القراءة الحرة يعدها العلماء إحدى الوسائل التي يُمكن أن تُشكِّل وتُكوِّن شخصية الفرد، بل يمكنها التأثير في سلوكه وميوله واهتماماته، بل أصبحت القراءة الحرة في العصر الحديث –الذي يتميز بالانفتاح والتطور التكنولوجي الهائل المتسارع- ضرورة من الضرورات التي يجب أن تترسخ لدى عقول طلابنا؛ لأنها قادرة على تنشئة الفرد السوي مع استثارة قدراته الكامنة وإثراء خبراته ومعارفه في مختلف المجالات بالإضافة إلى مساعدته على الإبداع في التحصيل العلمي والدراسي، وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن حوالي 70% أو أكثر من المعلومات التي يتحصل عليها الإنسان طوال حياته تكون عن طريق القراءة، وبالرغم من الأهمية الكبرى للقراءة الحرة إلا أن الإقبال عليها أصبح في تراجع مطرد في العصر الحالي بسبب المغريات المتعددة والوسائل الحديثة التي تقتل وقت الفراغ لدى إنسان هذا العصر، وهذه مؤشرات تنذر بالخطر الذي يهدد تكوين العقلية الناضجة، وسوف يتحدث هذا المقال عن تعريف القراءة الحرة وأهميتها في حياة الفرد والمجتمع، وكيفية الاستفادة من قراءة كتاب مع اعتبارها وسيلة وليست هدفاً.
تعرف على كل جوانب القراءة الحرة
ما هي القراءة الحرة؟
تعرف القراءة بأنها العملية المعرفية التي يقوم القارئ من خلالها بتفكيك وتفسير بعض الرموز (الحروف) لتكوين معنى معين والوصول إلى الفهم والإدراك المطلوب، أما القراءة الحرة فهي توجُّه الشخص والتزامه بقراءة بعض الكتب في الموضوعات التي يهواها ويميل إليها فقط؛ لذلك فهو يختارها بنفسه دون إلزام أو إكراه من جهة أخرى أو شخص آخر، ولا يدخل في هذا المجال القراءة بغرض التعلم أو الدراسة أو المذاكرة، ويعتبر هذا النوع من القراءة -أعني القراءة الحرة – أكثر أنواع القراءة متعة وتشويقا للقارئ؛ حيث تعزز ثقته بنفسه وتكسبه الكثير من المهارات، وبذلك يتمكن من الاستفادة من قراءته لأقصى درجة ممكنة مع بقاء الحصيلة المستفادة في ذهنه لمدة أطول؛ لذلك تحرص الكثير من الحكومات على تشجيع القراءة الحرة والدعوة إليها، كما بادرت الحكومة بإنشاء كثير من المكتبات العامة وخاصة في المؤسسات التعليمية للتشجيع على القراءة الحرة وتهيئة جميع السبل إليها.
أهمية القراءة الحرة
تختلف القراءة الحرة عن باقي أنواع القراءة الأخرى سواء كانت للتحصيل أو غيره؛ حيث أن القراءة الحرة تكسب القارئ مجموعة كبيرة من المهارات بالإضافة إلى الحصيلة اللغوية التي يمكنه الاحتفاظ بها والاستفادة منها طوال حياته، كما أن القراءة الحرة تساعد القارئ على فهم واستيعاب المواد المقروءة مع توسيع الآفاق المعرفية لديه، كما تتيح للقارئ متابعة وإدراك الأحداث الجارية وتحليلها مع توقع النتائج بسبب غزارة العلم وكثرة الاطلاع، ومن الفوائد الجليلة للقراءة الحرة أنها تفتق اللسان بالفصاحة وتُدرِّبه على الكلام البليغ وتنقي اللغة من اللحن والخطأ اللفظي، بالإضافة إلى تنمية العقل وتزويده بالعديد من تجارب السابقين وسير العلماء والحكماء وخبراتهم الحياتية مع الاطلاع على الثقافات الأخرى والنهل من بحار علومها وثقافاتها التي لا تنضب، كما أن القراءة الحرة تساعد الشخص على استغلال وقت الفراغ فيما ينفع الذهن ويريح القلب بعيدا عن الخوض في الباطل.
كيف تستفيد من قراءة كتاب؟
الكثير من الناس لا يجيد فن القراءة الحرة أو لا يمكنه الاستفادة من قراءاته بالقدر المطلوب، فقد لا يجد بعضهم المتعة أو الدافع الذي يمنحه الاستمرارية في قراءة بعض الكتب، وأحيانا أخرى يعجز الفرد عن اختيار أو تحديد الكتاب الذي يجب عليه قراءته أو البدء به، وقد يشكو بعض القراء من الملل الذي يصيبه سريعا؛ فيمنعه من إتمام الكتاب أو لا يجد في نفسه الشغف المطلوب لإكمال القراءة؛ لذلك نقدم فيما يلي أهم الخطوات المستخلصة من العديد من الدراسات والأبحاث والتي يتوجب على القارئ اتباعها للاستفادة من قراءة كتاب معين:
حارب الملل
يجب أن يختار القارئ الزمان والمكان المناسبين للقراءة؛ حتى لا يشعر بالملل أو الضيق، فالملل من أشد أعداء القراءة الحرة لأنها تصبح بلا فائدة، وتشير الأبحاث إلى أن القراءة الحرة تهدف إلى المتعة في المقام الأول؛ فإذا وجد الملل انعدمت المتعة، وينصح الخبراء بضرورة اختيار الوقت المناسب وكذلك المكان المهيأ للقراءة الحرة والاستفادة منها بشكل جيد.
اختيار المحتوى المناسب
يُنصح دائماً بضرورة اختياره المحتوى أو المادة المقروءة المناسبة لميول واهتمامات الإنسان، بل يجب أن يكون الكتاب المقروء في أحد المجالات المرغوبة والمحببة لدى الشخص، وذلك مثلما يقرأ عن شخصية مفضلة لديه أو إحدى الرياضات المحببة أو بعض الصحف والمجلات التي يهوى متابعتها أو تاريخ أحد العلماء والعظماء؛ وبالتالي يتعود الشخص على الاستمرار في القراء الحرة والتي ستصبح فيما بعد جزءا من تكوينه وحياته اليومية التي يحرص عليها.
حدد هدفك
إن تحديد الهدف المنشود والذي ترغب في اختيار بعض الكتب لأجله من الخطوات المفيدة التي تمكنك من معرفة مدى الاستفادة من القراءة الحرة؛ لذلك يجب عليك تحديد الهدف من القراءة قبل البدء فيها لتتمكن من قياس مدى تحقق هذا الهدف من عدمه، فقد يكون الهدف هو المتعة فحسب أو قتل وقت الفراغ، وقد يكون هدفك الحصول على معلومات من كتاب معين أو الاستفادة واستخلاص التجارب من قراءة سيرة بعض الكتاب أو العلماء المشهورين، ويفضل تسجيل بعض النتائج والفوائد التي حصلت عليها بعد الانتهاء من القراءة الحرة لكتاب ما لقياس مقدار الاستفادة التي حصلت عليها.
التخطيط الجيد
التخطيط الجيد لقراءاتك الحرة يفيدك في الاستمرار دون توقف، وأيضا يعمل على تنظيم وقت الإنسان دون الشعور بالملل؛ لذلك يُنصح بضرورة وضع خطة منهجية تنظم عملية القراءة الحرة لديك، وقد تكون هذه الخطة شهرية أو نصف شهرية أو على الأقل أسبوعية وغير ذلك، ويمكنك في هذه الخطة تحديد نوع الكتب التي تحتاج إلى الاطلاع والتركيز عليها بالإضافة إلى تخصيص ميزانية معينة للحصول على تلك الكتب، ويحسن إعداد تلك الخطة في جدول زمني للسير عليه والالتزام به أو التعديل عليه عند الحاجة، كما يمكنك في نهاية الخطة وبعد الانتهاء منها أن تجري تقييماً لما تمّ إنجازه من هذه الخطة أو من القراءة الحرة خلال تلك المدة.
احذر التسرع
لكل شخص مهاراته وإمكانياته الخاصة التي تميزه عن غيره من الأشخاص الآخرين؛ لذلك لا يجب أن يقارن الشخص نفسه بقدرات غيره في إتمام قراءة بعض الكتب في مدة محددة، بل يجب عليه عدم التسرع في القراءة مع الوضع في الاعتبار أن الفائدة المرجوة من القراءة والمحصلة النهائية هي المعيار الذي يجب أن يقيس عليه، وبذلك يهتم بالكيف لا بالكم، كما يجب أن يعرف أن المهارة والسرعة في القراءة ستتحسن مع الاستمرار في القراءة الحرة مع اختلاف القدرة على الاستيعاب والاستفادة من شخص لآخر ومن كتاب لآخر أيضاً.
ابحث بنفسك
إذا أردت معرفة شيءٍ ما أو معلومة معينة فعليك البحث عنها بنفسك في طيات الكتب وبين صفحات المراجع؛ لأنك لو سألت غيرك وجاءتك الإجابة بسهولة سوف تفقدها بسهولة أيضا، أما إذا بحثت عنها بنفسك وحصلت عليها من بعض الكتب ستعود عليك بفائدتين: الأولى أنك لن تنسى تلك المعلومة لأنك بذلت جهدا في الحصول عليها، والثانية أنك تعود نفسك على القراءة الحرة والتي ستشعر بثمرة من ثمراتها وهي المتعة والحصول على المعرفة والمعلومات المطلوبة.
سجل أفكارك
أثناء القراءة الحرة لبعض الكتب أو المراجع لا تتردد في وضع علامات بقلمك الرصاص أو تسجيل بعض الأفكار التي تخطر ببالك أثناء القراءة والاطلاع؛ فإن تلك الأفكار أو الخواطر أو التعليقات التي سجلتها على هامش الكتاب من شأنها تذكيرك ببعض الأمور بالإضافة إلى إنشاء علاقة حميمية قوية بينك وبين الكتاب وكذلك أفكار الكاتب الذي تقرأ له.
التزم الجدية
إن التزام الجدية في تنفيذ الجدول الذي حددته لنفسك للحصول على الفائدة المطلوبة من قراءة بعض الكتب التي تشعر بالحاجة إليها يشكل شخصية الفرد، وقد أصبحت القراءة الحرة في العصر الذي نعيشه واجبا من الواجبات الأساسية التي يتحتم على الفرد إلزام نفسه بها؛ وللوصول إلى هذا الهدف وحتى تؤتي القراءة الحرة ثمارها يجب أن يتدرج الشخص مع نفسه بدءا من السهل إلى الصعب ومن القليل إلى الكثير؛ فلا يجب أن يبدأ الشخص بقراءة المجلدات والمراجع المطولة لأن بحار القراءة الحرة لا شطّ لها، فابدأ بالأيسر وبالكتيبات البسيطة متدرجاً إلى الأكبر في الحجم؛ حتى تصبح القراءة الحرة ملكة راسخة في عقلك وسلوكك.
تنظيم المعلومات
لا يمكن للنفس البشرية الطموحة أن تركن إلى الفوضى؛ فقد جُبِلت على حب النظام منذ أن خلقها الله تعالى، والنظام في كل الأمور حالة تروق لكل نفس وتسعدها وتحفزها على مواصلة العمل، وبالتالي فإن تنظيم الأفكار والمعلومات التي حصلت عليها وتسجيلها في دفترك الخاص للاحتفاظ به يمكنها أن تفيدك على المدى الطويل؛ لأنها أصبحت مرجعا يحوي الخلاصة التي توصلت إليها على مدى فترات طويلة من القراءة الحرة لكثير من الكتب والمجلات أو المراجع المختلفة.
نقل الخبرات
إذا حرصت على نقل خبراتك والفوائد التي حصلت عليها من القراءة الحرة إلى غيرك فستشعر بفرحة غامرة وسعادة بالغة وحماسة منقطعة النظير تدفعك لتحصيل المزيد، ويُنصح في هذا المجال بعقد جلسة أسبوعية مع أطفالك أو أصدقائك أو طلابك للمناقشة في بعض المنافع التي حصلت عليها من القراءة ونقلها لهم، كما أن الحرص على تكوين مكتبة خاصة بك في منزلك ستساعدك وتساعد أطفالك من بعدك على الاستفادة من تلك الثروة القيمة واستغلالها في القراءة الحرة وتكوين العقل على الصورة التي تنفع الفرد والمجتمع.
القراءة وسيلة وليست هدفاً في ذاتها
مهما تطورت الوسائل التعليمية الحديثة ومهما اعتمد التعليم على التكنولوجيا المتطورة في أساليب ومهارات التدريس فستبقى القراءة هي الأساس الأول لبناء خبرات طلاب العلم وإكسابهم المعارف المطلوبة؛ لذلك فإن القراءة الحرة والقراءة بصفة عامة لا تعتبر هدفا في ذاتها بل هي وسيلة للحصول على العلوم والمعارف المختلفة التي تبني شخصية الفرد وتشكل سلوكه وعقله وقدرته على التصرف في مواجهة التحديات المختلفة؛ حيث يتمكن الشخص أو الطالب المثقف –الذي يعتمد على القراءة الحرة في تكوين ذاته- من التفاعل الإيجابي مع العالم المحيط به وتبادل الآراء مع القدرة على المناقشة والتحليل، ومن المعلوم أن الفرد لن يتمكن من التفاعل أو التعايش مع المجتمع الخارجي دو أن يمتلك الوسائل التي تساعده على فهم هذا المجتمع والانخراط فيه وتلك الوسيلة هي القراءة الحرة التي تثقف العقل وتنمي الخبرات.
لقد ثبت أن الخمول والضعف الذي يسيطر على كثير من البيوت العربية منشؤه إهمال القراءة الحرة وعدم الحث عليها أو غرس قيمتها لدى الطلاب والأطفال، ولكي يعود للأمة مجدها يجب أن تكون القراءة منهج حياتها مع ارتباطها بشكل وثيق بحاجات الأفراد واهتماماتهم، وبالتالي فإن الأسرة مسئولة مع المدرسة والمجتمع ككل عن تشكيل سلوك الأفراد وتوجيههم نحو القراءة الحرة لضمان التنشئة السوية لشخصية الأطفال، ولذلك فقد تناول هذا المقال تعريف القراءة الحرة وأهميتها، وكذلك كيفية الاستفادة من قراءة كتاب، بالإضافة إلى اعتبار أن القراءة وسيلة وليست هدفا في حد ذاتها.
أضف تعليق