الجيران لا يقتصر وجودهم على المنزل الذي تسكن فيه أو الوظيفة التي تجلس فيها مع عدة أشخاص، فالشخص الذي تجلس بجواره لفترة قصيرة أو طويلة يمكن أن يطلق عليهم جيران المواصلات أيضا. وفي الحقيقة، معرفة الطريقة المناسبة من أجل التعامل مع جيران المواصلات ليس بالأمر التافه أو غير الهام. ولا يجب أن تظن أن تخصيص مقال كامل من أجل الحديث عن جيران المواصلات هو أمر غير مجد. فعلى الرغم من أن هؤلاء الأشخاص الذين تقضي بجوارهم بعض الوقت الذي قد يكون قصيرا -مثل عدة دقائق- إلى الوقت الذي قد يطول -مثل عدة ساعات كالسفر من مكان إلى آخر في نفس البلدة، أو ربما أيام عند السفر من مكان إلى آخر في العالم-، إلا أن هؤلاء الأشخاص يملكون حقوقا عليك يجب عليك معرفتها وتأديتها. فما هي الطريقة الأنسب للتعامل مع جيران المواصلات إذا؟
استكشف هذه المقالة
أنواع جيران المواصلات
على الرغم من أن جيران المواصلات يختلفون طوال الوقت ومع اختلاف المواصلات، إلا أن بإمكانك أن تبدأ في تمييز نمط معين لهؤلاء الجيران بعد فترة جيدة تقضيها بين المواصلات المختلفة. هؤلاء الجيران سيختلفون في طباعهم وتصرفاتهم المختلفة وأيضا سيختلفون في الطريقة الأنسب للتعامل معهم. فلدينا مثلا
جيران المواصلات الهادئين
هذا النوع من جيران المواصلات يتميز بالهدوء والاستكانة ومحاولة إتمام عملية المواصلات بأقصى درجة ممكنة من السلام. ستجد هذا الشخص يفضل الجلوس بجوار الشباك في معظم الأوقات ومتى ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وستجده محدقا في الخارج طيلة وقت المواصلة. لن يتحدث كثيرا وستجد بعض الصعوبات في التواصل الفعال معه. هذا الجار يتميز عادة بأنه من الطبقة العمرية الشابة حيث أصبح العديد من الشباب منغلقا على نفسه في الحياة الواقعية هذه الأيام.
جيران المواصلات الثرثارين
هذا النوع من جيران المواصلات ستعرفه بمجرد دخولك إلى المواصلة، وليس شرطا أن يكون الشخص الذي بجوارك تماما ولكنه قد يكون أي شخص في المواصلة ولكنك ستشعر وكأنه يجلس بجانبك تماما. هذا الشخص قد يكون ودودا جدا حيث أنه يقوم بالتسليم ورد السلام على كل من يصعد أو ينزل ويعرض الكثير من الخدمات حتى وإن كان غير قادر على تقديمها على أمل أن يخلق حديثا في المستقبل مع هذا الشخص. وربما يكون هذا الشخص ثرثارا فقط دون الجانب الودود فيكون هدفه هو إيجاد الضحية التي ستقع تحت يده ولن يفلتها إلا عندما ينفذ الكلام منه –إن نفذ-. هؤلاء الأشخاص غالبا ما يكونون من كبار السن وخاصة السيدات العجائز في حالة توافر صفة الطيبة.
جيران المواصلات الغاضبين
هؤلاء الأشخاص لن يكونوا ودودين كثيرا وغالبا ما ستعتلي وجوههم علامات الغضب والاستياء التي يمكن تمييزها بسهولة. ستجدهم يحاولون الجلوس دائما على الأطراف حيث يكونون أقرب إلى الباب كأنهم على استعداد طوال الوقت لقي يقوموا بالقفز والابتعاد عن هذا المكان. هذا الشخص غالبا ما يحمل فوق طاقته أعباء كثيرة أو إرهاق يوم طويل وغالبا ما يلوم العالم على كل ما يحصل له فتجده يثور غضبا إذا تأخر السائق في محطة ما أو قام أحد الركاب بافتعال مشكلة بسيطة. هذا النوع من جيران المواصلات سيكونون غالبا من الفئة العمرية المتوسطة مثل مرحلة الثلاثينيات وغالبا ما سيكونون من الرجال.
جيران المواصلات أصحاب الرسالة
هذا النوع من الجيران سيتشابه قليلا مع النوع الثرثار إلا أنه سيختلف في أن حديثه يكون لهدف معين من أجل إيصال فكرة أو تحقيق أمر ما في نفسه. هذا الراكب ستجده يحاول اقتناص أية فرصة من أجل تقديم حكمة أو نصيحة أو خبرة حياتيه وسيكون في الغالب لديه شعور بالمسئولية تجاه المجتمع وتجاه أي شخص يتواجد بجانبه. هذا الشخص صاحب رسالة من الممكن أن تكون رسالته من أي نوع مثل الدين أو العلم أو السياسة أو الفلسفة، إلا أن النوع المنتشر في مجتمعاتنا العربية غالبا ما تتركز حول الرسالة الدعوية الدينية. الأمر المؤسف هو أن الأشخاص الذين يقومون بنشر رسالة الدين لا يقومون دائما بها بالطريقة الأصح أو الأنسب وقد يقومون بتأثير عكسي غير مرغوب فيه. أما بالنسبة للفئة العمرية التي توجد فيها هذا النوع من الركاب فهي ليست محددة إذ أنك قد تجد فتاة عشرينية تأخذها الحمية في دينها فتقوم بالنصح متى ما استطاعت ذلك، وربما تكون تلك الفتاة العشرينية هي امرأة أربعينية لديها نفس الحميّة. ولكن ما يمكن تحديده هو أن هذه الفئة ستكون منتشرة في الإناث أكثر غالبا.
هناك أنواع أخرى يمكنك عزيزي القارئ أن تكتشف وجودها أكثر من هذه الأنواع، ولكن هذه الأنواع الثلاثة تشمل قطاعا كبيرا من أنواع جيران المواصلات . فكيف تتعامل مع هذه الأنواع المختلفة إذا؟ ولكن قبل أن نجيب هذا السؤال، دعنا نقم بطرح سؤال آخر وهو
لما يجب أن يكون هناك طريقة للتعامل مع جيران المواصلات؟
علينا أن نعي جيدا بأن تصرفاتنا مع غيرنا مهما كانت بسيطة فإن بإمكانها أن تترك أثرا عظيما في حياة الآخرين في بعض اللحظات. ابتسامتك في وجه طفل ذات مرة قد تدخل على قلبه الفرحة وتكشيرتك في وجه رجل كبير في السن قد تجعله يشعر بالحزن والعجز. ليس هذا فقط، بل إن الديانات السماوية حضتنا أيضا على إحسان التعامل مع الآخرين عموما مثلما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق التي ما هي إلا حسن التعامل مع الآخرين، وأيضا أوصانا بالجيران إلى سابع جار. بينما أوضح القرآن أن من ضمن الجيران أيضا هو كل من يجاورك في السفر كما ورد في أحد تفاسير قوله تعالى “وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب” سورة النساء الآية 36. هذا إذا يثبت أن هناك حقوقا تملكها تجاه أيا كان هذا الشخص الذي سيجاورك في أي مكان سواء في منزل أو عمل أو حتى سفر قصير وطويل. وحسن التعامل مع الأشخاص بإمكانه أن يجلب سعادة إلى الآخرين وإليك أيضا لأن الله يجازي الإحسان بالإحسان إذا كنت مؤمنا، ولأن الكارما تؤكد ضرورة أن تُجازى بمثل ما تعمل إن كنت تؤمن بالعملية فقط.
كيف تتعامل مع جيران المواصلات إذا؟
أخيرا وصلنا إلى إجابة السؤال الذي نتسائل عنه منذ بداية المقال، أما الإجابة فإجمالا هي في الحكمة العظيمة التي تقول “فليقل خيرا أو ليصمت” ونحن سنقوم بتعميمهما لكي تصبح “فليفعل خيرا أو ليحجم”. عليك أن تعرف أن لجارك عليك حقا وأن من أفضل الأعمال هي أن تؤدي الحقوق إلى أهلها، فعليك أن تسعى إذا لكي تكون رفيق سفر لطيف وحسن الصحبة وإلا فلتكتفي بأن تكون جارا هادئا وغير متسبب لأية مشاكل. أما إذا كنت من الأشخاص الذي يحبون التخالط مع الآخرين وترك الأثر الجيد في نفوسهم فبإمكانك استعمال الخطوات التالية
حمل قطع السكاكر في حقيبتك دائما
بعض قطع البونبوني أو الحلويات الصغيرة في حقيبتك ستكون شيئا خاصا ومميزا جدا لتهديه إلى طفل تقابله في المواصلات. فأنت ستبعث الفرحة في قلب هذا الطفل وفي قلب والدته أو والده أيضا لأن أي أب أو أم يحبون أن يشاهدوا الفرحة على وجوه أطفالهم ويقدرون من يرسمها لهم. بإمكانك إذا أن تكون صانع بهجة للأطفال وأن تفاجئهم ببعض الحلوى في الموصلات إذا كان جارك هو شخص يحمل طفلا صغيرا.
قم بمشاركة الطعام مع الشخص الذي بجوارك
إذا كان سفرا طويلا أو قمت بشراء شيء من الطعام وكنت ستفتحه في المواصلات، فحاول دائما أن تقوم بعرض المشاركة على الأشخاص المجاورة لأن المشاركة هو أحد الأمور العظيمة التي يمكن أن نعلمها لأنفسنا ولأن هذا الفعل البسيط بإمكانه أن يترك أثرا طيبا في النفوس، وأيضا لأن المشاركة تجلب البركة والرضا في الرزق. فقم دائما بعرض المشاركة بقلبك وكن صادقا لكي يصل صدقك إلى الآخرين.
احترم احتياجات الآخر
هناك الاحتياجات المختلفة التي يحتاجها كل منا بالطبع، وعندما يكون السفر طويلا، فإن هذه الاحتياجات تكون أقوى ولا يصبح تحمل أمور غير مريحة أسهل. عليك إذا أن تكون واعيا لاحتياجات الشخص المجاور لك وأن تتأكد من أنك لا تخرق مساحته الشخصية أو راحته. فمثلا لا تحاول خلق حوار أو الإكثار من الكلام إذا كنت تلاحظ أن الشخص الذي بجوارك يحاول القراءة مثلا أو يود الحصول على بعض النوم، أو كان لا يرغب حتى في إجراء حوار في الوقت الحالي. لا تقم بفرض نفسك على أحد ولا تحاول اختراق مساحة أحد باسم اللطف والاجتماعية.
قم بعرض تبديل الأماكن لبعض الوقت إذا كان مقعدك أكثر راحة
الشعور بالآخر والتكافل الاجتماعي هي من الأمور العظيمة التي يمكنك أن تتحلى بها على الإطلاق. فإذا اكتشفت مثلا أن الكرسي الذي تجلس عليه مريح أكثر من الكرسي المجاور أو كان الكرسي المجاور به بعض المشاكل، بإمكانك عرض مبادلة الكراسي لبعض الوقت مع رفيق سفرك من أجل التخفيف عنه قليلا حيث أنه لا يملك أي ذنب في أن يحصل على كرسي غير مريح. بل ربما يمكنك عرض تبادل الكراسي إذا كان الكرسي القريب من الشباك هو من نصيبك مثلا إذا وجدت في جار المواصلة رغبة في الجلوس بجانب الشباك ومراقبة الطريق لبعض الوقت، أو حتى طوال الوقت إذا كنت لا تملك مانعا. حاول دائما أن تكون لطيفا ولا تتأخر في تقديم المساعدة إلى شخص ما ما دمت تملك القدرة على تقديمها.
كن لينا في التعامل
إذا حدثت أية مشاكل في أثناء السفر –وكثيرا ما تحدث تلك المشاكل- فحاول أن تكون هادئا قدر الإمكان وأن لا تنفعل أو تحمّل الأمر أكثر من طاقته. في الغالب ما تكون المواصلات محطة وكثيرا ما يشعر الراكبون فيها بعدم الاستقرار مما قد يؤدي إلى الكثير من الأخطاء. لا تجعل الأخطاء الناتجة تتمكن منك وحاول أن تكون هادئا بقدر الإمكان وأن تتعامل مع المشاكل بتحضر وحكمة لأن هذا بإمكانه احتواء موقف بسيط قبل أن يشتعل ويتحول إلى مأساة من دون داع.
كن ذكيا في معرفة أنواع جيران المواصلات المختلفة
هناك الكثير من الأنواع المختلفة من جيران المواصلات كما اوضحنا، وهناك صفات مميزة لكل نوع منهم وطريقة مخصصة في تعاملهم. هذا يدل أيضا على أن هناك طريقة مناسبة للتعامل مع كل واحد منهم بحيث تحافظ على مساحتهم الشخصية -أو الابتعاد عن آذاهم- والبقاء لطيفا بقدر الإمكان. فالراكب الهادئ مثلا عليك أن تعرف أنك لا يجب أن تزعجه طوال الوقت بالمحادثات أو المداخلات، بينما الراكب الغاضب مثلا عليك أن تحاول امتصاص غضبه إذا كان بإمكانك فعل هذا. أما الراكب صاحب الرسالة فأنت بإمكانك أن تستفيد منه كثيرا وأن تخوضا حوارا هادفا وفعالا وقد يكون هذا الحوار ثري جدا بالنسبة لك، أو حتى تقدم نصيحة بسيطة ولطيفة له إذا كان ممن أسلبوهم منفر أو غير محبب في الدعوة إذا أمكنك ذلك.
تذكر أن الله يجزي من أحسن عملا
بالطبع، ليس من السهل أن تكون لطيفا وطيبا ومتفاهما ولينا ومتعاطفا طوال الوقت وخصوصا إذا لم تكن هذه صفاتك الأساسية وإنما هي صفات طيبة تحاول التحلي بها. وبالطبع لن يكون الأمر أسهل عندما تكون المواصلات -حيث أي شيء يمكن أن يحدث فيها- هو المكان الذي تحاول تطبيق هذه الصفات فيه. لذلك حاول أن تذكر نفسك دائما بأنك تفعل هذا من أجل الله تعالى أو من أجل إنسانية أفضل، وبأن المقابل الذي تنتظره ليس في الموقف الحالي وإنما من الله أو الكارما أو حتى مجرد أن يصبح العالم مكانا أفضل ذات يوم.
كن منتبها للتحركات الغريبة وكن مستعدا لتلبية نداء الواجب والخير
التغيرات الجديدة الطارئة في عالمنا العربي والتي أصبحت تتسم بالظلم والفساد أكثر من أي شيء آخر، تركت الباب مفتوحا للسرقة والنهب والخطف وكل العمليات الهادمة المجرمة الأخرى لتحدث بين أعيننا دون أن نلاحظ الأمر جيدا. فإحدى المهارات التي سيكون من العظيم جدا أن تكتسبها هي القدرة على تمييز الراكب الذي يحتاج إلى مساعدة والهب إلى نجدته متى ما تأكدت من ذلك. الحوادث المأساوية أصبحت منتشرة ف بعض المجتمعات العربية كمصر مثلا وأصبح اختطاف الشباب والتسول بالأطفال المخطوفين والتخطيط لعمليات النهب أمرا شائعا ويتم في العلن أكثر من اللازم. لذلك، إذا شككت في لحظة أن هناك طفلا أو حتى شخصا كبير قد تعرض للاختطاف أو أن مؤامرة يتم حياكتها في مكان قريب منك بحيث يمكنك سماعها، فقم بمحاولة مساعدة هذا الشخص في الحالة الأولى والتأكد من حالته الصحية والعقلية وقم بسؤاله شخصيا ولا تسمح لأحد غيره بأن يجيب، ولا تنس أن تتأكد من ملامح الشخص لأنه قد يجيب إجابة معينة وتقول ملامحه الخائفة عكس تلك الإجابة. أما في الحالة الثانية فعليك أن تتصل بالشرطة فورا أو تحاول معرفة الشخص المصاب من تلك الواقعة ومحاولة الوصول إليه وتبليغه بالتحديثات في ما تم سرقته منك.
بالطبع أمر كهذا لن يكون بسيطا فعله وليس مجبرا عليك القيام به حيث أنه من اختصاص الشرطة ووسائل الأمن، ولكن تذكر أن الله كان في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ولا تنس أبدا النقطة السابقة حول حقوق جيران المواصلات .
وأخيرا، ليس عليك أن تكون لطيفا إلى هذا الحد إذا لم تكن هذه صفاتك أو كان الأمر صعبا عليك، ولكن أقل ما يمكنك فعله هو أن تكون راكبا هادئا حيث لا تؤثر على الآخرين بالسلب أو تعطيهم وقتا سيئا. فكر في وقت المواصلات على أنه إما وسيلة لترك أثر طيب أو عدم ترك أثر على الإطلاق.
أضف تعليق