المادة الوراثية تلعب دورا أساسيا في كل جانب من جوانب حياتنا. من الأشياء البسيطة جدا إلى الأشياء الكبيرة جدا. وتلك القصة القادمة ما هي إلا مثال بسيط للتأثير الكبير الذي يفعله ذلك الشيء الصغير في حياتنا. يُحكى أنه ذات زمن بعيد جدا، كان هناك عائلة سعيدة تعيش في هناء وسرور. كان الأب والأم يتميزان ببياض بشرة محبب وعينا بنية جميلة، وكان الأولاد كذلك يمتلكون نفس البياض المحبب والعين البنية الجميلة. وذات يوم، انتفخ بطن الأم بمولود جديد، واستبشرت العائلة بقدوم فرد جديد إليهم. كانت سعادة العائلة بالغة .. حتى لحظة ولادة الطفل، كانت تلك اللحظة فارقة جدا في حياة العائلة، فقد ولد الطفل ببشرة سمراء قليلا وعينا زرقاء اللون! نظر الأب إلى نفسه وزوجته وأولاده، ولم يترك الشيطان له فرصة ليفكر. ظن فورا أن زوجته خانته مع شخص آخر، وأن هذا المولود ليس له. وأن هذه البشرة والعينان قد أرسلها الله ليفضح فعلتها هذه. ولم يتمكن الزوج من الصفح عن زوجته مطلقا. قد تبدو القصة مأساوية قليلا، أن تتمزق عائلة لحظة ولادة طفل جديد إلى العالم، وربما كان للزوج حق الشك بزوجته. لكن هذا الحق مبرره الوحيد هو جهله بطريقة عمل المادة الوراثية. فلو كان يعلم حينها، ربما لم يحتج إلى الشك أبدا!
تعرف على المادة الوراثية من كل النواحي
ما هي المادة الوراثية ؟
المادة الوراثية، وتعرف أيضا بالـ DNA، هي مادة تحمل كل الصفات الجسدية التي تكوننا كأفراد. فكل الصفات المميزة لملامحنا وجسدنا هي موجودة على تلك المادة الوراثية. فيوجد مكان مثلا لصفة لون العين، ولشكل الأنف، وعرض الجبهة، وتقسيمة الجسد، وشكل أصابع القدم، وإمكانية عقد اللسان وحتى تلك الغمازات الجميلة في الوجوه. كل هذه الصفات أو المعلومات، تكون محمولة على المادة الوراثية، وهي التي تحدد الشكل النهائي الذي سنصبح عليه عندما نولد.
لكي نحصل على تخيل أفضل لطبيعة هذه المادة الوراثية، سنتوصل إليها بالتدرج تنازليا من أكبر تكوين وهو الجسد، إلى أبسط تكوين وهو الذرات. الجسد يتكون من أعضاء وجلد وعظام ودم وغيرهم من الأشياء التي نراها بعيننا المجردة. تتكون هذه الأعضاء من خلايا صغيرة كثيرة، هذه الخلايا متجمعة هي ما تنتج العضو بشكله المعروف. تتكون الخلية من العديد من الأشياء التي تساعدها على عمل وظيفتها، كالميتوكندريا التي تمد الخلية بالطاقة. ولكن المكون الأهم بالنسبة إلينا الآن في الخلية، هي النواة. تعتبر النواة المكون الأهم عموما في الخلية لأنها هي التي تحتوي المادة الوراثية DNA. وهي التي تعمل على الحفاظ عليه وحمايته من أية أضرار قد تلحق بالجسد.
إذا، المادة الوراثية تكون محمية داخل النواة، الموجودة داخل الخلية،الموجودة داخل الجسد. ما الذي يوجد داخل المادة الوراثية نفسها إذا؟ هذا السؤال سنجيب عليه بالتدرج تصاعديا من أصغر مركب وهو الذرات إلى أكبر مركب وهو الشكل النهائي لهذه المادة الوراثية.
داخل المادة الوراثية
الذرات المسيطرة على المادة الوراثية خاصة، وأجسادنا عامة، هي ذرات الكربون. تتجمع خمس ذرات كاربون في شكل خماسي مغلق، ترتبط ثلاث مجموعات من الفوسفات ببعضها البعض، ثم ترتبط إحدى هذه المجموعات من طرفها الآخر بذرة كاربون من تلك الموجودة في الحلقة. وعلى ذرة كاربون أخرى، ترتبط واحدة من أربع مجموعات أخرى (تسمى القواعد النتيروجينية)، هذه المجموعات حلقية الشكل أيضا وتتكون من ذرات كاربون وهيدوجين ونيتروجين وأكسجين. تلك التجميعة من الثلاث مكونات سويا، يكونون معا أصغر جزيء من المادة الوراثية. يأتي جزيء آخر بنفس التكوين يتفاعل مع هذا الجزيء من ناحية مجموعات الفوسفات، فيتكون عمود طويل من جزيئات المادة الوراثية. يأتي عمود آخر يقف مقابلا لذلك العمود، ويرتبطون سويا من ناحية القواعد النيتروجينية. عندما ترتبط كل هذه الجزيئات عموديا وأفقيا، تتسبب قوى كيميائية معينة في لف عمودي المادة الوراثية بعد كل عشر قواعد نيتروجينية. وبهذه الطريقة يتكون الشكل اللولبي المزدوج المعروف للمادة الوراثية DNA، كما نراها في الكثير من الصور التوضيحية الموجودة على الإنترنت.
إذا بحثنا عن صورة لشكل المادة الوراثية، سنجدها تتكون من شريطين لولبيين في وسطهما قطع كقطع البازل، ويرمز لهذه القطع بالحروف A, C, T & G. هذه الحروف ترمز لأول حرف من اسم كل قاعدة نيتروجينية وهم، A = أدينوزين، T = تيَروزين، C = سَيتوزين و G = جوانين.
قد يثير دهشتك أن تعرف أن طول شريط المادة الوراثية الواحد، الموجود داخل نواة واحدة بداخل خلية واحد، قد يصل طوله إلى ثلاثة أمتار! هذا ضعف طولى أنا شخصيا تقريبا! بالتبعية إذا، وبمعرفة أن الجسد يملك 10 تريليون خلية، سنجد أن طول المادة الوراثية الموجودة داخل جسد واحد يصل إلى 462 مليون كيلو متر تقريبا!! هذه الطول هو أربعة أضعاف المسافة بين الأرض والشمس!! أي أن المادة الوراثية خاصتك، إذا تم فردها وإيصالها ببعضها البعض، ستصل إلى الشمس وتعود إليك مجددا أربع مرات. يبدو الأمر مدهشا، أليس كذلك؟ كيف يتسع جسدك الذي لا يتعدى الثلاثة أمتار إذا إلى هذا القدر الهائل من المادة الوراثية؟!
ضغط المادة الوراثية
هل ترى الطريقة التي تطبق فيها ملابسك بعناية لتتمكن من رصها جميعا داخل خزانتك؟ تحاول دائما أن تصل إلى الطريقة الأفضل لتطبيق الملابس لتحصل على أصغر مساحة ممكنة لقطعة الملابس. هذا بالضبط ما يحدث في المادة الوراثية داخل الجسد، الفرق هو أن تطبيق المادة الوراثية أصغر بملايين المرات من تطبيقك أنت. يوجد عدة خطوات أساسية لضغط شريط المادة الوراثية قبل أن تصل إلى الجسم الذي يتسع داخل نواة الخلية التي لا تُرى إلا بالمجهر الإلكتروني!
يكون شريط المادة الوراثية ملتفا في شكل حلقي في شكله المبدئي، تأتي حينها مجموعة من البروتينات الدائرية ليلتف حولها شريط المادة الوراثية مسببا تصغير حجمه، ويكون شكل المادة الوراثية كعنقود عنب طويل. تأتي بروتينات أخرى لتلصق بروتينات الهيستون سويا مقللة المساحة التي تحتويها هذه العناقيد، ثم تلتق تلك العناقيد حول نفسها مرة أخرى مكونة شكل أكثر كثافة ولكن أصغر طولا ومساحة، ويظل لف وضغط المادة الوراثية مستمرا باستعمال أنواع مختلفة من البروتينات، حتى تتمكن من الوصول إلى الحجم المسموح باحتوائه داخل النواة.
ربما يكون تفكيرك الآن عزيزي القارئ هو، حسنا، المادة الوراثية طويلة جدا، أطول من المسافة بين الأرض والشمس. ويتم تصغيرها بعناية فائقة لتتواجد داخل النواة الصغيرة جدا، ولكن أين الصفات الوراثية على أية حال؟ وما علاقة كل هذا بصفاتي الشخصية؟ سأخبرك إذا عزيز القارئ أن ترجع إلى الطريقة التي يتم بها ضغط المادة الوراثية. الشكل النهائي الذي ينتهي عليه هذا الضغط، يكون عبارة عن شكل مشابه لشكل حرف H بالإنجليزية. هذا الشكل يُسمى كروموسوم (chromosome). وهو الذي سنتحدث عنه في الفقرة التالية.
طريقة انتقال الصفات الوراثية
لنتمكن من تخيل الصفات الوراثية بشكل أفضل، سنعود إلى المادة الوراثية البسيطة والقواعد النيتروجينية. تلك القواعد النيتروجينية، والأحرف الإنجليزية الأربعة التي ترمز إليها كما أوضحنا، يمكن أن نعتبرهم الحروف الأبجدية للغة المادة الوراثية – إذا كان هذا جائزا -. هذه الحروف هي التي تكوّن الصفات التي تكوّن شكلك وكل ما أنت عليه الآن. فإذا افترضنا أن أبجدية لغة الوراثة هي الحروف الأربعة (A,C,G & T)، فكل ترتيب لتلك الحروف (القواعد النيتروجينية) بأي عدد، سيرمز إلى كلمة معينة، تلك الكلمة يرمز لها بكلمة (ﭼين). هذا الجين بالتحديد هو نفسه الصفة التي تظهر عليك. فكل صفة هي عبارة عن جين مكون من حروف مختلفة العدد والترتيب من الحروف الأربعة تلك. فصفة لون العين هي جين معين، وصفة شكل الأنف هي جين معين، وصفة شكل الجسد هي جين معين. وكل هذه الجينات توجد مرصوصة على هيئة حروف (قواعد نيتروجينية) على شريط المادة الوراثية كما أوضحنا في البداية جدا. لكن ما علاقة هذا بالـ “كروموسوم” الذي تحدثنا عنه في النقطة السابقة؟!
هل تذكر الشكل الذي يمثله هذا الكروموسوم؟ هذا الكروموسوم لا يكون موجودا منفردا في النواة، ولكن يوجد دائما كروموسوم مشابه له كأنهما توأمان. الغريب في هذا الموضوع هو أن كل صفة موجودة على كل كروموسوم من هذين الزوجين، توجد نفس الصفة تماما في الموقع المقابل تماما على الشبيه الآخر لذلك الكروموسوم. لكن الشيء الحقيقي المثير في هذا الأمر، هو أن كل كروموسوم من هذين الزوجين، هو في الحقيقة قادم من أحد الوالدين، وليسا قادمين من نفس المكان! أي إنه إذا كان الكروموسوم الأيمن قادما من الأم، فالكروموسوم الأيسر يكون قادما من الأب. ويكون الكروموسوم الأيمن حاملا لصفات الأم، بينما الكروموسوم الأيسر حاملا لصفات الأب. والعكس صحيح أيضا. إذا، كيف تعمل هذه التجميعة المختلفة في إظهار صفة واحدة لدى الابن؟
الصفة السائدة والصفة المتنحية
إذا، أوضحنا أن زوجي الكروموسوم يحتويا على نفس الصفة على كل كروموسوم، وأن إحدى هذه الصفة تكون من الأم، والأخرى تكون من الأب. أي أن صفة لون عين الأم إذا كانت موجودة على الكروموسوم الأيمن، سيكون في المكان المقابل لها على الكروموسوم الآخر، صفة لون عين الأب. وستكون أحرف كل صفة متزامنه مع الأخرى، فسيبدآن سويا وينتهيان سويا. وسيكون الاختلاف الوحيد هو في الحروف المكونة لكل صفة حسب مصدرها ونوعها. كيف إذا يتم تحويل الصفتين المختلفتين هاتين إلى صفة واحدة في الطفل؟
هناك خاصية عظيمة جدا في الطبيعة تسمى “الانتقاء الطبيعي”. في هذه الخاصية، من أحد صفات هذه الخاصية، هي أنها تحرص على اختيار الصفات الأكثر قدرة على التكيف والتعامل مع الظروف المحيطة بها. ففي صفة لون العين مثلا، ستفضل الطبيعة لون العين الداكن (البني) عن لون العين الفاتح (الأزرق أو الرمادي)، لأن اللون الداكن سيكون أكثر قدرة على تحمل أشعة الشمس والظروف المناخية القاسية، أكثر بكثير من اللون الفاتح الحساس. وبالتالي عند وجود صفة اللون الداكن في مواجهة صفة اللون الفاتح، ستختار الطبيعة اللون الداكن ليظهر على نظيره الآخر. من هذه الخاصية ظهر مصطلح يسمى “الصفة السائدة” وسميت كذلك لأنها تسود على الصفة الأخرى والتي تسمّى “الصفة المتنحية”. وبمطابقة هذين المصطلحين مع المثال السابق، سنجد أن صفة لون العين الداكن هي صفة سائدة، وأن صفة اللون الفاتح هي صفة متنحية. الآن، ما علاقة هذا بالكروموسوم، وأية مواجهة هذه التي نتحدث عنها؟!
عند اجتماع زوجي الكروموسوم من جهتي الأب والأم، تكون الصفة الواحدة موجودة مرتين، مرة من الأم ومرة من الأب. المواجهة تكمن في أية صفة من تلك هي التي ستظهر على الطفل عندما يولد، صفة الأم أم صفة الأب؟ في حالة الصفات السائدة والمتنحية، الصفة السائدة هي التي ستظهر، والصفة المتنحية سيختفي تأثيرها في هذا الطفل بنسبة كبيرة جدا. فإذا كانت الأم داكنة البشر، أغلب الظن هو أن الطفل سيكون داكن البشرة. والعكس صحيح.
طريقة عمل الصفات السائدة والمتنحية
الآن سنتحدث عن طريقة وشروط مواجهة الصفة السائدة للصفة المتنحية. فالأمر ليس مجرد أن تمحي الصفة السائدة تأثير الصفة المتنحية وينتهي الأمر. حقيقة وجود نسختين من نفس الصفة يجعلنا أمام ثلاثة اختيارات، الأول، أن تكون الصفتين سائدتين، الثاني، أن تكون الصفتين متنحيتين، الثالث، أن تكون الصفتين مختلفتين، واحدة سائدة والأخرى متنحية.
إذًا، إذا تزوج رجل لديه نسختين سائدتين من صفة لون العين، مع امرأة لديها نسختين سائدتين من صفة لون العين، ستكون الاحتمالية الوحيدة لأولادهم هي أن تكون صفة لون أعينهم هي الصفة السائدة، لأن كلا النسختين الخاصتين بتلك الصفة سيكونان سائدتين. إذا كان الاثنان لديهم نسختين متماثلتين من الصفة المتنحية، سنصل إلى نفس النتيجة السابقة أيضا، لأن النسخ الوحيدة التي سيتلقاها الطفل ستكون متنحية ولن يوجد أية مواجهة بين أية صفة. إذا كان أحد الوالدين لديه نسختين سائدتين والآخر لديه نسختين متنحييتين، سيكون الناتج طفل لديه نسخة سائدة وأخرى متنحية، وفي تلك الحالة، ستفوز الصفة السائدة في المواجهة، وسيكون الطفل لديه عينا داكنة اللون.
ماذا أذا كان كلا الوالدين ليهما نسختين مختلفتين من الصفة إذا؟! أي أن كل واحد يحمل نسخة سائدة ونسخة متنحية. في تلك الحال، وبتطبيق القليل من قوانين الاحتماليات، سنجد أن ربع النسل سيكون لديه نسختين سائدتين من الصفة، وبالتالي سيكون لديهم لون عين داكن. وربع النسل سيكون لديه نسختين متنحيتين من الصفة، وبالتالي سيكون لديهم لون عين فاتح. أما نصف النسل المتبقي فسيكون كوالديه، لديه نسختين مختلفتين من الصفة، وسيسود اللون الداكن هو السائد. إذا في هذه الحالة، احتمالية أن يحصل شخصين لديهم لون عين داكن على طفل لديه لون عين فاتح، ليست شيئا غريبا على الإطلاق. ولا يُشترط أن تكون الزوجة خائنة كما في القصة المذكورة أول المقال. أتتذكرونها؟ الصورة التالية هي صورة توضيحية للنسبة التي نتحدث عنها في هذه الحالة.
إذا رمزنا لصفة اللون البني بحرف A كبير، وصفة اللون الأزرق بحرف a صغير، وكان الوالدان كلاهما لديها نسختين مختلفتين لنفس الصفة. فتخيل معي إذا جدول، العمود الأول يرمز لصفات الأب مثلا ويتكون من خانتين، الخانة الأولى تحمل رمز A والثانية تحمل رمز a، دلالة على وجود النسختين. والصف الأول يرمز لصفات الأم ويتكون من خانتين تحملان نفس الرمزين السابقين. سيكون الناتج بين هذين الصف والعمود هم أربع خانات نتيجة تزاوج كل صفة من العمود الأول مع كل صفة من الصف الأول. خانة تحمل النسختين AA، وهذا يعني أن هذا الطفل سيكون لديه عين بنية اللون. خانتان تحملان النسختان Aa، وهذا يعني أن هذا الطفل هجين للونين ولكنه عينه ستكون بنية اللون. والخانة الأخير ستحمل النسختين aa وهذا يعني أن ذلك الطفل سيكون أزرق العينين.
هذه الاحتمالات لا تعني أن الطفل الأول ستكون صفاته هكذا أو كذلك، وإنها هذه نسبة محتملة. فقد يكون جميع الأولاد لديهم أعين بنية أو جميعهم لديهم أعين زرقاء. هذه الاحتمالية تضيق لك اختياراتك، ولكنها لا تعطيك الاختيار الواحد الصحيح. ولكن، هل هذه هي الحال دائما مع الصفات الوراثية؟ هل دائما هناك مواجهة بين كل صفة ويجب على أحدهما أن تظهر دون الأخرى؟!
صفات السيادة المشتركة والسيادة غير المكتملة
ليست كل الصفات هي صفات سيادة وتنحي، فهناك صفات تقبل أن تشارك بعضها البعض في السيادة، فتظهر الصفتين سويا في نفس الطفل. وصفات أخرى ذات سيادة غير مكتملة، بمعنى أن صفة قد تكون سائدة، لكنها لا تتمكن من إلغاء عمل الصفة المتنحية تماما. فتظهر الصفتان سويا ولكن الصفة السائدة تكون أوضح كثيرا من المتنحية. أمثلة السيادة المشتركة بين الصفات، هي فصائل الدم، فنحن نعرف أن الفرد قد تكون فصيلة دمه A، B، AB أو O. في هذه الحالة، يوجد لفصائل الدم ثلاثة نسخ مختلفة. نسخة A، نسخة B ونسخة O. السيادة المشتركة تكون في حالة النسختين A و B. فعند اجتماع النسختين A و B على ذراعي الكروموسوم، سيكون فصيلة دم الفرد AB وليس Aفقط أو B فقط.
أما أمثلة السيادة غير المكتملة، فهي طبيعة الشعر. وبالأخص صفة الشعر الأملس في مقابلة الشعر المجعد. فالشعر المجعد هو الشعر ذو السيادة غير المكتملة. فإذا كان أحد الوالدين أملس الشعر (النسختين تكونان متنحيتين)، والآخر مجعد الشعر (النسختين تكونان سائدتين) فسيكون الطفل الناتج عن هذا التزاوج هو طفل لديه شعر مموج كثيرا وأملس قليلا. ولكن لن يكون مجعدا تماما أو أملسا تماما.
الأولاد يحصلون على صفات أمهاتهم
توجد المادة الوراثية على هيئة 23 زوجا من الكروموسومات، أي 46 كروموسوم. أي أن صفاتنا الشخصية جميعها توجد متفرقة على هذه الكروموسومات، فكل كروموسوم يحمل أنواعا مختلفة من الصفات. ولكن هناك زوج سنهتم به من هؤلاء الـ 23 كروموسوم. وهذا الزوج يسمى الكروموسومات الجنسية. هذه الكروموسومات هي التي تحدد جنس المولود، وإذا ما كان ذكرا أم أنثى. هذان الكروموسومان يطلق عليهما الكروموسوم X والكروموسوم Y. إذا كان زوجان الكروموسومان هما XX، يكون المولود أنثى، وإذا كانا XY، يكون المولود ذكرا. فالكروموسوم Y مثلا هو المسئول الأول عن الذكور والصفات الذكورية الجسدية. فوجود أي كروموسوم Y سيتسبب في جعل المولود ذكرا. وغياب الكروموسوم Y سيجعل المولود أنثى. ولكن كيف يختلف هذان الكروموسومان عن غيرهما؟
ذكرنا أن كل كروموسوم يحمل أنواعا مختلفة من الجينات (الصفات). ولكن في حالة الكروموسومات الجنسية يختلف الأمر بعض الشيء. فالكروموسوم X كبقية الكروموسومات في الشكل، ويحمل صفات كثيرة مختلفة أيضا، أما الكروموسوم Y فيكون قصيرا وصغيرا، وليس به سوى عدد صغير من الجينات، معظمها يحدد الصفات الذكرية في المولود. الآن، دعونا نتخيل تأثير هذه الاختلافات على المواليد.
الصفة تتطلب نسختين ليتم تحديد أيهما سيظهر أو أيهما سيشتركان سويا أم أيهما سيظهر تأثيرا أكثر من الآخر. تخيل الآن أن المولود أنثى، حينها ستأخذ تلك الفتاة كروموسوم X من والدتها، وستحصل على كروموسوم X من والدها. وسيكون لديها نسختين من نفس الصفة، يتنافس كلاهما ليظهر تأثيرها على الآخر. ولكن ما الوضع في حالة المولود الذكر؟
في حالة المولود الذكر، سيتحتم على الجنين أن يأخذ الكروموسوم Y من الوالد لكي يصبح ذكرا. وهذا لن يعطيه رفاهية اختيار الكروموسوم X، فهو سيأخذه من الأم دون نقاش. في هذه الحالة، سيكون الذكر لديه نسخة واحدة من صفات الكروموسوم X، وهي صفات الوالدة. ولن يكون هناك أية منافسة بين الصفات، وسيُظهر الولد كل صفات والدته المحمولة على الكروموسوم X. وكل صفات كروموسوم Y – القليلة جدا-. وهذا يعني أن الولد لن يتمكن من نقل صفات والده الخاصة بكروموسوم X إلى أولاده فيما بعد، ولكن البنت ستتمكن من نقل صفات كلا والديها إلى أولادها فيما بعد. ولكن ما هي أمثلة الصفات المحمولة على الكروموسوم X .. أو الكروموسوم Y؟
المصادفة المحزنة، هي أن الكثير من الصفات الموجودة على الكروموسوم X تتعلق بصفات مرضية مثل مرض عمى الألوان، مرض نزف الدم المرضي، مرض الصلع، ومرض الحثل العضلي الدوشيني (وهو مرض يسبب ضمور العضلات وعدم قدرتها على العمل). أي أن وجود أحد هذه الأمراض عند الأم، أو حتى نسخة واحدة من صفة هذا المرض، سيعني حتمية إصابة الابن بهذا المرض، لعدم وجود نسخة أخرى على الكروموسوم Y ليمنع عمل هذه الأمراض.
في نهاية هذا المقال نكون قد تعرفنا على طريقة انتقال الصفات من الآباء إلى الأبناء، وبعض الأشياء التي تتحكم في هذا الانتقال. وفي حالة أراد الوالدين معرفة الأمراض المحتملة أو الصفات المحتملة للأولاد القادمين، يوجد اختيار عمل تحليل المادة الوراثية ومعرفة الجينات الموجودة بها وطبيعة هذه الجينات. وعند عمل هذا، ستتعرف على الصفات السائدة الموجودة عندك وعند شريك حياتك، وستتمكن من معرفة المخاطر والمميزات التي تنتظر مولودك. وربما يؤهلك هذا لمعرفة كيف تواجه ما ينتظرك قبل أن تفاجئ به وتتصرف بطريقة خاطئة. وأيضا ستود أن تعرف أن المادة الوراثية ليست هي المؤثر الوحيد على صفاتك الشخصية، فربما تفاجئ حين تعرف أن الظروف البيئية حولنا أو حول والدينا قد تتسبب في تغيير الجينات بتغيير طريقة عملها أو حتى منعها من العمل. وهناك دراسات كثيرة أثبتت هذه النظريات والاستنتاجات وتتحدث عنها بالتفصيل.
أضف تعليق