العمل والأسرة هما مركز اهتمام أي امرأة لأن العدد الأكبر من نساء مجتمعنا العربي حالياً عاملات ولسن سيدات منازل، بسبب كثرة متطلبات الحياة التي تحتاج إلى مال أكثر مما يستطيع الرجل جنيه بمفرده، أو بسبب وعي السيدات لأهمية العمل في حياتهن وحياة الأسرة وتمسكهن بأحلامهن خاصة ما إذا كانت تعمل ما تحب وما تبرع فيه. ومن هنا يأتي الصراع القديم والذي لن ينتهي أبداً بين تضارب مواعيد ونشاطات العمل والأسرة ليصبح على المرأة أن تنقسم نصفين لترضي كل طرف أو أن تتخاذل عن أداء أشياء هنا أو هناك أو أن تضحي بصحتها ونفسيتها. هنا أتحدث عن تلك المعضلة الكبيرة وكيف يمكنكِ سيدتي أن توازني بين العمل والأسرة.
دليل المرأة العاملة إلى الموازنة بين العمل والأسرة
لنوضح أولاً صعوبة الأمر
لكل من العمل والأسرة اتجاه مجهد جداً للفرد، فما بالك لو جمعنا الاثنين معاً. ولا يوجد عمل مريح فلكل عمل وله قضاياه المتعبة. والمرأة العظيمة هنا لا تريد التخاذل في أياً من مهامهما لأن بالعمل رؤساء قساة وتأديبيات وخصومات وحتى طرد من العمل، وبالبيت توجد الأسرة وواجبات الأمومة والزوجية وقلب السيدة الحنونة حقاً يجعلها تخدم أسرتها حتى على حساب نفسها. فيصير الضغط من كل الجوانب اليومية ولا راحة للمرأة، فيحدث بالأخير انفجار في نفسية المرأة فتطيح صراخ وغضب فيمن حولها حتى بدون وجه حق، وتكره الحياة والمسئولية ويبدأ التقصير يتسلل إلى حياتها ليصبح بالأخير عادة لا تشعر هي بالذنب من ناحيته، وهذا ما نحاول أن نتفاداه. فأصعب مرحلة في مراحل التدهور النفسي هي الوصول إلى اللامبالاة ومهما قلت للمرأة بأنها مقصرة فلن ترى هي ذلك، لأن التعب قد استحوذ على كل تفكيرها وتريد التخلص منه بأي ثمن وتريح نفسها ولو قليلاً، وغالباً يكون الثمن هو الزوج والأسرة. وكأن حصتها من الأمومة والعطاء قد انتهى.
دور الرجل في تفهم الأمر
قد تتساءل لماذا كل هذا الكلام وهل الأمر يستحق أن تلتف له؟ نعم عزيزي الأمر يستحق لأن دور المرأة في حياة أسرتها ليس بهين بل هو العماد والدور الأساسي لبقاء الأسرة. فقد تجد امرأة تعمل وتخدم بيتها ولكنك لن تجد رجلاً يعمل ويخدم بيته. ولذلك على الرجال أن يدركوا تلك الحقيقية أن لا مفر من وجود الأم بالمنزل وأنه بمفرده لن يدير الأمور، وعليه ألا يأخذ الطريق المعاكس ويمنع الزوجة من العمل تماماً بل أن يعطي لها المجال الكافي ويساعدها لترتيب أمورها ويتفهم الوضع ولا يقلل أبداً من أهميتها في حياته وحياة أبناءه فتلك أول خطوة في سبيل تحقيق المرأة لذاتها في العمل مع استمرارها في تحمل عبئ خدمة بيتها. فيكفي الضغط الذي يمارس على المرأة في العمل فلا تزيده أنت بصراخك كلما تأخرت قليلاً في تجهيز الطعام أو نسيت كوي الملابس. إن كنت لا تستطيع مساعدتها في الأشياء البسيطة القادر أنت على فعلها فعلى الأقل اطلب بهدوء، وحين تجدها مقصرة في شيء فاجلس معها واشرح لها الأمر ونبها قبل أن تفكر في الصراخ مباشرة عليها أمام الأطفال. وصدقني كلما كان الزوج متفهماً ومسانداً لزوجته كلما كانت طاعتها هي له واهتمامها به أكبر مما تتخيل، فلا تجعلها تتخلص من رئيسها الغضوب في العمل لتجد واحداً أخر بالمنزل.
حاول أن تكون مقدر ولو للأمور البسيطة وعلم أبناءك ذلك الأمر لأن كلمة “شكراً” تفرق كثيراً مع المرأة لأنها بذلك تجد من يتفهم أنها تعبت. والأكثر تقديراً هو مساعدتها الفعلية فيمكنك أن تدرس لأطفالك بدلاً منها أو شراء احتياجات المنزل حسب طلبها، أو أياً من تلك الأفكار البسيطة مما تستطيع فعله، أو حتى مجرد الاحتضان والاحتواء لجسدها وتصدقني سيكون له مفعول السحر في راحة كل العصف الذهني التي تمر به المرأة. ولكن إياك أن تجعل من الهدية التي تقدمها كل عام في عيد ميلادها أو عيد الأم هي كل مصدر الامتنان الذي تقدمه لها، فهو لن يصل لها سوى بأنك قد تذكرت المناسبة وتريد أن تؤدي ما عليك، صحيح بأنك يجب أن تتذكر ولكنك لا يجب أن تقدم لها الامتنان فقط بتلك المناسبات، بل حاول أن تظهر تقديرك كلما سنحت الفرصة ولا تبخل بالعطاء، فتذكر أن عطاءك هو النبع الذي تخرج منه المرأة عطاءها هي الأخرى.
تنظيم أولويات العمل والأسرة
هذه النقطة مواجهة للمرأة، فإن كنتي سيدتي تريدي أن تحافظي على عملكِ وأسرتكِ فيجب أن تكوني حكيمة في تنظيم أولوياتكِ. وهنا قد تجدي نفسكِ تقولين إن تقديم الطعام وتنظيف المنزل هم الأولوية ومن ثم يأتي العمل وتعتقدين أنك بذلك الشكل قد أتممتِ حصتكِ من الاهتمام ببيتك. وهذه أول نقطة خاطئة لأن زوجكِ والأطفال يستطيعون تفهم مشاغلك إلا حين تصيري وكأنك ليست موجودة، فالزوجة والأم أكبر بكثير من مجرد تنظيف وطبخ وقبل أن تفكري بمثل تلك الأمور كوني أولاً زوجة يحبها زوجها ويرى فيها المحبة والحنان والصداقة وثانياً كوني أم ترعى أطفالها وتفهم ما جرى بيومهم المدرسي وكيف يتعاملوا مع أصدقائهم وبعد ذلك فكري بباقي الأولويات المادية والعملية. فقد تظلي تفعلي كل ما تريه واجباً لبيتك وتجدي بالأخير أن لا أحد يقدر ولا يفهم تعبك وتظلي تكرري تلك العبارة الغريبة بأنك لست خادمة لهم وهم لا يسمعون ولا يقدرون وذلك لأن الرابطة الحقيقية بينك وبين زوجك وأطفالك قد قطعت والأفعال معها تصير مثل ضرب الهواء.
حين تراعي النقطة الأخيرة في تنظيم أولوياتك بين العمل والأسرة ستجدي أن عينك انفتحت لأمور أكثر من ذي قبل، والمتطلبات العملية مثل التنظيف والطبخ أصبحت أسهل بكثير وأمور ترتيب اليوم وتقسيمه بين العمل والأسرة أصبح سلس ويأتي بمفرده. وستجدي عائلتك تقف بجانبكِ طوعاً وتنفذ كلامك ليس خوفاً ولكن احتراماً منهم لكِ. خصصي يوم لتنظيف البيت وقد يكون باقي أخر يوم بالأسبوع قبل الإجازة الأسبوعية من العمل حتى يتسنى لكِ الوقت للراحة في الإجازة. ولا أعتقد أن البيت يحتاج لأكثر من يوم لتنظيفه، أما الطبخ فحاولي تجهيز ما تستطيعي مسبقاً قبل النوم فحين ترجعي من عملكِ لن يتطلب الأمر وقت حتى تجهز المائدة. وكلما أنجزتِ أمورك أولاً بأول ولا تراكمي شيء فستجدي أن الوقت كافي لراحتك ولن تجدي ذهنك مليء بأمور كثيرة مشحونة. وقد تستعملي ورقة وقلم في كتابة ما عليكِ من اهتمامات وذلك سيجعل فكرة ترتيبها وتنفيذها واحدة تلو الأخرى أسهل لتستغلي الوقت.
تخلصي من الأمور الغير مهمة قدر المستطاع
لا تضيفي هم على همك وحاولي أن تتخلصي من كل ما هو غير مهم، فلا تأخذي عمل لا يندرج تحت مسئولياتك ولا تأخذي وعداً على نفسك تجاه مساعدة أحد وأنتِ لا تعلمي ما إذا كنتي قادرة على تأديته ببساطة. حاولي أيضاً طلب مساعدة زوجكِ وأبناءكِ ما إذا استطاعوا ولا تخجلي من طلب المساعدة لأنكِ بشر ولكِ حدود وطاقة ويجب أن ترتاحي، فقط لا تجعلي من طلبك أن يكون بصيغة الصراخ أو العتاب أو تأنيب الضمير بل بكل محبة وتقبل للرفض. وإن كان المال حلاً لبعض الراحة فلا تترددي في استخدامه، أي بشراء آلات تسهل الأعمال المنزلية أو بجلب مدرسين أو مربية خصيصاً للمذاكرة مع أبناءك بدلاً عنكِ، المهم ألا تصير تلك المربية أو جليسة الأطفال أماً بدلاً عنكِ بل هي مساعدة ليس إلا.
الإدراك الأهم للتوازن بين العمل والأسرة
من وقت ظهور حقوق المرأة وانفتاح عالمنا العربي أمام فكرة عمل المرأة وكيف لها أن تجد ذاتها في عملها خارج المنزل، تكونت أفكار خاطئة عن تلك الحقوق وأصبح تركيز النساء على الحقوق أكثر من الواجبات، فتجد السيدات يتكلمن عن ذاتهن في العمل أو تحقيق أحلامهن ونسين أنهن سيدات وأن الأمومة تسري في دمائهن قبل أي شيء أخر وقبل الأمومة الحياة الزوجية كذلك. يا سيدتي الجميلة العمل مهم لكِ ولكنه ليس الأهم وتحقيق ذاتك فيما ترغبين حقك ولكن ذاتكِ الحقيقية تتجلى في كونك أنثى وأم. لا تكوني متطرفة فلا يمكن لأياً من كان حصر أعمال وأهمية المرأة داخل المنزل فقط وإجبارها على عدم ممارسة باقي الأعمال في أي مجال والنساء حول العالم يثبتن كل يوم أنهن قادرات على الإبداع وتحمل أعباء مجالات كثيرة مثل البحث العلمي والسياسة والاقتصاد إلى أخره، ولكن من ناحية الأخرى إن صارت كل النساء يرغبن بالخروج وممارسة الحياة العملية فمن سيتولى تربية الأطفال وستخسر النساء بذلك ما يميزهن من أنوثة وأمومة وحنان. التطرف ليس الحل ومواجهة الحياة بحكمة هي الأفضل، وافتخري أنكِ سيدتي قادرة على فعل ضعف ما يفعله الرجال وتحمل الأمور أكثر منهم.
المرأة هي الأنسب في مواجهة مشاغل الحياة الكثيرة والمتعددة وقدرتها على العمل والترتيب وإنجاز الكل والتفكير في كذا فكرة وموضوع في ذات الوقت أعلى من الرجال، شجعي نفسكِ بهذا الكلام. اقرأِ عن قصص النساء المحاربات والناجحات في مجالهن وظلوا على قدر المسئولية والاهتمام تجاه أسرتهن. خذي الملكة فيكتوريا مثالاً فما هو العمل الأصعب من كون المرأة ملكة لأهم دولة بالعالم! ولكنها في ذات الوقت كانت قادرة على الاهتمام بتسعة أطفال وزوج بطريقة ناجحة جداً وهي ثاني أطول حكم في تاريخ إنجلترا الآن. الأمر قد يكون صعب في البداية ولكن التوازن بين العمل والأسرة هو أمر تتعلميه مع الوقت وتميزي دوركِ في كل مجال وكيفية المحافظة عليه بمساعدة زوجكِ. فلا تنسي أبداً أسرتكِ إلى حساب عملكِ.
القرار الأصعب مع العمل والأسرة
إن لم تجدي حل بالأخير وتضاربت المواعيد والمسئوليات وكنتي في موقف صريح لتختاري بين العمل والأسرة، وهي وقفة لا غنى عنها إن وجدت أسرتكِ تتفكك حتى إن لم تدركي الأمر بالبداية فعلى الأقل يجب أن تجمعي شتات الأمور. وقتها تصيري بين اختيارين التخلي عن حلمكِ وتتبعي أسرتكِ أو تتركي أسرتكِ حتى لا تظلميهم، مع إنني لا أوافق على وجوب النهاية بأي من الطريقتين ولكن قد يصل الأمر لذلك الحد بالفعل. وهنا من المفضل أن تفكري بهذا الأمر قبل تكوين أسرة من الأساس والأمر ليس بأنانية بتاتاَ إن قررتِ أنكِ لن تستطيعين تكوين أسرة، والنساء بهذا الشكل موجودات بالعالم كله ومنهن من تحقق إنجازات كبيرة بالفعل مثل الملكة إليزابيث الأولى صاحبة العهد الذهبي لبريطانيا والتي لم تتزوج ولم تنجب، أو من تتفق هي وزوجها على عدم الإنجاب ويكون الطرفين راضيين على هذا الوضع. وذلك أفضل مئة مرة من تكوين أسرة وتكتشفي أنكِ كنتي مخطئة والأسرة تصير عبئ والحياة لا تطاق، وفي هذه الحالة فالتضحية واجبة على الأم في سبيل أبناءها وزوجها ولكن القرار يجب أن يكون بوعي ورضى كامل حتى ترضي عن حياتكِ وتفتخري بها.
أخيراً عزيزتي الجميلة العمل والأسرة ليس بالأمر الغريب وأنتِ لا تواجهي المشكلة فقط دوناً عن باقي نساء العالم، ولكن الأمر يحتاج إلى شجاعة وحكمة كبيرة لتصيري من هؤلاء المنفردات بالتاريخ الذين حققوا ما يصعب على الأغلبية تحقيقه.