زراعة النخاع أو ما يسمى بزراعة الخلايا الجذعية، هي إحدى العمليات التي يتم اللجوء إليها لنقل الخلايا الجذعية من المريض أو من أحد المتبرعين، بهدف علاج أمراض وراثية أو مناعية كأمراض السرطان ونقص المناعة المكتسبة؛ الكثيرون لا يعرفون تفاصيل عن عملية زراعة النخاع فمعظمهم يعتقد بأنها عملية جراحية إلا أنها ليست كذلك على الإطلاق هي مجرد عملية لنقل الدم وتكمن خطورتها في احتمالية حدوث مضاعفات لا أكثر. زراعة النخاع أثبتت نجاحها في علاج العديد من الحالات المرضية، في مقالنا سنستعرض كافة المعلومات والتفاصيل الخاصة بزرع النخاع.
زراعة النخاع من الألف إلى الياء
ما هو النخاع العظمي؟
النخاع، عبارة عن نسيج يتواجد في عظم الإنسان ويضم ما يعرف بالخلايا الجذعية التي تعمل على تقسيم نفسها لتكوين خلايا الدم كخلايا الدم الحمراء والبيضاء إضافة إلى الصفائح الدموية التي تعمل بدورها على حماية الجسم من الأمراض والحفاظ على الصحة، فالخلايا البيضاء مثلا تساعد على مكافحة الالتهاب وتقوي مناعة الجسم، أما الصفائح الدموية فهي مسئولة عن تخثر الدم، بينما كريات الدم الحمراء تمنح الجسم الأوكسجين اللازم. والآن ننتقل إلى زراعة النخاع بتفاصيلها ومراحل تطورها:
تاريخ
أول من قام بعملية زراعة النخاع في العالم هو الدكتور الفرنسي جورج ماثي المتخصص بالأورام السرطانية والحميدة، وكان ذلك في عام 1959، حيث أجرى العملية إلى خمسة عمال من الجنسية اليوغسلافية كانوا يعملون في مفاعل النووي وأصيبوا بفشل النخاع العظمي نتيجة لتسرب إشعاعي حدث في معهد فينكا النووي، وقد فشلت عملية الزرع لرفض أجسامهم الخلايا الجذعية الجديد.
بعد فترة، أجرى الدكتور ماثي زرع النخاع لعلاج مرض سرطان الدم، ثم أجريت العملية لمصابين بأمراض أخرى غير مرض السرطان من قبل الدكتور الأمريكي روبرت قود في جامعة مينيسوتا سنة 1968.
قام كل من الدكتور توماس دونال بالتعاون مع فريقه الطبي التابع لمركز فريد هاتشينسون في سياتل على تطور زراعة النخاع وقد حصل على جائزة نوبل في فسيولوجيا الطب نتيجة لإنجازاته هذه، حيث توصل في دراسته وأبحاثه إلى أن الخلايا الجذعية التي تم حقنها في الوريد بإمكانها إعادة إنتاج خلايا جديدة، كما أنه تمكن من تخفيض نسبة مهاجمة خلايا المتبرع أي الخلايا الجديدة للمريض كونها كانت سببا رئيسيا لحالات الوفاة.
أما الآن، فقد أصبح هناك العديد من المراكز الطبية التي تقوم بعمليات زرع النخاع، حيث يوجد أ:ثر من 1327 مركز طبي في 71 دولة، وبحلول عام 2006 أجري أكثر من 50417 عملية زراعة النخاع في العالم ككل، وكان معظم الأمراض التي تم استخدام العملية فيها كانت لسرطان الليمفوما وسرطان الدم.
أنواع زراعة النخاع العظمي
يعتمد اختيار النوع الملائم من زراعة النخاع العظيم على مدى تمكن المرض من النخاع العظمي، بالإضافة إلى عمليات البحث والتحاليل التي يتم عملها للمتبرع ما إذا كانت العينة مطابقة للصفات النسيجية الخاصة بالمريض، وهذه الأنواع تشمل:
- زراعة النخاع الذاتي: وهي أكثر أنواع زراعة النخاع نجاحا، حيث يتم تجميع الخلايا الغير مصابة والسليمة من جسم المريض نفسه بعد إخماد المرض أو اختفائه من جسم المريض، ويتم إعادتها مرة أخرى للمريض.
- زراعة النخاع عن طريق متبرع آخر، وقد يكون المتبرع أحد أقرباء المريض من الدرجة الأولى كأشقائه مثلا، حيث يتم عمل تحاليل للمتبرع لمعرفة مطابقة الأنسجة، ويفضل أن يكون المتبرع شقيق المريض من الأب والأم حتى تكون عملية المطابقة صحيحة؛ كما يمكن أيضا الزرع من خلال متبرع غير قريب، أو زراعة الحبل السري، حيث يتم أخذ الخلايا من الحبل السري لأنه يحتوي على كمية كبيرة من الخلايا الجذعية بعد الولادة، يتم حفظها في بنك الخلايا ومن ثم نقلها إلى المريض.
الأمراض التي تستخدم فيها عملية زراعة النخاع:
- أمراض السرطان، مثل سرطان الدم بأنواعه، متلازمة خلل النسج النقوي، الأورام اللمفاوية، الورم النقوي المتعدد، مرض التكاثر النقوي، وداء نشواني.
- الأمراض الوراثية، مثل مرض فقر الدم اللاتنسجي، الأنيميا المنجلية، متلازمة ويسكوت الدريخ، داء البلعمة، التلاسيميا، وقلة العدلات الوراثي.
- الأمراض المناعية مثل مرض نقص المناعة الوراثي.
وهناك أمراض أخرى تم إجراء عملية زراع النخاع لها ولكن مازالت تحت حقل التجارب ولم يثبت فاعليتها بعد ولم يتم إجراء أي دراسات علمية في شأنها، مثل مرض السكري وجلطات الدماغ والإصابة بالشلل بمختلف أنواعه.
كيف تتم عملية زراعة النخاع ؟
أولا، خد الخلايا الجذعية من المتبرع
أولى خطوات إجراء عملية زراعة النخاع تتم من خلال التبرع بالخلايا، حيث يتم تسجيل المتبرعين بالخلايا الجذعية في السجل الوطني إلا أنه للأسف في وطننا العربي لا يوجد سجل خاص بذلك فيما عدا المملكة العربية السعودية.
بعد فحص مدى مطابقة الأنسجة من خلال تحليل الدم، يتم أخد عينة الخلايا الجذعية من المتبرع عن طريق الدم، حيث يتم حقن المتبرع بإبر تحت الجلد لمدة لا تتجاوز الخمسة أيام لقياس مستوى الخلايا الجذعية، وعند التوصل إلى العدد المطلوب يتم حقن المتبرع بإبرة في وريد الذراع ويتم تجميع الخلايا الجذعية بواسطة جهاز يفصل الخلايا عن الجسم، ومن ثم يتم إرجاع بقية الدم ثانية إلى جسم المتبرع، عملية تجميع الخلايا عن طريق الدم لا تحتاج إلى التنويم في المستشفى ولا تحتاج إلى عملية التخدير لأتها لا تؤثر على المتبرع إطلاقا حيث يتم تعويضها تلقائيا وبشكل سريع.
ويمكن سحب الخلايا الجذعية عن طريق النخاع، وفي هذه الحالة يتم تخدير المتبرع تخديرا كاملا وبالتالي يحتاج إلى التنويم في المستشفى، ويتم أخد الخلايا الجذعية من نخاع العظم المتواجد في عظمة الورك الخلفية للمتبرع، وتعتمد كمية النخاع المطلوبة وفقا لوزن المريض الذي سيجرى له عملية الزرع.
ثانيا، التحضير للزراعة
يقوم الطبيب المختص بشرح كافة التفاصيل المتعلقة بعملية الزراعة ونوعها والعلاج الذي سوف يتم استخدامه إضافة إلى المضاعفات الممكنة التي قد تحدث للمريض سواء على المدى القريب أو البعيد بشكل تفصيلي، ثم يتم عمل فحص سريري عام وتحاليل للدم شاملة لكافة أعضاء الجسم على الكبد والكلى والصدر والرئتين ورسم تخطيط للقلب وفحص للأسنان، والغرض من هذه الفحوصات هو التأكد من سلامة المريض وحالته الصحية بحيث تسمح بإجراء عملية الزراعة.
وفي المرحلة التحضيرية أيضا يتم عمل قسطرة في الوريد لكي يتمكن المريض تلقي العلاج الكيميائي والأدوية اللازمة ومنتجات الدم والغذاء لتصل إلى مجرى الدم بشكل مباشر، كما يتم سحب دم من المريض من خلال الإبرة، ويتم إعطاء المريض تخديرا موضعيا قبل البدء بالقسطرة.
ثالثا، مرحلة ما قبل الزراعة
يتم تنويم المريض وإعطائه علاج تحضيري وهو عبارة عن علاج كيميائي وفي بعض الحالات يحتاج المريض إلى علاج إشعاعي أيضا، الهدف من العلاج الكيميائي هنا خفض نسبة حدوث رفض للخلايا الجذعية الجديدة وإذا كان يوجد خلايا سرطانية يتم تدميرها، كما أن العلاج التحضيري مهم لمعرفة المكان الذي سيتم زرع الخلايا الجديدة فيه.
رابعا، عملية الزراعة
يقوم الطبيب المختص بنقل الخلايا الجذعية التي تم تجميعها عن طريق القسطرة الوريدية، ويتم ذلك في غضون ساعتين، وبعد ذلك يتم توزيع الخلايا في الجسم إلى أن تنتقل إلى النخاع، ثم تبدأ الخلايا الجذعية بتكوين خلايا جديدة سليمة إلى أن تنتشر في جميع أنحاء الجسم.
خامسا، ما بعد الزراعة
بعد إجراء عملية نقل الخلايا يصبح الجسم قادرا على تكوين خلايا دم جديدة بيضاء وحمراء وصفائح دموية بشكل مباشر، ولكي تنمو الخلايا الجديدة قد يستغرق ذلك مدة من الزمن إلى أن تنمو في جسم المريض وهي تختلف عادة من مريض إلى آخر إلا أنها تحتاج من 14 إلى 21 يوما لا أكثر.
الجدير بالذكر أنه في الوقت الذي تكون فيه الخلايا منعدمة يشعر المريض ببعض التعب والضعف وقد يكون عرضة للإصابة بالالتهابات وفي هذه الحالة يتم مد المريض بالمضادات الحيوية، ويجب في هذه الفترة أن يتم تغذية المريض بالغذاء المناسب وتناول كمية كبيرة من السوائل لمساعدته على الشفاء.
التأثيرات الجانبية
تنقسم التأثيرات الجانبية لزراعة النخاع إلى قسمين تأثيرات قريبة المدى وأخرى بعيدة المدى، وتختلف وفقا لنوع الزراعة والعلاج التحضيري الذي يتم استخدامه.
فالتأثيرات الجانبية قصيرة المدى تضم الشعور بالغثيان، القيء، الإسهال، سقوط الشعر بشكل مؤقت، ظهور آلام في الفم، وهذه التأثيرات عادة ما تظهر نتيجة للعلاج الكيميائي أو الشعاعي المستخدم، وتزول بعد فترة قصيرة من الزمن.
وقد يصاب المريض ببعض الالتهابات نتيجة لنقص خلايا الدم البيضاء نتيجة لانعدام الخلايا ولذلك يعطى المريض بعض المضادات الحيوية للوقاية من الإصابة بالالتهابات أثناء فترة الزراعة، كما يتم عزل المريض ومنع الزيارات عنه كإجراء احترازي.
ومن الممكن أيضا أن يهاجم الجسم الخلايا الجديدة التي تم زرعها من قبل المتبرع سواء على المدى القريب أو البعيد.
أما التأثيرات الجانبية بعيدة المدى، فهي التأثير على وظيفة أحد الأعضاء في الجسم كالغدد التناسلية أو الإصابة بالعقم، الإصابة بمرض غيامة العدسة، وفي هذه الحال يحتاج المريض إلى متابعة دولية بعد عملية الزرع.
خاتمة
يمكننا وصف عملية زراعة النخاع بالسهل الممتنع، فهي برغم من بساطة إجرائها إلا أنها تساعد على حل الكثير من المشكلات الصحية وتقي المريض من الإصابة بالمرض مرة أخرى بنسبة كبيرة، بينما تكمن خطورة الزراعة في المضاعفات التي قد يتعرض لها المريض وفي حال عدم حدوثها سيتم له الشفاء بإذن الله.
أضف تعليق