عدم تقبل الغرباء قد يكون مشكلة تقض مضجعك بخصوص أطفالك، وربما تبدأ في الاعتقاد أن طفلك لن يكون اجتماعيًا أبدًا. إنجاب طفلٍ ليس أبدًا بالأمر السهل، كما أن التربية تحتاج إلى حكمة، تلك التي يشترك فيها القلب والعقل والعلم.. وما إن تتحكم واحدة فقط في المسألة سينتج عن ذلك خلل في أمرٍ من الأمور، فليست هناك مشكلة نجدها في أطفالنا من دون أسباب، فيمكن أن نكون اشتركنا نحن كآباء في تكوينها، أو قد ساعد في ذلك المجتمع.. وليست كل مشكلةٍ بالفعل مشكلة، ربما يكون هذا هو الطبيعي في سنٍ معينة، فأخذ الأمور دائمًا بتضخيم يضرُّ حتمًا الطفل، كما يؤثر على نفسيتك تلك التي يجب أن تكون صافيةً كفاية للتعامل مع طفلك، كما أن التساهل ليس جيدًا بالتأكيد أيضًا.
طريقة تعويد الأطفال على تقبل الغرباء
طفلك و تقبل الغرباء
من المشاهد الطبيعية تمامًا أن الطفل في شهوره الأولى لا يسعد كثيرًا إن قام بحمله أحد غير والديه، خاصةً الأم.. هذه بالطبع ليست مشكلة، فهناك ترابط قوي ينشأ بين الطفل وأمه منذ أشهر الحمل، ولا سيما بعد الولادة.. ارتباطه بالصوت، والرائحة، هذا الكائن الصغير بالتأكيد سيخاف من صوتٍ غريبٍ أو رائحة تختلف عن تلك التي اعتاد عليها، فالأمر لا يتعلق بمظهر الشخص الذي أمامه، أو أن رائحته ليست جيدة، بل إلى هذا الرابط بين الطفل ووالدته.. فإن الطفل يحتاج إلى الوقت كي يستطيع تقبل الغرباء ، ويتخلص من التمسك بوالدته بهذا الشكل.. فكونه ارتبط برحم أمه تسعة أشهر لا يجعل من السهل الانفصال عنها أبدًا، ولكن مع الوقت ربما سيصل إلى شهره الثامن ستتسع تلك الدائرة لتشمل ربما الجد والجدة، الأصدقاء المقربون.. من هم على صلةٍ بالأسرة أغلب الوقت، سيعطي إشاراتٍ تدل على التواصل وتقبل الأشخاص، قد يقبل أحضان أحدٍ آخر لبعض الوقت، وستبقى الأم تحتفظ بمكانتها دائمًا بالطبع، وقد يتأخر عن ذلك، لأسباب أخرى.. فربما قد خاف من مظهر أحدهم أو صوته!
ولكن متى بالفعل يجب علينا أن نقلق من تصرف الطفل حيال تقبل الغرباء ، أو عدم تقبله لهم؟ إن الطفل في سن الثلاثة أعوام وأكثر ربما سيحظى بصديق مقرب، بالطبع ليست تلك الصداقة بمعناها المعروف لدينا، ولكن بما فيه الكفاية ليتذكره، ويذكر اسمه في أحاديثه المختلفة، ويتراوح الأمر من طفلٍ إلى طفلٍ بالطبع.. فقد يصل إلى أربعة أعوام أو خمسة أعوام ولا يتجاوب مع الآخرين ممن هم في مثل عمره، أو أكبر، وهنا نبدأ بالقلق حيال الأمر.
الانطواء
هل توجد مشكلة في الطفل؟ هل هذا بدايةِ توحدٍ ما؟ أو أن الطفل خجول و انطوائي؟ ولكن قبل أن نجيب على تلك الأسئلة، نحن بحاجة إلى فهم معنى الانطواء. وسنستبعد قضية “التوحد” لأنها قضية معروفة، ولا يصعب على أحدٍ معرفة ما إذا كان الطفل يعاني من تلك المشكلة أم لا! وهي أيضًا تحتاج لتدخل مختصين، لأن الطفل لا يعاني فقط من تقبل الغرباء أو عدمه، بل من تقبل الأشخاص عمومًا، والاستجابة، والتواصل.. وغيرها من الأمور.
“الانطوائية” وكيف تؤثر على تقبل الغرباء ؟
أحيانًا تجد طفلك في بيته شعلة نشاطٍ، لا يهدأ، يلعب مع أخوته، ويتجاوب معك.. ولكن ما إن يقابل أحدهم فتراه ينكمش على نفسه، ويتمسك بك، فالأمر أشبه بأنه يفقد طاقته أمام الغرباء.. وهذا لا يعني أنه لا يتقبلهم، هو فقط لا يشعر بالارتياح عند وجود أحدهم في الجوار، وأيضًا لا أعتقد أنها انطوائية بالمعنى المعروف، هو فقط يحتاج المزيد من الوقت كي يتعرف على الأشخاص والمكان.. تلك ظاهرة نجدها في البالغين أيضًا، فأنت لن تذهب إلى مكان لأول مرة وتعتبره منزلك وتتعامل معه بحميمية!
ولكن نعني بالانطوائية تلك التي تمنع الطفل فعلًا من التجاوب مع الأشخاص، و تقبل الغرباء.. فالطفل الاجتماعي هو الذي بإمكانه الاستجابة لتعاملات الآخرين.. من التحية، والابتسامة، وأن يشارك غيره في الأنشطة دون خوف أو خجل.. فهو لا يعاني من مشكلة في تقبل الغرباء، إذ أن عنصر الاستجابة متوفر بالفعل.
أسباب الانطوائية
توجد أسباب عديدة لهذه الظاهرة، وأكبر أسبابها يكمن في علاقة الأب والأم بالطفل، وعلاقتهم بالغير.. قد يكون الأب أو الأم انطوائي بالأصل، لا يحبون التواصل الاجتماعي، أو منغلقين على أنفسهم.. لا يهتمون بالحفلات أو المناخ العائلي.. فينشأ الطفل بعيدًا عن الناس، ويتحول القريب إلى غريب، ويتصاعد الأمر عندما يتم التعامل مع غريب بالفعل إلى خوف وخجل.. أخبرني كيف ستتعامل مع كائنات حية لا تراها كثيرًا!
كما أن علاقة الأب والأم بالطفل نفسه عامل عظيم.. فقضاء أوقاتٍ متفاوتة بعيدة من الأب مع ابنه لا يجعله على علاقة قوية به، ربما يتحول إلى خوفٍ منه، فيساعده ذلك على أن يكون شخصيةً ضعيفة التواصل مع الغير.. فإن الطفل من خلال والديه تُفتح له بوابة جديد يتعرف من خلالها على الأشخاص، فإن وجد خلل ما في تلك البوابة.. فسيعكس ذلك على تعامله مع الغير. وأيضًا من الأسباب التي تؤدي إلى الانطوائية الخوف الزائد على الطفل من أن يختلط بالمجتمع، فنرى الأم كثيرًا ما تمنع طفلها من الإندماج مع غيره من أقرانه، أو السماح له بمشاركتهم في اللعب في الأماكن العامة، وبهذا تجعل طفلها انطوائيًا، لا خبرة لديه في التعامل مع الأشخاص، كما أن شعور الخوف سيتملكه في تجربة كل شيء جديد إن أتيحت له الفرصة لذلك، كما أن تقبل الغرباء سيكون ثقيلًا عليه، وسيؤثر عليه مستقبلًا بالطبع.
كما أن من الأمور التي تساعد على تكوين الشخصية الانطوائية التوبيخ أمام الغير، أو ذكر عيوب طفلك أمامه لأحدهم، فهذا يفقده ثقته بنفسه، ويمنعه من الإندماج مع غيره، لأن ما قلته قد ترسخ في عقله، وأصبح عائقًا على جعله يتكيف ويتقبل الآخرين.. فثقته في نفسه قد أصابها الخلل!
ومن تلك الأسباب أيضًا أن يحرص الأب على تعليم ابنه وزيادة الجانب المعرفي في سن صغيرة ليست مناسبة لكل هذا، منذ أيام وجدت أمًا مستاءة من ابنها ذو الأربعة أعوام واصفة إياه بالضعيف جدًا في التحصيل!! بربك كيف يمكن لطفل بهذا السن الذي يحتاج فيه إلى اللعب وإلى إهدار طاقته في المتعة والجري إلى فرض واجبات منزلية ثم يتم وصفه بالضعيف؟! من الأسباب أيضًا وقع الطفل تحت صدمةٍ عاطفية، مثل: وفاة الأم وغيرها.
النتائج المترتبة على انطوائية الطفل
نجد الطفل لا يتمتع بالثقة الكافية على القيام بالنشاطات المختلفة، فلا يندمج بسهولة مع الآخرين، فتقبل الغرباء لديه ليس بالأمر السهل، كما أنه لا يشارك في تلك الأمور التي تتطلب ثقة عالية بالنفس مثل الإذاعة المدرسية، والمسارح، فيميل إلى النشاطات الفردية، فيضعف لديه التعاون والمشاركة، فعندما يصل إلى تلك السن التي يتحمل فيها المسئولية ربما سيترك العبء كله على شريكته أو شريكه، فهو لم يتعلم التعاون والمشاركة، كما أن طفله سيعاني من ذلك أيضًا فهي أشبه بالدائرة.. ونجد الطفل أيضًا لديه الخوف من المناسبات الاجتماعية، أو التواجد في الأماكن المزدحمة، فنجده يهرب منها، كما أنه سيكون لديه مشكلة في التعامل بذوق مع الآخرين، ومن الممكن أن يضعف تحصيله الدراسي.. وأيضًا المغالاة في مشاهدة التلفاز أو استخدام الحاسوب وغيرها من المشكلات التي قد تصيب الطفل الناتجة عن الانطوائية.
كيف نحول الطفل إلى شخصٍ اجتماعي؟
قد ذكرنا أن أكبر الأسباب التي تؤثر على اجتماعية الطفل والديه، فنجد الأب أو الأم لا يقضي كل منهما الوقت الكافي مع الطفل.. لذا فإن التعامل مع الطفل مهم جدًا، محاولة المشاركة في اللعب، أو فتح حوار يساعد الطفل على النطق بشكلٍ جيد فيما بعد.. فإن الوجه البشوش والمعاملة الطيبة مع الطفل ستنعكس بعد ذلك على تعامله مع إخوته وأصدقائه، فينشأ الطفل مشبعًا بالحب سليمًا. وأيضًا اجتماعية الأهل مع الغير.. فيجب الإندماج الكافي المعتدل مع الأهل والأقارب والأصدقاء، فيعطي ذلك للطفل الفرصة الكافية للتعرف على وجوه جديدة.. وأيضًا المشاركة في النشاطات المختلفة، والتعامل مع أطفال الغير.. بأن نخفف الخوف الذي يكون بداخلنا على الطفل، فهو لن يتعلم شيئًا حتى يقع، ولا يوجد طفل على الأرض لن يتعرض للخدوش مثلًا!
وقد يعالج ذلك أيضًا رواية القصص المختلفة التي تنمي الجانب آلاجتماعي لديه، كما أن المدح والثناء عليه عند قيامه بخطوة اجتماعية ستكون أمرًا جيدًا، أيضًا ذكر محاسنه أمامه حتى تقوى ثقته بنفسه، فالطفل بهذا ستضمر لديه الرهبة في تقبل الغرباء ، وستكون لديه الثقة الكافية في الإندماج مع المجتمع ومنع الخوف أو الرهبة التي ستصيبه عند رؤية وجه جديد.
نحن لسنا الوحيدون على هذا الكوكب، قد جُبلنا على أن نحتاج إلى الغير، وأن نكون صداقاتٍ تساعدنا على التعايش وتفهم الآخرين.. فإن تربى الطفل على أن يكون وحيدًا لا يتقبل أحد، ولا يتعامل مع أحدٍ فربما سيعيش مشاكل كثيرة جدًا، وحينها ستكون قد تكونت شخصيته التي من الصعب تشكيلها كما هو حاله الآن.
أضف تعليق