ومع الاخبار الجيدة التي حملناها لكم في الجزء الرابع من الموضوع باقتراب التوصل الي علاج ناجح يقضي ويقاوم الاصابة بفيروس الايبولا, نود في هذا الجزء نشير الي جزئية تعتبر من الامور العجيبة في دراسة فيروس الايبولا او اي نوع من انواع الفيروسات الاخري وهو كيفية توسط الفيروس في حالته بالطبيعة بين المادة والحياة. من المعروف لكل علماء الفيروسات والاحياء بصفة عامة ان البكتيريا والفطريات من ابسط الكائنات الحية ومنها ما يتكون من مجرد خلية واحدة فقط تقوم بكل الوظائف الحيوية. ومن اعلي البكتيريا والكائنات الدقيقة المجهرية تتوالي السلسلة تطورا وارتقاءا من النبات ثم الحيوان بمراتبه المختلفة التي تبدأ تصنيفيا من الاسماك الغضروفية, ثم الاسماك العظمية, ثم البرمائيات مثل الضفادع, ثم الزواحف مثل السلاحف والثعابين والافاعي, ثم الطيور بأنواعها وهي اكثر الحيوانات تنوعا فتصل انواعها لحوالي 8600 نوع علي وجه الارض, ثم الثدييات والتي تنقسم بدورها لأكثر من رتبة او فصيلة تنتهي في قمتها بالقرود والشمبانزي وفي اعلاها وعلي قمتها الكائن الاكثر تطورا وذكاءا وتكيفا وهو الانسان. أما الفيروسات فكل علماء التصنيف اتفقوا أنها لا تدخل ولا يصح ان تكون في نفس الاطار الذي يجمع كل هذه الكائنات.
حالة وسيطة
يقول العلماء أن الفيروسات بصفة عامة تتركب من جزئين اساسيين وهما غلاف بروتيني يحميها من ظروف البيئة المحيطة ويحمي موروثاتها “الجينات”, وشريط مزدوج او مفرد من الجينات وهو ما يسمي شريط الدي ان ايه DNA ولو كان مفردا يسمي شريط ار ان ايه RNA وفي كلا الحالتين هو شريط مزدوج يحمل عدد هائل من الجينات وهي مصدر المعلومات الخاص بكل فيروس, وهذه المعلومات هي التي تجعله قادرا علي التحكم في الخلايا الحية عندما يصيبها ويجعلها تتصرف تحت سيطرته وفي خدمة اهدافه. وما يجعل الفيروسات حالة فريدة ووسيطة بين الجماد او المادة والكائنات الحية هو انها عندما تكون خارج اي كائن حي سواء نبات او حيوان او انسان تكون مجرد مادة لا حياة فيها ويسري عليها كغيرها قوانين الطبيعة وتكون من اضعف ما يمكن. أما وقد استطاعت اختراق احد الكائنات الحية واصابت خلية من خلاياه فتتحول هذه الفيروسات لكائن حي نشط يستطيع السيطرة بقوة علي خلايا الكائن الحي ويجعلها تتصرف حسب ما يطلبه هو لا كما يريدها الكائن الحي نفسه, وبالتالي تحدث الاصابة وفي هذه الحالة تصبح عادة قوية ويصعب السيطرة عليها.
القدرة على التغير
ومن الامور العجيبة في الفيروسات او بالاصح اغلبها أنها تستطيع تشكيل غلاف بروتيني مختلف كل فترة وبالتالي ما ينجح فيه العلماء احيانا من تخليق مضاد للفيروسات او مصل قوي لا يسفر عن نتائج جيدة. فأغلب الادوية التي تتخصص في مهاجمة الفيروسات وخاصة الادوية الاقدم كانت تتوجه بمفعولها نحو كسر او اختراق الغلاف البروتيني المحيط بالفيروس وبشريطه الوراثي, وحتي يفعل الدواء ذلك عليه التعامل مع الغلاف البروتيني حسب شكله ونوعه فيتعرف عليه من وسط ملايين الخلايا الحية ويهاجمه فورا, لكن عندما ينجح الفيروس في تغيير شكل الغلاف البروتيني الخارجي وتغيير مكوناته يفشل الدواء في التعرف علي الفيروس المستهدف وبالتالي لن يوقف تأثيره ويصبح بلا أي تأثير حقيقي. وهذا كان السبب الرئيسي في عدم التوصل لعلاج تام يقضي علي فيروسات الانفلونزا التي تتصف بقدرتها العالية علي اعادة تشكيل غلافها البروتيني كل عام تقريبا فتصبح وكأنها فيروسات جديدة. وكان هذا سببا ايضا لكي يعكف العلماء علي تخليق ادوية جديدة تهاجم الحبل الجيني للفيروسات وتبطل مفعول جيناتها التي تتسبب في ظهور المرض بدلا من مهاجمة غلافها الخارجي البروتيني. وكثير من الادوية التي تم تخليقها بهذه الطريقة نجحت في القضاء علي كثير من الفيروسات اخرها واكثرها شهرة طرح الجيل الاول والثاني من علاجات الفيروس C وهو اشرس انواع الفيروسات المسببة للالتهاب الكبدي الوبائي.
ايبولا الخطر المرعب : الجزء السادس