العقل اللاواعي هو” العقل الباطن” وكذلك هو “اللاشعور”، وتعد كلمة العقل الباطن من الكلمات التي نسمعها بكثرة في عصرنا هذا ويوجد بيننا الكثيرين ممن لا يعرفون معناها، يعتبر العقل اللاواعي أحد الاكتشافات الحديثة نسبيًا الذي يعد له كثير من النظريات والإسهامات المختلفة التي شارك فيها علماء النفس، ويعتبر العقل الباطن هو جزء وظيفي في العقل الأساسي نفسه وليس عقل منفصل كما يعتقد البعض وهو مسئول عن وظائف لها أهمية كبرى في حياتنا ولكننا لا نشعر بها، وقد كانت فكرة العقل اللاواعي أحد الأفكار التي اختلف عليها الكثيرين وبخاصة رجال الدين، كحال كل النظريات الجديدة، ولم تلاقي اتفاقا كبيرًا ويرجع ذلك لوظيفته الغير محسوسة بين أعضاء الجسم، ففكرة أن تخرج للناس وتخبرهم أن هناك عضو جديد في الجسم يقوم بأداء وظائف مهمة ولا نراه ولا نستطيع لمسه كان نوعًا من الخبل للبعض، ولكنه لاقى قبول بعد ذلك عندما أثبتت بعض المدارس السلوكية الأمر وتأثيره، والعقل الباطن هو مخزن كل أفكارك وخواطرك ورغباتك المكبوتة والمعلنة وكل شيء فكرت به أو مر على حواسك من قبل حتى وإن لم تتذكرها أنت، يقوم العقل اللاواعي بالتنفيس عن رغباتك والتحكم في سلوكك حتى تكون ذو سلوك متوازن وأي خلل في العقل اللاواعي يؤدي إلى أمراض نفسية كبيرة، بل يمكننا أن نقول أن أبرز الأمراض النفسية تحدث بسبب العقل اللاواعي وعدم انتظامه مثل الشيزوفرينية والاكتئاب والإضرابات النفسية والهستيريا التحولية وغيرها من الأمراض.
استكشف هذه المقالة
العقل اللاواعي والواعي
يمتلك الإنسان عقلان أو هكذا يُشاع بين الناس فهناك عقل واعي وهو العقل الذي نفكر به وتعامل به في حياتنا اليومية وهناك العقل اللاواعي وهو الذي يقوم بالوظائف الخفية في المخ، في البداية يجب علينا أن نصحح هذه المعلومة فلا يوجد للإنسان عقلان بل هو عقل واحد له وظيفتين وظيفة ظاهرة ووظيفة غير ظاهرة، يعتبر عقل الإنسان الظاهر هو العقل الواعي وهو الذي يستقبل من الحواس الإشارات والتنبيهات ثم يترجمها ويحولها لمعلومات واضحة تحتاج إلى استجابة، أي أنه عندما يخبرك شخص ما كيف حالك فيستقبل عقلك عن طريق حاسة الأذن المثير فيسرع إلى إصدار الاستجابة والتي تتمثل في قول أنا بخير أو غيرها من الردود وذلك ببساطة يعني أن العقل الواعي هو الذي يعي ما يحدث في العالم الخارجي ويجعل الشخص يدركه ويتذكره، بينما العقل اللاواعي أمره مختلف فهو يسجل ما يراه وما يحدث في العالم دون أن ينبهك بشيء فلا تكاد تحس بوجوده كذلك، فمن اسمه العقل اللاواعي أي أنك لا تعي أي شيء فيه وهو المسئول عن كل شيء لا شعوري لديك فإن كانت حواسك تلتقط 2% من المثيرات التي أمامها فإن العقل اللاواعي يستقبل 80% منها، كما يخن العقل اللاواعي كل شيء في حياتك لا تنتبه له ويؤثر في أحلامك وينظم أفكارك وهو يعمل مع العقل الواعي بشكل معاون ولا غنى للعقلين عن العمل معًا، كما تعتبر العديد من الأمراض النفسية إن لم يكن أغلبها نتيجة حدوث خلل في العقل اللاواعي وأنت لا تعلم ذلك.
العقل اللاواعي عند الأطفال
لكل منا عقله اللاواعي وكذلك الأطفال، وكما قلنا أن العقل اللاواعي يصبح مستيقظ دائمًا حتى عند النوم بل إنه أشد انتباهًا أثناء النوم، لذلك فالأطفال يتأثرون مثلنا تمامًا، بل إن العقل اللاواعي أمر يمكن استغلاله واستغلال قدراته في تنمية سلوك الطفل والتأثير الإيجابي عليه خاصة أنه في بداية حياته وسيكون هذا الأمر أسهل كثيرًا وله تأثير أفضل، من السلوكيات التي يمكنك ممارستها لطفلك أن تحكي له أي شيء تريده أن يرسخ في ذاكرته قبل النوم، كأن تعلمه قصه قصيرة بها سلوك ترغب في غرسه لطفلك أو أن تخبره بعبارات معينة مثل “محمد يحب الرياضيات” أو “محمد يأكل الخضروات” حيث سيكون لذلك أثر سيتم اكتشافه مع الأيام، ومن الأمور الأخرى التي يمكنها أن تؤثر على الطفل عن طريق العقل اللاواعي هي كتابة بعض العبارات التشجيعية في أرجاء المنزل أو الحكم المفيدة وكل ذلك سيتم اكتشافه مع الوقت وعلى سلوك الطفل، وكما أشرنا عما يحدث مع الكبار فإن كل ذلك له أثره مع الأطفال أيضًا فالحياة الإيجابية السعيدة المليئة بالحب والتعاون سيكون لها التأثير الهادئ المرغوب على الطفل بجانب كل ما يقرأه ويتعايش معه وهو أمور يمكن الاستفادة منها بشكل جيد فلا تفوتوه.
العقل اللاواعي والأحلام
تعتبر الأحلام من الأشياء ذات الصلة الوثيقة بالعقل الباطن ولا يجب أن نفصلهم عن بعض، الأحلام هي عبارة عن تفريغ للكبت والمشاعر والدواخل النفسية للمرء وهي طريقته الأساسية للتنفيس، فكما أن الشخص لا يتحكم في ما يدركه عقله اللاواعي أو المدخلات التي تصل إليه هو كذلك لا يتدخل في الأحلام ولا يعرف كيف تتم، ولكن الأحلام كانت مصدر دراسات نفسية طويلة من قبل علماء النفس المعروفين وعلى رأسهم فرويد وأغلب ما اتفق عليه الجميع أن الأحلام هي تنفيس لما يحدث في العقل اللاواعي ولها عدة أنواع وأغلبها وأكثرها شيوعًا الذي يحدث دون معرفة سببه أو كيف حلم الشخص بهذا الشيء، فقد تحلم بأشخاص لم ترهم منذ سنوات طويلة وتفعل أشياء لم تخطر على بالك لحظة ولكن كل هذا تنفيس عن رغباتك المكبوتة، ففي الحلم أيضًا يمكنك أن تضرب عدوك وتركل مديرك وتفعل كل ما تريد لأنك لا تستطيع فعل ذلك في الواقع والعقل اللاواعي يعبر عن رغباتك بطريقته الخاصة ويحقق نوع من الرضي الذاتي الذي لم تكن لتحققه في الواقع، لذلك أي حلم تراه أعلم أنه نتيجة رغبة حبيسة لم تنفس عنها بشكل طبيعي أو حدث صادف يومك لم يسير بالمجرى المعتاد.
العقل اللاواعي في الإسلام
كثيرون يخضعون كل أمور الحياة للدين ويطلبون رأي الدين في مسألة العقل الباطن، وهل تم ذكر بعض الأشياء المتعلقة به في الإسلام أم لا؟ والحقيقة أنه لم يتم ذكر العقل اللاواعي في الإسلام من قبل بشكل صريح ولكن قياسًا واستنادًا على عدة أشياء ذكر علماء كثيرين أن العقل اللاواعي هو ضلالة وشيء لا أساس له أو لوجوده، وقد أنكر عليهم بعض المشايخ ذلك، فمن اعترضوا كان اعتراضهم في الأساس عما يتحدث عنه كبار علماء النفس الغربيين من معلومات مثل أن العقل اللاواعي مسجل فيه ما سيحدث للإنسان حتى نهاية حياته؛ مصدومين في ذلك بما يتعارض مع كتاب الله وسنته، وهناك نوع آخر من علماء الإسلام كانوا أقل مرونة وقبلوا بعض المعلومات المفيدة في هذا الموضوع وأسموها ” نظرية العقل اللاواعي” وأنكروا وجود عضو كامل أو وظيفة كاملة تُدعى العقل اللاواعي بل هي مجموعة من الحقائق والأفكار التي يمكن أن نتحكم فيها ونيسر بعض أمورنا الحياتية.
قوانين العقل اللاواعي
كما ذكرنا أن العقل اللاواعي هو عبارة عن مخزن لكل ما يحدث في حياة الإنسان سواء انتبه له أم لم ينتبه لذلك فكل ما يحدث داخل العقل اللاواعي ليس شيئًا عبثيًا يقام بلا ترتيب بل هو يخضع لعدد من القوانين التي إن تم معرفتها بشكل جيد ستمكنك من التحكم في عقلك والتركيز على بعض الجوانب التي تريدها ومن ثم ستصل إلى نتائجك المرغوبة في أي شيء، ومن هذه القوانين:
قانون الاستبدال
وقبل أن أشير إلى ماذا تعني هذه النقطة يجب أن أشير إلى قاعدة شهيرة أولًا يتبعها العقل الباطن وهي أنه لا يقبل النفي أو بمعنى أصح لا يفهمه فيمكنك أن تقول “أنا لن أفشل” وهي تعني في عقلك الباطن وتترجم إلى أنك ستفشل؛ فالعقل لا يفهم ولا يستقبل النفي وعلى هذا الأساس يمكن أن نشرح قانوننا هذا والذي يعني أنه بإمكانك استبدال أي قاعدة أو معلومة وتحولها إلى شيء إيجابي حتى تتحول إلى ذبذبات الدماغ بشكل إيجابي مفيد وليس العكس.
قانون التفكير المتساوي
وتعني هذه النقطة أن كل ما تفكر به في يومك وحياتك سيجلب أفكارًا مشابهة له مثل تفكيرك في الحزن والاكتئاب سيولد مزيدًا من الحزن والاكتئاب ولا تستعجب ذلك فهذا ما يحدث مع أغلبنا، لذلك التحكم في هذه النقطة أمر له تأثيره القابل للتغيير فلا تهمله.
قانون الجذب
وبالتأكيد قد استمع الكثيرين إلى هذا المصطلح وهو حقًا يعني ما يقصد وقد جربته في حياتي كثيرًا وكان له أثره، ويعني هذا القانون أن كل ما تفكر فيه سينجذب نحوك فعقلك الباطن مثل المغناطيس يجذب كل أفكارك نحوك، فيمكنك أن تفكر في أكله معينة وستجد أنها مُقدمة على طبق غدائكم اليوم، وقد تفكر في فيلم ما على التلفاز وتجد أنه معروض في ذلك اليوم، وهذه الأمور قد حدثت مع الكثيرين وعن طريق ذلك يمكنكم أن تبرمجوا أدمغتكم على ما تريدون فهو أمر لا يجب الاستخفاف به.
قانون الانعكاس
وهذا القانون من قوانين العقل اللاواعي واضح للجميع حتى لو لم يتم ذكره هنا وهو أن كل شيء يحدث حولك يكون لك ردة فعل مشابهة له وهذا شيء بديهي ومتوقع إلا في حالات الخلل النفسي، فإن تحدث معك أحدهم بكلمة طيبة سيكون رد فعلك طيب يعبر عن الامتنان والعكس صحيح.
قانون العادات
ويعتبر هذا القانون أمر شائع بين الكثيرين منا وهو أنك لن تكتسب عادة ما إلا بتكرارها عدة أيام بشكل متتالي حتى تصير جزء من روتينك، وقد أخبرونا ونحن صغار أن من يريد أن يلتزم بالصلاة ولا ينقطع عنها أبدًا يمكنه أن يصلي لمدة أربعين يوم متواصلة بدون انقطاع وسيجد نفسه قد ألتزم بالصلاة بعد ذلك، وهذا يعبر بشكل غير مباشر عن أن هذا القانون كان موجود من قبل ومتعارف عليه بين القدماء، لذلك يمكنك أن تجعل بعض السلوكيات المرغوبة لديك متكررة حتى تصير عادة لديك.
قانون التراكم
وهذا القانون شائع كذلك في حياتنا بشكل غير مباشر وهو يشبه “الوهم” الذي يتحول إلى حقيقة، وذلك القانون يعني أن التفكير المتكرر في شيء ما واعتقاده سيؤدي إلى تحقق هذه الفكرة، مثل من يعتقد أنه سيصاب بمرض ما ويفكر في هذا الأمر باستمرار سيجد بعد ذلك أن الأمر قد تحول لحقيقة، لذلك كن حذر دائمًا حيال هذا الأمر.
قانون الاعتقاد
ويشبه هذا القانون القانون السابق وهو الاعتقاد، فالقانون السابق كان يعني أن تراكم الأفكار سيؤدي إلى جعلها عادة وستتحقق بمرور الوقت سواء كانت إيجابية أم سلبية، أما في هذا القانون فهو يشبه الإيمان بشيء فإن اعتقدت أنك إنسان محطم نفسيًا، وخصوصًا المراهقين، سيجر ذلك أذيال الخيبة ورائك وتكون تعيس بحق، لهذا يجب عليك أن تكون إيجابي دائمًا.
قانون التوقع
وفي ثقافتنا العربية ما يمثل هذا القانون من أمثال مثل “تفاءلوا بالخير تجدوه” و”كل متوقع آت” وغيرها من الأمثال التي تنصح بالتفاؤل لأن ما نفكر به سيصيبنا وهذا شيء ليس بجديد على تفكيرنا، ولكن الجديد أن ذلك يحدث بشكل فعلي وجدي وليس عن طريق الصدفة أو النذر لهذا فالتوقع يُبرمج في العقل اللاواعي ويتهيأ على استقباله فاحذر من ذلك.
برمجة العقل اللاواعي
العقل الباطن هو جزء غير محسوس في دواخلنا جميعًا وعن طريقة نتفاعل ونصدر استجابات ذات معنى أو لا، وبرمجة العقل اللاواعي تحتاج معرفة قوانينه أولًا، التي ذكرناها سابقًا، وبشكل عام يمكنك التحكم في عقلك وتفكيرك إن عرفت قوانينه جيدًا وكيف يمكنها العمل وهو ليس بالأمر الصعب لكن عليك إن تكون إيجابيًا دائمًا ولا تفكر بأي شيء سلبي قد يضر بك لأنه قابل للتحقيق كما ذكرنا، يمكنك أن تبرمج عقلك الباطن على ما تريد بالتفكير في ذلك الشيء بشكل جيد والتخطيط له بطريقة إبداعية واسأل نفسك أسئلة تحتمل عدة إجابات فليس الأمر يحتاج سؤال وإجابة نمطية أو واحدة، بل يجب عليك التنوع في إجاباتك وأسئلتك كما عليك تنمية حسك الإبداعي والاستماع إلى الموسيقى وقراءة الكتب فكل هذه مؤثرات غير مباشرة لها أثرها اللطيف على عقلك الباطن، كما يجب عليك أن تستغل أحلام اليقظة والتخيل فإن لهما أثر كبير في تحقيق ما تريد.
التواصل مع العقل الباطن
كما اتفقنا أن العقل الباطن هو نفسه العقل اللاواعي، التواصل مع العقل الباطن هو أمر ليس صعب لأن عقلك اللاواعي يتفاعل معك باستمرار حتى في هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذا الكلام، عقلك الباطن يُخزن كل شيء يحدث في حياتك سواء من الخارج أو من الداخل كل أفكارك ومعتقداتك وأمنياتك ورغباتك الدفينة موجودة في عقلك الباطن وكذلك كل ما يحدث حولك وتراه عيناك وتسمعه أذناك ولا تنتبه له؛ ينتبه له عقلك اللاواعي ويسجله وعلى أساسه يتم التحكم في حياتك، ولذلك فإن التواصل مع العقل الباطن هو أمر فعلي وقائم ولكي يتم حل أي مشكلة تعاني منها أو أن تعطي عقلك بعض الأوامر الإيجابية عليك أن تفكر بشكل إيجابي وتستغل أحلام اليقظة في ذلك فهي ستقوم بجزء فعال فيما يحدث من برمجة للعقل ستفكر في الأشياء التي تحلم بها والتي ترغب بها وستقوي إيمانك بالله وستحيط نفسك بأشخاص إيجابيين وأماكن طبيعية خلابة فكل ما تمر به يتم تخزينه في الذاكرة، وإن كنت من الأشخاص المكتئبين القلقين دومًا فإنه من المحتمل جدًا أن يكون كل ذلك بسبب شيء ما تفكر فيه أو أغاني حزينة تستمع إليها أو أشياء من هذا القبيل، لذلك إن كانت لديك رغبة في التواصل مع عقلك الباطن بشكل إيجابي قم بسلوكيات إيجابية ولطيفة حتى ترى وقع أثره في القريب العاجل.
العقل اللاواعي هو طفرة القرن ال21 استغلها وقم ببرمجة عقلك وسلوكك بما تريد فالعلم يتطور والتقدم في هذا الموضوع يتسع والدليل على ذلك أبرز ما تم ذكره عن أن جينات الإنسان ليست ثابتة، اقرأ كثيرًا واعرف أكثر عما يدور في عقلك الباطن وسيطر على حياتك.
أضف تعليق