التربية هي القاعدة الأساسية التي يجب أن يُدرك الزوجان خطورتها قبل أن يقررا إنجاب طفلٍ في الحياة، بل ربما قبل أن يُقرر كل منهما الزواج، كما يجب أن يدركان أيضًا أنها مرحلة التربية تبدأ قبل أن يعلما ذلك، فهي تبدأ من مرحلة الجنين، أو ربما قبل ذلك أيضًا، فإن تربية الجنين هي من أهم الخطوات في رحلة التربية، وهي من أكثر المراحل التي يغفلها الأهل، فمن الأهل من يغفل أصلًا تربية أبنائه بوجه عام، ظانًا منه أن مهمته الأساسية تتلخص في مونه مصدرًا للدخل والمادة، فكيف سيرى أهمية مرحلة الجنين؟!، فتلك المرحلة هي التي يتشكل على أساسها كل شيء فيما بعد، فالتربية لا تتأسس عليها حياة إنسانٍ كاملة فقط، بل وحياة أجيالٍ قادمة أيضًا، هي التي تبني إنسانًا، أو تهدم آخر، هي حجر الأساس لبناء مجتمعٍ سليم خالٍ من التشوهات، والأمراض النفسية. هي التي تظهر من خلالها المعاني الحقيقية للأبوة، والأمومة، وهي التي يتشكل بها الطفل ليصبح رجلًا يعتمد عليه، وهي التي تظهر ثمارها في مستقبلٍ أفضل بإذن الله. فـ تربية الجنين هي البداية الحقيقية في رحلة التربية، وهي جوهر كل شيء.
استكشف هذه المقالة
التربية
قبل أن نتعرض لعملية تربية الجنين ، علينا أولًا أن ندرك مفهوم التربية، وما يرتبط بها من مصطلحات، وسنبدأ بمفهوم التربية، وهناك عدة تعريفات للتربية، يختلف كل تعريف عن الآخر لاختلاف نظرة أصحابها للحياة، فلكلٍ فلسفته التي عبر عن طريقها عن مفهومه عن التربية، فالتربية في رأي أحدهم هي العملية التي تصنع الإنسان. وفي رأي آخر، هي كل فعل، أو كل مجهود له تأثيره في تركيب الإنسان. وأيضًا التربية هي العملية التي تهدف لتكوين إنسان سوي معتدل. أو التي تعد الفرد ليحيا عن طريقها حياةً متكاملة. كما أنها الطريقة التي تساعد على بقاء الإنسان واستمراره، حيث أنها تساعد على بقاء قيمه وعاداته، فهي عملية التكيف وتفاعل الفرد مع بيئته، وتستهدف جميع جوانب شخصية الفرد. كما أنها العملية التي تضفي عل النفس كل جمال وكمال. وهي التي تعمل على بناء أخلاق الطفل لتكوين مجتمعٍ متكامل، فتحمي الفرد من الرذائل، وتجعله قادرًا على التحكم في ذاته، فهي تساعد الفرد على تحقيق ذاته من خلال النمو في كل جوانب شخصيته، وتنميتها، فيبلغ بهذا أقصى ما يمكن أن يبلغه من كمال الروح والمادة. وهناك علم التربية، والذي يهتم بالجانب الأكاديمي، فهو يعني توجيه المتعلم نحو التحصيل المعرفي وتحقيق الأهداف المرجوة، بأفضل الطرق الممكنة.
ما التنشئة الاجتماعية والأسرية؟
التنشئة الاجتماعية مصطلح يرتبط تمامًا بعملية التربية، فهي العملية الأساسية فيها، والتي تهدف لتكوين طفل ينمو نموًا سليمًا، ويتكيف مع بيئته بطريقةٍ طبيعية، فالتنشئة الاجتماعية هي التي يتحول الطفل من خلالها إلى كائن يتعلم، ويلتزم بالقيم، والمثل، والأخلاق، والمعايير الاجتماعية السائدة، والتربية لا تتم فقط في المؤسسات التعليمية، بل في كل مكان اجتماعي، وفي كل ما تقدمه وسائل الإعلام، ولكن يبقى المنزل هو المكان الأساسي الذي يسهم بالجزء الأكبر من التربية، والتطبيع الاجتماعي، ومن هنا يأتي دور الأسرة. والتنشئة الأسرية، وهي تعني العملية التي يقوم بها كل من الأب والأم اتجاه أطفالهما من أجل إعدادهم للحياة على أكمل وجه، ولا شك أن الدور الأكبر والأهم يكون في السنوات الأولى، فإن اللبنات الأولى لشخصية الطفل توضع في السنوات الأولى من حياته، فإذا صلحت تلك اللبنات، صلحت حياته، وبالطبع إن فسدت تلك اللبنات، انحرفت حياته عن مسارها الطبيعي، واهتزت شخصيته، لذا فإننا عندما نتحدث عن تربية الجنين ، نريد بهذا أن نضمن بداية صحيحة لعملية التربية، حتى نضمن للطفل حياة كاملة سليمة. فالتنشئة الأسرية هي عملية تحويل الطفل إلى طفل اجتماعي، هي عملية تعلم، وعملية إكساب الطفل عاداتٍ وصفاتٍ مميزة.
ما هي تربية الجنين ؟
يمكن تلخيص تربية الطفل في الطريقة التي تضمن نموه بشكلٍ سليم في جميع الجوانب الجسمية والحركية، والعقلية، والمعرفية، والمهارية، والوجدانية، وتلك الجوانب تعتمد في البداية على أن ينمو نموًا صحيحًا حتى يمكن تربية وتهذيب، وتنمية كل تلك الجوانب لديه، لذا فإن تربية الجنين في البداية تتمركز حول الحفاظ على سلامته، ومحاولة تنشيط حواسه كي تبدأ بالعمل على أكمل وجه، كما سنذكر فيما بعد. وكما سنتحدث بشكلٍ مفصَّل عن تربية الجنين .
لماذا التربية ضرورة ملحة؟
للتربية أهمية كبيرة للفرد، والمجتمع. فالتربية لها دور كبير في عملية التوازن البيئي، فبغض النظر عن تثقيف الفرد كيف يتعامل مع البيئة، فإن البيئة تتكون من أفراد، ومجرد نمو الفرد بطريقة سليمة فإن هذا يضمن توازن البيئة لأن توازن الفرد يضمن توازن أجيال متلاحقة، وهي التي تضمن عملية النمو الاجتماعي، فتعمل التربية على تأهيل الفرد ليتحمل مسئوليته، فيعرف ما له من حقوق، وما عليه من واجبات نحو أسرته، ومجتمعه، ومن ثم فإنه يساعد على الترابط الأسري والاجتماعي أكثر. والتربية تساعد الفرد كي يتماشى ويتعامل مع التغيرات البيئية، والتطورات التكنولوجية التي تحدث حوله يومًا بعد يوم، كما أن التربية بمفهومها الأكاديمي، تضمن الحفاظ على الاقتصاد من خلال تكوين أشخاصٍ مؤهلين للتعامل مع اقتصاديات البلد، وبالتالي نموه، وازدهاره، وأيضًا أشخاص مؤهلين علميًا ليس فقط لمواكبة التطور التكنولوجي، ولكن لصنعه، وعن طريق التربية ترسو قواعد الوطنية، والرغبة في التقدم، وغيرها من الفضائل والأخلاق، فالتربية هي أساس بناء مجتمعٍ سليم.
كيف يمكنك أن تربي طفلك قبل أن يولد؟
التربية باب كبير كتبت فيها أمهات الكتب، وكتب عنه كبار العلماء والشيوخ في كل مجال، ونحن لا نستطيع أن نلم بكل أطرافه، ولكن نحاول أن نتحدث عن جزء صغير، وهو تربية الجنين قبل الولادة، وكيف يتم ذلك؟. –فكما ذكرنا من قبل- إن تلك المرحلة قد يغفلها الكثير للجهل بأهميتها، لذا فنحن سنحاول أن نتحدث عنها قليلًا بعض الشيء.
مرحلة الرعاية ما قبل الولادة
إن الرغبة في بناء طفل صالح، أو ذرية صالحة تأتي قبل الزواج، ليس فقط قبل الولادة، أو قبل مرحلة تربية الجنين ، فمن البداية يجب أن يكون هناك حسن اختيار لشريك الحياة، الذي سيقدر تمامًا أمر التربية، والذي يحمل نفس الأهداف التربوية، أو يستوعبها، والذي يسعى لتقديم يد العون، فعندما يكون المرء وحيدًا مع أفكاره، ولا يجد العون اللازم لتحقيقها، فإما أن يقف وحيدًا، وبهذا ستكون المعركة قاسية عليه، وقد يستسلم في النهاية، وإما أن يستسلم مبكرًا، أو يُغير أفكاره تمامًا، وعندما يكون الشريك بهذه السطحية أو السلبية يسعى للزواج لأمر الزواج فقط، ولا يدرك خطورة معنى أن يُكوِّن أسرة، فإن الأمر يكون بغاية الصعوبة، لذا فقبل أن تتم خطوة الزواج يجب النظر في أفكار الشريك، واختياره اختيارًا صحيحًا وفق أسسٍ دينية، فمن المقومات الأولى للرجل أن يكون متدينًا، والذي تفوق فيه على مستواه المادي، وأيضًا هذا يكون من مقومات المرأة، إلى جانب حسبها، ونسبها، وجمالها، ومالها، ولكن الدين تفوق أيضًا، وبالطبع فإن الدين يجب أن يكون مُحاطًا بغيره من شروط الزواج السليمة، مثل الكفاءة، والأسرة الكريمة، والصحة النفسية، ولكنه يعلو. لذا فإن الاختيار السليم هو بداية ضمان تربية سليمة للطفل، فبالنهاية فإنك تختار أمًا لطفلك، وهي تختار أبًا لطفلها. فتخيَّروا بعناية.
مرحلة الحمل، و العناية بالأم
ربما قبل أن تكون هناك عناية بالجنين، يجب الاهتمام بالأم، فلا تقل الأم أهمية عن الجنين بالطبع، بل إن الاعتناء بها، وبصحتها، ونفسيتها، لن يساعد فقط على حماية الجنين، بل سيكون له المزيد من الآثار فيما بعد، فمثلًا يجب على الأم الاهتمام بصحتها جيدًا، وتناول وجباتٍ غذائية متكاملة، لأنه وكما نعلم أن الطفل يتغذى من غذاء الأم، فصحة الجنين تتناسب طرديًا مع صحة الأم، فيجب عليها أن تعتني بنفسها من أجله، حتى لا يُصاب بأضرار ناجمة عن سوء تغذيتها، فحالات التشوهات الخلقية، والضعف الجسدي للجنين، كلها ناجمة عن مشاكل سوء التغذية، كما سيشكل بالطبع المزيد من الخطر على حياتها، فالخطوة الأولى من خطوات تربية الجنين ، تكون عناية الأم بغذائها، حتى يأتي صحيحًا خاليًا من العيوب، التي ستشكل عائقًا في طريق التربية فيما بعد. ومن الغريب أنه قد وجدت بعض الأبحاث التي تقول أنه من الممكن تعويد الطفل على نظامٍ غذائي معين في فترة الحمل، فقد وجد أنه يتذكر مذاق الأغذية، كما أنه من الممكن تعويد الطفل على الرضاعة الطبيعية، عن طريق شرب الأم اللبن. وأيضًا وجدت بعض الأبحاث التي ذكرت أنه إن كنت تطمح لأن يمتلك طفلك قدرات عقلية عالية، فعلى الأم أن تتناول بعض الأغذية مثل زبدة الفسدق، والحليب كامل الدسم، والبيض، والأسماك، فإن جميع تلك الأغذية تساعد على زيادة مهارات الطفل العقلية، والإدراكية، وبالطبع فإن تنمية الجانب العقلي والإدراكي في الطفل من مراحل التربية السليمة.
الحالة النفسية، و تربية الجنين
وأيضًا إلى جوار عناية الأم بغذائها يجب الاعتناء بحالتها النفسية، وهذا أمرٌ معروف، أنه إلى جوار التغير في هرمونات المرأة الحامل، والتغيرات المزاجية أغلب الوقت، فإنها بحاجة إل مناخٍ مناسب للاسترخاء، فيجب الرفق بها، وحسن معاملتها، ومساعدتها في شئون المنزل، وإدخال السرور على قلبها، والصبر عليها، فقد وجد أن نفسية الأم تنعكس على جنينها، فإن أكثر الأطفال الذين يُعانون من طباعٍ عصبية، ويتصفون بالعدوانية، كانت أمهاتهم تعانين من حالاتٍ نفسية سيئة فترة الحمل، لذا فإن الحفاظ على نفسية الأم من الأمور التي يجب مراعاتها فترة الحمل. ومن السيئ جدًا أن الطفل الأول غالبًا ما يولد بطباعٍ عصبية، حيث يتوافق مع حمل الأم وجود خلافات الزواج الأولى، والتي تؤثر سلبًا على نفسيتها، ونفسية الجنين فيما بعد، بل إن بعض الحالات قد تصل إلى خسارة الجنين. وبالطبع فإن التشوهات النفسية التي تلحق الطفل تمثل عائقًا آخر في سبيل تربيته، والتشوهات النفسية تتعدد أشكالها، ودرجاتها، عافانا الله!
تنمية القدرات السمعية لدى الجنين
يستطيع الطفل أن يستمع إلى الأصوات حوله، بمجرد بلوغه الأسبوع الثالث والعشرين داخل رحم الأم، ومن هنا تبدأ قدرة الطفل على التعلم بطريقةٍ ما، فإن الطفل يستطيع سماع صوت القرآن، أو الموسيقى، وأيضًا يستمع إلى صوت الأم، وغيره من الأصوات، وقد وجدت بعض الدراسات التي تقول أن اعتياد الأم الحامل على نوعٍ معين من الموسيقى التي تستخدمها للاسترخاء، تعمل على تهدئة الطفل ما إن يسمعها مرة أخرى بعد الولادة، فإن الطفل يتذكر الأصوات، كما يتذكر مذاق الطعام –كما ذكرنا من قبل- ومن الممكن أن نستغل هذا الأمر؛ فمن الجيد مثلًا أن الصوت الذي يعتاد الطفل على سماعه فترة الحمل أن يكون القرآن الكريم. فـ تربية الجنين على صوت القرآن من أعظم الأمور التي من الممكن أن يفعلها الأبوان لطفلهما.
كيف يتعلم الطفل داخل الرحم؟
التعلم بالتجربة، فقد يتعرض الطفل لتجربةٍ ما، كأن يتعرف على بعض الأصوات المألوفة التي كان يسمعها داخل الرخم، وتساعده على الاسترخاء، وهذا أيضًا ما يدعى ربط تجربةٍ بأخرى. كما أنه يتعلم بالاعتياد على التجربة، فمثلًا قد لا يستجيب الطفل لبعض الأصوات المخيفة بعد الولادة، نتيجة تكراره سماعها أثناء فترة الحمل، فاعتاد عليها.
تربية الجنين وفقًا لبعض البلدان الغربية
تمارس النساء الحوامل في كوريا بعض التمارين المعينة، حيث يعتقد أن تلك التمارين لها تأثير كبير على ذكاء، وشخصية، ومواهب الطفل، وهذا الأمر وُجد في كوريا منذ 1392م، حيث يعود إلى الفلسفة القائلة أن الجنين ما هو إلا كائن بشري، وتلك التمارين تتضمن العديد من الأمور، مثل قراءة القصص، عزف الموسيقى، التحدث إلى الطفل، وممارسة اليوجا، كما أن النساء الحوامل قد يلجأن إلى التحكم في سلوكهن، وتصرفاتهن، لأنها تؤثر على الجنين. بينما في فرنسا توجد تقنية تعتمد على تواصل الأم مع الجنين عبر اللمس، والتحسس. كما أنه يمكن مساعدة الأمر في معرفة وفهم وضعيات، وحركات الجنين.
أهمية سلامة الجنين
من الطبيعي أن الحفاظ على سلامة الجنين، ستكون الخطوة الأولى في محاولة تربيته تربية سليمة، فإن الطفل إن حدث له –لا قدر الله- الأضرار الناتجة عن إهمال الوالدين، أو حدثت له تشوهات خلقية، أو نفسية، فإن أمر التربية سيكون أصعب مما هو عليه في الواقع، فالتربية بابٌ هام، يجب على كلٍ من الوالدين أن يعرفا الكثير عنه، حتى يأتيا بطفلٍ قادر على التكيف ومواجهة الحياة، وخوض معاركها بطريقةٍ صحيحة، كما يجب أن يُدركا أن التربية لا تنتهي بطفلٍ واحد، بل بأجيال قادمة.
بعض النصائح لتربية الطفل بعد الولادة
ربما تكون تربية الجنين الخطوة الأولى، إلا أن واجب الوالدين لا ينتهي عند هذا الحد، بل مهمتهم الحقيقية تبدأ لتكوين طفلٍ سليم، وهناك بعض الآداب الإسلامية التي يجب على الوالدين أن يحرصا على فعلها، مثل: الآذان والإقامة في أذن المولود، وأيضًا تسمية الطفل باسم حسن، فإن اسم الطفل إن كان سيئًا كان له وقع سيء في نفسه، كما أن الطفل قد يتعرض لمضايقاتٍ بسببه، فهو سيبقى معه طوال حياته، فيجب أن يختار الأب لأبنائه اسمًا جميلًا، لا ينفر منه الناس، وأيضًا العقيقة، والختان بالنسبة إلى الذكور. فهذه بعض الآداب التي أوصى بها الدين الحنيف. هذا غير تربية الطفل في كل سنوات حياته، وهو ما ليس موضوع مقالنا، بل هو باب كبير لن يسع ذكره في مقال واحد بالطبع.
تربية الطفل مسئولية يحب أخذها على محمل الجد، أتعجب كثيرًا من أمر زواج الفتيات الصغيرات مبكرًا، فهذا أكبر دليل على أخذ أمر الزواج وإنجاب الأطفال بعشوائية كبيرة، ولهذا فإن الأطفال تأتي بالكثير من الأمراض، والتشوهات، لعدم وجود الثقافة اللازمة للزواج، والإنجاب، فعلي كل من الرجل، والمرأة قبل الزواج، أوقبل الإنجاب القراءة كثيرًا عن أمور التربية، وإنجاب طفلٍ آخر إلى هذا العالم.
أضف تعليق