من منا لا يعرف روايات هاري بوتر !، أو على الأقل لم يسمع عنها من قبل؟ ربما إن قرأت هذه الرواية وتعمقت في تفاصيلها الدقيقة فلن تكون مبالغة أبدًا إن أسميتها “أسطورة” فالقليل من الأعمال تلك التي يبقى أثرها مع الزمن، و روايات هاري بوتر هي واحدة من تلك الأعمال، لعلك إن صادفت أحدهم وكان ممن يتابع تلك الروايات، ويقرأ الكتب منذ الصغر.. فستتعجب عندما تراه يحمل نفس الشغف عندما يتعلق الأمر بهاري بوتر، لأن التعلق بالشيء ينطفئ مع العمر، ولكن هذا يختلف تمامًا مع روايات هاري بوتر ، فالجيل الذي كبر مع شخصيات الرواية، وانتظر الكتاب تلو الآخر بشوقٍ حاد، ربما ساعدت تلك الرواية على تكوين شخصيته، أو ربما ساعدت على جعل طفولته أكثر روعة وتشويقًا.. ولكن الأكيد أن عبقرية تلك الرواية تتمثل في التدرج الرائع في الأحداث حيث أن الأجزاء الأولى منها ناسبت شخصياتها وأحداثها الفئة العمرية التي تتابعها مشاهدةً أو قراءة، وما إن تكبر الشخصيات تكبر الأحداث، وتصبح أكثر دقة وعمقًا، لتناسب بهذا الفئة العمرية التي كبرت معها، فأنا مثلًا أنوي أن أحتفظ بروايات هاري بوتر حتى أكبر، ومن ثم يكبر معها طفلي كما فعلت!
روايات هاري بوتر وسبب شهرتها الفائقة
روايات هاري بوتر
هي عبارة عن سلسلة روائية مكونة من سبعة كتب، كتبتها الروائية البريطانية ج.ك رولينج، والتي تحولت لسلسلة من الأفلامٍ مكونة من ثمانية أجزاء فيما بعد، تدور أحداثها في عالم سحري، حول فتى يدعي “هاري بوتر” أسود الشعر، وله نظارات دائرية مميزة، وكيف أنه هو الوحيد الذي نجا من الموت في صغره على يد “فولدمورت” الملقب بسيد الظلام، حيث أن والدة هاري بوتر قد حمته بتعويذةٍ أصبحت حائلًا بينه وبين الموت المحقق على يد سيد الظلام، ولم ينتج عن هذا إلا ندبة صغيرة على جبين هاري بوتر، بينما انهارت قوى “فولدمورت” وتلاشى حينها، ثم تدور الأحداث في العالم السحري، الذي يتعرف فيه هاري بوتر على صديقيه “رونالد ويزلي” صاحب الشعر الأحمر، والذي يأتي من أسرة متوسطة الحال من السحرة، وله العديد من الأخوة الذين يمتلكون جميعهم شعرًا أحمرًا أيضًا، وصديقته العبقرية الجميلة “هيرمايوني جرينجر” التي تمتلك والدين من العامة أي ليسوا من السحرة، وتتابع الأحداث في هذا العالم الرائع، ويتصارع فيه الخير والشر، فيحظى في رحلته بالمزيد من الأصدقاء، كما يفقد الكثير أيضًا، ونحظى نحن بعالمٍ متكامل من السحر والجمال والتشويق الذي وهبته لنا ج.ك رولينج.. وقد أصدرت أول رواية لهاري بوتر والتي تحمل اسم “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” في عام 1997م، والتي حققت نجاحًا باهرًا ما إن صدر، رغم أن العديد من دور النشر لم تقبل بهذا العمل الأدبي في بداية الأمر، إلا أنه عندما نشر قد أصاب ضجيجًا رغم كل شيء، ومن ثم تحول إلى إنتاج سينمائي ضخم بدأ في عام 2001م وقد حققت إيرادات تصل إلى 6.4 مليار دولار في الشباك العالمي، وترجمت تلك الكتب إلى 69 لغة. وقد جعلت تلك الرويات مواهبها الصغيرة من الممثلين نجومًا صاعدة، كما حققت لهم نجاحًا ليس بالقليل، بل أن منهم أصبح متربعًا على عرش أغنى الممثلين الشباب في العالم، فنجاح تلك السلسلة لم يكن كأي نجاح لأي سلسلة أفلام من قبل، بل هي السلسلة الأكثر نجاحًا في التاريخ.. كما حققت بالطبع به الكاتبة البريطانية رولينج شهرة واسعة.
كيف استطاعت ج.ك رولينج أن تحقق هذا النجاح؟
ربما الناظر في حياة الكاتبة البريطانية ج.ك رولينج خاصةً في بداية حياتها.. لن يتوقع أن تحظى بالفعل بكل هذا النجاح الباهر فيما بعد، حيث أنها كانت تحظى بحياة بائسة، فقيرة، وكانت أمًا وحيدة، تعيش مع ابنتها، وأمها المريضة، وقد جاءتها فكرة هاري بوتر عندما كانت في القطار، فأتتها فكرة كتابة رواية تتحدث فيها عن فتى صغير ذهب إلى مدرسة ليكتشف أنه ساحر، فتغيرت حياته بعد أن كانت طبيعية، أو مملة وبائسة، كما تغيرت حياة الكاتبة رولينج أيضًا بعد هذا الفكرة، وبالفعل قد كتبتها، ولكن قبل أن تنهيها توفت والدتها الأمر الذي أثر على طريقة كتابتها، كما أن الكتابة في حد ذاتها قد جعلتها تطرد من العمل، فأفقدتها وظيفتها، ولم تكن تلك الوظيفة الوحيدة التي تطرد منها، بل عدة وظائف جعلتها تفقد أي مصدر للدخل يمكن أن تعيش به، ومع مرور الوقت كانت تكبر بالعمر، لا تحظى بوظيفة أو خبرة معينة في أي مجال، وصار من الصعب أن يتم قبولها بسهولة في أي عمل لكبر سنها، كان هذا كله تزامنًا مع انتهائها من كتابة ثلاثة فصول، وقد أنهتها في عام 1995م وحاولت إرسالها إلى العديد من دور النشر التي رفضت أيًا منها نشر هذه الرواية، فقد قابلها بالرفض 12 دور نشر، حتى قبلتها دور نشر أعطتها 4000 دولار ثمنًا للرواية، ولم تكن لتحظى بالنشر غير أن مدير نشر دار “بلومزبري” قام بعرض الرواية على ابنته الصغيرة، وقد أحبتها كثيرًا، ومن الغريب أن دار النشر لم تكن تريد نشر الرواية لمجرد أن الكاتبة امرأة، لذا فقد اختصرت الكاتبة اسمها من “جوان” إلى ج.ك رولينج، وقد حققت الرواية نجاحًا عظيمًا، يظهر هذا النجاح مثلًا في انتظار الأطفال والشباب الكتاب القادم بفارغ الصبر، فكلما انتهى أحدهم من كتاب كانت اللهفة للقادم أشد، وأصبحت روايات هاري بوتر من أكثر الكتب مبيعًا خلال خمسة أعوام كاملة، ثم ما لبثت أن تلقت رولينج عرضًا حتى تحول تلك الروايات إلى أفلام، وتوالت الشهرة، والنجاحات فيما بعد، فقد أصبحت الكاتبة البريطانية ج.ك رولينج من أغني النساء في العالم، حيث أنها في عام 2004م قد تجاوزت ثروتها المليار دولار، لتصبح أول كاتبة مليارديرة في العالم، وأصبحت بهذا شخصية عامة، وقصتها تلك هي عبارة عن قصة نجاحٍ عظيمة، خلفت أثرًا عظيمًا.
كيف استطاعت روايات هاري بوتر أن تصبح ظاهرة عالمية؟
لقد ذكرنا في البداية أن دور النشر لم تقبل تلك الرواية، حتى قام مدير إحدى الدور بعرضها على ابنته الصغيرة التي حازت على إعجابها، وشغفت بها كثيرًا وحينها قررت دور النشر أن تقوم بنشر تلك الرواية التي لاقت إعجابًا كبيرًا من الكثير من الناس، كما أنه عندما يتم الإعلان عن كتاب جديد لهاري بوتر، أو فيلم جديد في دور العرض، فإنك ترى الحشود مصفوفة من السابعة صباحًا خوفًا من ضياع فرصة لمشاهدة الفيلم، أو لاقتناء الكتاب، ولم يقتصر رواجها فقط على بريطانيا والبلاد الغربية، بل قد ساعد على ذلك ترجمة الروايات إلى 69 لغة أخرى، مما ساعد على انتشارها وتعلق الكثير من البلدان بتلك الرواية وانتظارها بنفس الشغف الذي كان ينتظرها به أهل بلدها، لذا فقد استطاعت جوان أن تجعل من هاري بوتر ظاهرة عالمية، يتكلم عنها الكثير من الأجيال، الكبار والصغار.. وأن لا ينتهي أمرها في قلوب الصغار ما إن يكبروا، بل وتظل معهم لأنها تدرج أحداثها يحاكي أعمارهم.. ومن الرائع أن استطاعت الكاتبة البريطانية رولينج أن تزرع من خلال السحر أمورًا نلمسها في الواقع، خاصةً تلك التي نراها في الجزء الخامس من الرواية “هاري بوتر وجماعة العنقاء” حيث عبرت عن كثيرٍ من اللمحات السياسية.
كما أن جميع أجزاء الرواية تغرس قيمًا أخرى مثل الصداقة، والعائلة، والحب، والحق، والعدل، والتعاون، والمثابرة، وبالطبع الشجاعة، وغيرها من المثل الرائعة، كما أنها عبارة عن مزيج من الدراما، والتسلية، والرومانسية الخفيفة التي لا تصيب أحدًا بالجزع، والحب بكل أنواعه، من الصداقة والعائلة، وغيرها.. كما أنه من اللمحات الرائعة التي نجدها هنا هو قوة المرأة التي تظهر جليًا في تلك الرواية، فهيرميوني كانت مثالًا واضحًا لهذا الأمر، فكانت دائمًا ما تنقذ صديقيها من الكثير من المآزق، وأيضًا موت الكثير من الشخصيات الرئيسية جعل الرواية تبدو أكثر واقعية أو جعلت الأمور تسير على محمل الجد، كما أن مناسبة تلك الرواية لجميع الأعمار جعلها تصل أسرع، وأوسع لطبقة كبيرة من الناس.. ومن الذكاء الذي أراه فيها وهو كيف استطاعت رولينج أن تمهد للكثير من الثغرات، والكثير الكثير من الأحداث من خلال الرواية الأولى، كيف استطاعت أن ترسم الرواية كلها في مخيلتها كمشهد كامل منذ اللحظة الأولى، فتمهيدها للكثير منذ البداية يجعل من الصعب أن تتصور أن إلهامًا ما وقع في كل فصل من الرواية ليرسم لنا الأحداث، بل أن تلك الأحداث في مخيلتها أصلًا، بل ربما هو تاريخ حقيقي وهي فقط تكتفي بسرده، فدقة الأحداث والتواريخ، والأسماء، ورسم أبعاد لعالمٍ كامل من السحر ليس بالأمر السهل، بل هو عبقري ورائع! وأيضًا المضحك في تلك الرواية أنك لا تكره فعلًا أيًا من هؤلاء الأشرار، بل إن لكل شخصية، جمهورها، مهما بلغت من الشر، وكل شخص شاهد أو قرأ الرواية سيكون له رأي خاص به عن كل شخصية من الرواية، فهي ليست كأي عمل يقنعك فيه الكاتب أو الروائي أو المخرج بوجهة نظره، فتتوجه بالحب لهذا الشخص وإن كان وضيعًا، بل هي ترسم الأبعاد لكل شخصية، ولنا حرية الرأي، أعتقد أن الكثير من الحظ قد ناله من استطاع أن يقرأ الرواية لأول مرة، وينتظر الكتاب تلو الآخر، ومن استطاع أن يكبر مع الشخصيات، أو يشاهدها تكبر عامًا بعد العام، فأعمار شخصيات الرواية تتناسب مع أعمال ممثلين، فهذا الأمر أكسب القصة مصداقية، وروعة، بخلاف تلك القصص التي لا يتناسب فيها عمر الشخصية الحقيقي مع عمر الشخصية التي يمثلها، ربما قد اختلفت الأعمار اختلافًا طفيفًا، ولكن مشاهدتهم يكبرون أمامنا قد جعل هذا الاختلاف يتلاشى.. وتلك الظاهرة لم تنتشر فقط هكذا دون مسمى، بل إن من يعشقون هذه الرواية والأحداث والشخصيات قد أطلقوا على أنفسهم “البوترهيدز” ربما هم مثل أوتاكو الأنمي بطريقتهم الخاصة!
بين روايات هاري بوتر ، وأفلام هاري بوتر.
من الجميل أن تتحول تلك الروايات إلى أفلام، حتى تتاح الفرصة لمن لا يقرأ أن تصل إليه الفكرة، والكثير ممن يعشق السلسة قد شاهد الفيلم ولم يقرأ الرواية ربما لعدم صبرهم على القراءة عمومًا، مما أتاح الفرصة لجمهور أكبر من الناس أن تصل إليه، لأنه من المعروف أن السينما هي محط أنظار واهتمام الجميع، بخلاف القراءة التي لا تتسع دائرتها –للأسف- رغم أن هذا الأمر ليس بالجيد، لأن قارئ الرواية سيرى الكثير الكثير من الأحداث قد تبدلت، والكثير من المشاهد قد تم حذفها، وهذا الأمر كان يستاء منه الكثير من القراء، وهذا الأمر لا يحدث فقط في روايات هاري بوتر ، بل هو أمرٌ شائع في كثير من الروايات والكتب التي قد تم تحويلها إلى أفلامٍ فيما بعد.. ومن الرائع التفاني الكبير في اختيار الشخصيات التي تمثل الرواية، على الرغم من أن معظم الشخصيات من الأطفال، والذين لم يسبق لهم أن قاموا بالتمثيل أمام كاميرا حقيقية من قبل، إلا أن اختيارهم كان موفقًا إلى حدٍ كبير، فمقياس اختيار الأطفال كان موهبتهم، ومناسبتهم للشخصية ليس إلا، كما أن الممثلين الكبار قد تم اختيار بعضهم من الكاتبة، والتي كانت لها وجهة نظرٍ صائبة جدًا في الاختيار، فمثلًا الممثل العبقري “آلان ريكمان” الذي قام بتمثيل شخصية “سناب” والذي قام بدوره بتمثيل شخصيته على أكمل وجه ليناسب الدور والشخصية بطريقة رائعة، وعبقرية، وهذا الأمر ينطبق على جميع من قام بالتمثيل في هذا العمل، فحبكة الأدوار بطريقة رائعة كان له دور كبير في إيصال العمل على أكمل وجه، وظهر ذلك في صدق الممثلين، وحبهم للقيام بهذا، كما أن تقنيات الفيلم الرائعة لا تشعرك بأن هذا الأمر ليس حقيقيًا، فنجد الجزء الأول الذي صدر في عام 2001م، لا يشعرك بأن هذا الفيلم قديم، أو أن تقنياته ليست حديثة، بل إن القائمين على هذا الفيلم قد أخرجوه بطريقة رائعة فعلًا!
أفلام هاري بوتر
على الرغم من أن روايات هاري بوتر هم عبارة عن سبعة كتب، إلا أن سلسلة الأفلام عبارة عن ثمانية أفلام، فقد تم تقسيم الكتاب الأخير إلى فيلمين، والفيلم الأول هو “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” الذي تم عرضه عام 2001م، والجزء الثاني وهو فيلم “هاري بوتر وحجرة الأسرار” وتم عرضه عام 2002م، وصدر الجزء الثالث وهو “هاري بوتر وسجين أزكابان” عام 2004م، وفي عام 2005م قد صدر الجزء الرابع وهو “هاري بوتر وكأس النار”، وصدر في عام 2007م الجزء الخامس، وهو “هاري بوتر وجماعة العنقاء”، وصدر الجزء السادس في عام 2009م وهو بعنوان “هاري بوتر والأمير خليط الدم” وفي عام 2010م صدر الجزء السابع يجمل عنوان “هاري بوتر ومقدسات الموت”، والذي تم تقسيمه إلى جزأين –كما ذكرت- فصدر الجزء الثاني منه في عام 2011م.. وبهذا انتهت أسطورة هاري بوتر، ولكن سرعان ما ظهرت بارقة أمل لفيلم جديد بعنوان “وحوش مذهلة وأين تجدها” وهو كتاب يحمل نفس الاسم لكاتبة روايات هاري بوتر، والجميل أن أحداثه تدور في نفس العالم السحري لروايات هاري بوتر ، فتبدأ أحداثه قبل 70 عام من أحداث هاري بوتر، وهذا الفيلم من بطولة الممثل “إيدي ريدماين” الحاصل على جائزة أوسكار، وقد بدأ تصوير هذا الفيلم في 17 لشهر أغسطس لعام 2015، وقد قرر عرضه هذا العام في 18 نوفمبر 2016م ، ومن الجميل أن هذا الفيلم ليس جزءًا واحدًا بل هو الجزء الأول لثلاثية، فسوف يحظى محبو هاري بوتر بالمزيد من السحر، والتشويق، فظهور هذا الفيلم وهذا الكتاب من جديد قد كان بمثابة هدية رائعة من هدايا رولينج رغم المخاوف من أن لا نحظى بنفس المتعة التي قد منحتنا إياها روايات هاري بوتر.
لا أدري فهذه ليس مجرد قصةٍ خيالية، أو رواية عابرة، ربما إن كان لك صديق مولع بتلك الرواية منذ صغره، ثم وجدته لا زال محتفظًا بهذا الشغف، وتلك النظرة الطفولية ما إن يسمع كلمة “هاري بوتر”.. فتقوم أنت بسؤاله متعجبًا من استمراره على هذا الوضع حتى بعد أن كبر! فتسأله: “بعد كل هذا الوقت؟!” فسيقول لك “دائمًا”.