بروتوكول الهبوط الاضطراري بالطائرات ومدى نجاحه وفاعليته، هو أهم عوامل السلامة في قيادة الطائرات. فهناك ظروف تستدعي الهبوط الفوري بمكان مختلف عن ممر الطائرات بالمطارات. ويعتمد الأمر في الغالب على مهارة قائد الطائرة ومساعده. والخطوات المنظمة المتبعة، والتي تثبت فاعليتها في نظام المحاكاة للطيران. وبالطبع يعتمد على مدى هدوء القائد وثبات أعصابه وانفعاله. تعرف معنا على أشهر حالات الهبوط الاضطراري الناجحة، والتي خُلدت قصص منها في الأفلام. والحالات التي تستوجب الهبوط الاضطراري، والخطوات المتبعة التي يجب أن تعرفها جيدًا.
استكشف هذه المقالة
تعريف الهبوط الاضطراري
هو الإجراء الذي يتبعه الطيار الرئيسي لمواجهة مشكلة أو خلل بالطائرة، أو طارئة طبية، تستدعي الهبوط بالطائرة في غير موعدها أو في غير مكانها. ويتم الهبوط في أقرب مدرج إن كانت الطائرة صالحة لذلك، أو في أقرب يابسة، أو حتى على الماء إن كانت تصلح للطفو مدة تكفي لوصول عمليات الإنقاذ.
الحالات التي تستوجب الهبوط الاضطراري
هبوط إجباري
وهو الهبوط الذي يجبر الطيار على تنفيذه نتيجة عطل في الأنظمة الهامة بالطائرة. مثل النظام الهيدروليكي أو أنظمة الهبوط أو محركات الطائرة. وتكون الأولوية هي الهبوط بدون إصابة من على الطائرة، بغض النظر عن المكان. ويأخذ هذا القرار الطيار الرئيسي وحده، وهو يحدد حجم الضرر الواقع أو قريب الوقوع على الطائرة. كما يحدد المكان والطريقة المناسبة حسب تدريبه المسبق لحالات الطوارئ.
هبوط احترازي
وهو الهبوط الذي يقوم به الطيار لتجنب احتمالية خطر قادم. مثل سوء الأحوال الجوية المتوقعة في مسار الرحلة، أو حالة طبية طارئة على متن الطائرة، مثل الأزمات القلبية أو الولادة، أو حالات هبوط تفرضها الشرطة إن شكت بوجود خطر يهد حياة الركاب على الطائرة. وفي هذه الحالة يسمح لطيار بتفقد موقع هبوط مناسب وأمن في الوقت المسموح له للهبوط.
الهبوط على الماء
هو هبوط اضطراري يلجأ إليه الطيار في الحالات القصوى فقط. إذ لم تصمم الطائرات للطفو فوق الماء، ولابد لها أن تغرق مهما كان حجم الضرر قليل. ولكنها قد تطفو لفترة قصيرة فوق الماء لما قد يكفي لوصول عمليات الإنقاذ ونقل الركاب. وتعتمد تلك المدة على حجم الضرر والفجوات التي لحقت بالطائرة. وهو هبوط يحتاج إلى مهارة عالية جدًا من الطيار والطيار المساعد، وهو في أخر خطوة من كتيب إجراءات الهبوط الاضطراري بالطائرة. حيث يجب أن تهبط الطائرة بشكل متوازي تمامًا مع المياه، وإلا ستغرق الطائرة إن هبطت بزاوية صغيرة.
الإجراءات التي يجب أن يتبعها الركاب
لو حدث هبوط اضطراري بالرحلة، يجب أن يسمع الراكب لكلام المضيفات وينفذه بالحرف الواحد. لأن كل تلك الأوامر هي في صالح السلامة. فيجب أن يربط الحزام سريعًا، ويبقى هادئًا في مكانه، ويضع رأسه بين يديه ويخفضها نحو ركبتيه. كما يجب أن يهتم بتنفسه السليم باستخدام قناعات الأكسجين المتدلية من السقف.
أنجح لحظات الهبوط الاضطراري حول العالم
الهبوط الاضطراري في نهر هدسون
هذا الهبوط الاضطراري بالطائرة على نهر هدسون في نيويورك، كان حدثًا عجيبًا، ومن شدة مهارة قائد الرحلة تم تخليد القصة في فيلم “سولي” ببطولة توم هانكس. فقد قاد الطيار تشيسلي سولينبرجر رحلة رقم 1549، التابعة لخطوط الولايات المتحدة الأمريكية الجوية. في 15 يناير 2009، وكان يصحبه 5 من طاقم عمل الطائرة و150 راكب بينهم مشاهير ومديرين لبعض البنوك. والطائرة هي من نوع إيرباص طراز إيه 320. ومن المقرر للرحلة الطيران من مطار لاغوارديا في نيويورك، والهبوط في مدينة تشارلوت في ولاية كارولاينا الشمالية. ولكن بعد دقيقتين من إقلاع الطائرة، أبلغ الربان باصطدام الطائرة بسرب من الطيور مرتين متتاليتين، مما أفقده محركين الطائرة.
فقام تشيسلي بمحاولة الرجوع بعد إبلاغ برج القيادة، ولكنه لم يفلح. وقام بالهبوط على نهر هدسون. وكانت مهمة في قمة الخطورة، إذ توجب عليه التحكم بالتوازن بشكل دقيق، حتى تطفو الطائرة ولا تغرق. وسمى الإعلام تلك الحادثة بالمعجزة، إذ نجا الركاب والطاقم جميعًا، كما بقيت الطائرة على حالها ولم تتحطم. وعندما حاول العديد من الأشخاص محاكاة طريقة مختلفة لإنقاذ تلك الطائرة في نفس الظروف التي تعرضت لها، لم يفلح أي شخص.
بوينج 737، طائرة بلا سقف
اضطر ركاب بوينج 737 إلى الهبوط الاضطراري بلا سقف، من ارتفاع 7300 كيلومتر وبسرعة 530 كيلومتر في الساعة. كان من المقرر أن تستغرق مدة الرحلة من مدينة هاواي إلى هونولولو الأمريكية، 35 دقيقة. إلا إن ربان الطائرة اضطر إلى قطع نفس المسافة في 23 دقيقة فقط، للوصول إلى اليابسة والهبوط بدلًا من الهبوط على المحيط. بعد تحطم باب كبينة القيادة، وطيران سقف الصفوف الأمامية للطائرة بعيدًا. وكانوا الركاب يطيرون في الجو بلا سقف، ولم يجد البعض الوقت الكافي لربط الأحزمة.
واضطر الربان للهبوط إلى 3000 كيلو متر، بسرعة 500 كيلومتر بالساعة. وذلك محاولة للحفاظ على الطائرة وحياة الركاب المعرضين للهواء الطلق. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل فقد الطيار محرك من محركات الطائرة، بعد فقدان السقف ب11 دقيقة. ولكن بمهارة هذا الربان وشجاعته، هبط أمنًا في هونولولو ولم يفقد أيًا من أرواح الركاب، مع بعض الإصابات الطفيفة فقط.
الهبوط على الشاطئ
يذهب الفرد للاستجمام على الشاطئ، ولكن هذا لم يكن الحال على شاطئ ماهو في جزيرة سانت مارتن، تحديدًا في النصف الفرنسي منها. حيث يقع الشاطئ بالقرب من مطار الأميرة جوليانا الدولي. وبسبب مدرجه الصغير، تقترب الطائرة بشكل كبير من الشاطئ عند هبوطها. هذا الهبوط دائمًا يعتبر هبوطًا خطرًا للغاية. فجميع من على الشاطئ يخفضون رؤوسهم كلما مرت طائرة وهبطت على المطار خلفهم. كما لا يتناسب المطار مع الطائرات كبيرة الحجم، ويزداد الأمر صعوبة كلما كبرت الطائرة.
الهبوط الاضطراري في تركيا
في 27 يوليو الماضي اضطر الطيار الأوكراني ألكسندر أكوبوف للهبوط بطائرة من طراز إيرباص إيه 320، في مطار أتاتورك بإسطنبول. وكان من المقرر لها الهبوط في قبرص، ولكن على بعد 4000 قدم، تحطم الجزء الأمامي من الطائرة، وتحطم زجاج كبينة القيادة، وأصبح الربان ألكسندر يقود بدون رؤية واضحة أمامه، أو شبه أعمى في بعض الأوقات بسبب الدخان. وكانت الطائرة تُقل على متنها 120 راكب و6 من طاقم العمل. وأظهر الطيار ومضيفتان تركيتان شجاعة كبيرة، حتى أتم الهبوط الاضطراري. وقام البعض بتصوير الحادثة العجيبة، إذ مالت الطائرة على أحد جانبيها قبل الهبوط، ولكنهم جميعًا خرجوا بسلام. وقام الرئيس الأوكراني بتكريم ألكسندر على شجاعته ومهاراته.
سحابة من رماد البركان
خطوط طيران بوينج 747، هي طائرات شهيرة تقلع من لندن نحو نيوزيلندا وتتوقف في الهند أو أستراليا أو ماليزيا، تابعة للخطوط الجوية البريطانية. وفي إحدى المرات بعد إقلاع طائرة على هذا الخط الجوي من كوالالمبور إلى بيرث الأسترالية، حدث ما يكن في الحسبان. إذ غطت سحابة سوداء صالات الطائرة من الداخل، كما غطت سحابة سوداء مضيئة زجاج كبينة الطيران بالكامل وجعلت الرؤية مستحيلة. تعرف تلك الظاهرة باسم “نار القديس إلمو”. وهي تفريغ كهربي داخل سحابة، ولا يتمكن الرادار على الطائرة تتبعها.
حاول الطيار التغلب على الدخان ولكنه لم يفلح، والمشكلة الأكبر أن الطائرة فقدت قوة الدفع في محركاتها الأربع. ورأى الركاب اللهيب تخرج من المحركات. ولكن بمعجزة عجيبة على ارتفاع 4100 متر، بدأ المحرك الرابع بالعمل مجددًا، وتبعه محركين. واستطاع الطيار الهبوط على المطار في جاكرتا، وأنقذ حياة 248 شخص وطاقم العمل بدون إصابات أو خسائر. والسحابة السوداء كانت بفعل غيمة من الرماد البركاني المتصاعد. وكان ذلك في يوليو 1982.
الهبوط الاضطراري لطائرة جيملير
وهي طائرة تابعة للخطوط الجوية الكندية، وتزن حوالي 132 طن، سقطت من ارتفاع 12 ألف متر. نتيجة لفقدان المحركات وفقدان الكهرباء، الذي أوقف أغلب أجهزة الطائرة. ولكن الطيار عمل بحرفية، وهبط في إحدى القواعد الجوية القريبة. فلم يصب أي شخص. وكان السبب هو فريق العمل بمطار أوتاوا، لأنهم وضعوا 5 طن من الكيروسين بدلًا من ال20 طن اللازمة.
حادثة غيميلي المنزلقة
وهي حادثة لطائرة أخرى تابعة للخطوط الجوية الكندية من طراز بوينج 767، قامت بعملية هبوط “انحداري منزلق” بطريقة أمنة، في غيميلي بمقاطعة مانيتوبا الكندية. وهذا في 23 يوليو 1983. وذلك بعد نفاذ الوقود الخاص بها وتوقف عملها. فاتبع الطيار إجراءات الانحدار المنزلق على الهواء، لأنه الاختيار الوحيد والمتوفر في تلك الحالة للطائرات ذات الأجنحة الثابتة، للوصول إلى أقرب مكان. وبالفعل تمت العملية بنجاح بدون فقدان في الأرواح.
الهبوط على بطن الطائرة
في الأول من نوفمبر عام 2011، نفذت طائرة من طراز بوينج 767 التابعة لخطوط لوت الجوية البولندية، هبوط اضطراري على بطنها. بعدما فقدت النظام الهيدروليكي المركزي. في مطار فريدريك شوبان الدولي، في العاصمة وارسو. ورغم تعقد العملية وصعوبتها، إلا إنه لم تحدث أي إصابات، أو خسائر بشرية.
الهبوط نحو قرية صغيرة
في 7 سبتمبر 2010، اضطرت طائرة رقم 154 للهبوط اضطراريًا في أراضي نائية في سيبيريا. بعد ثلاثة ساعات ونصف من انطلاقها نحو مطار موسكو، توقفت الطائرة وفقدت الوقود الخاص بها، فتوقفت بعض الأجهزة عن العمل كذلك، وفقد الطيار التحكم بأجنحة الطائرة. وبقي على الطائرة 30 دقيقة للتحليق قبل السقوط تمامًا، لأن هذا ما يمكن إتمامه بالوقود المتبقي في الخزان. ومن حسن الحظ، كان هناك مدرج قريب صغير على بعد 350 ألف متر. فاستطاع الطيارون بمهارة عالية الهبوط على المدرج، إلا إنهم لم يفلحوا في إيقاف الطائرة. فاستمرت الطائرة بالزحف نحو قرية قريبة من المطار. وبأعجوبة كبيرة، لم يفقد أي شخص حياته، من 72 راكب أو 9 من طاقم العمل، أو سكان القرية القليلين.
طائرة ألمانية تواجه الإعصار
كان من المقرر هبوط إحدى الطائرات في مطار هامبورغ الألماني، ولكن لسوء الحظ واجه الطيار إعصار يصطدم بالطائرة. وهذا أسوأ ما يمكن أن يواجه الطيارون. فقد تعرضت الطائرة إلى رياح وصلت سرعتها إلى 120 كيلومتر بالساعة، وكانت الرياح القوية بسبب إعصار ضخم يضرب المنطقة. وعندما اقترب الطيار من الهبوط بالمدرج، ضربت الطائرة عاصفة أخرى بسرعة 250 كيلومتر بالساعة. فانحنى الجناح الأيسر بشكل يدعو للقلق، وعانى الطيار لإعادة التوازن للطائرة. واضطر للرجوع والتحليق بالطائرة قليلًا ثم العودة إلى المدرج والهبوط. وتفادى الكارثة وأنقذ الركاب بحسن تصرفه مع الموقف العصيب.
ختام
لا يجعلك المقال تعتقد في كثرة عمليات الهبوط الاضطراري في الطائرات. لأن هذه الأحداث قليلة مقارنة بالرحلات الكثير التي تحدث حول العالم وتتم في أمان تام. إلا إن الاحتراز واجب، وحسن التدريب على هذه الحالات أمرًا ضروريًا في أنظمة المحاكاة للطيارين.
أضف تعليق