تقاليد الحب والتعبير عنه تختلف من مجتمع لأخر ومن زمن لزمن بسبب تغير الثقافات فتتغير معها طرق التعبير المناسبة. ولكن الجديد منها المعاصر لنا مثل لمس الأيادي والتقبيل قد لا تكون هي المناسبة قبل قرنين أو ثلاث من الآن. في مقالي أحب أن أطلعك على أغرب تقاليد الحب بالماضي وكيف كانوا يعبرون عن حبهم، وما هو أصل بعض التقاليد الحديثة، وقد تجد أن بعض الطرق غريبة بعض الشيء ولكن هذا هو طبيعة الحال حسب مفهوم المجتمع وقتها.
تقاليد الحب في الزمن الجميل
بطاقات المعايدة نكديه
هل تساءلت عن أصل فكرة بطاقات المعايدة؟ وخاصة أنها من أشهر الطرق التي يعبر بها شخص لأخر عن حبه، ليس فقط من حبيب لأخر بل أيضاً الأصدقاء والأقارب. وقد تحتوي على صور معبرة عن الفرحة وقرب الحبيب أو نضع بها مال العيدية. على غير المتوقع فإن أصل فكرة البطاقات كانت على النقيض تماماً، إذ إنها لم تكن من تقاليد الحب بل كانت طريقة للإهانة. بداية انتشار وصنع تلك البطاقات كانت في القرن التاسع عشر وقمة ذروتها في الأربعينات والثمانينات منه، وكانت مصنوعة من ورق رديء الجودة وعليها صورة مهينة تصف الشخص المرسلة له، بالإضافة إلى أربعة أو ستة أسطر مكتوبة بطريقة شعرية تتكلم بالسخرية والإهانة على المرسل له. ولا توجد إهانة تخطر على بالك إلا ولو كانت لها بطاقة، فمن الصلع والحول إلى التلعثم بالكلام أو أي عيب أخر، لا توجد إهانة إلا ولو اخترعت لها بطاقة وما عليك سوى اختيار المناسبة. وكانت ترسل لكل الفئات في المجتمع (الجيران والأعداء والمعلمين وحتى السياسيين). وفوق كل هذا طريقة استخدام الطوابع المدفوعة مسبقاً لم تكن قد استعملت بعد بل كان على المتلقي دفع ثمن البريد، أي يتلقى الإهانة ويدفع ثمنها أيضاً. ومن شدة الإهانة خاصة لو مرسلة من شخص عزيز كانوا قد يفكرون في قتل أنفسهم، لأن تلك الإهانة ستكون وصمة عار عليهم بالمجتمع.
تم الاحتفاظ بمجموعة من تلك البطاقات كقطع أثرية ومنها على سبيل المثال بطاقة تحتوي على صورة لرجل أصلع يلتف حوله الذباب أو الحشرات، وكتبت تحته قصيدة تعبر عن صلعة رأسه التي باتت ظاهرة في كل مكان مما يجعلها لامعة وبراقة فيتجمع عليها الذباب. وكانت الشركات المنتجة لها تربح أرباح ضخمة ومن وقت توقف استخدامها اتجهت نفس تلك الشركات لصناعة بطاقات معايدة تحمل معاني الحب والاشتياق، فأصبحت تقليد من تقاليد الحب في مختلف المناسبات والأعياد.
يحمل قلبه على كفه
واحدة من تقاليد الحب هي التعبير عن القلب كشيء مادي يحمله الحبيب ليقدمه للمحبوب. ذلك التعبير استخدمه شكسبير في مسرحياته لأول مرة ولكن أصله يرجع لأبعد من ذلك. وتوجد نظريتين لأصل التعبير، الأولى ترجع بنا إلى الاحتفال السنوي الروماني في عصر الإمبراطور كلوديوس الثاني الذي لغي منظومة الزواج لاعتقاده بإن الزواج يصنع محاربين أضعف، واستبدل ذلك باحتفال سنوي يختار فيه الرجال سيدة ستكون صديقة وتابعة له طوال السنة المقبلة حتى الاحتفال الذي يليه وأسموه “اقتران مؤقت”. فكان على الرجال حمل اسم السيدة المختارة على كفه أو ساعده طوال مدة المهرجان وتلك هي التي أحبها قلبه وسيتعلق بها السنة كلها. أما النظرية الثانية ستأخذنا إلى القرون الوسطى حين كانت رياضة المبارزة شرف للفارس، وعندما كانت تجرى مبارزة أمام النبلاء كان على الفارس اختيار سيدة جميلة من الجالسين ليبارز على شرفها ونتائج المبارزة ستكون لها فكأنه يكرس سيفه وقدرته في خدمتها، وكان على تلك السيدة أن تعطيه شيء مما تحمله دليل على موافقتها مثل المنديل أو الوشاح الخاص بها فيحمله الفارس معه في المبارزة ويربطه على كفه أو ذراعه. وكان ذلك تقليد من تقاليد الحب ودليل على الشهامة والنبالة في كونه يحارب ويقدم حياته لأجل تلك الأنثى.
بطاقات الغزل من تقاليد الحب
على عكس بطاقات المعايدة المهينة، استخدمت بطاقات الغزل في أواخر القرن التاسع عشر في أمريكا كنوع من الفكاهة لبداية محادثة من المرأة التي أحبها. بذلك الوقت لم يكن من السهل أن يذهب شاب ليتكلم مع امرأة بدون مرافق ولذلك كان من السهل توصيل بطاقة غزل إلى أيادي السيدات خفية وعليها بعد ذلك أن تخفيها هي بطريقة مبتكرة، وراء المروحة التي في يدها أو داخل القفاز. بعض البطاقات تحتوي عبارات غزل بطريقة مهذبة مثل “هل تسمحين وتعطيني الشرف وتقابليني عند المكان الفلاني غداً! إذا وافقتِ احتفظي بالبطاقة وإن رفضتِ فأرجوكِ ارجعيها لي.” لكن البعض الأخر لم تكن مهذبة أبداً وصريحة جداً في الغزل مثل “أنا غير متزوج وأبحث عن تسلية للوقت.” على رغم من كثرة استخدام الشباب لتلك البطاقات إلا إن الفتيات أيضاً كانوا يستخدموها بطرق كثيرة، فبعض الجامعين لتلك البطاقات كقطع أثرية وجدت عندهم بطاقات موجهة من سيدة إلى رجل مثل “تستطيع أن تراني اليوم في بيتي عند المساء.” أو “أنا اسمي آنا فمن أنت أيها المراوغ؟” مما يثبت أن النساء كانت تستخدمها بنفس قدر الرجال. وكانت البطاقة صغيرة ولا تحتوي سوى على جملة الغزل وكانت جودة الورقة متفاوتة حسب قدرة الحامل لها، مع بعض قطرات العطور أو أحمر الشفاه لو كانت صاحبتها امرأة.
عيون الحبيب
من تقاليد الحب والتعبير عنه بين الأغنياء في أواخر 1800 وأوائل 1900 كانت “منمنمات العين” وهي عبارة عن قطعة مجوهرات يعطيها الحبيب هدية للمحبوبة. قد تكون تلك الهدية خاتم أو قلادة أو دبوس، والفكرة الأساسية هي وجود رسمة لعين الحبيب موضوعة على الهدية بشكل فني وسط باقي قطع الألماس والفضة المختلفة. وتتراوح حجم العين ما بين المليمترات أو السنتيمترات ويتم رسمها على ورقة بألوان مائية أو على قطعة من العاج. وجود رسمة لعين الحبيب فقط لا تجعل من يراها يعرف من هو ذلك الحبيب فتتمكن السيدات من ارتداء الهدية وسط الحفلات والمناسبات المهمة، وفي ذات الوقت فإنها تعني أن الحبيب يرعى حبيبته دائماً ويحفظها من عيون الأخريين. أول من بدأ ذلك التقليد كان أمير ويلز والذي أصبح فيما بعد الملك جورج الرابع وفقاً للقصة التي تحكي عن حبه لماريا فيتزهربرت السيدة الأرملة مرتين وكاثوليكية بخلاف العقيدة الإنجليكية للأسرة المالكة في إنجلترا. وقع الأمير في حب تلك السيدة وطلب منها الزواج فلم توافق فحاول أن ينتحر وعندها قبلت طلبه، ولكن سرعان ما تراجعت عن قررها إذ إنها رأت الخلافات الكبيرة التي ستحدث عند محاولة طلب الموافقة على الزواج من الملك والتي قد يخسر معها الأمير عرشه تماماً، فهربت إلى داخل أوروبا بعداً عن إنجلترا. ولكن الأمير لم يستسلم وفي نوفمبر 1785 أرسل لها خطاب يتودد لها ويطلب منها الزواج مرة ثانية ومع الخطاب أرسل لها نموذج مصغر من عينه التي تتمنى رؤيتها، وعندها لم تستطيع ماريا أن ترفض وعقدوا زواجهم سراً في ديسمبر من نفس العام. ومن وقتها أصبحت تلك المنمنمة تقليد من تقاليد الحب بين المجتمع الأرستقراطي الراقي، ولدينا الآن أقل بقليل من 1000 قطعة أثرية نفيسة على ذلك الحال.
تقاليد غريبة لمعرفة زوج المستقبل
تقاليد الحب الغريبة للتأكد من زوج المستقبل كانت منتشرة جداً وتمارسها النساء كثيراً من أيام اليونانيين والرومانيين، وكثيراً ما اتجهت النساء إلى العرافات لمعرفة الغيب وزوج المستقبل. من أغرب تلك العادات هي التنبؤ بالزوج عن طريق رؤية الطيور وهذا ما كانت النساء اليونانيات والرومانيات تفعله. في يوم عيد الحب كانت النساء تخرج من البيوت وأول طائر تراه أمام أعينهن يعبر عن شخصية ذلك الذي سيكون زوجها. فإذا رأت طائر الحسون إذاً زوجها رجل غني، أما لو كان عصفور فزوجها رجل فقير ولكنها ستعيش معه بسعادة، وفي حالة عصفور أبو حناء فذلك يعني أن الزوج بحار، ولكن الحظ يكون سيء جداً لو كان الطائر نقار الخشب لأن ذلك يعني أنها لن تتزوج من الأساس. عادات أخرى انتشرت في بريطانيا العظمى في القرن الثامن عشر برش الملح على خمسة أوراق غار وضع واحدة منها في وسط الوسادة والأربعة الباقيين في كل ركن، وتأكل الفتاة بيضاً مملحاً منزوع منه الصفار ثم تنام وتصلي للقديس فالنتين وتقول له “كن لطيفاً معي وأرشدني إلى حبي الحقيقي” وإن أتممت كل الطقوس بنجاح فالمفترض أنها سترى زوجها في المنام. أما الفتيات الشجاعة والتي تريد أن تأخذ نتيجة مضمونة وسريعة فعليها أن تذهب في عشية عيد الحب إلى مقبرة القديس فالنتين وتلف حول الكنيسة 12 مرة جرياً وتنشد أنشودة معينة وعند الانتهاء فمن المفترض أنها سترى صورة لزوجها تظهر أمامها ثم تختفي.
تجميع لليلة واحدة
من تقاليد الحب في أمريكا الاستعمارية أي في فترة اجتياح الأوروبيين من مختلف البلدان إلى أمريكا واستعمراها، تقليد تجميع الحبيبين لليلة واحدة معاً في سرير واحد. الهدف كان تجربة الحياة معاً قبل قرار الزواج وأيضاً للشعور بالتدفئة في الليالي الباردة لأن سعر الوقود لإشعال النار بذلك الوقت كان مرتفعاً جداً والحياة غير مستقرة أبداً. لم يكن الأمر يحدث بدون شروط ومراقبة بل كان على الفتاة والفتى الدخول من كيس من القماش كلاً على حدي وتقفل الأم على كل واحد بالخياطة وتبقى الرأس فقط خارج الكيس. الطريقة الأخرى هي وضع قطعة من الخشب حاجز بين الاثنين على السرير أو وجود أحد الأبويين مع الحبيبين في الغرفة، كل ذلك لضمان عدم حدوث فعل غير أخلاقي وفي ذات الوقت ينام الحبيبين معاً لليلة واحدة قبل الزواج.
تفاح الحب
من تقاليد الحب المقززة في الحقيقية ما كانت تفعله الفتيات الريفيات في النمسا، وهذا بالضبط ما وصفه المؤلف بنيامين برودي في مقالته المنشورة في دورية الطب النفسي عام 1975. كانت الفتاة تضع شرائح من التفاح تحت إبطها ليعمل عمل مزيل العرق ويمتص الرائحة ومياه العرق عندما تذهب إلى حفلة راقصة، وعند الانتهاء من الرقص تخرج الفتاة شرائح التفاح وتعطيها لمن أعجبها، ولو تشجع الفتى وأكل شرائح التفاح بما تحتويه من عرق فهو بذلك قد أعجب بها أيضاً. في مناسبات أخرى كان الفتيات تستخدم منديلاً بدلاً من التفاح وعلى الفتى الاحتفاظ به برائحته. في مجلة فولكلور الأمريكية عام 1899 نجد عادات قريبة من تلك ولكن ليس على الفتاة أن تضع التفاح تحت إبطها، بل الفتى هو من يأتي بقطعة حلوى أو أي شيء تحبه الفتيات ويضعه في مكان مثل الإبط أو أي مكان أخر ليطبع عليه رائحته، وعلى الفتاة أن تأكلها.
القهوة المرة في تركيا
واحدة من تقاليد الحب القديمة والتي ما زالت تمارس حتى الآن في تركيا هي تقديم القهوة المرة أو المالحة للعريس المتقدم لخطبة العروس. ويتم تميز الفنجان وتحليته العروس كما ترغب وتقدمه إلى العريس المتقدم، وعليه أن يشربه بالكامل دون إبداء أي ملامح للاشمئزاز إذا رغب في موافقة العروس. الهدف هو أن تتأكد الفتاة أن ذلك الرجل سيحبها ويتقبل منها أي شيء مهما كانت الظروف قاسية.
عصى المغازلة من تقاليد الحب
القوانين والأعراف الصارمة في القرون المظلمة الماضية في أوروبا لم تسمح لإجراء محادثة سرية بين الحبيبين حتى وإن كانوا على وشك الزواج. في ذلك الوقت ومع الحياة الفقيرة كان على الرجل أن يذهب إلى بين الفتاة ولأن البيوت صغيرة جداً فكانت كل العائلة تلتف حول المدخنة للشعور بالدفء، فكان الحبيبين يضطرون للجلوس مع باقي العائلة كلها في نفس الغرفة مما يجعل المحادثة للتعرف على بعضهم والمغازلة البريئة أمراً مستحيلاً. وهنا اخترعوا عصى للمغازلة وهي عبارة عن عصى مجوفة طولها اثنين أو اثنين ونصف متر وقطرها اثنين ونصف سنتيمتر ومفتوحة من النهايتين. وكان العشاق يجلسون في زاوية من الغرفة وحين تتكلم الفتاة تضع العصي على فمها ويضع الرجل النهاية الأخرى على أذنه والعكس إذا تلك الفتى. بهذه الطريقة كان بمقدور الحبيبين التكلم بكلام سري لا يسمعه أحد وسط كل العائلة الموجودة بنفس الغرفة.
ملاعق الحب من تقاليد الحب القديمة
في ويلز في القرن السادس عشر كانت ملاعق الحب تقليد منتشر جداً وانتشر من هناك إلى كل أنحاء أوروبا، كأنه مثل تقديم الزهور في أيامنا هذه. وقد لا نعرف الأصل أو الأهمية لفكرة الملعقة بالأخص ولكنها كانت طريقة للتعبير عن الحب بشكل جدي وعميق. فكان على الحبيب أن يصنع ملعقة خشبية لمحبوبته وينحتها من قطعة خشبية واحدة ويزين مقبضها بقدر استطاعته، فكان الأغنياء يرصعونها بقطع من الألماس أو يطلوها بالذهب. وكان الشاب يأخذ وقتاً في نحت تلك الملعقة أثناء سفراته الطويلة في البحر أو في الحرب وليالي الشتاء الطويلة الصعبة، وينحت عليها اسم فتاته المحبوبة حتى تكون خاصة جداً لها. وإذا قبلت الفتاة تلك الملعقة فهذا دليل على مبادلتها هي أيضاً لمشاعر الحب ويبدئوا معاً قصة حب. ولو تم الزواج بالنهاية فكانوا يعلقون تلك الملعقة على الجدار تماماً مثل تعليق صورة الزفاف في هذه الأيام. وانتشرت الفكرة لتشمل حتى الأغنياء فكبرت الملاعق وأصبحت بأحجام أضخم من ملاعق الأكل العادية، وتحول الأمر لصنعها عند صانع ماهر وليس يدوياً حسب قدرة كل شخص وماله.
Morgengabe أو المهر بالألمانية من تقاليد الحب
في العصور الوسطى بألمانيا كان الزواج بين الرجل والمرأة يتم من خلال الكثير من الهدايا بين كلتا العائلتين. وأول هدية هي من العريس إلى العروس وتسمى “ثمن العروس” وقد تكون مبلغ من المال أو قطعة من الأرض أو أي نوع قيم من الممتلكات، ويقدمها العريس إلى والد العروس، وعلى الأب أن يقدم هدية تكافئ تلك الأولى للزوجين في يوم الزفاف دليل على مباركته لهم. هذا بالإضافة إلى أنواع أخرى من الهدايا ولكن أهمهم هو “المهر” الذي سيقدمه الزوج لزوجته في صباح ثاني يوم بعد الزفاف، وكانت تلك الهدية تقدم للزوجة بدلاً عن عذريتها الذي قد تأكد منها الزوج مسبقاً في ليلة الزفاف. وبذلك الوقت لم يكن الزواج مقبولاً إلا بعد تقديم تلك الهدية التي تكون ثلث أو ربع الهدية الأولى حسب القانون. وهذا هو الضمان النهائي لإتمام الزواج وجعله حقيقياً.
الخلاصة عزيزي القارئ أن المجتمعات تفننت بطريقة غريبة في تقاليد الحب والتعبير عنه للمحبوبة، ومن تلك التقاليد وصلت لنا تقاليد اليوم من كتابة القصائد الشعرية والزهور والبطاقات المعايدة الجميلة وغيرها. من فجر التاريخ والحب له طرق غريبة لتعبير عنه ومن سيأتي بعدنا سيظن طرقنا غريبة بالنسبة له أيضاً.
أضف تعليق