الوفاء بالعهد من الأمور التي يجب الالتزام بها من قبل الجميع بلا استثناء وذلك لذكرها في القرآن والسنة، بجانب كونها من مكارم الأخلاق الحميدة وعادة من العادات الحسنة المتعارف عليها بين جميع الناس، والأهم في الموضوع هو ترغيب القرآن على الوفاء بالعهود المقطوعة بين الله وبين عباده، وبين الإنسان والناس جميعًا، ولم يكتفى بالترغيب فقط عند ذكر الوفاء بالعهد بل كان للترهيب نصيب من هذا، حيث أن من ينقض وينكث عهوده ووعوده فسوف يكون عقابه شديد في الدار الأخرة، لذلك يتوجب علينا عدم الاستهانة بالعهود المقطوعة مع الله والناس حتى لا نحاسب عليها أشد حساب يوم القيامة، وأيضًا لا ننسى أن من ينقض عهوده يكون شخص منبوذ ومكروه من قبل الناس نظرًا لما عرفوه عنه من كذب وتضليل، ولذا فهو دائمًا ما يكون متروك ومن بجانبه قلة قليلة وأغلبهم يكونوا على نفس شاكلته، فكما نعلم المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، عامة سنتناول هنا كل ما يتعلق بخصلة الوفاء بالعهد وكيفية تطبيقها في كل الوعود، فلا تذهبوا بعيدًا.
استكشف هذه المقالة
تعريف الوفاء بالعهد
الوفاء بالعهد هو تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه مسبقًا وعدم النكوص به مهما كانت قيمته أو مع من يجرى هذا الاتفاق، ويتوجب على الشخص أن يحترم العهود التي يبرمها مع الآخرين فيلتزم بها لأن هذا من مكارم الأخلاق وشيم العظماء والعلماء، ومن الجدير بالذكر أن الله عز وجل ونبيه الكريم قد أمرونا بضرورة الوفاء بالعهد وعدم الحنث به، وهذا ما سنتناوله تفصيلًا في فقرة مستقلة نظرًا لكثرة ما ورد في الكتاب والسنة يتعلق بهذا الصدد، عامة يفسر العهد على كونه وصية وعد دمجه مع كلمة الوفاء فيكون معناه إتمام الوصية أو العهد وإكمالها.
أنوع الوفاء بالعهد
توجد العديد من أنواع الوفاء بالعهد وأشهرها الوفاء بالعهد مع الله والوفاء بالعهد مع الناس أو العباد والوفاء بالعهد مع غير المسلمين، أما عن الوفاء بالعهد مع الناس فهو يكون باحترام العهود المقطوعة معهم والالتزام بها إن تمت كتابة أو قولًا، ومن أشكالها عدم التعدي على حق الجار من مال وحرمة وممتلكات أي عدم أذيته تمامًا في أي حق له، وأيضًا إذا قام الشخص بأخذ أي شيء من شخص على سبيل الاقتراض أو الدين فيجب عليه أن يوفيه لصاحبه في أقرب وقت أو في الأجل المحدد لها، ومن أشكال الوفاء بالعهد مع الناس هو احترام عقد الزواج حيث يجب المحافظة على الحقوق الزوجية لكلا الطرفين والوفاء بجمي الشروط التي تم الاتفاق عليها قبل الزواج، فهناك الكثير من الناس الذين يعطون العهود قبيل الزواج ولكن بعدما تمر بضعة أشهر يتغير الوضع تمامًا.
والوفاء بالعهد المقطوع من قبل الآباء وهو من باب البر بهما بعد الوفاة، ومن أشكاله أيضًا الوفاء بالعهود التي لم تقطع ولكنها واجبة بكل تأكيد مثل حق الأولاد على أباءهم من رعايتهم والاهتمام بهم وتربيتهم والإحسان إليهم، وإذا كانت رب عمل فيجب عليك أن تعطي للعاملين تحت يدك حقوقهم المالية والمعنوية، فلا تتأخر في إعطائهم المرتبات في الموعد المحدد لهم إلا إن كان لعذر خارج عن إرادتك، هذا بجانب الحقوق الأخرى في العمل مثل عدم الإجحاف بحقوقهم أو القسوة عليهم، وأخيرًا الوفاء بالعهد المؤقت والبسيط مثل وعد أحد الأشخاص بهدية ما أو بتنفيذ عمل معين أو زيادة أجر وما إلى ذلك.
الوفاء بالعهد مع الله
النوع الثاني من أنواع الوفاء بالعهد هو الوفاء بالعهد مع الله عز وجل وهو يعتبر أسمى أنواع العهود وأكثرها عظمة، لذا لا يجب التفريط فيها بأي شكل من الأشكال لأن عقابها شديد جدًا حيث أنه من ضمن أشكال الوفاء بالعهد مع الله هو عبادته والإيمان به، وبالطبع الإخلال بهذه الأمور وعدم تطبيقها سيؤدي حتمًا لترك الدين الإسلامي الحنيف وهنا يكون جزاءه معروف عامة تكون أشكال هذا النوع هي التأكد بأن الله عز وجل حق وهو خالق الكون والبشر، ويجب علينا الإيمان به لأن هذا فطرة الله التي فطر الناس عليها ومخالفتها تعد كفرًا.
وأيضًا من أشكالها عبادة الله عز وجل حق عبادة فيجب على الإنسان أن يعبده وحده لا شريك له ويبتعد تمامًا عن الشيطان وما يزينه له، وتكون عبادته بالالتزام بتعاليم الإسلام الموجودة في الكتاب والسنة، وبعد إتقانها يتوجب علينا نشر هذه التعاليم بين الناس حتى يعبدوا الله كما يجب أن يعبد، ويدخل الغير مسلمين في هذا الدين الحنيف بفضل تلك التعاليم الحسنة والجيدة، وأيضًا لا ننسى العلم الدنيوي من تاريخ ورياضيات وعلوم ولغات وما إلى ذلك، فهذه الأشياء واجبة لعمارة الكون الذي لا يبنى إلا بالدين والعلم معًا لذلك يجب تعلمها وتعليمها للناس، وأخيرًا الجهاد في سبيل الله وهذا ليس بالسيف فقط بل بالعلم واللسان أيضًا.
الوفاء بالعهد مع غير المسلمين
أما عن النوع الثالث من أنواع الوفاء بالعهد فهو الوفاء بالعهد مع غير المسلمين أيًا كانت ديانتهم، فالوفاء بالعهود أمر سامي لا يرتبط بدين أو غيره فلا يجب النظر لغير المسلمين نظرة غير صحيحة، فبالطبع نحن نعيش في بلاد إسلامية ولا تقل أي دولة من دولنا عن وجود ثمانين بالمائة من سكانها مسلمين، وهناك دول أكثر بكثير تصل فيها نسبة الإسلام لتسعة وتسعين بالمائة تقريبًا، عامة يتوجب علينا النظر إلى غير المسلمين نظرة محبة خالية من البغض والتعصب وما إلى ذلك من تلك الصفات الغير حميدة، فهم كما يسمون في ديننا أهل ذمة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “من آذى ذميًا فقد آذاني”.
لذلك يجب علينا أن نحفظ العهود المبرومة معهم ونوفيهم حقوقهم ولا نخونهم أبدًا، فيذكر عن النبي أنه كان يجاوره رجل يهودي يؤذيه كل يوم ويضع القاذورات أمام منزله، وفي أحد الأيام لم يقم اليهودي بوضع القاذورات أمام النبي فتعجب من ذلك وذهب ليطمئن عليه، فوجده مريض فزاره وجلس معه يحدثه ويصبره على مرضه، ونستفيد من هذه القصة القصيرة أن مع اختلاف الدين يجب أن نوفي بالعهود ولا نعادي أحد طالما لم يؤذنا، فكما قلنا الوفاء بالعهد أمر سامي ليس له علاقة بدين أو غيره.
الوفاء بالعهد في القرآن
نظرًا للأهمية الكبيرة للوفاء بالعهد فقد حثنا ورغبنا القرآن عليه في الكثير من الآيات القرآنية، حيث جاء ذكره في سورة الإسراء “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا” وأيضًا في سورة الرعد “الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق”، وفي سورة النحل “وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم”، وجاء أيضًا ذكر الوفاء بالعهد في سورة آل عمران “بلى من أوفى بعهده واتقى” ثم في الآية التالية “إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الأخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم”، إذا نظرنا بإمعان للآية الأخيرة نترف على مدى أهمية الوفاء بالعهد وكيف حثنا الإسلام عليه، حيث أن الله عز وجل قد بين أن من ينكث وينقض عهده فلن يكلمه ولن ينظر إليه يوم القيامة وله عذاب أليم، فهذا عقاب من ينقض عهد الله لذلك لا يتوجب عليا الاستهانة به أبدًا وتركه، بل لابد من تأديته على أكمل وجه حتى لا نعاقب عليه في الدار الأخرة.
نماذج من الوفاء بالعهد
توجد العديد من نماذج الوفاء بالعهد التي لمسناها على مر العصور السالفة أشهرها قصة أبو بكر الصديق عند إرساله لجيش أسامة بن زيد، حيث يذكر أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أرسل جيش إلى بلقاء وتخومها بقيادة الشاب الصغير حينها أسامة بن زيد، وتجهز الجيش وخرج حتى صار إلى الجرف وحينها صعدت روح الكريم إلى خالقها، فارتبكت الأوضاع وحدثت فوضى كبيرة أسفرت عن ارتاد بعض المناطق عن الإسلام، وامتناع بعضها عن أداء الزكاة المقررة عليهم، وغيرها من الأحداث الأخرى التي رد عليها أبو بكر الصديق ردًا شديد اللهجة حتى استتبت له الأمور وعادت إلى نصابها.
وأثناء هذه الفوضى أقترح الفاروق عمر بن الخطاب على الخليفة أبو بكر في إرجاع جيش أسامة أو تغيير قائده نظرًا لصغر سنه حيث أنه لم يتجاوز حينها الستة عشرة عام، ولكن رد عليه أبو بكر الصديق بكل حزم أنه لن يحل عقدة عقدها رسول الله ولا يغير ما عقده رسول الله حتى لو انطبقت السماء على الأرض، وهذا الرد الشديد من الخليفة أبو بكر يدل على مدى تمسكه بوفاء العهود التي قطعها رسول الله، ويتجلى هذا بصورة أكبر عند وفاؤه بالديون التي قطعها النبي مع الناس حال حياته.
ما يعين على الوفاء بالعهد
بعدما تعرفت بالأعلى على كل م يتعلق بخصلة الوفاء بالعهد وثوابها وعقابها يتوجب عليك أن تتعرف على كيفية تنفيذ هذه الخصلة على أكمل وجه، فهناك بعض الناس الذين ينون فعل شيء ولكن لا يقدرون على إكمال ما يريدونه لعدم وجود العون والعزيمة، لذلك فأساليب العون على الوفاء بالعهد هي الإخلاص لله عز وجل وعقد النية السلمية ابتغاء وجه الله في جميع أمور الدنيا، بعد ذلك يجب على المسلم أن يفهم أحكام الدين الصحيحة حتى يتمكن من التفرقة بين الصواب والخطأ والحق والباطل، فهو قد وعى مُسبقًا الأحكام ولذلك فالتفريق بين هذه الأمور سيكون من الأمور السهلة جدًا بالنسبة له.
بعد ذلك سيقوم باتخاذ النبي محمد عليه الصلاة والسلام قدوة له ومثل أعلى في كل أمور الحياة بلا استثناء، وأيضًا السير مع الأناس الطيبين الصادقين حتى يطغى صدقهم وأخلاقهم الحسنة عليه، ولا ينسى أبدًا أن نقض ونكث العهود يعد من الأمور المحرمة في الإسلام ويعاقب عليها يوم القيامة، والبعد بتاتًا عن وساوس الشياطين حتى لا نقع في المعاصي، ولكن إن وقعت فباب التوبة مفتوح أمامك فالله غفور رحيم.
الخاتمة
تحدثنا بالأعلى عن كل ما يتعلق بخصلة الوفاء بالعهد بجميع أنواعها سواء مع الله أو مع الناس أو مع النفس أو مع غير المسلمين، وتحدثنا أيضًا عن كيفية إعانة النفس وتعويدها على الالتزام بالوفاء بالعهد، وننصح بضرورة عدم الاستهانة بها حيث أنه لابد من تطبيقها في جميع أنواعها وأشكالها بلا استثناء.
أضف تعليق