إن صداقة الطفل والعناية به، أقل طريقة لشكر الله -تعالى- على نعمته، فكما أن الأبناء هبة من الله إن أعطاها للكثيرين، فقد حرم منها الكثيرين أيضًا، وليس من الشكر أن نقابل نعم الله –تعالى- بالإهمال، وترك الأبناء دون مراقبتهم، أو بمعنى آخر صداقتهم بطريقةٍ صحية، وكثيرًا ما نرى الفجوة التي تجتاح العديد من الأسر والتي يكون فيها كل من أفراد الأسرة منعزلًا، لا علاقة له بالآخر، وكثيرًا ما نرى الأهل منزعجين من بُعد أبناءهم عنهم، وعدم الإتاحة لهم بالقرب أو الدخول في دائرتهم، فربما يُعرض الابن عن صداقة والديه بالفعل، ولكن سيبقى الأصل والسبب الرئيسي في يد الأب والأم منذ البداية!
صداقة الطفل : لماذا تعتبر الأسلوب الأفضل في التربية ؟
ما معنى صداقة الطفل ؟
صداقة الطفل لا تعني فقط إعطاء الطفل جرعات متفاوتة من الحب، أو مجرد احتضانه من وقتٍ لآخر.. هذا شيءُ جميل، ولكن صداقة الطفل هي أن تمده بالثقة الكاملة والتي تجعلك تنزل بعمرك كي تواكب فكره وعمره، في مراحله المختلفة، وتجعله ينفتح لك، ويعطيك الثقة الكاملة بالمقابل دون خوفٍ منك، وتأتي تلك الثقة أيضًا بأن يشعر الطفل بأنه يستحق صداقتك التي أهديتها له، فصداقة الطفل هي ترجمة عملية للحب على هيئة فعل أصدق من هذا الذي يأتي عابرًا ولا يستمر.. هي التي تخبر بها طفلك أنك تحبه قولًا وفعلًا، قلبًا وقالبًا! فهي تعني تلاشي الجدار الفاصل بين الطفل وأبويه، في حدود الاحترام والتقدير التي يحرص الأب على عدم تلاشيها، لأن الهدف الأساسي من صداقة الطفل وهو التربية.
أهمية صداقة الطفل
إن الطفل في بداية الأمر لا يعرف أحدًا سوى والديه الذي يستقي منهما جل ما يعرفه من غير إدراكٍ منه، كما أن الصفات التي لديه ليست وراثية وهذا أمرٌ مريحٌ نسبيًا، بحيث يعطي فرصة للوالدين تجنب الصفات الخاطئة أمام الأبناء، ولكن الصفات التي يحملها الطفل تكون مكتسبة، فعندما يكون الوالد منطويًا، أو لا يحب التعامل كثيرًا في المنزل، والسكوت المطلق.. فينشأ الطفل هكذا، ناهيك عن تأخر النطق الذي ربما يصيبه لأن أحدًا لا يكمله، فهوه يحتاج إلى الحب والوقت الكافي الذي يجب أن يشبعه أبواه به، لينشأ الطفل صحيحًا سليمًا بعيدًا عن التعقيد، والانطواء، أو ضعف الشخصية، وما إلى ذلك من تلك الأمراض النفسية التي تنشأ مع الطفل منذ الصغر، لذا فليس من الجيد بالطبع أن تكون العلاقة مع الطفل مجرد علاقة سطحية، لا يتخللها أي من مظاهر الحب، فنرى كثيرًا من الآباء لا يستطيعون التعبير عن حبهم الذي يكنونه لأبنائهم، كما أن إعطاء الحب للابن يجعله قادرًا على إعطائه بالمقابل لكل من حوله، أو على الأقل رده إلى والديه، فثمرة هذا الأمر لا تنتهي لأجيال عديدة، فيجب على الوالد أن يتأكد بأن أي خللٍ يحدث لابنه وكان هو سببًا فيه أو لم يكن فإن هذا الخلل لا ينتهي عند حدود ابنه، بل يستمر هذا الخلل لأجيال عديدة، لذا فإنك ترى أن نسل الشخص يشبهه قلبًا وقالبًا، فإن تشكيل الطباع مفتاحها في يد الأب والأم.
كما أن صداقة الطفل لها أهمية كبرى في سن المراهقة، فعندما يعتاد الطفل على مرافقة أمه وأبيه والحديث معهما وقضاء الوقت سيساعدهما هذا على تفهم ما يمر به في فترة المراهقة، ومساعدته على حل مشكلاته الخاصة بهذا السن والتي تعرض له، بعكس الطفل الذي لا يلجأ إلى والديه لحل مشكلاته فيذهب لاستبدالهما بأحدٍ آخر من نفس سنه لا خبرة له، ويمر بنفس الظروف.. فلا يتخذ قراراتٍ صحيحة، فيقع الابن في الأخطاء التي يتعرض لها بحسب هذا السن الصعب، لذا فإن صداقة الطفل مهمة جدًا فتجعل الطفل مفعمًا بالحب والحيوية، قادرًا على مواجهة المشكلات وحلها، غير منطويًا على نفسه، يعلم أن المنزل هو مكان للحب، واللعب، فلا يهرب منه دائمًا بل يهرب إليه.. وعندما نتحدث عن البنت فيكون الموضوع أكثر خطورة، فنحن نعلم جيدًا أن الفتيات تتغير نفسيتهن بطريقه جنونية، خاصةً في فترة المراهقة، وأن مشكلات الفنيات لا تقل خطورة عن مشكلات الأولاد، بل ربما وتزيد، كما يصعب التعامل معها إن ظلت الفتاة منطوية على نفسها لا تشارك والديها بما تمر به، لأنها لم تعتد على ذلك الأمر.. لذا فإن مواجهة الفتاة مشكلاتها وحيدة ليس دائمًا ما يجعلها تمر في سلام، بل ربما يتسبب هذا الأمر في مشكلاتٍ أكبر ليست من السهولة حلها.. وربما تستقبل الفتاة صداقة أبيها بطريقة أفضل كما يقولون أن البنت تميل إلى أبيها والفتى لأمه، ولا أعلم مدى صحة هذا الأمر من عدمه، ولكن لا بأس بكون واحدٍ منهما تثق به ابنته وتخبره بحالها وما تمر به!
إهمال صداقة الطفل
لقد سردنا أهمية صداقة الطفل التي تجعله في النهاية شخصية صحيحة، سوية، تمتلك الثقة والحب، قادرة على التعايش في المجتمع، وفي المقابل عندما يأخذ الأب أو الأم وضعًا سطحيًا في المعاملة مع الأبناء، فالأب يقصر مهمته على أنه ماكينة لتدر المال فقط، والأم على أنها تهتم بنظافة المنزل وغيره فقط، فتنشأ فجوة كبيرة بين الأهل وأبنائهم.. تجعل الطفل يلجأ لإعطاء طاقة الحب التي لديه لمن يعطيها له من الخارج، دون تقييم صحيح لتلك الشخصية، لأنه في سنٍ لا يستطيع فيه استخدام عقله بطريقةٍ صحيحة، كما يتخذ قدوة خاطئة كي يسير على خطاها، وعندما تتكون شخصية الطفل ويكون قد فات الأوان لتشكيلها مرة أخرى ربما يعامل أخوته بنفس الطريقة، فيظل البيت بأكمله في تلك الحلقة المجوفة.. وربما المعاملة الجافة للأبناء تجعل الطفل أكثر انطوائية وعزلة، لا يحب البقاء في المنزل طويلًا، ومن الممكن أن تؤثر على مستواه الدراسي، وتجعله يميل دائمًا للعنف في كثير من المواقف، فهو يأخذ استراتيجية أبيه في المعاملة أيًا كانت ويطبقها على من يستطيع، ونجد الكثير من الأهل ينزعجون من عدم الاحترام في تعامل أبنائهم معهم، وذلك يرجع إلى عدم شعور الابن أو البنت بهذا الرابط الذي من المفترض أن يربطهم بأهلهم لأنه من البداية لم تتكون علاقة صحية سليمة.
كيف تصبح صديقًا لأطفالك؟
لكي تستطيع أن تكون صداقة مع أطفالك عليك بتخصيصٍ وقتٍ ثابت للعب معهم، والمشاركة في نشاطاتهم وهواياتهم، ويجب أيضًا أن تفي بوعدك الذي قطعته حتى يضع ثقته فيك كاملة، ومشاركة الوقت تساعد على إلغاء الحاجز الذي يكون مبنيًا من البداية لوجود فارق السن، كما أن إنفاق الوقت هو الذي يجعل طفلك صديقًا لك.. أكثر من مجرد إنفاق المال الذي يظن الكثيرون أنهم قد أدوا بإنفاقهم له رسالتهم الأبوية في الحياة.. بل إن الإسراف في إنفاق المال على الطفل يجعله مسرفًا، لا يعرف قيمة المال الذي يأتيه، ربما يجعله أنانيًا متسلطًا لا يريد شيئًا إلا ويتم إحضاره، فالمال ليس كل شيءٍ في التربية، بل إن غرس القيم والأخلاق هي المقياس.. وعند قضاء الوقت الكافي مع ابنك عليك باحتضانه من وقت لآخر، عليك إخباره بأنك تحبه، كأن تذكره بذلك.. إنك لن تسأم من فعل ذلك لأنك بالفعل تحبه، إذا فقط عليك أن تنفض عنك غبار الإحراج، وقم بالتعبير عن حبك بالقول أيضًا لا بالفعل فقط.. كما أن عليك أن تستمع إلى أحاديثه الصغيرة، بل أن تكون مستمعًا جيدًا، حتى يكبر ويستطيع الحديث إليك دون حرج، فلا تتصيد له الأخطاء ولا تستخدم معه صيغة الزجر والنهي كثيرًا.. ومن الطرق التي تجعلك تكسب صداقة الطفل أن تبتعد تمامًا عن السخرية من طفلك وأفعاله، أو التقليل من شأنه أمام أحد، أو بينك وبينه، فنفسية طفلك أهم من أي شيء، وأيضًا ساعده في اختيار ما يريد دون أن يشعر أنك صاحب سلطة وأمر ونهي.. ومن أهم الأشياء التي أراها مهمة أن تقوم الأم أو الأب بمعرفة أصدقاء الطفل ومصاحبتهم، فالأمر لا ينطبق على الطفل فقط وصداقته، بل على أصحابه أيضًا، فيعطي هذا طفلك إحساسًا بالاهتمام قوي، كما يشعر بالفعل أنك صديقًا له، وفي هذه المرحلة يمكنك أن تطمئن على من يقضي الطفل معهم وقته خارج المنزل، وماذا يفعل دون إعطاء إحساس له بالمراقبة، ومن الأشياء الكثيرة الخاطئة والتي يقع فيها الآباء وهي الفجوة الزمنية بين جيل الأب والأم وجيل الابن.. مثل التكنولوجيا الحديثة، والتي من السهل أن يتعلمها الطفل بسهولة، ولكن تجد أنك كشخص كبير من الممل أن تتعلمها أو تتعلم أمرًا جديدًا مرةً أخرى..وهذا ليس صحيحًا فأن يمتلك الطفل تقنية لا تعرفها أنت يجعله لا يهتم بمرافقتك لأن هذه اهتماماته، ربما عليك أن تتعلمها وحدك لتبهره بالأمر، وترافقه في ألعابه كصديق له.
صداقة الطفل وتربيته ليست بالأمر السهل.. ولكنه يحتاج منك كل دقيقة تحاول فيها أن تتقرب منه، وتساعده على أن يصبح سليمًا قويًا قادرًا على أن يتعايش في هذه الحياة، ويثبت نفسه، ويتفوق فيها، كما أن تجربته معك ستساعده على أن يصبح أبًا رائعًا فيما بعد.
أضف تعليق