء من كل هذه الخطوات ترسل القطع إلى مركز التجميع، ويقوم المركز بتركيب هذه الأجزاء وجعلها جزءا واحدا، ويصل طول المحرك بعد الانتهاء منه إلى خمسة أمتار، ويبلغ وزنه طنا ونصف، بعد هذا تقوم الشركة المصنعة بإدخال المحرك لغرفة يتم تشغيله بها، وعند التأكد من عمل المحرك على الوجه الأمثل يتم إرساله إلى شركة أخرى تقوم بضمه مع باقي أجزاء الطائرة، وحينها يكون تم الانتهاء من هيكل الطائرة والتي يتم عملها من صفائح معدنية خفيفة وقوية، وعمل الدعامة التي تربط الهيكل المعدني ببعضه، ويتم نحت الهيكل وتركيبه حسب النموذج المرسوم ثم تثبت العجلات، وتصبح الطائرة جاهزة، وفي هذه المرحلة يتم تثبيت الأسلحة التي يراد استخدامها على الطائرة، مثل: تركيب قاذف للقنابل، أو الصواريخ.
وهكذا قد عرضنا لكم نبذة صغيرة عن واحدة من أعقد الصناعات، وتعد صناعة الطائرات من أكثر الصناعات التي غيرت في شكل عصرنا الحالي، سواء الطائرات العسكرية التي غيرت مجرى التاريخ، أو الطائرات المدنية التي جعلت العالم قرية صغيرة يسهل التحرك فيه، وما كان يستغرق شهورا للسفر أصبحت الطائرة تنجزه في عدة ساعات، وللفائدة الكبيرة التي تعود علينا من صناعة الطائرة تكثر الأبحاث والتجارب في تطويرها، ويظل السؤال هل سنصل إلى اليوم الذي سيكون لكل منا طائرته الخاصة حيث سيتحرك في العالم بكل سهولة؟
أضف تعليق