تسعة
الرئيسية » مجتمع وعلاقات » الشخصية » كيف تمتلك صفة الفضول الإيجابي مع البعد عن ما لا يعنيك؟

كيف تمتلك صفة الفضول الإيجابي مع البعد عن ما لا يعنيك؟

الفضول الإيجابي صفة حميدة إن عرفت كيف تمتلكها وتستغلها في صالحك، خاصة الفضول العلمي الذي يصنع من الإنسان شخص مثقف وواعي لما يحدث بالعالم، فكيف تكتسبه؟

الفضول الإيجابي

الفضول الإيجابي هو الشغف لمعرفة أخبار وقضايا مهمة ومفيدة تؤدي إلى تعلم وتثقف. وكلمة “فضول” لها استخدامات عديدة في اللغة العربية، وهي تشير إلى اتجاهين، الأول سلبي والثاني إيجابي. فهي قد تعني الشغف بما لا يعني الفرد، مثل الفضول لمعرفة أسرار الآخرين ومشاكلهم. دعنا نستعرض معًا أهم سمات الفضول الإيجابي وكيفية امتلاكه، والبعد عن الفضول السلبي ومشاكله.

الفضول والتطفل

يمكننا أن نصف الفضول السلبي بأنه تطفل، وهذا سيوضح الفرق الكبير بين الفضول الإيجابي والسلبي. لأن الشغف لمعرفة ما لا يعنيك هو تطفل منك على خصوصية الآخرين. وهذا عيب كبير ويؤدي إلى مشاكل وإحراج. فمعرفة الأسرار هو ثقل كبير لا يجب أن تضعه على نفسك. أما الفضول فهو شغف غير مؤذي، ويجعل منك مفكر لا نمام.

الفضول عند الإنسان والفوضى

كثيرًا ما ترتبط الفوضى مع الفضول الإيجابي عند الإنسان. العديد من الدراسات أثبتت أن بعض الفوضى تنتج فضول لمعرفة الأشياء المخبأة عن العين، وبالتالي ينتج إبداع جديد وأفكار ابتكارية رائعة. ومن أهم النصائح التي توجه إلى الآباء، هي ترك مساحة كافية وفوضوية للطفل ليتعلم الفضول والبحث. فالأشياء المرتبة دائمًا واتباع القواعد حرفيًا يؤدي إلى عقل منغلق على ذاته، يتبع الروتين بشكل دائم فينتج أفكار عادية وليست مبتكرة.

أمثلة الفضول الإيجابي

من أهم الأمثلة التي تكلمت عن الفضول الإيجابي في العديد من المقابلات، كان العالم الكبير ألبرت أينشتاين. فيقول أينشتاين: “ليس لدي موهبة خارقة أو ذكاء كبير، ولكني فقط فضولي بشكل كبير وأسأل كثيرًا”. وبالفعل حين تنظر لمعدل ذكاء أينشتاين ستجده في المرتبة التاسعة بين الأكثر ذكاء في العالم. ويصل IQ لديه إلى 160 فقط. ورغم ذلك فهو حقق إنجازات علمية أهم بكثير من الثمانية الأوائل مجتمعين. كل ذلك بسبب الفضول الإيجابي.

واحدة من المواقف التي توضح فضول أينشتاين كانت في سن صغير، حين جلب أبوه له بوصلة كهدية. فأمسكها أينشتاين وبدأ يسأل عن ماذا تشير! وكيف تقوم بعملها! وما هو المجال المغناطيسي! وغيرها العديد من الأسئلة. لم يلعب بها أو يستخدمها وكفى، بل فضل معرفة كل ما تمثله تلك البوصلة ويسأل حتى وإن لم يجد الإجابة في وقتها.

والأمثلة لا تنتهي من علماء فضلوا الفضول وبالبحث بأنفسهم عن الحقيقة، عن الالتزام بالقشور التي يلقنها المجتمع. منهم العالم غاليليو غاليلي، الذي رفض المعتقدات السائدة في عصره عن دوران الشمس حول الأرض. وظل يبحث بشغف ويطور من التلسكوب حتى اثبت الحقيقة. ومنهم الهولندي ليفون هوك، الذي امتلك فضولًا كبيرًا بأصغر الأشياء. حتى تمكن بعد سنوات من البحث من اكتشاف الميكروسكوب ورؤية الجراثيم المختلفة.

الفضول العلمي

الفضول العلمي هو الرغبة لمعرفة أسرار الكون، والتي تبدأ من الأسئلة الصغيرة. إنه المحرك الدائم الذي لا يهدأ داخل الإنسان حتى يعرف حقيقة المعلومات التي يبحث عنها. سواء في المجال العلمي أو التاريخ أو الطب أو حتى السياسة. والمميز في هذا الفضول الإيجابي أنه يبني المعرفة على العقل والمنطق والتجربة، لا على الخرافات أو على معتقدات شفاهية متوارثة. إنه هو من يوصل العلماء لاكتشاف حقائق عن الكون لم تكن معروفة، بل ويتحدى المعتقدات القديمة ليصل إلى إثباتات حديثة.

فطرة الفضول الإيجابي

الفضول هو تلك اللمعة التي تلاحظها على وجه الطفل حين يكتشف عالمه أو جزء منه لأول مرة. فالطفل لا يهدأ سوى بعد فتح جميع الأدراج المقفولة ويكتشف كل ركن بالمنزل، فيخاف مما لا يعرفه ويحب ما يشعره بالسعادة وينفر مما سيكرهه. إن الفضول فطرة يولد بها الإنسان، ليطور من عالمه ويندمج معه. ولولا تلك الفطرة، لما كنا سننطلق نحو استكشاف إمكانيات الحياة المتوفرة، ولا كنا سنكتشف الكرة الأرضية بجمالها، ومنذ ننطلق نحو الفضاء.

مع الأسف تقل تلك الفطرة تدريجيًا عند أغلب البشر. بسبب الحياة الروتينية الصعبة، فيفضل العقل القيام بما يعرفه مسبقًا والبقاء مستريح. لأن الفضول الإيجابي متعب للعقل، ويجعله في تفكير دائم وبحث مستمر، والحياة المجهدة لا تتناسب مع تلك الصفات. ولكن يمكن للإنسان أن يعيد تشغيل تلك الفطرة المطفأة مجددًا.

يمكننا وصف الفضول الإيجابي على إنه غريزة في كل كائن حي. حتى الحيوانات تمتلك فضول قوي، وإلا لما كانت لتتعلم الطيران أو الصيد أو اكتشاف مناطق صالحة للهجرة. لو جلبت علبة لكلب أو قطة، ستلاحظ مدى الفضول في معرفة ولمس ذلك الشيء.

ما أهمية الفضول العلمي

قد تتسآل، لماذا عليك امتلاك الفضول الإيجابي وأنت لست بعالم، ولن ترغب في أن تكون عالم؟ في الحقيقة الفضول ليس من صفة العلماء أو المستكشفين فقط، إنه صفة حميدة ومفيدة لأي إنسان. المعرفة تزيل الجهل مهما كانت بسيطة أو صغيرة. والوسائل المتوفرة اليوم بين أيادينا للبحث عن الحقيقة في قضية ما، لا تصحى. فقط عليك التأكد من أنها جديرة بالثقة. ثم تنطلق في البحث عن أي معلومة علمية أو تاريخية أو أدبية.

الفضول الإيجابي سيجعلك مثقف في العديد من القضايا. فلو وقعت في مشكلة طبية قد تتعرف على الحل وتنقذ نفسك أو شخص من عائلتك. أو لو جلست مع الأصدقاء وتتحدثون عن السياسة، فستكون شخص له ثقل في الجلسة. كما أن الجهل يثبت المعتقدات والخرافات في عقلك، بعكس العلم والمعرفة التي تنير العقل وتمنع انقيادك وراء كل فكرة تُلقى عليك. الفضول سيدفعك لمعرفة الحقيقة الأكيدة، فيمنع انصياعك لكل من يحاول قيادة عقلك، ويمنع استغلال الآخرين لجهلك.

كما إن الفضول الإيجابي يثبت إيمانك بمعتقداتك الحقيقية. على عكس ما يعتقد الآخرين بأن الأسئلة الكثيرة ترهق الإنسان وتجرفه بعيدًا عن الحق الحقيقي. فالحق يقبل التشكيك لأنه لا يخشاه. وحين تبحث عن حقيقة كل الأمور التي تعتقد بها في حياتك، ستخرج إما شديد الإيمان بقوة وحقيقة معتقدك ومبادئك، أو تخلص عقلك من الأمور السطحية الزائفة التي يحاول المجتمع والجاهلين بتلقينك إياها.

امتلاك الفضول الإيجابي

اتبع الإرشادات التالية لتيقظ الغريزة التي تطفئها الزمن بداخلك:

أمن بقوة عقلك

لا تعتقد في أن عقلك لا يمكنه تحمل الفضول ولا يمكنه استكشاف ما يرغب. العقل بشري مُعقد جدًا ويقوم بوظائف عديدة لا تُحصى. افهم أن عقلك خامل لا أكثر، يحتاج إلى بعض النشاط لتزيل الصدأ الذي تراكم بفعل الزمن. إنه قادر على التحليل المنطقي، وقادر على استيعاب المعلومة لفهمها واستنتاج المزيد من الأسئلة والنظريات. لا تخجل من بطيء القدرة على الاستيعاب في البداية وكن ثابت على فضولك، ولا تقبل إجابة عقلك لا يتقبلها.

تعلم كيف تتعلم

الفضول الإيجابي هو أول خطوة في طريق المعرفة. ولكن ثاني أهم خطوة هي كيف تتعلم ما تريد. مع الأسف علمتنا المدرسة أن التلقين والحفظ هو الطريقة الوحيدة للتعلم، ومن لا يتقن الحفظ فهو غبي، ولم يعلمنا أحد أن الاستنتاج والتجربة هو الطريق الأمثل. أبدأ في القراءة عن كيفية التعلم والبحث. الفضول والشغف مع الأسلوب الصحيح، يصلوا بك إلى الحقيقة دائمًا.

تعلم أين تبحث

حتى يكون الفضول الإيجابي صحيحًا يجب أن تعرف المكان الصحيح للبحث. فسؤال المثقفين ليس كافيًا، والمصدر الواحد يسبب قصور في المعلومة. يجب أن تمتلك العديد من المصادر المختلفة، مثل الكتب والإنترنت والبرامج الوثائقية وغيرهم. الأهم تأكد من علمية وأكاديمية هذه المصادر. يجب على المصدر أن يتمتع بثقة المجتمع العلمي، وكل معلومة مبنية على تجارب مؤكدة. ابتعد عن الويكيبيديا مثلًا، لأنها قد تمتلك الكثير من المعرفة ولكن أغلبها ليس مؤكد. استخدم جوجل اسكولر على الإنترنت، أو ابحث بين الكتب العلمية التي تحمل أسماء علماء أو أدباء مؤرخين كبار.

تذكر أن تتأكد من حداثة المعلومات بالمصدر. فقد تكون المعلومة صحيحة بحسب أراء العلماء فالعقد الماضي، ولكنها لم تصبح كذلك في الوقت الحالي. أخيرًا، شَكِك دَائمًا في كل ما تسمع أو تقرأ، وارجع للبحث عن المصادر الأكيدة لكل معلومة وفكرة. واعتمد على عقلك وحده في تحديد منطقية المعلومة.

لا تخجل من الأسئلة الصغيرة والكثيرة

قد تبدو أسئلتك في غاية من السذاجة في البداية، وقد يرجع ذلك لجهلك الذي لا عيب فيه. ولكن لا تخجل منها، فالذي يخجل ويحتقر السؤال لن يصل أبدًا إلى حقيقته. انتظر اللحظة التي يلفت انتباهك معلومة جديدة أثناء سمعاك لبرنامج أو فيلم، ثم أبحر في هذه المعلومة لتتعرف على خفايا كل الموضوع.

جرب النظر إلى التفاصيل

الفضول الإيجابي يثير الدهشة نحو التفاصيل. حاول ألا تكون سطحيًا في معلوماتك، ولا تأخذ الأشياء على كونها بديهيات بل دقق في تفاصيل الموضوع لتصل إلى أبعاد مختلفة وعميقة.

كافئ نفسك على فضولك

لو أن الفضول غريزة، إذًا هو ممتع في حد ذاته. ولكن يمكنك أن تُكافئ نفسك في كل مرة تنجح فيها بالوصول إلى معلومة. حتى تحفز عقلك للاستمتاع بالبحث في المرة القادمة لانتظار المكافئة.

نمي حب الفضول الإيجابي داخل طفلك

تأكد أن فضول طفلك يمكن أن يكبر أو يقل من خلالك. وتنمية الفضول لا يعني الاستمرار في الحياة الطفولية الجميلة. تستطيع أن تنمي رغبة الطفل في المعرفة من خلال ألعاب مبتكرة تنمي ذكاءه. مثل ألعاب البناء أو بوصلة صغيرة والذهاب للحديقة لاكتشافها. لا تقمع أسئلة الطفل أبدًا، مهما بدأت مملة أو محرجة. إحراجك من سؤال طفلك يعني قصورك أنت في توصيل المعلومة بطريقة تليق بسنه. علمه منذ صغره قراءة الكتب لأنه تغذي روحه منذ الطفولة. واقرأ معه أنت كتاب يناسب سنه ليقلدك، وفي كل عام اجلب كتب أكبر وأكثر تعقيدًا. وأخيرًا عليك أن تؤكد له أن الفضول الإيجابي هو الطريق الصحيح للعلم والمعرفة، حتى لو كانت دراجاته في المدرسة ليست بالجيدة.

الفضول الإيجابي في العمل

البحث الدائم واستكشاف كل ما هو جديد في مجال العمل، سيضعك على القمة. طالما تعتمد على معرفتك القديمة وتجلس في منطقة تريح عقلك، ستجد نفسك تدريجيًا تنحدر نحو الأسوأ وقد تفقد عملك، لأن سوق العمل اليوم لا يتوقف عند أحد ودائم التطور. حسن من مهاراتك المتوسطة لتجعلها مهارة عليا، وهذا رأى الخبراء عن أسواق العمل للسنوات القادمة، حين يغزو الذكاء الصناعي مجالات العمل ويُحِد من أهمية الإنسان.

خاتمة

الفضول صفة أساسية وثابتة في الإنسان. قد تستغلها في خيرك أو تستغلها فيما لا ينفع ولا يعنيك. أنت من تحدد أين تضع مَجهود وطاقة تلك الغريزة. فاعتمد على الفضول الإيجابي في تحسين وتطور حياتك العملية والثقافية.

أيمن سليمان

كاتب وروائي، يعشق منهج التجريب في الكتابة الروائية، فاز ببعض الجوائز المحلية في القصة القصيرة، له ثلاث كتب منشورة، هُم "ألم النبي (رواية)، وإنها أنثى ولا تقتل (رواية)، والكلاب لا تموت (مجموعة قصص)".

أضف تعليق

ثمانية + 20 =