النقاشات المرهقة هي سمة العصر الذي نعيش فيه، وازدادت انتشارا لأسباب كثيرة، أهمها زيادة الاستقطاب والفترات التي تتسم بالتوتر، كما ساهمت سهولة الوصول إلى المعلومات في جرأة البعض على التفوه بالآراء المغلوطة، إذ لم يعد الأمر يحتاج للوقت والمجهود والتعلم المنضبط، ويمكنك الوصول إلى بعض المعلومات المنقوصة في ثوان معدودة، ومن أسباب النقاشات كثيرة الإرهاق أيضا افتقاد البعض لآداب الحوار، والافتقار للوعي بأهداف النقاش من الأساس، فتحولت المسألة بالنسبة لهم إلى صراع لإثبات تفوق ما يرغبون فيه، فتحولت النقاشات من تبادل محترم لوجهات النظر إلى النقاشات المرهقة المعتادة، وسنتحدث في هذا المقال عن ماهية النقاشات المرهقة وكيفية التعرف عليها، كما سنمنحك الطرق الذكية للتخلص منها قبل بدايتها، وإذا اضطررت للخوض فيها يمكنك إنهائها ببعض الخطوات البسيطة، ولإن الأشياء تعرف بضدها، سنتحدث عن النقاشات المثمرة، إذ أن النقاشات مهمة جدا وضرورية لحياتنا جميعا، وسنتحدث بشكل خاص عن النقاشات كثيرة الإرهاق مع الأهل، ذلك نظرا لخصوصية طبيعتها، وصعوبة التعامل معها بالطرق العادية.
استكشف هذه المقالة
النقاشات المرهقة وأنواعها
النقاشات المرهقة كثيرة للغاية، ولها أنواع كثيرة جدا، وللأسف لا تبدو النقاشات المرهقة معروفة للجميع، أي لا تكن مكشوفة من البداية، فقد تخوض نقاشا عاديا، وتظنه حوار لائق مثمر ثم تكتشف عكس ذلك في منتصفه، ومن هنا تأتي أهمية توضيح النقاشات المرهقة وعلاماتها، فيمكنك من خلال معرفتها توجيه ضربات استباقية للنقاش، فتقتله من البداية وتنقذ وقتك وطاقتك، وعلامات النقاشات المرهقة تنقسم إلى شقين، يتعلق الشق الأول بالطرف الآخر الذي تتحدث معه، أما الشق الثاني فيتمثل في طبيعة النقاش، وأنواع النقاشات المرهقة أكبر من أن تحصى، لكن أهمها النقاشات السياسية والدينية، فتلك النقاشات ذات طبيعة خاصة وحساسة بالنسبة للأغلبية، وذلك نظرا لأهميتها لدى الجميع، ولكن تجتمع النقاشات المرهقة على شيء واحد، أنها عديمة النفع وبلا طائل، إذ لا يجب أن يكون النقاش مرهقا، وبمجرد وصول الحوار إلى تلك المرحلة نكون وصلنا إلى العبث وإضاعة الوقت، فاقرأ معي علامات النقاشات المرهقة حتى تتجنبها وتتخلص منها بسهولة.
العصبية الزائدة
النقاشات المرهقة هي نقاشات عصبية من الأصل، ويحدث هذا مع الانفعال، ويحدث مع الأشخاص العاديين ذوي الانفعالات المعقولة، أما النقاش مع شخص عصبي فيستحيل جحيما، والشخص العصبي يسهل استثارة غضبه، وعادة ما يكون ضيق الأفق، فكل الموضوعات العادية تثير غضبه، ويمكن لكلمة أن تثير حفيظتهم، كما يفتقر الشخص العصبي إلى المرونة وحسن الاستماع، وكلها أشياء تجعل النقاش مرهقا، والأسوأ هو تطور النقاشات المرهقة إلى شجار وصراع، وفي بعض الأحوال يصل إلى التشابك بالأيدي كما نشاهد في البرامج التلفزيونية.
الغطرسة والغرور
يصعب على الشخص المغرور تقبل هزيمته في نقاش، وأقصد هنا استعمال مصطلح الهزيمة، فالأمر بالنسبة له لا يمثل أكثر من التنافس، كأنها مباراة في نهائي بطولة الدوري لكرة القدم، وتحدث أغلب النقاشات المرهقة بسبب الغرور، إذ يرى الشخص المغرور تفوقا كاذبا في نفسه، وينظر لجميع البشر من أعلى، فيرى الناس صغارا، كما يعتقد في صواب كل أفكاره ومعلوماته بشكل مطلق، ولا يرى في النقاش فرصة للمعرفة وإضافة ما هو جديد لمعلوماته، بل يرى النقاش فرصة ليطل على الجمهور بأروع أفكاره، وعادة ما يكون الشخص المغرور معروفا في دوائره، وستجد أن النقاشات المرهقة أكثر حدوثا في وجوده، فلن يقبل أي خلاف مع وجهة نظره، بل يصر لإقناعك بما يراه، ولا يترفع في ذلك عن اتباع أسوء الطرق.
الشخصنة
تقوم النقاشات المرهقة على الشخصنة، ومن يتبعون هذا الأسلوب كثر، يسهل معرفتهم من خلال حواراتهم العادية، فلا يتركز حديثهم على الأفعال أبدا، بل يركزون خطاباتهم على الأفراد، فلا يصفون السلوك بالسوء، بل يفضلون ربط السوء بالأشخاص، وعند الدخول في النقاشات المرهقة معهم يكررون الأمر ذاته، فلا يقولون نختلف مع وجهة نظرك، ولا يصفون وجهة نظرك بالخطأ، بل يقولون أنك مخطئ، كما يسهل عليهم الحديث عن أفعالك وباقي حياتك، حتى لو لم يتعلق هذا بموضع النقاش، إذ يمثل لهم النقاش إثبات لصوابهم هم، فالأمر غير متعلق بالأفكار، بل بالذات، فتراهم يطعنون في شخصك وأقاربك بمجرد الاختلاف، فالهدف بالنسبة لهم هو إثبات نواقصك أنت، فكل النقاشات معهم يمكن ضمها إلى قائمة النقاشات كثيرة الإرهاق الطويلة.
الانفعال العاطفي
تكثر النقاشات المرهقة في حالات الانفعال العاطفي، وهي أوقات كثيرة، ويزداد تأثير الانفعال العاطفي في أعقاب الأزمات والمصائب، فلا يكون النقاش عندها هادئا، ولا يتسم الحوار بالعقلانية واتباع قواعد المنطق، بل تقوده العاطفة بدلا من ذلك، ويدور النقاش حول المشاعر، ولا يقف الأمر عند الاستقطاب والشحن العاطفي في أوقات بعينها، فهناك أشخاص تغلب عليهم العاطفة بوجه عام، تلك طبيعتهم بدون ادعاء، فعندما تخبره بشيء يفكر بقلبه، ويتأثر بكل المشاعر في الكلمات، ولا يهم هنا توجه المشاعر، فلا فرق بين الحزن أو الغضب أو الفرح والابتهاج، كلها أمور تجعل النقاشات المرهقة أطول وأكثر تكرارا، كما يعقبها النتائج السيئة، نظرا لحساسية العاطفيين الزائدة، فربما تجرحهم كلمة عابرة، ويصعب عليهم نسيانها وتجاوزها.
المقاطعة وعدم الاستماع
قد تسمح لك النقاشات المرهقة بالحديث والتعبير عن رأيك، وتظل مرهقة لأسباب أخرى كالتي تحدثنا عنها، لكن أسوء النقاشات كثيرة الإرهاق هي التي لا تسمح لك بالحديث، فيقاطعك الشخص عدة مرات، ولا يمكنك إكمال جملة واحدة، فلا يكون حتى الاختلاف حقيقا، بل يضيع الوقت في سوء الفهم، وتظل تكرر لم أقصد هذا، بل أقصد كذا، وقبل إتمام جملتك يقاطعك مرة أخرى، ولا يفهم وجهة نظرك بوضوح، وتلك سمة ثابتة لأغلب النقاشات المرهقة المنتشرة، ولا تعود عليك بالنفع أبدا، فقد يضيع حياتك خلالها.
المغالطات المنطقية
لا تخلو النقاشات المرهقة من المغالطات المنطقية، والمغالطات المنطقية كثيرة وشائعة، وأهمها مغالطة رجل القش التي يجيدها الجميع تقريبا، وخلالها ينسب المتحدث بعض الأمور الخاطئة للطرف الثاني، ويرد على تلك الأكاذيب المختلقة ويوضح فساد حجتها، فيبدو كأنه الأكثر حكمة، وهناك أيضا مغالطة التفخيخ، وعندها يقول الشخص أن الحمقى فقط هم من يعارضون ما يقول، وهكذا من الأوصاف السلبية التي ترهبك وتمنعك من التعبير عن آرائك، وتنتشر أيضا المغالطة التي تقوم على رفض الفكرة من منطلق رفض المصدر، فيرفضون المعلومات الصحيحة لاختلافهم مع القائل أو مصدر المعلومة، والمغالطات المنطقية هي ما تجعل النقاشات المرهقة أكثر ثقلا، فجوهر الهدف من استعمال المغالطات هو إثبات صحة وجهة النظر، فتنعدم الرغبة في الحوار وتقبل الآخر، ويتحول النقاش إلى صراع، فيكون مرهقا، وتنعدم فائدته في الوقت ذاته، ويصبح عبارة عن كتلة من ألاعيب الكلمات، ومبارزة بالحجج المختلقة.
قواعد النقاش المثمر
على العكس من النقاشات المرهقة يكون النقاش المثمر، ويمكنك تمييز النقاش الهادف من بدايته، وهو ما يدفعك للخوض فيه بأريحية، والنقاش المثمر هو الذي يلتزم بآداب الحوار، فلا تجد فيه أي إساءة للآخر أو إهانات شخصية، بل يكون الهدف هو الفهم الحقيقي والصحيح لآراء من نتحاور معه، وبالتبعية لا تجد مغالطات منطقية متعمدة، كما يصعب حدوث الشخصنة في نقاش القضايا كذلك، والفكرة الرئيسية في النقاش المثمر هي الرغبة الصادقة في المعرفة، بعكس النقاشات المرهقة التي يكون الهدف منها هو الانتصار في منافسة طفولية، لذا يمكن تلخيص قواعد النقاش المثمر في الاحترام وحسن الاستماع والتواضع والابتعاد عن الشخصنة تماما.
تخلص من النقاشات المرهقة قبل بدايتها
يسهل ملاحظة النقاشات المرهقة من علاماتها التي تحدثنا عنها، في تلك الحالة يمكنك التخلص منها مسبقا، وعدم السماح باستمرارها أو الخوض فيها، ويمكنك ملاحظتها من خلال معرفتك بطبيعة الشخص الذي يطرح الموضوع، ومن خلال طريقته في الحديث أو الجلوس والكلام أيضا، يمكنك معرفة أنك بصدد التورط في النقاشات المرهقة بمجرد رؤية علامات الغرور والعصبية والانفعال تجاه الموضوعات، وعندها يمكنك التخلص من النقاش بحيل بسيطة للغاية، فمجرد الصمت وعدم التجاوب قد يخلصك منها، وإذا لم يجد الصمت نفعا يمكنك استعمال الإجابات العامة، وأقصد هنا الإجابات البديهية التي لا تضيف أي شيء، كأن تدعو الله بنجاتنا من الفتن، أو تتحدث عن أهمية هذا الموضوع وحاجته لمزيد من الوقت، وتلك الجمل ذات أثر عظيم في قتل النِقاشات المُرهقة بسهولة، ولكن عند إلحاح الطرف الآخر في الاستمرار فيها يمكنك اتباع خطة بديلة، وهي خطة سهلة للغاية، إذ يمكنك تغيير الموضوع ناحية أمر ثابت متفق عليه، وبهذا تتخلص منه.
قواعد إنهاء النقاشات المرهقة بذكاء
قد تتورط في النِقاشات المُرهقةعند إغفال علاماتها من البداية، فقد تكون بداية النقاش عادية، ثم تتطور الأحداث وتأخذ منحى آخر، فيتحول إلى تبادل الاتهامات والشخصنة، كما يصبح الجو مشحونا بالتوتر والشجار، في تلك اللحظة يصبح عليك إنهاء النقاش قبل التورط فيما لا تفضله من خسائر كبرى، ويسهل ذلك بالتأكيد على احترامك لوجهة نظر الشخص الذي تتحاور معه، والتأكيد على احترامك لشخصه هو، وتكرار الكلام البديهي عن أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وكي تمتص الغضب السائد يمكنك ذكر ما فهمته من رأي الطرف الآخر، والسماح له بتوضيحه، والتفاعل معه خلال ذلك بالكلمات المتفهمة، كنعم وفهمت وغيرها، وبعد ذلك تستطيع تغيير الموضوع تماما، ويسهل ذلك بالسؤال عن أخبار الشخص الذي تتحدث معه، أو بالكلام العام عن الطقس ودرجة الحرارة، ويمكنك الحديث عن الجوع أو رغبتك في احتساء كوب من الشاي، ويبدو الكلام ساذجا، لكنه فعال للغاية في إنهاء النقاشات المرهقة بدون خسائر.
النقاشات المرهقة مع الأهل
النقاشات المرهقة مع الأهل هي الأكثر صعوبة على الإطلاق، ذلك أنها ليست نقاشات بالمعنى الحقيقي للنقاشات، فهي أوامر ترتدي ثوب الحوار، ويصعب على الأهل تقبل الخلاف في الرأي مع الأبناء، ففي أغلب الأحوال هم يخاطبون الطفل الصغير الذي كانوا يطعموه ويجلبون له الحلوى، كما يتسم النقاش مع الأهل بالعصبية، ذلك لاعتبارات السن وما يصاحبه من انفعال وسهولة الاستثارة، لذا يجب عليك التعامل مع تلك النقاشات بحكمة، فأولا يجب معاملتها معاملة الخطب الدينية، أي تستمع لهم جيدا بدون مقاطعة، وعليك تفهم أهدافهم النبيلة من حديثهم، فهم لا يرغبون في شيء سوى الخير، وبعد ذلك يمكنك الرد بلطف على حديثهم، ويفضل البدء بشرح ما فهمته من كلامهم، وإخبارهم بمعرفتك لما يتمنون لك من خير، ثم تعرض وجهة نظرك بإيجاز، وتعدهم بوضع حديثهم نصب عينيك، وبهذا يسهل عليك إنهاء النِقاشات المُرهقة مع الأهل، ولا تتعرض للخسائر المعتادة، فقط يجب احترامهم واحترام آرائهم ودوافعهم من النصائح، وهذا يكفي.
النقاشات المرهقة مستمرة، وزادت مؤخرا بشكل يفوق طاقتنا، وانحرفت بوصلتنا من النقاش فلم يعد الهدف منه هو الحوار وتبادل الآراء ووجهات النظر، بل أضحى النقاش ساحة حرب، وأصبح فرصة بالسبة للبعض لتحقيق انتصارات وهمية، والأمر جد خطير، ذلك أن النقاشات المرهقة لا تهدر حياتنا ووقتنا فحسب، بل تمتد خسائرها لتشمل القلق والتوتر والشجارات، وكم من علاقات انتهت لهذا السبب، لهذا يجب تجنبها بالطريقة ذاتها التي نتبعها مع الأمراض، فلا تختلف النِقاشات المُرهقة عن الأمراض كثيرا، ويسهل التخلص منها بمعرفة علاماتها، وبمجرد ملاحظة علامات عدم الاحترام والعصبية وكثرة المقاطعة نعرف ما نحن بصدده، وهنا نحاول تغيير الموضوع أو إيقافه بالردود العامة المقتضبة، وعند تورطنا في أحد النِقاشات المُرهقة يمكننا التعبير عن احترام الآراء، وإبداء الاحترام لشخوص الآخرين، وينتهي النقاش بسلام حينها.
الكاتب: أحمد ياسر
أضف تعليق