رمضان هو ذلك الشهر التاسع في الشهور الإسلامية والذي يعد أحد أفضل وأطهر الشهور لاختصاصه بالبركة والرحمة من الله سبحانه وتعالى ولفرض الصيام فيه على كل مسلم بالغ عاقل فلم يجز لهذا المسلم أن ينطوي تحت قائمة ” المفطرون في رمضان “. إفطار رمضان عامدا متعمدا بدون وجود عذر لهذا الإفطار، يعد إثما وكبيرة في الشريعة الإسلامية لإنكار المفطرون في رمضان عن أمر مفروض من الدين بضرورة –أي لا يوجد شك في فرضيته ووجوبه-. بل إن الصيام يعد أحد أركان الإسلام الخمسة والتي لا يتم الإسلام إلا بتحققه. فمن هم المفطرون في رمضان إذا وما هو حكمهم وكيف يجب أن يكون رد فعلنا تجاه المفطرون في رمضان ؟ هذه أسئلة سنحاول الإجابة عنها في هذا المقال إن شاء الله مع دعواتنا بالسداد في البحث والرأي.
أسلوب التعامل الصحيح مع المفطرون في رمضان
من هم المفطرون في رمضان ؟
أتذكر تلك الأغنية الصبيانية التي كنا نغنيها ونحن صغارا لنزف بها هؤلاء الأطفال الآخرون الذين لم يصوموا كما نصوم نحن، افتخارا بصيامنا وحثا لهم على تقليدنا –والتي عرفت فيما بعد أن نفس الأغنية كانت تنتشر في كل الأماكن ولكن باختلاف قليل في الكلمات-. فإحدى هذه الأغنيات كانت تقول “يا فاطر رمضان يا خاسر دينك، القطة السودة هتاكل مصارينك.. يا صايم رمضان يا مصالح ربك، القطة البيضة هتبوسك من خدك”. كان مفهومنا ونحن أطفال عن ” المفطرون في رمضان ” هو أنهم هؤلاء الأطفال الذين لم يصوموا كما كنا نصوم نحن. ولكننا كبرنا الآن وأصبحنا نعرف أن الأمر أصبح أكبر من مجرد هذا التفكير الصغير وأن هناك أحكاما وآراء فقهية تحكم هذا الأمر. فمن هم المفطرون في رمضان إذا؟
أنواع المفطرون في رمضان
من أكل أو شرب ناسيا
المفطر قد يكون شخصا أكل قطعة من الطعام أو شرب كوبا من الماء لنسيانه أنه صائم، أو لعدم قدرته على التركيز كأن يكون قد استيقظ لتوه من النوم ولم يدرك أنه صائم بعد. في هذه الحالة لا يكون على هذا الشخص أي خطأ أو وزر ويجوز له إتمام صيامه دون الحاجة إلى إعادة صيام هذا اليوم أو تقديم كفارة، ويطلق على هذا الشخص أن الله سقاه أو أطعمه برحمته.
من أكل أو شرب عامدا لغير عذر
هذا النوع من ” المفطرون في رمضان ” هو من قام بتناول الطعام أو الشراب في نهار رمضان من غير أن يكون لديه عذر أو رخصة لهذا الإفطار. في هذه الحالة يكون الشخص قد ارتكب كبيرة في الدين ويجب عليه أن يتوب توبة نصوحة إذا أراد أن يعفو الله عنه، والتوبة النصوحة هي بأن يندم الشخص على ما فعله وأن لا يعود إلى فعله مرة أخرى. في هذه الحالة يكون حكم المفطر المعتمد من غير عذر بعد توبته هي أن يعيد الصيام مرة أخرى لأنه دَيْن له على الله ولا بد من قضاء ديون الله كما هو الحال في الصلاة الفائتة، ولا تشفع الكفارة في مثل هذا الموقف بل إعادة الصيام فقط.
الجماع في نهار رمضان
جميعنا نعرف أن الصوم الصحيح يتحقق بالامتناع عن الطعام والشراب وكذلك الجماع. فكذلك، مبطلات الصيام تكون بتناول الطعام أو الشرب عن عمد أو بإقامة علاقة حميمية في نهار رمضان. حكم من يفعل هذا هو الانضمام إلى قائمة ” المفطرون في رمضان ” ويكون حكمهم هو الكفارة المتعارف عليها عند الإفطار بسبب الجماع في رمضان.
الإفطار لعذر معين
النوع الأخير من أنواع ” المفطرون في رمضان ” هو أن يفطر الشخص لعذر يسمح له بالإفطار كأن يكون شخصا عجوزا لا طاقه له بالصيام أو مريض مرضا قد يصيبه الصيام بالضعف والوهن، أو المرأة الحائض والنفساء أو المسافر سفرا شاقا تتوفر فيه شروط الإفطار..الخ. هناك الكثير من الأعذار التي تسمح لأصحابها بالإفطار في رمضان مراعاة لمصالحهم وأحوالهم ولأن الإسلام دين يسر وتخفيف على الناس وليس دين عسر وعدم مراعاة لهم.
لماذا يعتبر المفطرون في نهار رمضان بغير عذر آثمون؟
هناك سببان من أجل اعتبار المفطرون في رمضان آثمون، الأول هو إنكار ركن من أركان الإسلام، والثاني هو المجاهرة بالمعصية في حالة كان إفطارهم هذا علنيا ودون استتار من أعين الناس. أما سبب خطأ هذين السببين فهو كما يلي:
سبب خطأ الإفطار بغير عذر
يعتبر المفطرون في نهار رمضان آثمون لأنهم ينكرون أمرا معروفا من الدين بضرورة ومفروض في القرآن بأدلة قوية وواضحة بالإضافة إلى السنة النبوية الشريفة التي لا خلاف عليها. ولأن الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة التي لا يكتمل الدين إلا بها. فعندما يفطر المسلم في نهار رمضان عامدا متعمدا بدون عذر أو رخصة، فكأنه يستهزئ بأوامر ربه ولا يلتزم بأوامره أو نواهيه، كما أنه يوشك أن يخرج نفسه من ديانة الإسلام لمخالفته شرط من شروط تحققه. إذا، المفطرون في رمضان لغير عذر هم آثمون وعليهم أن يعيدوا تفكيرهم في أفعالهم ودوافعهم وأن يحاولوا الاستعانة بأهل العلم الثقة الذي يحرصون على إيصال معاني الإسلام السامية بدقة وأمانة إذا كان سبب إفطارهم هو تزعزع في دينهم وأفكارهم.
سبب خطأ المجاهرة بالمعصية
أما المجاهرة بالمعصية فهي أحد الأشياء التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحدث عن أقوام يجاهرون بمعصيتهم ولا يحترمون ستر الله لهم فيقوموا هم بفضح أنفسهم. هؤلاء الأشخاص المجاهرون بمعصيتهم يكون إثمهم ومعصيتهم أشد وأكبر من مجرد المستتر بإثمه، هذا لأن المستتر بإفطاره لا زال بداخله بعض الشك في خطأ ما يفعله وربما بعض الرغبة من الله أن يهديه –أو ربما هو مجرد خوف من المجتمع، ولكن دعونا نفترض حسن النية أولا-، بينما المجاهر هو شخص نسي الله تماما فلم يهتم حتى أن يستتر بمعصيته هذه. هذا فيما يتعلق بالمجاهرة وعلاقة المخطئ بربه. أما السبب الآخر لخطأ المجاهرة فهو أنه فعل يساعد على انتشار الفاحشة بين المسلمين وهو الأمر الذي حذر الله من فعله في سورة النور عندما قال “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة”. فالمجاهرة بالمعصية بإمكانها أن تكون سببا في جذب مسلمين آخرين ممن يملكون إيمانا متزعزعا أو قلوبا متقلبة للقيام بمثل هذا الفعل فيتحمل المفطرون في رمضان لغير عذر وزهم ووز كل من أفطر من غير عذر بسببهم.
كيف نتعامل مع ” المفطرون في رمضان “؟
العاصي في كل شريعة سماوية يكون له القواعد والقوانين التي تحكم خطأه هذا من أجل محاولة رده إلى الطريق المستقيم ومن أجل إبعاد أذاه عن غيره من الملتزمين بدينهم وشريعتهم. أما بالنسبة لتطبيق تلك القواعد والقوانين، فتنفيذها يعود إلى ولي الأمر وحده أو من يوكلهم لتحقيق تلك القواعد، وولي الأمر هو حاكم الدولة أو من يفوضهم كهيئة الإفتاء أو أية هيئة موكلة بحماية الدين بأمر من ولي الأمر. أما بالنسبة للقواعد المتبعة مع ” المفطرون في رمضان “، فقد أصدرت دار الإفتاء المصرية نقلا عن مقال في “مصر العربية” أن أفضل طريقة للتعامل مع المفطر لغير عذر في نهار رمضان هو توجيه النصح له بطريقة حسنة ومحببة إلى النفس. فلا يملك أي شخص سوى ولي الأمر أو الموكلون بهذا الأمر توجيه النقد بكافة أنواعه أو أية عقوبة جسدية لمن يفطر في رمضان.
هل تريد تقديم النصح لهم؟
إذا كنت ممن يغارون على دينهم ويرغبون في تغيير المنكر بلسانهم لوجود الإيمان في قلوبهم، فعليك وضع بعض الأشياء الهامة في اعتبارك قبل بدأ عملية النصح والإرشاد تلك:
- عليك أولا أن تسأل نفسك حول ما إذا كانت طريقتك في النصح والإرشاد هي سهلة ولينة أم فظة وغليظة؟ إذا كانت طريقتك في النصح غليظة ففي الأغلب سيتوجب عليك أن تطلب من شخص آخر ذا طباع لينة وقدرة على المناقشة ويغير على الدين أيضا مثلك بالقيام بتلك المهمة، فكما يقول نبينا الحبيب: “الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه” وكما يقول الله تعالى “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”. فأول طرق المحاورة إذا لمراعاتها هي أن يكون الحوار لينا وسهلا ودون إلقاء التهم جزافا أو محاولة فرض رأي بالقوة.
- في الغالب ما يكون المفطرون في رمضان لغير عذر من الشباب الذي تزعزع الإيمان في قلبه وأصبح يرى الحياة مادية فلم يعد يجد مكان للروحانيات في قلبه. عندما تجد أن الحوار سيكون مع شخص بهذه الصفات، عليك أن تدرك أن عليك تجهيز حجج عقلية ومنطقية من أجل جذب انتباهه واهتمامه ومن أجل تمكنك من إجراء حوار هادف معه. فمن وجهة نظري المتواضعة، على كل رجل دين أو شخص يغير على دينه، أن يكون واعيا جدا ومدركا لتصرفات النفس البشرية والطريقة الأنسب للتعامل معها. فكيف يمكنك أن توجه نصيحة إلى شخص أو تدعوه إلى طريق معين وأنت لا تدري حتى كيف تخاطب عقله وقلبه -الشيئين اللذين سيستجيبان لكلامك أو ينفضان عنه-!
- إذا لم يكن هذا الشخص لديه مشاكل وجودية أوإلحادية، وكان إفطاره مجرد سفه أو سخط أو انعدام يقين. فربما عليك أن تجعل الحوار عاطفيا وتذكره بالحكمة من الصيام ومن الثواب العظيم الذي ينال المسلم من الالتزام بأوامر الله ونواهيه. وأن تذكره بمزايا هذا الشهر العظيم الذي لا يضمن أن يزوره مرة أخرى. عليك أن تعرف جيدا كيف يمكنك الدخول إلى قلب الشخص الذي أمامك من أجل ضمان إيصال المعلومة والعبادة إلى قلبه وعقله وحتى لا يبغض مجلسك ونصيحتك ويزيده هذا البغض ازديادا في المعصية والإثم.
عليك إذا أن تتحر أولا سبب إفطار هذا الشخص وأن تعرف الطريقة المناسبة لبدء حوار معه، وعليك أن تكون هينا لينا في خطابك من أجل كسب قلوبهم وإعادتهم إلى الطريق المستقيم. ولا تنس أن هذا يتطلب قدرا مناسبا من العلم في تلك المسألة التي أنت بصدد الحديث عنها على الأقل لكي تكون قادرا على الرد على أسئلتهم، فنصف إجابة هي أسوأ تماما من عدم الإجابة على أسئلتهم، وتزعزعك في الرد لن يزيدهم إلا يقينا وتمسكا بآرائهم وكفرا بآرائك واعتقادك. فكن واعيا جيدا للدور الذي تريد أن تلعبه وتذكر أن بإمكانك سؤال أهل العلم الثقة أولا إذا كان لديك بعض الشك في قدرتك على دخول مثل هذا الحوار. تقبل الله منا رمضان وهدانا جميعا لما فيه صلاحنا وهدايتنا.
أضف تعليق