خفة اليد تنتزع الآهات والإعجابات من أي شخص، فدعونا نتكلم بصراحة فحين يأتي ذكر الألعاب والخدع السحرية وخفة اليد من النادر أن تجد أحدًا لا يهمه الأمر ولا يجذب انتباهه ويثير إعجابه واستغرابه وفضوله، تعد العروض السحرية وخدع خفة اليد من أقدم عروض التاريخ على الإطلاق والتي استمرت حتى يومنا مع اختلاف الخدع والوسائل والأساليب وبالطبع كان التقدم التكنولوجي في صالح أصحاب تلك الخدع والذين نلقبهم بكل بساطة بأصحاب خفة اليد، صارت الخدع أكثر تنوعًا وكثرةً وتعقيدًا وصار تقديمها يعتمد على أساليب وميكانيكياتٍ معقدة لكن ذلك لم يعنِ سوى عددٍ أكبر من الخدع بقدراتٍ أعلى وبطرق عملٍ أكثر صعوبةً في الكشف والتعرف، في السابق كان الرجل يكتفي بإخفاء الكارت في سترته أو في جيبه بينما اليوم صار الرجل قادرًا على سرقة بنكٍ وإبدال المال بأوراق اللعب وهو واقفٌ أمامك! صار صاحب خفة اليد قادرًا على إشعال النار في ريشةٍ بسيطة فترفرف بين يديه عصفورةٌ كاملة وأنت لا تدري من أين ولا كيف جاءت! أحيانًا في عالمنا نذهب إلى عروض ألعاب الخفة، وأحيان أخرى نشعر أننا جزءٌ من عرضٍ كبير، لسنا ندري حقًا لكن عالمًا كهذا جديرٌ بأن نخوضه.
تعلم خفة اليد
خفة اليد بين المتعة والسحر
كما قلنا فإن عروض خفة اليد والألعاب السحرية بدأت منذ قديم الزمان وكانت وسيلةً للترفيه والترويح عن الناس وجذب انتباههم، وانتشر في فتراتٍ كثيرةٍ من التاريخ حتى أن بعض الناس في بعض البلدان كالهند مثلًا يعتاشون من خدع خفة اليد تلك ومن تقديم العروض في الشوارع والطرقات للمارة الذين يتوقفون ليشاهدوا العرض ثم يدفعون ما تجود به أنفسهم ثمنًا لتلك الموهبة، ولكن على الرغم من ذلك ففي الكثير من الأماكن والحضارات بل والفترات الزمنية خلط الناس بين ألعاب الخفة والخدع السحرية الشيقة وبين السحر والشعوذة والتعاقد مع الشياطين والتحكم فيها إلى آخر ذلك، وأصبحت لتلك الفئة من الموهوبين جحيمٌ مستعرٌ في تلك الأماكن والأزمنة كالعصور الوسطى في أوروبا مثلًا حينما كان أي شخصٍ يُشتبه في كونه ساحر يُحرق حيًا، حتى أنهم كانوا يقومون بالفصل بين المرأة البريئة والساحرة بربطها بحجر وإلقائها في البحر فإن طفت فهي ساحرة وتُحرق، وإن غرقت فهي بريئة! لم يكن جوًا مناسبًا البتة لتقف في الشارع وتخرج أرنبًا من حقيبتك أو تخفي إحدى أوراق اللعب من يدك لتخرجها من جيب واحدٍ من جمهورك!
بداية لاعب خفة اليد
صحيحٌ أن لاعبي خفة اليد أو السحرة كما يروق للبعض أن يسميهم لم يبدؤوا جميعًا مشوارهم في عالم السحر والخدع من نعومة أظافرهم إلا أن جميعهم بلا شك أصابهم الشغف بذلك العالم حتى أنه خلب لبهم وسيطر على تفكيرهم فأيًا كان ما فعلوه بحياتهم فكانت الخدع السحرية تحتل جانبًا غير هينٍ منها حتى لو كان الأمر مجرد هوايةٍ جانبية لم يولها أحدٌ غير الطفل أي اهتمامًا جادًا، فخفة اليد مثلها مثل الباليه والجمباز يجب أن يتعلمها الطفل منذ نعومة أظافره وقبل أن يشتد عوده وتقوى مفاصله، يحتاج الساحر إلى الموهبة والتعود منذ الصغر على خفة اليد وسرعتها وقدراتها الفائقة على ممارسة الخدع بإتقان، ويحتاج إلى الشغف! شغف ذلك الطفل الذي شاهد أول عرضٍ سحريٍ في حياته فلم يتمكن من النوم ليلتها وعقله يكاد ينفجر وقلبه يرفرف بين ضلوعه وهو يعيد الخدع في ذاكرته مرارًا وتكرارًا، الطفل الذي ما إن تمكن من توفير قدرٍ ضئيلٍ من المال هرع لا ليشتري الحلوى أو اللعب وإنما ليوفر لنفسه أبسط الأدوات التي رآها في العرض السحري كأوراق اللعب والمناديل ويبدأ بالتمرن بحركاتٍ طفوليةٍ خرقاء ستصبح يومًا ما مصدر بهجةٍ ودهشة لجمهورٍ عريض، هكذا يبدأ الواحد منهم لكن النهاية لا تكون كذلك، فمع تقدم لاعب خفة اليد في العمر يزداد شغفًا وحبًا ورغبةً وقدرةً وتمكنًا ويصبح بين خيارين أحدهما أن يترك اللعب ويتفرغ للعالم الواقعي والآخر أن يترك العالم يحترق ويتفرغ لسحره وخدعه ليغزو العالم بهم بعد ذلك.
أشهر سحرة العالم
امتلأ تاريخ كل بلدٍ وحضارة بالعديد من الأسماء التي اشتهرت في الخداع وخفة اليد في فترةٍ ما من الفترات، كان منهم جان يوجين روبرت في فرنسا، وكان كثيرٌ منهم في بعض فقرات التاريخ يعجز الناس عن البت في أمرهم وإن كانوا فعلًا سحرةً ومشعوذين أم مجرد لاعبي خفة ومخادعين، فلو كان البعض اليوم يستخدم خفة اليد والخدع لتقديم العروض وإمتاع الناس فإن خفة اليد كانت في بعض الأوقات تستخدم كوسيلة للترهيب والتخويف وإسدال هالةٍ من الرهبة من الساحر حول نفسه، كانوا يحولون العالم بأكمله لمنصةٍ لهم يمارسون فيه الخدع على حين غفلةٍ من الجميع والغرض هنا ليس المتعة وإنما أسلوب حياةٍ ونضالٌ للعيش، كان أشهرهم على الإطلاق هو الساحر هوديني الذي تُضرب به الأمثال خاصةً في الهروب من القيود أو الحصار، كان هوديني واحدًا من السحرة ولاعبي الخفة الذي لم يقف أمامه قيدٌ إلا وهرب منه في وقتٍ قياسي معرضًا حياته للخطر في الكثير من المرات لغرض إتمام عرضه فحسب، نال شهرته التي كان يرجوها وحصل على اسمه في التاريخ كأشهر ساحرٍ ولاعب خفة يدٍ على الإطلاق عرفه العالم.
تعلم خفة اليد
كما ذكرت فتعلم خفة اليد لا يأتي نتاج يومٍ وليلةٍ فقط وإنما هو نتاج ممارسةٍ طويلة وتدريبٍ لعددٍ من الساعات يوميًا وشغفٍ لا ينتهي ولا ينقطع بهذا العالم الغامض، لا يمكنك أن تقرر فجأة أن تتعلم خفة اليد فتجد نفسك أتقنت الأمر، ولا يمكنك أن تتعلم خدعتين أو ثلاث خدع ثم تسمي نفسك لاعب خفة يدٍ وساحرًا محترفًا، كل الخدع تحتاج إلى المشاهدة أولًا ثم بعد ذلك الوصول لأصل الخدعة وكيفية تنفيذها والقيام بها بالشكل الصحيح ثم يكون عليك بعد ذلك أن تتقنها وتصبح قادرًا على ممارستها وأنت مغمض العينين أو حتى وأنت نائم! ثم تأتي لمستك الخاصة بعد ذلك بأن تضفي على الخدعة لونًا جديدًا خاصًا بك ولا تمارسها لمجرد الممارسة أو كمحاكاةٍ لكل من سبقوك في القيام بهذه الخدعة، ستحتاج عرضًا خاصًا بك ورونقًا شخصيًا على عروضك، بل بعد ذلك ستبدأ في إيجاد الخدع بنفسك، يبدو لاعب الخفة أمامنا خفيفًا بسيطًا كالريشة وكل ما يفعله يبدو بسهولة سرب الماء، لكنه خلف المسرح يكون مفكرًا ومهندسًا ونجارًا وميكانيكيًا وإلكترونيًا ومخترعًا! إن كان بحاجةٍ للقيام بخدعٍ جديدة أو فريدة فعليه أن يحمل ورشته وأفكاره الخاصين به معه ويكون ملمًا بكل تلك العلوم ليصبح قادرًا على تنفيذ تلك الأشياء بدقة، ناهيك عن حاجته لأن يكون متحدثًا لبقًا معسول اللسان قادرًا بخطف قلوب وأنظار جمهوره بكلامه قبل عمل يديه، يحتاج أن يعرف أصل كل خدعة ونوعها ومصدرها وأنواع الخدع المختلفة والقدرة على الدمج بين بعضها وإظهارها في شكلٍ جديدٍ وفريد، والقدرة على تسخير أدوات العصر وأجهزته وتقنياته لخدمته وخدمة عروضه.
الخدع والسينما
السينما كلها ماهي إلا خدعة! ماهي إلا طريقةٌ لجعلك ترى ما يريدونك أن تروه فحسب وهو المشهد المسلطة عليه الكاميرا في حين أن هناك خلف الكاميرا عددًا لا يمكنك تخيله أو تصوره من الأشخاص والمعدات بل إن المشهد الذي تحسب نفسك تراه ليس كما تظن وإنما خدعةٌ بحد ذاته فربما الخلفية ليست إلا ورق حائط، والوحش ليس سوى شخصٍ ببدلةٍ خضراء والبطل معلقٌ بأسلاكٌ لن تستطيع رؤيتها مهما جاهدت، لكننا هنا لسنا بصدد الحديث عن الخدع السينمائية، رغم أن الأفلام بحد ذاتها أصبحت تتبع أسلوب الخداع حيث يبدأ الفيلم ليسير بك في اتجاهٍ معين ثم تظهر لك مفاجأةٌ مدوية في نهاية الفيلم تحطم كل ما بنيته طول التسعين دقيقة السابقة! ألا يُعتبر ذلك خفة يدٍ سينمائية؟ في الواقع تلك واحدةٌ من أفضل الخدع بالنسبة إلي، الفيلم الذي تحتاج لإعادة مشاهدته مرةً أخرى لا لشيء إلا لأنهم جعلوك تحسب وتظن وتفكر في الاتجاه الخاطئ طوال الوقت، لكننا لسنا بصدد ذلك أيضًا، لنتحدث عن أشهر أفلام قصص السحرة ولاعبي الخفة الحديثة التي صنعت لنفسها مكانةً في عالم السينما.
The Prestige
من الممكن أن تتحول الصداقة إلى عداوة وينقلب أقرب أصدقائك عليك، لكن كيف سيكون الوضع لو كان الصديقان المنقلبان على بعضهما من السحرة؟ بعد أن تسبب أحدهما في موت زوجة صديقته أمام الجمهور أثناء ممارسة إحدى الخدع ليتحول كل ما كان بينهما من صداقة وشراكةٍ إلى عداوةٍ ومنافسة، يعطيك الفيلم لمحةً لطيفةً من كيفية تنفيذ بعض الخدع وكيف هي حياة لاعبي خفة اليد، صراعٌ وتنافسٌ بين الاثنين طوال الوقت قد ينتهي بقتل أحدهما لكن يبقى السؤال هل يموت السحرة فعلًا؟ ربما لهم عدة أرواح! مفاجئةٌ في نهاية الفيلم ومن أشهر ما قيل فيه “لا أحد يهتم بالرجل الذي في الصندوق، بالرجل الذي اختفى” حينما يدفع الساحر ثمنًا لشهرته ورغبته في إتقان الخدعة ألا يظهر أمام جمهوره بينما يتلقى بديله الهاوي صفير الجمهور وتصفيقهم بالأعلى!
The Illusionist
حدثني عندما تأتي حبيبةٌ لحبيبها الساحر فتطلب منه أن يساعدها ليظلا سويةً، هل يُصبح قلب العالم رأسًا على عقب أمرًا مبالغًا فيه في تلك اللحظة؟ هل يكفيه ويكفيها؟ هل يستطيع الساحر أن يقلب العالم فعلًا إن أراد؟ لربما علينا أن نبدأ بالخوف من السحرة قليلًا بعد أن كنا نستمتع بعروضهم فلو أرادوا سيضعونك في واحدةٍ من ألعابهم تصبح عاجزًا فيها عن التفرقة بين الحقيقة والخيال! “كل ما ستراه هنا ما هو إلا وهم” جملةٌ شهيرة للساحر البطل يضع فيها الجميع في حرج القلق مما يقول أم الضحك والاستمتاع فحسب.
Now you see me
واحدٌ من أفضل أفلام السحر والسحرة وجد لنفسه مكانةً في هوليود جعلت الجزء الثاني منه يتبعه في السينمات منذ عدة أسابيعٍ فحسب، مجموعةٌ من أفضل 4 سحرةٍ حول العالم يجتمعون معًا بتحريكٍ من يدٍ مجهولةٍ وخفية، كانوا وحدهم عظماء بسحرهم فما بالك بما سيحدث عندما يجتمعون، خروجٌ عن النطاق التقليدي في الخدع وألعاب خفة اليد فعندما يقف فريق سحرتك المفضلين على المسرح ليقدموا لك عرضًا سحريًا فيقولوا لك “الليلة سنسرق بنكًا” عليك أن تتأكد أنك لست في حضرة سحرةٍ عاديين،جملتي المفضلة شخصيًا في ذلك الفيلم كانت “قانون السحر الأول: كن أذكى من بالغرفة!”
لا أظن حقًا أنه يمكنك تعلم الخدع السحرية أو دخول عالم خفة اليد بدون مشاهدة تلك الأفلام وأعدك أنك ستستمتع بها بل وتعيد مشاهدتها عدة مرات، لتكون ساحرًا ناجحًا ورائعًا عليك أن تصبح كتلك الأفلام فتجبر جمهورك على الرغبة في مشاهدتك بدون توقف وفي كل مرةٍ يشاهدونك فيها يكتشفون تفصيلًا جديدًا مبهرًا في خدعتك ولا يملون من مشاهدتك أبدًا.
أضف تعليق