تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » كيف تتخلص من داء الكذب على الآخرين دون سبب مقنع؟

كيف تتخلص من داء الكذب على الآخرين دون سبب مقنع؟

داء الكذب على الآخرين قد تكون أسبابه بالنسبة للناس غير مقنعة. لكن بالنسبة للشخص الذي يكذب فهو لديه أسبابه التي قد لا يعرفها هو نفسه.

داء الكذب

داء الكذب على الآخرين هو مشكلة اجتماعية كبيرة للشخص الذي يعاني من هذا الداء. وهذا لأن الكذب ضمن أكثر الصفات المذمومة بين البشر عمومًا. لا أحد يحب الكاذب. فما بالك الكاذب المعروف بأنه كاذب. فغالبًا مثل هذا الشخص يعاني داخليًا كثيرًا حتى يصل إلى هذه المرحلة من إدمان الكذب. هذا غير النتائج التي تترتب على كذبة تكذبها. فالكذبة الواحدة تحتاج إلى كذبة أخرى لتثبتها. ولذلك لو بدأ الشخص في أن يأخذ الكذب مسلكًا لإثبات الأشياء المزيفة التي يود التحدث عنها. فإن الأمر سينتهي به في الأخير إلى أنه سيصدق الكذب الذي يقوله ويعيش على أساس أنه حقيقة وينفصل عن الواقع والناس الذين يرفضون هذا الكذب. مما سيؤثر أيضًا عليه نفسيًا. فتُرى ما هي الأسباب التي تجعل الشخص يدمن داء الكذب على الآخرين بهذه الطريقة؟

أسباب داء الكذب

الكذب في علم النفس هو عرض لمرض عدم الشعور بالأمان. كلما كان الشخص يشعر بالخوف أكثر كلما كان هذا دافع قوي بالنسبة له لعدم قول الحقيقة. لأنه يعتقد أنه لو عرف أحدهم هذه الحقيقة فأمره سينتهي. أيضًا حينما تعرف الأسباب فبالتالي أنت تعرف العلاج وهو عن طريق الابتعاد عن المسببات لهذه المشكلة.

الخوف من العقاب

الكثير من الناس يكون الخوف من العقاب هو سببهم الرئيسي في امتلاك داء الكذب على الآخرين. وقد يكون هذا بسبب مشاكل كبيرة في الطفولة. حيث أن الضرب والعقاب وفلسفة الصواب والعقاب عمومًا بصورة قاسية، تجعل الأطفال والكبار ينظرون للعقاب وليس للصواب. ولأنه لا يوجد أحد لا يخطئ فبالتالي لا يوجد أحد لن يعاقب. ولذلك عند وقت العقاب يفضل هؤلاء الناس عدم قول الحقيقة بصورة كاملة. لأنهم يهابون العقاب. ويزداد هذا الأمر لدى الأطفال الذين يعيشون في أماكن متشددة. فهم غالبًا يفعلون كل شيء في الخفاء. وحينما يقعون في مشكلة فلا يقولون الحقيقة بل يقولون تبرير. ولذلك يفضل جدًا ألا تتم معاملة الأطفال بمبدأ الصواب والعقاب بصورة قاسية. بل حتى لو كان هناك عقاب فيجب أن يكون عقاب تأديبي مُحتمل. وليس مجرد عقاب قاسي وأعمى لا ينظر للآثار النفسية التي سيخلفها داخل نفس هذا الإنسان.

داء الكذب من أجل علاج المشكلات

في بعض الأحيان يكذب الناس من أجل أنهم يعتقدون أن قول الحقيقة سيؤذي سامع هذه الحقيقة. فيفضل أن يحتفظ بها لنفسه. خصوصًا لو كان حدث عابر بالنسبة له. ويحدث هذا كثيرًا بين المتزوجين. فهناك العديد من الأمور تحدث في حياة كل منهما. ولمعرفة كل منهما للأخر فهو غالبًا يخمن ردة فعله لو عرف هذا الأمر. فمثلًا لو حدث نوع من أنواع الملاطفة بين الزوج وامرأة أخرى. فهو يعتقد أنه لو قال لزوجته. سوف تعتقد أنه خانها. في حين أنه لم يخونها. ولذلك يفضل الرجل أن يبقي الأمر غير ظاهر لها. والعكس بالنسبة للزوجة. ولكن خطورة هذا الأمر تكمن في شيء واحد. وهو أن الكذبة الصغيرة تتحول تدريجيًا إلى كذبة كبيرة. وصاحب الكذبة لن يشعر بهذا. بل في كل مرة سيقول لنفسه أن الأمر بسيط. وسيجد لنفسه مبرر، ولذلك الشفافية والصراحة. أفضل من الكذب على الآخرين وخصوصًا الأزواج.

داء الكذب لأجل اكتساب عواطف الآخرين

يوجد هناك عدد من الناس يحاولون أن يروا الكذب وسيلة جيدة لأجل استعطاف الناس من حولهم. وهذا الاستعطاف قد يؤدي بهم إلى أشياء مهمة في حياتهم. فهناك العديد من الشحاذين في العالم يمتهنون هذه المهنة وهم أغنياء بالفعل. ويعتمدون في مهنة الشحاذة على فكرة داء الكذب على الآخرين وإيهامهم أنهم يحتاجون للمال. مما يجعل الناس تشعر بالذنب إذا لم يعطونهم المال أو الأكل. وهذا لا يمنع وجود محتاجين حقيقين. ولكن هناك الكثير من هذه الفئة لا يحتاج إلى المال. ويعتمد على داء الكذب فقط. أما في الحياة العملية فيما يخص الطبقة المتوسطة. فهناك هذا النوع من الكذب بين الأشخاص الغرباء. حيث تتعرف على شخص لأول مرة ويقول لك أنه يعمل في الشركة الفلانية. ويأخذ المنصب الفلاني. كل هذا في الحقيقة كذب ولكنه لأجل أن يكتسب محبتك واحترامك فهو يقول هذه الأشياء، ولأنه يعرف أنه لن يقابلك مرة أخرى فهو يستمتع بأن يعيش هذا الدور عليك ويراك وأنت تصدقه.

علاج هذه المشكلة هي أن الذي يعاني منها يجب أن يقتنع بنفسه ولا يكون طماعًا في محبة الآخرين. فمسألة حب الآخرين لك هو أمر لا ولن يأتي عن طريق الكذب أبدًا، بل تدريجيًا بصورة طبيعية.

التنشئة الخاطئة

من أكبر الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم داء الكذب على الآخرين هي أنهم رأوا آبائهم يكذبون على الناس. أو أن آبائهم جعلوهم يكذبون من الأساس. وهذا أشهر مثال ويتكرر في كل المنازل تقريبًا. عندما يتصل أحد الأشخاص بالأب أو الأم، ولأن أحدهم لا يريد الرد على هذا المتصل، فيقول لابنه أن يقول لهذا المتصل أنه غير موجود في المنزل. هذا الفعل هو سماح للولد أو الفتاة بتعلم الكذب بطريقة مجانية وسيئة. حيث أنهم سيفعلون ذلك مع الذين لا يحبونهم. بل وسيجدون أن الكذب وسيلة مناسبة لمعالجة بعض الأمور إلى أن تدور الدائرة ويأتي اليوم الذي يفاجئ فيه الآباء أن أولادهم يكذبون عليهم. ولو قالوا لهم ما هو السبب فسيكون الرد بسيط. لأنهم رأوا أن هذا سيجنبهم المشكلات. بالتالي يفضل جدًا أن يأخذ الآباء حذرهم من هذه الأفعال. لأن الأبناء يتأثرون كثيرًا بما يفعله الآباء.

علاج هذه المشكلة هو أن يفهم الشخص أن الكذب ليس شيئًا جيدًا. فحتى لو كان الأبوان يكذبان فهذا ليس معناه أن يتأثر الشخص بهم، بل يجب أن يتأثر الوالدين بالابن. وأعتقد أنه عندما يكون الابن على صواب فالأب والأم يخجلون كثيرًا ويشعرون بالإحراج من فعل الخطأ أمامه مرة أخرى.

الكذب المَرضي

هناك نوع مختلف من داء الكذب وقد يكون هذا النوع هو أمر معذور فيه الشخص بعض الشيء. ولكن هذا لا يعني أنه ليس على خطأ. ومن أمثلة هذا النوع من أنواع الكذب هو الكذب الخيالي الذي يحدث بين الأطفال. فهم من الممكن أن يتكلموا بطريقة خيالية على أنها حقيقية. وغالبًا هذا يحدث ما بين الثلاث إلى العشر سنوات. وتكون أعراض هذا النوع من الكذب في الحقيقة مرحة جدًا ولذيذة بالنسبة للكبار. عندما يستمعون للطفل الذي ينشئ عالم خيالي في عقله.

بالنسبة لهذا النوع من الكذب فلا قلق منه. ولكن يجب أن تناقش فيه الطفل حتى لا يؤذي نفسه بناءً على تصديق قصصه المزعومة فيبدأ في أن يقلد الأبطال الخارقين. ويعتقد أنهم أصدقائه. ويحاول أن تتكلم معه وتقنعه بالمنطق البسيط جدًا ببعض الأشياء المستحيلة عليه. ودعه يجرب إحداها لو كانت أمنة ولكن دون تعنيف أو دفعه لأن يشعر بأنه غير قادر. بل اظهر له الحقيقة بطريقته الطفولية.

الكذب الدفاعي

هذا النوع من الكذب يكون ناتج من الإرهاب. فهناك الكثير من المواقف التي يجد فيها الإنسان نفسه أنه معرض للموت لو قال الحقيقة. ولذلك يضطر إلى أن يكذب بشكل مبالغ فيه. ودون أن يفكر في الأساس في الكذب. ولكن لو تكرر هذا الأمر ووجد الشخص نفسه يعيش في قمع متواصل. فحياته ستتحول مع الوقت إلى مستنقع كذب ونفاق.

النفاق

النفاق هو نوع من أنواع داء الكذب الذميم وهدفه هو الوصول إلى أهداف معينة عن طريق قول المديح في الذميم. وذم الجيد من أجل السيء. مثل شخص يحاول إرضاء المسئولين لأجل أن يضمن نوع من أنواع الأمان أو المنصب أو الحب من الآخرين. حتى لو كان غير مقتنع بأي شيء من حوله. ولكنه يسيطر على عدم قناعته. ويتعامل مع من حوله بقمة القبول لهذا الشيء. فقط لأنه يعرف أنه لو عارض الآخرين سيخسر أهدافه الشخصية. هنا الكذب على الآخرين يدعى نفاق وبعض الناس يعتبرون أن النفاق مجاملة وهذه في حد ذاتها كذبة.

علاج النفاق هو أن يعرف الشخص المنافق أنه في الحقيقة شخص مزيف. يعيش طوال الوقت لأجل إرضاء الآخرين. أيضًا المنافقين بلا كرامة. فهم يسخرون كلامهم ورأيهم لأجل صاحبي السلطات والمديرين. مما يجعلهم مجرد عرائس تفعل الذي يقال لها. وهذا في حد ذاته قمة العبودية والذل. حتى لو كان الذي يفعل ذلك شخص مشهور أو معروف أو غني. فسيظل النفاق وشم سيء على جبينه دائمًا. ولذلك يجب أن يحاول المنافق أن يعيش حياته الحقيقية. لأن النفاق سيأكل كل شيء جيد بداخله. ويجعله يريد الانتقام من كل الأشخاص الذين اضطر أن يقول لهم كلام عكس ما يريد أن يقوله. لأن هذا كان يؤذيه شخصيًا وكان يحتمل من أجل تحقيق أهدافه.

الميثومانيا

أو الرغبة الملحة للكذب. وهو مرض نفسي معروف في الأوساط الطبية. حيث تكون أعراضه هي احتياج الشخص طوال الوقت لاختلاق قصص غير حقيقية. ومحاولة إقناع الآخرين بها بصورة حقيقية. لدرجة أنه هو نفسه قد يصدق ما يقوله. المصاب بهذا الداء قد لا يعرف أنه يكذب على الآخرين فيما يقول. بل هو نفسه من الممكن أن يقف فيما بين الكذب والحقيقة ولا يعلم أيهما هو الحقيقة. ولذلك هو دائمًا يصدق ما يريد أن يصدقه. ويقول ما يريد أن يقوله.

علاج هذا المرض عن طريق العلاجات الدوائية والجلسات النفسية المكثفة لهذا المريض. وتعليمه كيفية التركيز فيما يقوله. وفيما يفعله.

ابتعد عن المؤثرات التي تدفعك إلى داء الكذب

هناك بعض الأوساط المحيطة التي تجعلك مضطر إلى الكذب باستمرار. فلو كان هذا الأمر يؤذيك نفسيًا فيفضل جدًا أن تترك هذا المكان فورًا حتى لو كان عملك. لأن غالبًا هذا العمل سينتهي بطريقة أسوء من أنك تتركه أنت لأنه يعتمد على الكذب. أيضًا لو كنت في علاقة عاطفية ووجدت نفسك مضطر إلى الكذب. إذًا يجب أن تبتعد عن هذه العلاقة العاطفية. وهذا يحدث في حالة الغيرة الشديدة من الطرف الأخر مما يجعل بعض الأشخاص يكذبون باستمرار على شريكهم لأنه يعلم أن ردود أفعاله تكون دائمًا سلبية. مما يجعل الكذب وسيلة جيدة لتخطي الأمور.

الاعتراف

يجب أن يكون لديك شخص تعترف له بمعظم أفعالك الكارثية. فالاعتراف بالكذب يجعل أمره صريح بينك وبين نفسك. مما يجعلك تقرر ألا تقع في هذا الأمر مجددًا خصوصًا أمام الشخص الذي تعترف أمامه بأخطائك. ويجب أن يكون هذا الشخص من النوع الذي يستمع ولا يعطي الأحكام والمواعظ حتى يعطيك حرية في الكلام دون خوف وأحكام.

ختام

داء الكذب على الآخرين أمر مؤذي نفسيًا. ويحتاج إلى مجهود كبير لإعادة الثقة والعلاقة بينك وبين الناس الذين كذبت عليهم. ولذلك كن حذر وصريح وواضح. فالشفافية في التعامل تضمن لك علاقات حقيقية وطويلة الأمد.

أيمن سليمان

كاتب وروائي، يعشق منهج التجريب في الكتابة الروائية، فاز ببعض الجوائز المحلية في القصة القصيرة، له ثلاث كتب منشورة، هُم "ألم النبي (رواية)، وإنها أنثى ولا تقتل (رواية)، والكلاب لا تموت (مجموعة قصص)".

أضف تعليق

تسعة عشر − 6 =