تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » كيف تفرق بين حب الذات والأنانية وما المشترك بينهما؟

كيف تفرق بين حب الذات والأنانية وما المشترك بينهما؟

حب الذات أحد الصفات الأصيلة في البشر، وقد برزت تلك الصفة نتيجة لخوف الإنسان على نفسه أكثر من أي شيء آخر، واستماتته للحفاظ عليها ضد أي خطر.

حب الذات

مما لا شك فيه أن حب الذات عادة وصفة من صفات البشر الرئيسية، فطبعًا كل كائن حي يتنفس على هذه الأرض يُحب نفسه ويسعى للحفاظ عليها بكل ما يملكه قوة، وهناك أيضًا ما يُعرف بالأنانية، وهي حب الذات وتمني الخير لها، وفي نفس الوقت كره الخير للآخرين، إنه شعور قوي بالرغبة في أي شيء مهما كلف الأمر، ولقد نشأ الإنسان كما ذكرنا على حب الذات والمُحافظة عليها، لكن البعض فقط من يتسمر عند هذا الحد، أما البقية فإن الوضع يتطور بالنسبة لهم إلى كره الآخرين وكره الخير لهم سواء كانوا يستحقونه أم لا، وذلك ببساطة لأن الشخص الأناني يرى أن كل شيء جيد هو من حقه فقط، ولذلك يُطلق عليه الأناني، أي الذي يُرجح كفة الأنا، وبالتأكيد مسألة حب الذات والأنانية واحدة من أهم المسائل الشائكة في عالمنا لأنها بمثابة شعرة بين الخطأ والصواب، لذلك دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على حب الذات والأنانية وكيفية التفريق بينهما وكذلك الصفات المشتركة للصفتين.

مفهوم حب الذات

نبدأ بالشيء الأكثر أهمية، وهو حب الذات، فإذا افترضنا مثلًا أن ثمة جندي في حرب ضارية، وفي وسط الحرب تلقى زميله طلقة في قدمه، ومن الممكن جدًا أخذه من ساحة المعركة وعلاجه، لكن إن ذهب ذلك الجندي إلى صديقه فإن نسبة تعرضه للرصاص تتجاوز الخمسين بالمئة، أي أنه من الممن جدًا أن يسقط قتيلًا، هل في هذه الحالة يُعتبر تراجع الجندي حبًا للذات؟ بالتأكيد لا، فهذا الأمر إن حدث فسوف يكون إلقاء بالنفس للتهلكة، وإنما يُمكن اعتباره تجنب المخاطرة، حب الذات أن يكون ذلك الجندي المصاب قد تلقى الرصاصة بدلًا من الجندي الآخر، أو بمعنى أدق، دفعه حب الذات إلى الاختباء بينما حب الوطن هو ما دفع الجندي الآخر إلى القتال بشراسة حتى أُصيب واقترب من الموت، وهنا قد يسأل سائل، هل الحفاظ على النفس جريمة؟ وهل ما فعله الجندي حبًا للذات من النوع الغير مُحبذ؟ هذا ما يُوضحه علم النفس.

حب الذات في علم النفس

علم النفس كان واضحًا جدًا فيما يتعلق بشأن حب الذات، فقد عرفه بأنه انطباع خاص يأخذه الإنسان عن نفسه، حيث يشعر أنها تستحق الأفضل وأنها كذلك أحسن ما في هذه الحياة وأكثر ما فيها استحقاقًا للحب من الجميع، بسبب وبلا سبب، وعلى رأس هذا الجميع يأتي الشخص نفسه، فمهما كانت علاقاته مع الآخرين ومهما بلغت قوتها وشدتها فإنها في النهاية لا يُمكن أن تطغى على علاقة حبه لذاته، بل إنه يرى أن كل ما حوله يخدم علاقة حبه لذاته بطريقة أو بأخرى، حتى عندما يُحب الآخرين فإنه يفعل ذلك إرضاءً لجزء كبير جدًا من ذاته لا يرتضي سوى بالحب.

معرفة الإنسان لوجود حب الذات وتغلغله فيه جاءت مع بداية تعرضه للمخاطر أو للمقارنات، فمثلًا، يُمكنه أن يتألم ألم نفسي شديد عندما يرى شخص أمامه ينزف، وخاصةً إذا كان ذلك الشخص قريب منه، لكن، إذا نزف هو فإن الوضع يتغير تمامًا، حيث تبدأ حالة الاستنفار التامة لكل جزء فيه، حتى ولو كان ذلك النزيف بسيط ولا يستحق كل هذا التهويل، لكن حب الذات الكامن بداخله يتسلح بكل أسلحته للدفاع عن الذات، إنه حب جنوني كما هو واضح للجميع.

مفهوم الأنانية

الأنانية درجة أسوأ وأكثر حِدة من حب الذات، فإن كان حب الذات هو الرغبة في امتلاك كل شيء جميل والخوف على النفس من كل سوء فإن الأنانية رغبة كذلك في امتلاك كل شيء مع عدم ترك أي شيء يصلح للآخرين، بمعنى أدق، هي كما يتضح من مسماها، إعمال الأنا فقط، ذلك الكيان الذي يتم تفضيله على أي شيء آخر مهما كانت أهميته، وهنا طبعًا لا يُمكنك أن تُفكر في كون هذا الوضع جيد أم سيء، فبالتأكيد كره الخير للناس والرغبة في الانفراد به أمر لا يُحبذه عقل أو شرع، فالعالم لم يُخلق لأشخاص بعينهم، بل إنه للجميع، كلٌ على قدر جهده.

ظهور الأنانية كان ملازمًا لظهور حب الذات، فأولئك الذين تمكنوا من السيطرة على أنفسهم وكبح جماحهم توقف الأمر معهم عند حب الذات، أما الذين لم يستطيعوا فعل ذلك فقد تمكنت منهم الأنانية وأصبحوا بصورة أقل ما يُقال عنها أنها مهينة للإنسانية، لكن يا تُرى، كيف يُمكن التفريق بين الأنانية وحب الذات.

التفريق بين الأنانية وحب الذات

كما نرى، ثمة تشابه كبير جدًا ومُربك بين حب الذات والأنانية، بل إنه كما ذكرنا ثمة شعرة رقيقة فاصلة بين الأمرين، والحقيقة أن البعض قد يتسرعون في إصدار الأحكام على النوعين دون الإلمام ببعض الطرق التي يُمكن من خلالها التفريق بينهما، وهذه هي مهمتنا كي نُنزل كل شخص المنزلة التي يستحقها بالفعل، سواء كان أناني أو مجرد محب لذاته، وعلى رأس أساليب أو طرق التفريق هي نظرة الشخص للناس.

نظرة الشخص للناس

تختلف نظرة الشخص الأناني عن نظرة المحب لذاته اختلافًا تامًا، فالأناني يرى الناس جميعًا وكأنهم أعداء، لا يجب أن ينجحوا، وإذا نجحوا فإن ذلك النجاح سوف يأتي من نجاحه هو، وهذا هو السبب الرئيسي في كرههم، أو بمعنى أدق كره الخير لهم، وربما يكون الأمر في البداية عادي إلا أنه مع الوقت يبدأ في ترك البحث عن نجاحه الشخصي ويبدأ في البحث عن الطريق التي يمكن من خلالها إفشال نجاح الآخرين، إنها كما نرى أنانية مفرطة تتجلى في حب شيء واحد في هذه الحياة، وهو النفس، لكنه حب خيالي بجنون.

على العكس تمامًا تختلف نظرة الشخص المحب لذاته للناس، فهو لا يراهم، ولا يشغله إن كانوا سيتفوقون عليه أم له، المهم بالنسبة له في النهاية أن يحصد هو التفوق، وأيضًا فيما يتعلق بكيد المكائد للآخرين فإنه لا يُعير ذلك الأمر أي اهتمام، فكما ذكرنا هم لا يشغلونه، وما يشغله فقط هو نجاحه الشخصي، وهو يرى بكل بساطة أن نجاح الآخرين لا يُقلل من نجاحه، ومن جهة حفاظه على نفسه فإنه يفعل ذلك مع قليل من الخوف على الناس وحياتهم، أما الأناني ففي المقام الأول تأتي حياته فقط، وكل ما عدا ذلك مجرد عبث لا طائل منه.

نظرة الشخص لنفسه

النفس هي كل شيء، بل هي محور المعركة التي نخوضها بين الأنانية وحب الذات، وإذا قلنا إنه ثمة شيء يُسبب لنا المتاعب أكثر من أي شيء آخر فسوف تكون النفس حاضرة وبقوة، حيث أنها أمارة بالسوء ولوامة ونصوحة في أحيان قليلة، وهي مع كل ذلك قادرة على تحويل حب الذات إلى أنانية أو العكس، فمثلًا عندما يرى الإنسان نفسه بأنها أجمل شيء في الوجود ولا مثيل لها، بل يُمكن ألا يكون مثيل لها فهذا أمر جيد، بل ويُمكننا إدراجه تجاوزًا تحت بند الثقة الشديدة بالنفس، لكن نظرة أخرى من جهة أخرى سوف تُحيل حب الذات إلى الأنانية بلا أدنى شخص.

إذا اعتقد الإنسان بأنه مُنزه عن الخطأ فهذه هي الأنانية في بدايتها، أما إذا تمنى التوفيق لنفسه فقط وانشغل بتمني الفشل والإخفاق للآخرين فهذا أمر يندرج كذلك تحت الأنانية، والتاريخ قد سجل لنا في كل زمان ومكان أن الأشخاص الأنانيين هم الذين هلكوا بسبب تفكيرهم في أنفسهم فقط وتغاضيهم تمامًا عن الناس ومصلحتهم.

الاتكالية والاعتماد على الآخرين

من ضمن الأشياء التي تُفرق كذلك بين الشخص الذي يتمتع بشيء مثل حب الذات وذلك الذي يُرجح مبدأ الأنانية أن الشخص المحب لذاته لا يعتمد على الآخرين في تحقيق أي مجد خاص به، وإنما يكون اعتماده في المقام الأول على ذاته، فهو يرى أن تقدمه لن يحدث إلا بسواعده وليس بسواعد الآخرين، وهو ما يختلف تمامًا عن ذلك الذي يتشبع بالأنانية، فهو يرى أن الاتكالية والاعتماد على الآخرين طريق مُختصر للنجاح، فليس عليه أن يتعب أو يبذل أي مجهود كي يُحقق ما يُريد، فقط كل ما عليه أن يبحث عن الناجحين ويسرق نجاحهم، تلك هي الأنانية.

فيما يتعلق بهذه الجزئية أيضًا فلن يجد أي شخص صعوبة في التفريق بين المحب لذاته والأناني أثناء وقت العمل، فسوف تجد المحب لذاته يبذل مجهودًا كبيرًا لإنجاز العمل لكنه في نفس الوقت يسعى جاهدًا لأن يُحافظ على نفسه من أي أذى قد يُصيبه، أما الشخص الأناني فهو لن يُخلص في عمله ولن يقوم بأي عمل من الأساس، هو فقط سوف يشغل نفسه بالمحافظة والحرص، وهو ما سيقوده إلى الفشل في النهاية بلا شك.

الغرور وحب النفس

الغرور كذلك يُعتبر من أهم الأشياء التي بإمكاننا من خلالها التفريق بين حب الذات والأنانية، فالشخص المحب لذاته سوف يبذل قصارى جهده من أجل الوصول إلى أهدافه أو ضمان أكبر قدر من الأمان لنفسه دون وجود أي مقدر من الاهتمام بالآخرين، الاهتمام الجيد أو السيئ، فهو لا يتمنى لهم الخير أو الشر، ولا يتمنى لهم أي شيء، هو في الأساس لا يشعر بوجودهم، وهذا في الحقيقة أفضل بكثير من ذلك الذي يتميز بالأنانية، لأنه يفعل العكس.

الشخص الأناني، بالإضافة إلى ما ذكرناه من قبل فيما يتعلق بكرهه للآخرين ومحاولة تسبيب المشاكل لهم من أجل البقاء وحده على القمة فإنه كذلك يشعر بثقة مبالغ فيها ولا أساس لها من الصحة، تلك الثقة لا تأخذ وقتًا طويلًا حتى تتحول إلى حالة مزرية من الغرور والتكبر دون مبرر، فهو قد يكون فاشل وغير ناجح في أي شيء بحياته وفي نفس الوقت تراه يغتر بنفسه ويدللها وكأنها أنجزت شيئًا، وهذا ما يدفع البعض إلى اعتبار تلك الأنانية مرض خطير يجب البحث عن علاج له.

حب الذات في الإسلام

الإسلام في الحقيقة لم يغفل مسألة جدلية وهامة مثل حب الذات، فقد بين بوضوح على أن حب الذات الذي لا يضر بمصالح الآخرين ليس هناك أي سبب لتحريمه، لكنه أيضًا قد عظم من أجر مساعدة الآخرين والوقوف بجانبهم، وهو ما يُرمز له بالتعاون، فلا مانع في الإسلام أن تُحب ذاتك، لكن لا مانع كذلك من أن تستغل قدراتك من أجل مساعدة الآخرين، فالبشر في الأصل موجودين في جماعات من أجل تسهيل الحياة على بعضهم البعض.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

19 − 10 =