سنة الاختلاف ليس شيء سهل في بلادنا عموماً لأن بلادنا العربية تعتمد غالباً في حالتها الاجتماعية على مبدأ الاستقرار والثبات ولا أحد يحب أبداً التجديد لأنه غالباً يكون مخيف. وقد يكون المثل الشهير أن “الإنسان عدو ما يجهله” هو أبسط دليل على هذه الفكرة حيث الاختلاف يعد تجديد ولكن ما لا يعلمه بعض الناس أن سنة الاختلاف هي الحقيقة ولا يوجد شيء ثابت وأن الثبات في حد ذاته هو خدعة كبيرة جداً، حتى المادة التي نعتقد أنها ثابتة فهي ليست كذلك في الحقيقة بل أي مادة تتكون من ذرات تتخبط في بعضها البعض بشكل دائم ولا نهائي وهذا ليس فقط تدليل على إن الثبات وهم ولكنه إثبات أيضاً أن التنوع والاختلاف حقيقة ولابد من تقبلها. ولا يجب مقاومة المختلفين بشكل محبط وسيء لمجرد أنهم لا يريدون ما نريده أو ليس لديهم ما لدينا أو لديهم ما ليس لدينا فنعتقد أن هذا سيء وشرير، لأن قبول الاختلاف كما سنعرف أنه أساس التقدم للدول والأسرة وأساس المتعة وأساس التغير وكل شيء جميل، حيث أن الشيء الجميل هو المختلف الذي لم تراه من قبل لذلك ما يبدوا لك طبيعياً يبدوا لغيرك مذهل، وربما أنت تتعجب من ردة فعل أحدهم يرى شيء أن تراه يومياً ولا تهتم بالموضوع من الأساس. ولذلك عزيزي القارئ يجب عليك أن تتابع هذا المقال جيداً لأنك لو كنت مختلف وتعاني ستجد الكثير مما يساعدك في هذا المقال.
سنة الاختلاف لم تعتبر موافقة للطبيعة البشرية ؟
الاختلاف ليس كارثة
الكثير من الأسر لا تتفهم سنة الاختلاف وخصوصاً مع أولادهم بل تجد أن الوالدين لديهم طموحات وتوقعات لأولادهم معينة، وإن فُرض والولد أراد أن يختلف عن هذا التوقع تحدث الكارثة لدى الأسرة وسيكون هذا بالنسبة للأسرة ما إلا فقدان للولد الذي استثمروا فيه كي يخرج لهم بالصورة التي يريدونها. ومن الأمثلة الشهيرة مثلاً أن الأسر العربية تحب الهالة المجتمعية للطبيب أو الدكتور فيكون هذا بالنسبة لهم شرف، ولكن الذي يحدث عندما يريد الفتى مثلاً ألا يدخل كلية الطب ويدخل كلية الفنون الجميلة بسبب عشقه للرسم ويحبه، فتجد هنا حرب بدأت بين الأهل والولد وسيقنعونه تماماً إنه يجب إن يصير طبيب ومن ثم يمارس الرسم كهواية ليس إلا ولن يقدروا أبداً اختلافه عن توقعاتهم. ومن هنا يكونون قد شكلوا بقية حياة هذا الولد على إرادتهم ليخرج في الأخير شخص كاره لحياته على الرغم أن حياته في نظر الآخرين رائعة ولكنه هو سيشعر دائماً أنه لا يفعل ما يحب. ولهذا على الأب والأم خصوصاً أن يتقبلوا سنة الاختلاف في هذه الحياة ولا يحاولون أن يقمعون أولادهم ويجبروهم على قرارات قد تؤدي فيما بعد لعوائق نفسية هم لا يدركوها لسبب بسيط لأن ابنهم ليس مثلهم هو مختلف وعادي جداً أن يكون مختلف، فلا يجب على الضابط أن يكون ابنه ضابط ولا يجب على القاضي أن يكون ابنه قاضي ولا الطبيب ابنه طبيب، بل طبيعي أن يكون للابن ميول مختلفة وهذه هي سنة الحياة.
الاختلاف ليس بدعة
كثير من الناس يتعاملون من الاختلاف في الآراء على إنه بدعة أو ميول شيطانية وخصوصاً فيما يتعلق بالحريات الشخصية. في مجتمعنا العربي الحرية الشخصية ليست مكفولة سوى للرجل البالغ أما المرأة بكل فئاتها العمرية أو الشباب حتى قبل ما يعتمدون على أنفسهم فهم ليس لديهم مساحتهم الشخصية الكاملة بل الأهل والوالدين لديهم قناعة شديدة أن أولادهم ملكهم ولا يجب أن تكون لهم مساحتهم الشخصية، معتقدين أن ذلك سيضر بهم فيما بعد لأن الحرية المطلقة لا تأتي سوى بأشياء ضالة وسيئة ولأجل كل هذا فإن أي شيء مختلف يفعله الأولاد عن ما يعلمه الأبوين فهو يعد في حد ذاته جريمة، وبعض العائلات لا تعتقد أن الفتاة يجب أن تغني وأن ذلك بدعة ولا يليق وآخرون يعتقدون أن الأولاد لا يجب أن يعزفوا الموسيقى لأن هذا سيؤدي بالأخير إلى ذهابهم أماكن سيئة وسيتعاملون مع أشخاص سيئين ثم سيتناولون المخدرات ثم سيعبدون الشيطان. نعم عزيزي القارئ كل هذا حقيقة في اعتقاد بعض الناس عن أشياء عادية ولا يدركون أن هذه سنة الاختلاف وأن الزمن غير الزمن وأن التطور الذي يحدث الآن في العالم هم بعيدون عنه بسبب أنهم لا يتغيرون وثابتين على حياة واحدة ووتيرة واحدة من العيش لن يغيرونها أبداً، بل ويريدون أن أولادهم أيضاً يعيشون نفس الوتيرة وإن اختلفوا عنهم يكون مصيرهم سيء. ولكن في الحقيقة يجب أن يكون لديك الشخصية الكاملة حتى وإن واجهت والديك ما دمت لن تهين أو لن تتسبب في مصيبة، اختلافك عنهم يحدد هويتك وأنت يجب عليك أن تكون نفسك وليس ما يريدونك أن تكونه وربما سيصدمون منك في البداية، ولكن عندما تنجح فيما تحب ستجدهم اقتنعوا وفهموا لكنهم لن يعترفوا، وخصوصاً الأهل العرب، أنهم كانوا على خطأ فهذه طبيعة شعب ليس إلا.
قمع الاختلاف
هناك بعض الشعوب لا تتعامل مع الاختلاف بالطريقة العادية بل تتعامل مع المختلفين أو المعارضين سواء فكرياً أو سياسياً أو دينياً بطريقة دكتاتورية، ووقتها يكون القمع هو الحل الوحيد الذي يعرفونه، في حين أن الحقيقة هي أن سنة الاختلاف هي القادرة على التطور وليس الثبات على موقف معين. الثقافة التي تقبل الاختلاف هي الأبقى وليس ثقافة الإجبار على حالة واحدة وهناك كثير من الثورات في العالم قامت بسبب فكرة قمع الحريات، والحكومات التي تعتمد على فكرة تلقين الشعوب لسياسة واحدة ولا بديل عنها واضطهاد المعارضين وسجنهم غالباً تكون حكومات ضعيفة جداً وتعتمد على السرقة والاختلاس وعدم الشفافية، فلو كانت حكومة تعتمد على الشفافية لقبلت النقد لأنهم لن يخافوا من شيء، ومن ثم الشعوب ليست غبية ومن الممكن أن تظل شعوب في القمع لمدة سنين عديدة ولكن الثورة والفيضان سيأتي لا محالة في وقت ما. سنة الاختلاف تجعل الناس يفكرون في أن القمع شيء غير مقبول في كل شيء لأنه من الممكن أن يتنازل أحدهم عن اختلاف لأجل أن يحيا ولكن عن كل اختلاف فهذا ليس جيد نفسياً. الإنسان خلق ليعيش حراً على هواه ولا أحد يحب سياسة القمع لذلك الدكتاتورية هي أقصر الطرق إلى الفشل وذلك بسبب سنة الاختلاف.
الاختلاف يعطي التكامل
سنة الاختلاف ليس مجرد تعبير مجازي ولكنها شيء طبيعي يعطي التكامل بين البشر عموماً، ولكن للأسف ليس كثير من الناس يقدرون هذه الفكرة بل الجهل أيضاً لا يعترف بالاختلاف لأنه كما قلنا إن الإنسان عدو ما يجهله تماماً. ولكن إن جئنا للحياة الواقعية، ما الذي يجعل الحياة مستمرة ومتكاملة غير سنة الاختلاف؟ فليس الكل طبيب وتعال فلنتخيل أن الكل طبيب، فهل ستجد من يقضي بين البشر أو هل ستجد بقال تشتري منه مستلزمات البيت أو هل ستجد من يصلح الكهرباء؟ فلو كان الكل طبيب إذاً الحياة ستتوقف. ولذلك يجب عليك عزيزي القارئ أن تعلم جيداً أهمية الاختلاف وتبدأ في التعامل مع تلك الأهمية في حياتك الشخصية، ويجب أن تبحث داخل ذاتك عن ما تحب أن تكونه أو تفعله ولا تعطي أذنك لأحدهم لأنه سيجعلك تكون نسخة كربونية من الشيء الذي تمناه هو ولم يحققه. هناك مغنين مشاهير وأغنياء وهنا لاعبي كورة أغنياء ومشاهير ولكن هناك أيضاً لاعبي كورة عاديين لم يأخذوا حظهم من الشهرة والمال ولكنهم يكملون ما يفعلون لأنهم يحبون ذلك ولا يتخيلون حياتهم من دون اللعب والتمرين. ثانياً لا تجعل خيالك داخل الصندوق دائماً بل دع اختلافك يحدد نفسه لتجد نفسك شخص مبدع وجميل وتكمل سلسلة الاختلاف التي نعيش فيها باتزان، لأن الاختلاف يعطي اتزان للمجتمع الذي نعيش فيه.
المختلفين دائماً عظماء
الكثير من قصص النجاح والناس العظماء تعتمد على سنة الاختلاف، بحيث كان اختلاف هؤلاء الأشخاص عن المعتاد يجعل منهم غريبين ومبدعين وفعلوا ما لم يفكر فيه أحد من قبل، ولذلك عندما يتعلق الأمر بالإبداع ينصحك معلمك دائماً أن تفكر بطريقة جديدة ومختلفة سواء كنت تكتب أو ترسم أو تفعل أي شيء حتى قد يكون بالنسبة للأخريين مميز. مثال على هذا الموضوع قبل عام 2004 لم يكن يوجد ما يُعرف بمواقع التواصل الاجتماعي ولكن عندما فكر أحد المبرمجين في صنع نافذة يتشارك فيها مارك زوكربرج وأصدقائه في الجامعة صورهم وأحوالهم انتشر البرنامج كالنار في الهشيم ليصبح بعدها بأربع سنين أغنى شاب في العالم بل وأشهر شاب في العالم بسبب موقع الفيس بوك الذي غير تاريخ العلاقات البشرية في سنين معدودة، ومن ثم ظهرت مواقع أخرى تحت بند مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وواتس أب وغيرهم، وكلاً منهم يتفرد في فكرة التواصل الخاصة به. وهنا قيمة الاختلاف عزيزي القارئ مع هذا الشاب عندما فكر في فكرة ربما لو قالها لأبيه أو أمه كان سيقول له كفاك حلماً وركز في دراستك ولكن الحقيقة أن التفكير خارج الإطار المنطقي هذا في حد ذاته إبداع ويجب أن تتمسك به إذا كنت تمتلكه.
لا تحاول أن تكون مختلف
وهذه هي النقطة الأهم ففي كل النقط السابقة كنت أدعم المختلفين ولكني أيضاً سأحذرك من فكرة أن تحاول أن تتصنع الاختلاف لأن هنا ستجد نفسك في خانة سيئة جداً في وسط المجتمع، لأنك ستتصنع شيء لمجرد أن يشير عليك الناس ويقولون انظروا إلى هذا المختلف وهذا هو المبدأ المشهور الذي يدعى “خالِف تُعرف”. ودعني أحذرك جداً من هذا المبدأ ولا تحاول أن تتخذه في حياتك درب حيث ستخسر كل أحبابك، والأكثر شراً من ذلك أنك ستخسر ذاتك وتميزك الحقيقي بأنك تقلد شيء أو تتصنع شيء ليس حقيقي فيك.
أخيراً سنة الاختلاف هو من ضمن المواضيع المهمة وأرشح لك أن تقرأ أكثر عن الموضوع ولا تتوقف عند هذا المقال فقط، وحاول أن تجد التميز الموجود داخلك في شخصيتك وحاول أن تتكيف معه ولا ترفضه ولا تكن خجولاً من نفسك حيث إن الاختلاف هذا ليس سوى طبيعة داخلك أنت خُلقت بها ولم تقم بتقمصها. ومهما قال لك الآخرين أنك سيء ويجب أن تتراجع، لن أقول لك أن تقاومهم لأجل المقاومة ولكن حكم قلبك وما يرتاح له قلبك افعله، فإن شعرت أن هذا الاختلاف سيؤدي إلى أن تكون في طريق مضر لحياتك إذاً خذ بالك من نفسك، ولكن إذا كان اختلافك سيؤدي إلى أن تكون شخص عظيم ولا أحد يرى ذلك سواك إذاً صدق نفسك. سأقولها لك مرة أخرى صدق نفسك ولا تخف ولا تيأس.
أضف تعليق