في الوقت الحالي بات الناس لا يحبون من القراءة شيء أكثر من القصة والرواية لما يكمن فيهما من خيال يُمكنه أن يوسع المدارك ويسافر بالعقول والأرواح، إلا أن ذلك العشق لهذين الفنين ما زال ينقصه بالتأكيد الإلمام بهما وكيفية التفريق بينهما، إذ أن بعض الناس يعتقدون أن القصة والرواية شيء واحد وأنه لا يوجد أية فارق بينهما، هذا على الرغم من كونهما في الأساس متباعدين عن بعضهما تمامًا، وبالطبع هذا اللبس يؤدي في نهاية المطاف إلى عدم إلمام بعض المؤلفين الشباب بالفن الذي يكتبونه، على العموم، في السطور القليلة المُقبلة سوف نقترب أكثر من هذين الفنين ونعرف كيفية التفريق بينهما وكيف يُمكن كذلك كتابة نموذج مبسط أو غير مبسط لكلًا منهما.
استكشف هذه المقالة
ما هي القصة؟
في بداية حديثنا عن القصة والرواية باعتبار أنهما فنين في غاية الأهمية من فنون الأدب دعونا أولًا نُعرف كلاهما ثم نضع الفوارق لاحقًا، أما فيما يتعلق بالقصة فهي عبارة عن نثر أدبي يقوم على التجسد في صورة بسيطة وغير مُعقدة بحيث تجذب القراء في نهاية المطاف، إذ أن القصة تكون غالبًا مُختصرة في الأحداث والشخصيات، وهو ما يضعنا أمام عدد قليل جدًا من الكلمات يُحدده البعض بألف كلمة فقط، وهناك عدة أنواع للقصة مثل القصة العادية والقصة القصيرة جدًا.
ما هي الرواية؟
النوع الثاني من الأنواع الأدبية التي نتحدث عنها في هذا المقال هو الرواية، والرواية حاليًا تُعتبر الفن الأدبي الأكثر رواجًا على الإطلاق، إذ أن ما يزيد عن الستين بالمئة من القراء حاليًا يتجهون إلى هذا النوع من الأدب، أما فيما يتعلق بمصطلح الرواية فهو يتشابه كثيرًا مع مصطلح القصة، الفارق فقط أن الرواية تُعطي حرية أكثر ويُمكن أن تكون أعداد كلماتها كبيرة للحد الذي يجعل أقل عدد ممكن ومتاح هو ثمانية عشر ألف كلمة.
الفارق بين القصة والرواية
بعد أن ذكرنا بعض التعريفات السريعة والمبسطة لفني القصة والرواية فلابد أننا سنكون في حاجة لمعرفة بعض الفوارق التي تفصل بين النوعين، وبالطبع أهم تلك الفوارق طريقة السرد.
طريقة السرد
أول الفوارق وأكثرها وضوحًا بالطبع تتعلق بطريقة السرد، حيث أنك عزيزي القارئ ستكون قادرًا على التفريق بين نوعية ما تقرأه وهل هو ينتمي إلى القصة والرواية فقط من خلال السرد، خصوصًا إذا كنت قارئًا مُخضرمًا، فسرد الرواية يلتزم أكثر بالتفاصيل، التفاصيل الصغيرة تحديدًا، كما أنه يُركز تركيزًا كبيرًا على الشخصيات، وهذا ما يضعنا أمام حدث كبير، أما القصة فسردها على العكس تمامًا، إذ أن طريقة سردها وإيقاعها يكونان سريعان للغاية، كذلك دعونا لا ننسى أن القصة لا تهتم بالحدث بقدر ما تهتم بما سيؤدي إليه هذا الحدث، العبرة والخلاصة إن جاز التعبير.
أعداد الكلمات
بالنسبة لعدد الكلمات فإنه كذلك يُصبح مقياسًا قويًا للتفريق بين القصة والرواية ، إذ أن القصة معروف أن عدد كلماتها يزيد عن الألف كلمة غالبًا، بينما الرواية فإن العدد الخاص بها لا يقل عن الثمانية عشر ألف كلمة ويُمكن أن يزيد كثيرًا فوق هذا العدد، يزيد إلى الحد الذي يجعل الرواية تقترب من الخمسين ألف كلمة، والحقيقة أن الزيادة في عدد الرواية والتقليل في أعداد كلمات القصة أمر مبرر تمامًا، ففي النهاية نحن نتحدث عن حدث يُراد به الإيجاز وحدث آخر يُراد به الإطالة والعرض والتوضيح، ومن الطبيعي تمامًا أن يتفوق الحدث الثاني عن الحدث الأول في أعداد الكلمات على الأقل، ومن هنا تأخذ الفوارق، إذ أنه ليس من الوارد أبدًا إطلاق لفظ الرواية على نص يحتوي على عدد كلمات أقل من المذكور.
طريقة النشر
أيضًا من الأشياء المُحددة والمستخدمة في عملية التفريق التي نتحدث عنها طريقة النشر، فكل نص من النصين يكون له طريقة نشر معينة يُمكن من خلالها الوصول في النهاية إلى توصيف دقيق له، فالرواية مثلًا لا تُنشر إلا منفردة في كتاب خاص بها، وهي تكون غالبًا من كتابة مؤلف واحد فقط، بينما القصة تُنشر في المجلات والصحف والدوريات إذا كانت منفردة، أما إذا كانت مجموعة من القصص فمن الممكن في هذه الحالة نشرها في صورة كتاب يحمل اسم مجموعة قصصية، وعلى العكس تمامًا نجد أنه في الغالب يتم نشر عدة قصص لمجموعة مختلفة من المؤلفين في كتاب واحد، بل هو أمر درج وصحي لتقديم وجبة دسمة للقراء من أجل تنويع الأذواق.
كيفية كتابة نموذج قصة
بعد أن تعرفنا على أهم التعريفات الخاصة بالقصة والفرق بين القصة والرواية فلابد أننا بالتأكيد سنكون في حاجة للتعرف على كيفية كتابتها، وهذا الأمر لن يأتي سوى من خلال بعض الخطوات التي تُعتبر في غاية الأهمية، وعلى رأسها قراءة القصص.
قراءة الكثير من القصص كنماذج
الخطوة الأولى قبل بدء الكتابة أن يقوم الشخص بقراءة أكبر عدد ممكن من القصص، فذلك الأمر من شأنه أن يُنمي أكثر من معنى القصة بالنسبة لكاتبه، بمعنى أدق، سوف يتشبع بالكثير من القصص، وبالتالي يُصبح من السهل جدًا عليها كتابة ما يُماثلها، لكن قبل ذلك دعونا لا ننسى أنه من الواجب الوقوف على شيء في غاية الأهمية بالنسبة لمن يكتب القصة أو يكتب أي فن من الفنون الأدبية بشكل عام، والحديث الآن عن التأكد من امتلاك الموهبة.
التأكد من امتلاك الموهبة
لا شك أن خطوة التأكد من امتلاك الموهبة واحدة من أهم الخطوات التي يجب القيام بها عند التفكير في كتابة نموذج لقصة، وذلك الأمر قد يأتي من خلال وسائل كثيرة، أهمها طبعًا إرجاء الأمر إلى الذائقة الشخصية والوقوف على تقبلك لما تكتبه من عدمه، كذلك عرض النموذج الأولى لأشخاص تثق بهم، وهؤلاء الأشخاص قد يكونوا من القراء العاديين وقد يكونوا من المتخصصين الذين يُجيدون في الأساس كتابة فن القصة، المهم في النهاية أن تحدث عملية العرض وتُستقبل الآراء على ما تم عرضه، ثم بعد ذلك تأتي بقية الخطوات.
كتابة نموذج بدائي
المقصود بالنموذج البدائي ذلك النموذج الذي يخرج بعد أن تحدث عملية القراءة الكثيرة ويكون هناك نوع من أنواع التحكم في الموهبة بأي شكل من الأشكال، فالموهبة الأدبية قطعة من القماش يُمكن إخراجها على أية شكل ممكن، عمومًا، النموذج البدائي الذي نتحدث عنه ليس من الضروري أن يكون في غاية التميز، فهذا أمر لا يحدث طبعًا من المرة الأولى، وإنما على الأقل يُبشر بموهبة يُمكن الاعتماد عليها لاحقًا، ولكي يحدث هذا الأمر فبالطبع ستكون هناك مراعاة تامة لكل قواعد كتابة القصة، وهي قواعد مجرد الحيد عنها يجعلك وكأنك تكتب نوعًا آخر من الأدب غير القصة والرواية .
مراعاة قواعد كتابة القصة
قواعد كتابة القصة تبدأ من الأبطال وعددهم الذي يجب أن يكون صغيرًا للتناسب مع حالة القصة التي هي في الأساس عرض لحدث بسيط، كذلك يُمكن أن يكون البطل الزمان أو المكان أو الأشخاص العاديين، ويُمكن كذلك أن يكون الزمن الذي وقعت فيه الأحداث دقيقة واحدة فقط، كل هذا يأتي مع مراعاة الفوارق البسيطة جدًا والأحداث القصيرة في القصة، وربما هذا ما يجعلها تتصف دائمًا بكونها قصة قصيرة، وعلى الرغم من أن العد في الفنون الأدبية شيء غير مقبول إلا أن عدد كلمات القصة المتوسطة التي يُمكن جذب القارئ إليها من ألف إلى ثلاثة آلاف كلمة تقريبًا، كما يُفضل ألّا تُقسم إلى عدد كبير من الأجزاء لأن هذا التقسيم يُفقدها كونها قصة ويُدخلها في دائرة الرواية.
عرض النماذج للمتخصصين
بعد الانتهاء من كتابة النموذج المبدئي للقصة مع مراعاة شديدة لكل القواعد الخاصة بها والتأكد قبل كل ذلك من وجود الموهبة فإن ما سيأتي دوره هو عرض النموذج النهائي على أشخاص مُتخصصين، وهنا دعونا نقول إنه لا حاجة هنا لاستبدال المتخصصين بأي أشخاص آخرين لأن غير المتخصص لن يكون مفيدًا في تقييم الشكل النهائي الذي خرج به العمل، على العموم، المتخصصين لن يكونوا فقط كتاب لفن القصة، وإنما من الممكن جدًا أن يكونوا من القراء المُتمرسين، المهم في النهاية أنك عند العرض سوف تنتظر تقييمًا وافيًا وعادلًا ليُحدد هل ستُكمل فيما أنت فاعله أم لا!
كيفية كتابة نموذج رواية
بعد أن تعرف كيفية كتابة النموذج الخاص بالقصة فبكل تأكيد سوف تكون في حاجة للتعرف على بعض النماذج الخاصة بكتابة الرواية، وعلى الرغم من التشابه بين النوعين إلا أننا سنقوم سويًا بذكر الطرق المتاحة لذلك، وأهمها قراءة الروايات.
قراءة مجموعة كبيرة من الروايات
أول خطوة في خطوات الكتابة هي خطوة القراءة، وهذا أمر ينطبق على القصة والرواية على حدٍ سواء، إذ أن الكاتب قد لا يكون أساسًا على علم بكونه كاتبًا جيدًا أم لا، هو أصلًا قد لا يكون مُلمًا بعالم الرواية ولا يعرف أي شيء عنها، والطريقة الوحيدة للتعرف على ذلك قراءة مجموعة كبيرة من الروايات، كما أن الروايات تُكسب القارئ نوع من أنواع الإلمام بهذه الصناعة وتُعطيه بعض المصطلحات والجمل والتعاريف التي سيستخدمها لاحقًا.
سرد حدث معين بطريقة روائية
التجربة في مسألة كتابة الرواية تأتي من خلال سرد حدث روائي معين بطريقة روائية بحتة مبنية على عملية القراءة التي تحدثنا عنها، ويُفضل أن يكون الحدث الذي سنقوم بسرده حدث خاص بنا وقع لنا أو في محيطنا حتى يكون أكثر دقة وأكثر قابلية للتعبير عنه، هذا الحدث بعد سرده سيجعلنا نُمسك بأيدينا نموذج حي لما نريد كتابته، تجربة إن جاز التعبير، والخطوة التالية البديهية بالطبع هي عرض تلك التجربة على المؤهلين لذلك العرض.
عرض العينة على المتخصصين
المتخصصين في تقييم القصة والرواية ليس من المفترض أن يكونوا من الكتاب لهذين الفنين، وإنما من الممكن جدًا أن يكونوا أشخاص عاديين يمتلكون من الحنكة والجودة والخبرة في القراءة ما يجعلهم قادرين على التفريق بين النص الجيد والنص الغير جيد، وهؤلاء هم من يجب عرض العينة عليهم، وفي حالة قبولهم لها واعترافهم بجودتها ففي هذه الحالة يُمكن القول إن النموذج الروائي الخاص بنا قد اكتمل، والخطوة التالية هي كتابة نموذج آخر أكثر استفادة من تعليمات وآراء الآخرين في النموذج السابق، أما إذا لم يكن النموذج جيد فالمطلوب في هذه الظروف التوقف تمامًا.
أضف تعليق