العقل البشري هو أخطر عضو في تاريخ الكائنات الحية، لذلك سجن العقل يعتبر هو أكبر حالة اعتقال في التاريخ. لكن الغريب أنه لا أحد يستطيع أن يسجن العقل البشري سوى العقل نفسه. حيث أن العقل البشري هو المسئول عن حياة الإنسان بكل معنى الكلمة. أيضًا العقل هو الوعي والذاكرة ومراكز الترجمة الحسية مثل اللمس والبصر والسمع. العقل هو مركز الإبداع ومركز التفكير ومركز التخطيط. الفكرة هي وليدة العقل لذلك من المستحيل أن يسجن عامل خارجي عقل إنسان فحتى لو سجن جسد الشخص، فسيظل عقله حر. يتخيل ويقرأ ويستنبط ويفكر ويتذكر ويبدع كل أنواع الأفكار دون سجن. لذلك أخطر خطر على عقل الإنسان هو عندما يبدأ هذا العقل في أن يحارب ويسجن نفسه.
استكشف هذه المقالة
سجن العقل بسبب الخوف
الخوف هو رد فعل تلقائي عند البشر والكائنات الحية الأخرى تجاه المخاطر حتى يتجنبها الكائن الحي ليستمر في الحياة بعيد عن أي شيء يسبب له خطر ما على حياته. إذًا الخوف هو ليس سوى علامة تحذيرية لحياة الإنسان. لكن ماذا لو تمكن هذا الشعور على الإنسان أو الحيوان. إليك النتيجة؛ هل تعلم أن عندما يزأر الأسد بكل قوته في سرب غزلان من الممكن أن يحدث شلل حركي لأحد هذه الغزلان. أي ما يحدث هو شلل دماغي أدى إلى فقدان القدرة على الحركة بسبب خوف الغزالة. أيضًا هناك نوع من الفئران في أمريكا اللاتينية عندما يتعرض للخطر يتعرض للإغماء. وكانوا العلماء يعتقدون في البداية أنه يمثل الموت حتى تنفره الضواري ولكنهم فيما بعد عرفوا أن عقله يفقد الوعي من الخوف. أيضًا بالنسبة للإنسان هل تعلم أن بنسبة 80% من الطلاب الذين يكونون قد درسوا معلومة ولم يتذكرونها في الامتحان هو بسبب الخوف من الرسوب أو عدم النجاح والوصول إلى المجموع المطلوب.
نتائج الخوف
كل هذه النتائج التي يسببها الخوف للعقل سواء البشري أو الحيواني هي حقيقية. وتأتي لسبب بسيط وهو أن عند الخوف، لا يعمل العقل بصورة كاملة مثل الطبيعي. بل يتجه بكل قوته نحو فكرة النجاة من الخطر. مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الأدرينالين في الدم وزيادة ضربات القلب. كل هذه الأعراض المباشرة تتسبب في سجن العقل البشري داخل محاولة النجاة. أما بقية أجزاء العقل فهي تصاب بالشلل. ولذلك يطلب من أغلبية الموظفين في الوظائف الحساسة أن يستطيعوا العمل تحت الضغط. حيث لديهم القدرة العقلية على عدم الخوف في الظروف الصعبة وعمل القرارات الصائبة.
سجن العقل بسبب اليأس
اليأس هو حالة نفسية من الاستسلام التام للفشل وعدم فعل أي شيء. وهو غالبًا يصيب البشر لأنهم غالبًا من يملكون إرادة الاختيار بصورة مطلقة ومتطورة. مشكلة اليأس أنه مرض نفسي. وإن أردنا أن نحدد موقع النفس البشرية فهو غالبًا سيكون في عقل الإنسان. حيث الذكريات والإرادة وقوة التفكير. لذلك الحالة النفسية التي يسببها اليأس تتسبب في سجن العقل البشري داخل فكرة الفشل. لذلك تجد الشخص اليائس شخص مصاب بمرض الاكتئاب. وهو مرض خطير حيث يصل الشخص لمرحلة من اللامبالاة بالآخرين بطريقة تثير القلق. فيعجز العقل عن الإبداع. وتنهار الثقة بالنفس لدى هذا الشخص. ويعتبر نفسه شخص ليس لديه أي قدرات أو مواهب وهذا في حد ذاته يجعل عقلة سجين أكثر داخل كل هذه الأفكار السلبية.
علاج اليأس
الحل بالطبع لسجن العقل عن طريق اليأس هو التشجيع والإيجابية من الذي يحيطون بهذا الشخص. أو من نفسه لو كانت البنية النفسية لهذا الشخص قوية. فربما يسجن داخل أفكاره اليائسة بعض الوقت ولكن سرعان ما تتغلب الإرادة وتفك أسر العقل عن طريق الأفعال والخطط الإيجابية، والتفاؤل وتأمل القادم بصورة جيدة وسوية.
سجن العقل عن طريق اللغة
في رواية جورج أوريل 1984 والتي تعتبر من أشهر الروايات السياسية في التاريخ، أبدع الكاتب فصلًا كان يتكلم فيه عن أن كلما قلت الكلمات التي تعبر عن الحرية والديموقراطية كلما انتهى معنى هذا المفهوم من حياة المجتمع. وبالتالي سيتحكم السياسيين في الشعب عن طريق شيء بسيط جدًا، وهو أنه عدم وجود مفهوم لغوي يصف معنى حرية الرأي والتعبير. بعدها بعدة سنوات لاحظ بعض علماء اللغويات هذه الملحوظة وقرروا أن يدرسونها. فذهبوا إلى شعب الدنمارك والمجر ودول اسكندنافيا. ووجدوا أن لغة هذه الشعوب لا تحتوي “التسويف” والتسويف هو تأجيل الفعل. مثل “سوف أسافر غدًا” أو سوف أكل بعد قليل”. هناك في هذه البلاد ليس لديهم مستقبل في لغتهم بل لديهم حاضر وماضي فقط. ولذلك وجدوا أن 80% من هؤلاء الناس لا يؤجلون أعملهم اليومية لليوم التالي. وهذا لأن اللغة لا تحتوي فكرة التأجيل.
تحليل العلماء لعلاقة اللغة بالعقل
من هذا المثال حلل العلماء هذه الظاهرة وقالوا إن اللغة هي وسيلة التعبير لدى العقل الإنساني. فالحيوانات لا تفهم ما يقوله الإنسان لأنهم لا يفهمون لغة الإنسان، في حين أن الببغاء الملون وهو الكائن الوحيد الغير بشري القادر على النطق، يفهم ما يقوله الإنسان بعقل طفل لا يتخطى السنتين. ومن هنا نجد أن سجن العقل قد يكون بسبب أن اللغة غير قادرة على التعبير عما هو داخل الإنسان. ولذلك وجد نوع أدبي يدعى “الشعر” وهو القدرة على التعبير عن المشاعر ومكنونات الإنسان عن طريق عمل تشبيهات. وكمثال لو لغينا كلمة “حب” من قاموس العقل فسيبدأ العقل في العجز عن التعبير عن مشاعر الإعجاب بالآخرين، بل وسيختل مفهوم الحب لديه، ولن يفهم الفارق بين حب الأبوين وحب الأصدقاء وحب العاطفة. العقل سجين اللغة وكلما كانت اللغة قادرة على ترجمة أفكار العقل كلما كان هذا الإنسان أذكى.
العادات والتقاليد
بالطبع العادات والتقاليد عبارة عن سجن للعقل ولكنه سجن خارجي وداخلي في نفس الوقت. حيث إن العادات والتقاليد هي أعراف وثوابت قد فرضها القدماء على الأحداث. وفرضوها على حسب زمانهم ووقتهم وظروفهم الاجتماعية والزمنية والمادية. ولذلك استمرار فكرة العادات والتقاليد والأخذ الكامل بها دون النظر إلى الظروف المحيطة بالشخص يعد أكبر سجن للعقل.
لكن هناك مشكلة أكبر تحدث عندما تتحول العادات إلى إيمان مطلق وتام. حينها ينغلق العقل على هذه الأشياء ويصبح التشكيك أو السؤال فيها جُرم وقد يؤدي إلى القتل أحيانًا. بل وأن في كل التاريخ وكل الحضارات نرى حروب قامت بسبب عدم احترام الأعراف والعادات. ولكن هذه المشكلة لو كانت في دماغ شخص مثل جاليليو جليلي لكان لم يصحح للناس مفهوم دوران الشمس حول الأرض. لأنه قوبل بالتكفير لمجرد أنه بدأ أن يفكر بعقلة بطريقة منطقية. وهذا هو لب الموضوع فيما يتعلق بسجن العقل عن طريق العادات والتقاليد. العقل لن يفكر بمنطقية الزمان والمكان الحاضر بل سيفكر بأفكار القدماء، والخروج عن فكرهم سيعد جريمة تستحق العقاب.
ختام
التعبير عنما يدور في العقل هو الحرية الحقيقية للعقل. لذلك عندما يبدأ العقل في فقد القدرة والسيطرة على هذه الأفكار حينها يتكون سجن العقل. ولذلك يجب على كل شخص أن يتجنب المسببات التي ذكرنها في المقال.
أضف تعليق