كل شيءٍ في الحياة إن زاد عن حده انقلب لضده، و المضادات الحيوية ليست استثناءً لهذه القاعدة، وكل شيءٍ طالما كان له فائدة إذًا فله ضرر مثله مثل السلاح ذو الحدين في كل لحظةٍ يفيدك فيها فهو يعرضك لخطرٍ بشكلٍ ما، الأدوية نعمةٌ ومعجزةٌ يوجدها لنا الطب إما من الطبيعة وإما من المعامل والمختبرات، المرض حطم الإنسانية في بعض الأزمان وتسبب في شبه إزالةٍ لبعض المجتمعات والدول لذلك من المنطقي أن تطلب مني ألا أحاول إخبارك أن الدواء المعجزة يمكن أن يضرك كما ضرك المرض وربما أكثر في بعض الأحيان، لكنني للأسف سأخبرك بذلك وسأخبرك أن الدواء بحد ذاته هو شيءٌ خارجيٌ غريبٌ عن جسم الإنسان والحاجز الوقائي الوحيد الذي يمنعه من أن يضر بأجسادنا مثلما تضر الفيروسات والبكتيريا والمواد الكيميائية الأخرى هو مجهود العلماء والباحثين في إيجاد الجرعات المناسبة والمفيدة للجسم بدون أن يكون ضررها أكبر من نفعها، لكن ذلك لا يقلل من حقيقة أن تلك الأدوية تترسب أضرارها في أجسادنا مع الوقت، وبعضها قد يكون ضرره عنيفًا على الجسد لكننا بحاجةٍ إليه لتجنب ضرر مرضٍ أكبر، وباعتبار المضادات الحيوية جزءًا هامًا ولا يتجزأ من عالم الأدوية فالأمر ينطبق عليها أيضًا، ومجرد فكرة أن بعض الأدوية والمضادات الحيوية تضرنا بجرعاتها الآمنة المصرح بها فكيف يمكن أن يكون الحال في حالة استخدامها استخدامًا خاطئًا؟
لماذا يسبب استخدام المضادات الحيوية بشكل خاطئ في تقليل فعاليتها؟
المضادات الحيوية
المضادات الحيوية والمضادات البكتيرية هي مجموعة من الأدوية مستخلصة من مصادر طبيعية أو مصنعة ومستحدثة في المعامل أو نصف طبيعية نصف مصنعة، تعتمد في عملها على قتل البكتيريا أو منعها من الوصول إلى هدفها أو تثبيط عملها لكنها لم تكن فعالةً أمام جميع الأمراض وخاصةً التي سببتها الفيروسات، ومع ذلك فمجال إنتاج المضادات الحيوية ما زال في استمرارٍ وتطورٍ طوال الوقت، أحدث ظهور المضادات الحيوية في القرن العشرين ثورةً في الطب ومع اللقاحات والأمصال شكلا معًا قوةً كاسحة غيرت مسار الطب ومصير المرضى بشكلٍ كامل، وأعلنت حربًا شعواء على الأمراض التي أبادت شعوبًا بأكملها تقريبًا فجعلتها تصبح وكأنها لم تكن، كان البنسلين أول مادةً علاجية ظهرت في التاريخ على الإطلاق بتلك الخصائص السحرية ضد الأمراض، ومع اكتشافه بدأ العلماء في البحث عن أشباهه والتعديل فيها وصنع مثلها حتى ظهرت المضادات الحيوية واحدًا تلو الآخر، لكن بعض الناس ينظرون إليها نظرةً غير صحيحة ويعتبرونها العلاج المثالي فبدؤوا باستخدامها بدون حساب وبطرقٍ خاطئة بدون أن يعرفوا أنهم بذلك يودون بأنفسهم للتهلكة.
تجاهل تخصصات المضادات الحيوية
أول خطأ نقع فيه عند تناول المضادات الحيوية هو التفكير بشكلٍ قاصر على أنها كلها قادرة على القضاء على جميع البكتيريا والأمراض، بالطبع لا تتوقع من شخصٍ غير متخصص في مجال الكائنات الميكروبية أو المجال الطبي أن يعرف أنواع البكتيريا واختلافاتها وطرق مقاومتها وتعاملها مع الأدوية والمضادات الحيوية ودورات حياتها وتأثيراتها على الجسم، لكن المنطق يقول لو أن لكل مرضٍ أو عرضٍ دواءٌ محددٌ خاصٌ به فمن المنطقي أن تصبح للمضادات الحيوية تخصصاتٌ أيضًا تعتمد على تكوينها والمواد الفعالة فيها، والحقيقة أن تخصص المضاد الحيوي كلما زاد واتسع كلما قلت فاعليته وأصبح أضعف تأثيرًا من المضادات الحيوية المتخصصة، لكل نوعٍ من البكتيريا خصائصه المحددة وطريقة حياته وطريقة قتله والقضاء عليه لذلك بعض المضادات الحيوية تكون غير فعالةً أمام بعض الأمراض ولا تعطي تأثيرًا بل بالعكس هي تضر الجسد والمناعة وربما تزيد البكتيريا الموجودة في الأساس قوة.
أسباب إهمالنا في التأكد من تخصصات المضادات الحيوية
لا ترجع الأسباب إلى مجرد كوننا غير مهتمين بإثراء معلوماتنا والثقافة الشخصية عن صحتنا والأفضل لأنفسنا ولكن هناك أسبابٌ أخرى مثل أن الطبيب نام ضميره ويتعجل كتابة الدواء لمريضه قبل أن تصل إليه نتيجة التحاليل ويدرك البكتيريا المسببة للمرض بشكلٍ خاص، وذلك ليفسح المجال والوقت ليعالج مريضًا آخر، أو في بعض الأحيان يتكاسل الناس عن الذهاب للطبيب ويقررون تناول الأدوية بأنفسهم وهم ليسوا أصحاب تخصص ولا يدركون واقع تلك الأدوية، أو ربما يتناولون المضادات الحيوية التي وصفها لهم الطبيب من قبل في مرضٍ آخر اعتقادًا منهم أن هذا المضاد الحيوي هو المناسب لأجسادهم غافلين عن حقيقة أنه يجب أن يناسب المرض لا يناسبهم هم.
استخدامها أكثر من اللازم
الكارثة الأكبر هي استخدام المضادات الحيوية أكثر من اللازم ولأي سببٍ بدون الرجوع للطبيب وبدون البحث عن أصل المرض حتى أو التأكد إن كان المرض بحاجةٍ لعلاجٍ آخر أم يحتاج لنوعٍ معينٍ من المضادات الحيوية، كان سبب ذلك هو الأثر السحري الذي تفعله المضادات الحيوية على الأمراض فخلال أيامٍ بسيطة تختفي الأعراض تمامًا ويختفي المرض وينهض المريض من فراشه معافى لذلك صار الناس الآن كلما يعانون من أي عرضٍ أو تعبٍ بسيط يستخدمون المضادات الحيوية بلا حساب، وذلك الإسراف في استخدامها يسبب مع الوقت ضعف جهاز المناعة والتأثير عليه وتوفير بيئةٍ ضعيفة غير قادرة على المقاومة للميكروبات الانتهازية فيصبح الشخص مريضًا طوال الوقت فيلجأ للأدوية والمضادات الحيوية أكثر وأكثر ويدور في دائرةٍ لا تنتهي من المرض والدواء، كما أن أجسادنا تحتوي على بكتيريا أخرى صالحة موجودة طبيعيًا فيها ولها وظائف حيوية ودفاعية هامة، والإسراف في المضادات الحيوية سيؤثر على تلك البكتيريا أيضًا ويقتلها ما يتسبب في قصورٍ في وظائفها أو ربما يؤثر المضاد الحيوي على نوعٍ منها ولا يؤثر على الآخر فيختل التوازن بين أعدادها ويقل عدد التي تأثرت بينما يزداد عدد التي لم تتأثر لتصبح أكثر شراسة وتتحول من وظيفتها النفعية إلى ضررٍ على الجسم.
مقاومة الأمراض ضد المضادات الحيوية
كل تلك الاستخدامات الخاطئة للمضادات الحيوية تؤدي إلى عدة نتائج سلبية ومؤذية على الإنسان لكن أخطر مشكلةٍ ونتيجة قد يواجهها الشخص هي حدوث نوعٍ من المناعة والمقاومة لدى البكتيريا، بعض الأشخاص لا يستوعبون أن المضاد الحيوي هو جلسةٌ كاملةٌ مترابطة من العلاج وجرعةٌ محسوبة يحتاج الجسد إليها كاملةً للقضاء على البكتيريا، فيأخذون ربع أو نصف الجرعة وحسب وبمجرد أن يشعروا بالتحسن يهملون بقية الجرعة ويتركون الدواء! اختفاء الأعراض لا يعني أن البكتيريا ماتت وإنما قل عددها وانخفضت درجة شراستها وضعفت مهاجمتها للجسم فأصبح أقوى منها، الاستمرار على المضاد الحيوي يقتلها تمامًا أما التوقف المفاجئ سيتركها ضعيفةً ومتأثرة وقليلة العدد لكن ليس ميتة، تلك الكائنات الميكروبية الدقيقة لها قدرة كبيرة على التأقلم والتطور خلال أجيالٍ قليلة لذلك ستجد أن تلك البكتيريا الضعيفة التي نجت بدأت تكون خواصًا مناعية تحمي بها نفسها من المضاد الحيوي الذي هاجمها، ثم تنتج تلك البكتيريا أجيالًا جديدة من البكتيريا تحمل تلك الخواص المناعية الدفاعية وتصبح مقاومةً للدواء، لذلك تعود إليه أقوى وأشرس ويعود إليه المرض أكثر تأثيرًا على جسده فيتناول نفس الدواء ثانيةً ويجده بلا تأثير، تفقد المضادات الحيوية تأثيرها على البكتيريا التي تكون مناعةً ضدها وتصبح لا شيء سوى مجرد مادةٍ غريبة يبتلعها تدخل جسده لا تفيده لكنها ربما تضره أكثر.
أضف تعليق