تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » منوعات » كيف تخلصت ألمانيا من الفكر الفاشي بعد هزيمتها في الحرب؟

كيف تخلصت ألمانيا من الفكر الفاشي بعد هزيمتها في الحرب؟

من يتصور أن ألمانيا عانت لمدة من الزمن من الفكر الفاشي المظلم وغرقت في نفق الجهل والممارسات الديكتاتورية وخرجت منه لتتحول إلى ألمانيا التي نعرفها اليوم، رحلة تحول ألمانيا من الفاشية إلى الدولة المحتضنة للاجئين اليوم رحلة تعليمية هامة.

الفكر الفاشي

التاريخ خير مرشد للمستقبل،بقراءة التاريخ وفهمه جيداً تستطيع أن تصل لنتائج منطقية وصحيحة لطريقك الذي تسير فيه اليوم،ومن أبرز علامات التاريخ الفكر الفاشي ، حروب عالمية وصراعات داخلية وإمبراطوريات قامت وانهارت تحت مسمى الفكر الفاشي، العديد من الدول الأوربية اتبعت الأنظمة الفاشية قديماً ومن أبرزهم الفاشية الألمانية، مفهوم الفكر الفاشي بشكل واسع ومتعدد وأنواعه المختلفة ونماذج من الفكر الفاشي في التاريخ والحاضر هي أمور يجب أن تكون على دراية بها لأن القراءات الفلسفية في التاريخ للدول وتقلباتها يجعلك تستطيع توقع إعادة التاريخ نفسه، أو لنقل إعادة البشر أخطائهم مرة أخرى وتكرار المأساة التاريخية أو الانتصار نفسه،التوقعات المبكرة بحدوث الكارثة قد تنجيك من الهلاك، ليست ألمانيا وحدها التي عانت من الفكر الفاشي قديماً لكننا نتناولها كنموذج لأن الفكر الفاشي الذي اشتهرت به ألمانيا في الماضي هو المعكوس اللفظي تماماً لما تمتلكه اليوم من حرية كاملة، رحلة تحرر ألمانيا من الفكر الفاشي ونجاتها إلى بر الأمان رحلة تعليمية تستحق المعرفة.

ما معني كلمة الفاشية؟

كلمة الفاشية أو الفاشستية كلمة أعجمية ليس لها مقابل في اللغة العربية بحد ذاتها، إنما كلمة “الفاشية” في اللغة العربية تُعني معنى مختلف تماما حيث تٌعني ” النوم أول الليل ثم الاستيقاظ فجأة”، ولهذا كلمة فاشية استخدمت بمنطوقها الأجنبي كمصطلح سياسي واقتصادي بنفسها بدون تعريب في بلاد العرب، الفاشية كلمة مشتقة لغوياً من لفظة “فاشس” في اللغة اللاتينية، والفاشس هو رمز من روما القديمة كان يحمله القضاة وأباطرة روما ويوصف بأنه عبارة عن مجموعة من العصا أوالقضبان المعدنية مربوطة مع بعضها البعض وبقلبها بلطة أو فأس، وهو رمز يعني أن القوة في الاتحاد ودعم تلك القوة بمجموعة العصا أو القضبان المحيطة بالفأس يعني تجمع الناس لدعم تلك القوة، وجاء استخدام كلمة “الفاشية” كتعبير عن أتحاد أبناء إيطاليا وتكوينهم عصبة من القضبان حول هدفهم وقوتهم لإعلاء أهدافهم النبيلة في البداية، وتحولت الكلمة مع الوقت وعلى يد “موسوليني” لمذهب سياسي مستقل ويوضح الفكر الفاشي المفهوم المتخذ من الكلمة نفسها.

ما هو الفكر الفاشي؟

ظهر الفكر الفاشي في إيطاليا عام 1920 ميلادياً، على آثر احتجاجات واسعة قام بها العمال ضد النظام الحاكم وسعوا للسيطرة على سوق المال وبالفعل تمكنوا من عدد من المصانع ومن ضمنهم شركة “فيات للسيارات” وتوسعت الاحتجاجات والمسيرات اليومية بزعامة “موسوليني”حتى تدخلت بريطانيا بين المعارضة والملك وتم الاتفاق على شخص “موسوليني” وتعيينه كرئيس وزراء، وقد أقترن مصطلح “الفاشية” باسمه وكان في البدء المصطلح يأخذ بُعد اقتصادي، ويُعني الدولة التي تسيطر على سوق المال لتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن الفكر الفاشي تحول لمصطلح سياسي يُعنى الحكم الديكتاتوري تكونت العديد من الحركات المعتنقة للفكر الفاشي أبرزها ألمانيا وأعتنق الحزب النازي للفكر الفاشي عام 1933، واتصفت الحركات بملامح مشتركة منها احترام الدولة لشكل يصل للتقديس، حب مرضي وهوس بالقائد،تعصب وعنصرية لصالح دولتهم ضد أي شخص آخر،كما أن الفكر الفاشي يرى في العنف السياسي والحرب والسيطرة على الدول الضعيفة وتدميرها طريق مشروع للوصول للنهضة الخاصة بأمتهم،أي أن من حق الدول القوية إبادة الدول الضعيفة.

أنواع الفكر الفاشي وارتباط مفهوم العنصرية به

يرتبط مفهوم الفاشية بمفاهيم العنصرية والقومية، أما بالنسبة للقومية فلإن الفكر الفاشي قائم بالأساس على الاعتزاز بكل ما هو قومي خاص بالوطن، وهو الأمر الذي قد يبدو في ظاهره حسناً لكن المشكلة في تفاقم تلك النظرة وتفحلها حتى تتحول لنوع من العنصرية، مثلما حدث في ألمانيا قديما، فقد حول الفكر الفاشي أذهان الألمان والإيطاليين قديماً إلى عقول عنصرية تكره كل ما هو “آخر” فما أختلف عنهم في مذهب أو لون أو عرق كان عدو مباح قتله،وهو السبب الذي كان من نتاج الحرب العالمية الأولى وتطور وأدى إلى الحرب العالمية الثانية،الفكر الفاشي منقسم لعدة أنواع، فهناك الفاشية القومية، والفاشية الدينية، والفاشية العسكرية، من أشهر الدول على مر التاريخ في الفكر الفاشي القومي كانت ألمانيا وإيطاليا، أما الفاشية الدينية أشهرها دول أوروبا بعصور الظلام واليوم إيران وإسرائيل هما نوع من الفكر الفاشي دينيا لأنهما قائمان على أساس ديني، الفاشية العسكرية أشهرها دول أمريكا اللاتينية، حديثاً فهو أي نظام قائم على حكم الجيش.

الفاشية الدينية

يجب أن نلفت النظر أن الفكر الفاشي الديني لا علاقة له مباشرة بالأديان نفسها، فهي مفاهيم دخيلة تسبب بها بشر لا علاقة للدين، فكلمة الفاشية كما أشرنا ومفهومها ظهر عام 1920 أي بعد نزول كل الأديان، إنما هناك مجموعات استغلت الفكر الفاشي وأنشأت عصبيات قائمة على أديان بعينها وظهرت الفاشية الدينية، نتحدث عن الفاشية الدينية كمذهب سياسي وليس من منظور ديني، من أشهر الفاشيات الدينية عصور الظلام في أوروبا، حيث استغل رجال الكنيسة المسيحية للتسلط بالحكم والعمل بتطبيق الشريعة عن طريقهم وحدهم، مع الوقت أدت الفاشية الدينية لزيادة الأفكار الظلامية والجهل والنزاعات قبل بدء التحرر من قبضة الكنيسة والانتقال للنهضة الصناعية، في العالم العربي فإيران والسعودية هما أكبر دولتان قائمتان على الفاشية الدينية حيث يتحكم رجال الدين الإسلامي في الحكم باعتبارهما ممثليه، الفاشية الدينية بدأ ظهورها بنفس شكل الفاشية القومية، بمحاولة إعادة أمجاد الدين بإتباع أصول السلف، لكن التطبيق نشأ عنه أفكار ظلامية ورجعية كالوهابية والسلفية وغيرها من الفاشيات في بلادنا.

الأنظمة الفاشية

انطلق الفكر الفاشي في إيطاليا أولا ومنها التقطت ألمانيا بسبب تشابه الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية آنذاك لكلا البلدين فأنتقل الفكر نفسه عام 1933 على يد أدولف هتلر الذي قام بإنشاء حزب العمال القومي الاشتراكي وأيضا تكون في الوقت نفسه الفاشية في أسبانيا على يد الجنرال فرانكو بعد أن ساعده كل من ألمانيا وإيطاليا في حربه مع عدد من الأحزاب الاشتراكية، لكن إحقاقاً للحق فإن الفاشية الأسبانية بقيادة الجنرال فارانكو امتازت بأنها لم تنحدر للحروب والعداوات ورفض أن يشارك في الحرب العالمية الثانية والتحالف مع دول المحور، كما رفض استخدام أرضه في الحرب بأي شكل، لم تنج فرنسا ولا البرتغال من تفشي الفكر الفاشي في أراضيها فظهرت بكل منهما أحزاب تعتنق الفاشية القومية كما ظهرت الفاشيات في كرواتيا ورومانيا والمجر، وإن كان بعض تلك الدول لم تُساق للحرب العالمية الثانية بدافع الفاشية لكنها امتازت بالعنصرية والعنف السياسي اتجاه أعدائها داخلياً وخارجيا ورفضها تماماً لوجود أي مذاهب مختلفة عنها أو معارضة لها.

أسباب فشل الفكر الفاشي في ألمانيا

في ساعة متأخرة من ليلة خمسة وعشرون من شهر يوليو فوجئت إيطاليا ببيان يعلن قبول استقالة رئيس الحزب الفاشي ومؤسسه موسوليني من كافة مناصبه القيادية وتنحيه تماماً عن الحياة العامة!، كانت تلك هي شهادة الوفاة الرسمية لمؤسس الفكر الفاشي بعدما اكتسب عداء قطاع كبير من المعارضين لسياساته داخلياً وخارجياً، تبعها عدد من الإخفاقات التي كان من شأنها أن تقضي على الفكر الفاشي من أنظمة الحكم على الأقل في العالم، الهزائم المتكررة في المعارك والتي أصابت ألمانيا وحلفائها في الحرب العالمية الثانية أضعفت بلدانهم كما وضحت حقيقة فشل الفكر الفاشي وعدوانيته، وبعد هزيمة ألمانيا في الحرب الثانية ومقتل أدولف هتلر ومع هروب موسوليني السابق، أنهار تماماً الفكر الفاشي وبدأ الوعي يصل لأذهان متبعين الفاشية والأجيال التالية منهم أن الحروب والعداءات والأفكار الفاشية لم ينتج عنها سوى خراب بلدانهم وتدميرها عن بكرة أبيها، فبدء المجتمع نفسه ينتفض ضد تلك الأفكار تحت ضغط فترة ما بعد الحرب بالطبع العنيفة والقاسية على ألمانيا خاصة من باقي العالم.

مراحل تحرر ألمانيا من الفكر الفاشي

الفكر الفاشي ظهر بالأساس لأسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية وانتشر بسببها كما وضحنا في بداية المقال، فكان التحرر من هذا الفكر مربوط بالقضاء على تلك الأسباب، فإن كانت الفاشية بأنواعها نشأت كنوع من رد الفعل على تسلط الطبقات الرأسمالية أو الإمبريالية الفجة، فإن طرق التحرر من الفكر الفاشي في ألمانيا على سبيل المثال بدأت بالقضاء أولاً على المسببات، بدأت ألمانيا في العمل على إعادة بناء نفسها بعدما دمرت تماماً في الحرب العالمية الثانية، بنقص في الأموال والأنفس وبمشاكل خارجية وداخلية، وعداءات وانقسامات وسور برلين الفاصل بين ألمانيا الشرقية والغربية، بدؤوا العمل أولا على تحسين مستوى التعليم،للقضاء على الجهل، ومن العلم انطلقت مفاهيم صحيحة جديدة ترفض الفكر الفاشي وترفض معه التسلط باسم الدين أو الطبقية أو العنصرية بكل أشكالها، ومنذ مقتل هتلر أو إنهائه حياته بيديه في 1945 وحتى أكتوبر 1990 يوم سقوط سور برلين، كانت كل من ألمانيا الشرقية والغربية تهتم بالعلم والاقتصاد جنباً إلى جنب حتى وصلوا للوحدة والتحرر من الفكر الفاشي.

ألمانيا بعد التحرر من الفكر الفاشي

منذ 3 أكتوبر 1990 وسقوط سور برلين وإعلان انتهاء الفكر الفاشي استعادة ألمانيا سيطرتها الكاملة وبدأت إجراءات نقر الحكومة ومقراتها كاملة إلى برلين وبالفعل وفقاً لقانون برلين-بون الموقع عليه عام 1994، أصبحت برلين عاصمة لألمانيا الموحدة رسمياً، ثم بدأت ألمانيا تنخرط في أنشطة الاتحاد الأوروبي والناتو، أرسلت ألمانيا قوة لحفظ السلام لضمان الاستقرار في كثير من المناطق المضطربة حول العالم، هذه التصرفات جعلت الوضع في ألمانيا مثيراً للنقاش حيث أنه بعد الحرب كانت ألمانيا مقيدة بقانون واضح أن نشر القوات يكون للدفاع فقط،وانتشار جيوشهم في الأراضي الأجنبية لا يمكن تغطيته من خلال غطاء الدفاع،فانعقدت جلسات للبرلمان حتى تم الموافقة على مشاركة الجيش الألماني خارج البلاد في إطار قوات حفظ السلام فقط، مما أعاد شيء للتوازن بعد التشدد، ثم اُنتخبت ميركل كأول امرأة مستشارة في ألمانيا. وقادت تشكيل ائتلاف موسع مع الاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي،كما أسست ميركل الحكومة الائتلافية الحالية مع باقي الأحزاب، واشتهرت ميركل بقوانينها الأخيرة لرعاية اللاجئين من سوريا والعراق وأي بلد مضطربة.

أحلك فترات التاريخ الإنساني هي نفسها الإضاءات التي تنير لنا طريق اليوم المظلم، فمن أسوء الأفكار الفاشية ودهاليز الفكر الفاشي المظلمة التي نتجت عن ظروف مشوهة وأنتجت ظروف دموية راح ضحيتها قرابة ال10 مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية، استطاعت ألمانيا تطهير نفسها من الفاشية واللحاق بالتقدم والاطمئنان لمستقبل آمن لأبناء شعبها ولباقي العالم عن طريق قوة العلم بديلاً عن قوة السلاح، صحيح أن لا يمكن القول بان الفكر الفاشي والعنصرية انتهت من العالم، لكن مؤكد خفت صوتها في أوروبا والبر الغربي من العالم، وإن كنا نشهد تصاعد الفاشيات بأنواعها في البر الشرقي اليوم فربما علينا أن نتخذ العبرة من التاريخ الفاشي وخاصة الألماني لنعثر على ممر خروج آمن قبل أن نتورط في حروب دموية ومآسي بشرية نحن في غنى عنها جميعاً.

الكاتب: شيماء سامي

ابراهيم جعفر

محرر موقع تسعة : مبرمج، وكاتب، ومترجم. أعمل في هذه المجالات احترفيًا بشكل مستقل، ولي كتابات كهاوٍ في العديد من المواقع على شبكة الإنترنت، بعضها مازال موجودًا، وبعضها طواه النسيان. قاري نهم وعاشق للسينما، محب للتقنية والبرمجيات، ومستخدم مخضرم لنظام لينكس.

أضف تعليق

1 − واحد =