تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » داهومي : تعرف على بلاد المحاربات الإناث وتجار العبيد

داهومي : تعرف على بلاد المحاربات الإناث وتجار العبيد

ربما لم يسمع الكثيرون عن مملكة داهومي الأفريقية، في الحقيقة هذه المملكة تثير الكثير من التعجب بقصصها وتقاليدها الغير مألوفة، هيا نتعرف على داهومي هنا.

داهومي

داهومي هي جمهورية بغرب أفريقيا، قامت بعد أن تحررت من الاحتلال الفرنسي عام 1960. قبل وخلال الاحتلال وحتى عام 1975 كانت تسمى بلاد داهومي، ومن ثم تغيرت إلى “بنين” وهكذا تسمى إلى هذا اليوم. اشتهرت بلاد داهومي منذ قيامها من تجارة العبيد والنساء المحاربات. مثل أسطورة نساء الأمازون اشتهرت داهومي بكتيبة عسكرية من النساء، كما أنهم باعوا أبناءهم كعبيد إلى الأوروبيين بأياديهم. تعرف أكثر على قصة بلاد داهومي هنا في هذا المقال.

داهومي : تعرف على المملكة الأغرب في أفريقيا

بداية نساء داهومي المحاربات

بداية الأمر كانت مع الملك الثالث لبلاد داهومي “Houegbadja” والذي وصل إلى الحكم عام 1645 وحتى عام 1685. أسس هذا الملك مجموعة حرس شخصي له من النساء الأشداء المتدربات على فنون القتل والحرب ومخلصات جداً له. ومن بعد ذلك تحولت تلك المجموعة النسائية إلى جيش بالكامل ليسمع بها العالم كله. بسبب قوة تلك النساء في فن الحرب أطلق عليهم عدة أسماء منها: “سباراتا السوداء” و “الداهوميون الأمازونيون” لإظهار قوتهم الحربية. وهم في الحقيقة يسمون أنفسهم “أمهاتنا” أو “أوهوسي” بلغتهم الفونجبي.

بسبب هذه القوة العسكرية ضمنت بلاد داهومي الأمان من الجيران، كما أنها توسعت قليلاً بحروبها خارج حدود الدولة الصغيرة. وزادت المجموعة قوة وتم استغلالها أكثر على يد ابن الملك”Agadja”، ومن بعده جاء الملك كويذو الذي أعطى طابع خاص للدولة بين عام 1818 وحتى عام 1858. هذا الملك بعد أن انقلب على أخيه الشقيق وحسب ما وعد به الشعب، جعل المملكة كلها تعتمد على ثلاثة أشياء: نساءها الأقوياء، الاحتفالات التي لا تنتهي لنسائه المحاربات مع زوجاته الألف، وأخيراً تجارة العبيد التي أكسبته الأموال الطائلة. إذ كانت البواخر تأتي فارغة إلى ساحل بلاد داهومي، وتحمل معها العبيد من رجال وأطفال ونساء إلى بلاد أوروبا، والملك أكثر المستفيدين مادياً من هذه التجارة.

تجارة العبيد في بلاد داهومي

بلاد داهومي تمتلك أكبر تاريخ مظلم في تجارة العبيد. ملايين من الأفريقيين السود كان يتم اختطافهم من بيوتهم ومن حقولهم على مدار مئات السنوات، ليشحنوا مثل البضائع إلى بلاد أوروبا وبعدها أمريكا ويباعوا هناك كعبيد. ويصل منهم من يصل ومن يموت في الطريق يُرمى في البحر ولا يهتم به أحد. المشكلة الكبرى هي أن تجار العبيد من الأوروبيين لم يلطخوا أياديهم يوماً باصطياد السود. بل كانت هناك فرق من الصيادين تابعين لملوك أفريقيا وخاصة ملوك داهومي، وبعض المغامرين التابعين أيضاً للملوك، هم يتولون قضية خطف أخواتهم السود وبيعهم إلى التجار.

تجارة العبيد عادت بالأموال الطائلة على الملوك، وكانت تشكل الدخل الأساسي لميزانية البلاد. على رأسهم الملك كويذو الذي لم يحرم كبيراً ولا صغيراً وأسلمهم للأوروبيين بثمن بخس ليتم التعامل معهم بأبشع الطرق الممكنة. الملكة فكتوريا كانت أول من حاول التدخل في هذا الأمر الغير إنساني، فبعثت برسالة إلى الملك كويذو عن طريق القنصل البريطاني عام 1850. احتوت الرسالة على طلب من الملكة فكتوريا إلى الملك بالتوقف عن أعمال النهب والسرقة من البلاد الأفريقية ومن بلاده شخصياً وعدم التجارة بالبشر مرة أخرى، ويتحولوا إلى بلاد تعتمد على الزراعة والتجارة. وعلى الملكة أن تسد العجز لمدة ثلاثة سنوات في ميزانية الدولة بسبب انقطاع تجارة العبيد.

استقبال الملك كويذو لوفد الملك فكتوريا

عند وصول الوفد البريطاني كان الملك في انتظارهم بكل حفاوة في عاصمته أبومية. وكان ذلك الوقت متزامن مع الاحتفالات السنوية عند انتهاء موسم الفتوحات والنهب وبيع العبيد. على حسب بعض المصادر، قيل إن البلاط الملكي كان مزين بأعلام بريطانيا، و148 جمجمة بشرية كنوع من الزينة. أما الملك فجالس في الحديقة تحت أقمشة حمراء تحميه من شمس أفريقيا الساطعة، ومن حوله زوجاته البالغ عددهم 8000 زوجة، مرتدين الحرير الفخم بنفس الطريقة جميعاً. ومن بعد ذلك نساء الحرس الملكي مرتدين بدلة عسكرية رسمية، وحاملين للبنادق من الصنع الدنماركي كانوا قد حصلوا عليها مقابل شحنة عبيد.

الملك كويذو أوفى بوعوده التي قالها للشعب عندما انقلب على أخيه. جاعلاً اهتماماً خاصة ببناء جيش قوي جداً وكان ثلثه من النساء الأشداء. كان الملك يقدم تقديراً غير عادي لتلك النسوة ويقدم لهم تدريبات مكثفة على فنون الحرب. جاعلاً منهن نساء متمرسات وجريئات جداً، فلم يخسروا حرباً وكانت الخسائر في صفوفهم أقل بكثير من الرجال. وكانوا يجلبون السرايا والعبيد وحتى الأطفال في صفوف طويلة ليتم بيعهم كعبيد والربح منهم. انبهر الوفد البريطاني من قوة وصرامة تلك النساء عندما قدموا لهم استعراضاً عسكرياً في أول يوم.

باقي أيام ضيافة الوفد البريطاني في بلاد داهومي

وبعد ذلك قدم الملك نماذج من ثورته الضخمة في اليوم الثاني، من أغرب ما في تلك النماذج كانت 50 وعاء يستخدمهم الملك بالليل مع نسائه. في اليوم الثالث مع الوفد، قدم الملك الهدايا من الملابس والأموال وزجاجات الخمر لجنوده عن طريق رميه للهدايا عليهم. وكان يرتدي ملابس جلدية على خصره وكتفيه مع طاقية نوم على رأسه. إلا إن المدهش بحق هو توجب تقديم الجنود لما يلتقطوه من هدايا نفيسة إلى قادة الجيش.

إلا إن الشيء الذي نفر منه الجميع هو التضحية البشرية المقامة في كل يوم احتفالاً بالوفد. رغم المحاولات المستميتة للوفد البريطاني بإقناع الملك بعدم فعل هذه الطقوس، رافضين الحضور لها. إلا إن الملك لم يتوقف أبداً عن أفعاله المشينة، مما كان ينبغي على البريطانيين المرور بين برك الدماء والأعضاء البشرية المقطعة والملقاة في أرجاء القصر. كان الملك يهدف إلى إظهار الثقافة الشعبية المتأصلة في أفكاره وأفكار شعبه التي تستهتر بالحياة البشرية لأخواته الأفريقيين وأبناء شعبه.

نتيجة الوفد البريطاني في بلاد داهومي

مع عدة مفاوضات وتقديم الحجج ومحاولات الإقناع مع الملك حتى يترك تجارة العبيد ويتجه إلى الزراعة، لم يصل الوفد مع الملك لأي حل. في النهاية قال الملك كويذو بأن طلب الملك فكتوريا سيجلب لشعبه العار، سألا الوفد: “أريتم أي مزارع في طريقكم إلى هنا! أنا لا أستطيع أن أمر النساء المحاربات بالتوجه إلى المزارع وزراعة القطن. سأواجه المذلة إذا طلبت من الشعب أن يفعل شيئاً أخر بجانب الحرب والاحتفال.”

بعكس بلاد داهومي، اختارت بعض الدول الأفريقية الانصياع لطلبات الملكة فكتوريا. إلا إن ذلك كان في الظاهر أما في الباطن فظل بعض التجار الأغنياء مع بعض البحارين البريطانيين يمارسون نفس النظام القديم لتجارة العبيد. لذلك قررت الملكة فكتوريا أن تقيم اتفاقيات ثنائية مع كل دولة على حدي حتى تحد من هذا الخطر.

تحرك الملكة فكتوريا للقضاء على تجارة العبيد

في نهاية الأمر اضطرت الملكة فكتوريا إلى استخدام قوتها البحرية العسكرية ومحاصرة كل مواني أفريقيا الغربية. ضاغطاً على الملوك وتجار العبيد بالتوقف لأنها أوقفتهم في البحر تماماً. مما جعل الملوك يدخلون في المعاهدات واحداً تلو الأخر. ومن ثم وقعت معاهدة تحريم تجارة العبيد، وفي عام 1870 توقفت رحلات البواخر إلى أمريكا الشمالية والجنوبية أيضاً.

مات الملك كويذو عام 1858 بسبب المرض، بعد فترة حكم دامت 40 عاماً. حزن عليه كل شعب بلاد داهومي، فرغم تجارته بالعبيد إلا إن فترة حكمه تعتبر فترة مزدهرة داخل بلاده، فلا ضرائب ولا فقر ولا احتياج. أخذ البلاد تضعف من بعده شيئاً فشيئاً لينتهي بها الحال في قبضة الاحتلال الفرنسي، التي لم تتخلص منه سوى بعام 1975 كما ذكرنا قبلاً. لتتحول بعدها إلى بنين، أفقر دول أفريقيا ولكن أكثرهم استقراراً.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

ثمانية عشر − 3 =