حرب الفوكلاند هي حرب عسكرية مسلحة اندلعت بين دولتي بريطانيا والأرجنتين بشأن النزاع على جزر الفوكلاند، وقد بدأت أولى المعارك في يوم 2 أبريل/نيسان 1982؛ حيث اجتاحت القوات الأرجنتينية الجزر بهدف تحريرها واستعادتها والقضاء على السيادة البريطانية. وقد جاء رد الفعل سريعًا من الجانب البريطاني حيث أرسلت بريطانيا أسطولاً بحريًا وجويًا من أجل الدفاع عن وجودها العسكري في الجزر، بيد أن المعارك انتهت لصالح بريطانيا وقد نجحت بالفعل في تحقيق هدفها العسكري والاستراتيجي وفرض سيطرتها على جزر الفوكلاند واستعادتها مُنهيةً بذلك حرب الفوكلاند في يوم 14 يونيو/حزيران 1982، وقد جاء الاعتراف الرسمي البريطاني بنهاية الحرب في يوم 20 يونيو/حزيران 1982. وفي هذا المقال نلقي الضوء على تفاصيل هذه الحرب وجذورها التاريخية وموقف طرفيها العسكري والسياسي وكيف سارت مجرياتها.
استكشف هذه المقالة
أين تقع جزر فوكلاند؟
جزر الفوكلاند هي مجموعة من الجزر الواقعة على بُعد 480 كم من السواحل الجنوبية الأرجنتينية. وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الجزر 12.200 كم2. وتتكون هذه الجزر بشكل أساسي من جزيرتين رئيسيتين هما جزيرة فوكلاند الشرقية والغربية، بالإضافة إلى مئات الجزر الصغيرة المتناثرة حولهما. وتتمتع هذه الجزر بالحكم الذاتي إلا أنها تابعة للحكومة الأرجنتينية. وتعد مدينة ستانلي الموجودة في جزيرة الفوكلاند الشرقية هي العاصمة السياسية لهذه الجزر. وقد أدى هذا الموقع دورًا في اندلاع حرب الفوكلاند لاحقًا.
حرب الفوكلاند وجذورها التاريخية
تعود مقدمات حرب الفوكلاند إلى أكثر من قرنٍ من زمان؛ حيث يمتد تاريخ النزاع عليها منذ استقلال الأرجنتين وإنهاء الاحتلال الإسباني لها في عام 1816؛ وقد آلت تبعية هذه الجزر إلى الأرجنتين تلقائيًا بصفتها مستعمرة إسبانية نالت استقلالها ومن ثَمَّ صارت حقًا مكتسبًا للأرجنتين. وقد بدأت الأرجنتين بالفعل في فرض نفوذها على جزر الفوكلاند من خلال تشكيل حكومة لها وبسط السيادة الإقليمية عليها والتي تمثلت في حظر الصيد في المياه المحيطة بها بصفتها مياه إقليمية ما يتطلب استخراج تصاريح الصيد. بيد أن الولايات المتحدة تحدت ذلك الحظر وألقت به عُرض الحائط ومارست الصيد دون استصدار أي تصاريح في المياه الإقليمية المحيطة بجزر الفوكلاند، فما كان من الجهات الأرجنتينية الحاكمة للجزر إلا اعتقال ربان سفن الصيد وبحارتها ما أغضب الولايات المتحدة وأرسلت تطالب الأرجنتين بالإفراج الفوري عن السفن وطواقمها واصفةً ما قامت به الجهات الأرجنتينية بأعمال القرصنة، إلا أن الحكومة الأرجنتينية لم تبدِ أي رد، ما أدى إلى استشاط غضب الولايات المتحدة واتخاذ قرار التدخل العسكري لتحرير سفنها وبحارتها. وبالفعل أغارت وحدات البحرية الأمريكية على الجزر وأطلقت مدافعها على مقر الحكم بها وأسرت بعض أفراد القيادة الأرجنتينية فضلاً عن تحرير أَسْر السفن وبحارتها. قد اعتبرت الحكومة الأرجنتينية هذا التصرف بمثابة انتهاكًا لسيادتها وطالبت الولايات المتحدة بتعويضات عن الخسائر التي كبدتها، ولكن الجانب الأمريكي لم يلق بالاً لهذه المطالب.
الدور البريطاني في تاريخ الأزمة
تظن بريطانيا منذ اكتشاف هذه الجزر أنها المالكة الحقيقية لها بزعم أن أول من وطأ هذه الجزر هم المستكشفون الإنجليز، ومع مرور الزمن وتناوب احتلال الجزر ظهر الوجود البريطاني عليها من الحين إلى الآخر، ولكن الوجود الأبرز حدث في عام 1833 حيث أدى الاضمحلال والضعف السياسي والعسكري لحكومة الأرجنتين إلى إغراء الجانب البريطاني واشتعال رغبته في استعادة سيطرته على الجزر. وبالفعل أرسلت بريطانيا قواتها البحرية لتجتاح الجزر وتحتلها بالكامل وتعلن تبعيتها للتاج البريطاني. وبالفعل فرضت بريطانيا سيطرتها على الجزر وشكلت إدارة سياسية لها. وظل الحال هكذا مع مرور السنين وفي ظل تنوع شكل الوجود البريطاني واستمراره حتى بداية الحرب العالمية الثانية. وفي ذلك الحين طالبت الأرجنتين باستعادة الجزر وعُقِدَت الكثير من المؤتمرات والمفاوضات من أجل ذلك إلا أن بريطانيا قابلت ذلك بالمماطلة والإنكار ووصل الأمر إلى محكمة العدل الدولية للبت في تبعية هذه الجزر ثم الأمم المتحدة، وبعد سنوات انتهى المطاف إلى المفاوضات المباشرة بين الأرجنتين وانجلترا ولكنها باءت بالفشل وأصر كل طرف على موقفه ما أدى إلى توتر العلاقات بين البلدين وإلغاء التمثيل الدبلوماسي في كليهما. ومع مرور الزمن وتعنت الطرفين والوجود العسكري لبريطانيا في الجزر قررت الأرجنتين اتخاذ الحل العسكري الذي عرفه التاريخ باسم حرب الفوكلاند التي جاءت بمثابة الرفض للاحتلال البريطاني للجزر.
حرب الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين
ثمة دوافع كثيرة بشأن حرب الفوكلاند من الجانب الأرجنتيني كان أهمها أن استرداد هذه الجزر سوف تزيد من أسهم القيادة السياسية في الأرجنتين والتي وصلت إلى الحكم بانقلاب عسكري ما يُبَيِّض وجه النظام ويُلمِّع الحكم ذا الطابع العسكري لا سيما في ظل تدهور الأحوال السياسية والاقتصادية للبلاد. ومن هذا المنطلق أصدرت القيادة السياسية الأوامر لقواتها المسلحة بإعداد خطة محكمة لغزو جزر الفوكلاند. وكانت القوات البحرية لها الدور الأساسي في حرب الفوكلاند نظرًا لطبيعة الجزر المحاطة بالمياه، فضلاً عن المشاركة الثانوية للقوات البرية.
وقد استندت فلسفة الخطة إلى الموقف العسكري الضعيف للقوات البريطانية حيث كانت هناك وحدات قليلة لا يمكنها الصمود أمام الاكتساح العسكري التي ستنفذه القوات الأرجنتينية. فضلاً عن أن الإسراع في الاستيلاء على الجزر سوف يجبر بريطانيا على إعادة النظر في موقفها لأنها ستخشى الخوض في حرب غير مضمونة نتيجة للمعطيات الحالية على المستوى السياسي والعسكري، ومن ضمن أسباب هذا الموقف هو موقع جزر الفوكلاند البعيد جغرافيًا عن بريطانيا؛ ما يُصَعِّب القيام بأي عمليات حربية فورية. وعلى الجانب السياسي كانت الأرجنتين ترى أن موقف الولايات المتحدة سيكون محايدًا بسبب رغبتها في توطيد علاقتها بدول الجوار الممثلة في بلاد أمريكا الجنوبية التي تشمل الأرجنتين بطبيعة الحال، وذلك على الرغم من سياسات الوفاق والتنسيق العسكري المشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا حيث يجمعهما حلف الناتو.
وانطلاقًا من كل هذه المعطيات بدأت حرب الفوكلاند وشن الجيش الأرجنتيني هجومًا ضاريًا على الحامية البريطانية المشاركة في حماية الجزر. واحتلت القوات الأرجنتينية الجزر وفرضت سيطرتها عليها بالكامل لتستعيدها بعد قرن ونصف تقريبًا من الاحتلال الأجنبي.
ويبدو أن الجانب البريطاني قد قرر الاشتباك العسكري مع القوات الأرجنتينية فخاض حربًا قصيرة بلغت نحو شهرين حيث تم إرسال وحدات مقاتلة من القوات الجوية والبحرية ودارت المعارك بين الطرفين حتى استسلمت القوات الأرجنتينية واضطرت إلى إعادة الجزر إلى بريطانيا والاعتراف بسيادتها على الجزر مرة أخرى.
وقد أدى موقف سكان الجزر دورًا مهمًا في حسم ما آلت إليه حرب الفوكلاند حيث فّضَّل السكان الخضوع إلى السيادة البريطانية بدعوى أنهم أصلاً ينحدرون من نسل المستوطنين البريطانيين الذي استقروا في الجزر من منتصف القرن التاسع عشر.
وهكذا انتهت حرب الفوكلاند بعد معارك دامت لمدة قصيرة لتصبح بذلك واحدة من أهم الحروب التي شهدها القرن العشرين بسبب التنازع الإقليمي. وقد ألقى المقال الضوءَ على هذه الحرب من حيث الدوافع التاريخية وأهم الأسباب والنتائج. واليومَ تتمتع جزر الفوكلاند بالسيادة البريطانية إلا أنها تُعَد إقليمًا ذا حكم ذاتي أيضًا.
أضف تعليق