الطفل متعدد المواهب هو أحد أكثر أنواع الأطفال التي قد تؤثر في مجتمعها وبيئتها على حد سواء تأثيرا مدويا. ونظرا لأن الأطفال هم لبنة المجتمع، فبالتالي، يجب على أي مجتمع صحي وسليم أن يهتم بهم ويقدم لهم الرعاية والتدريب اللازمين لشحذ قدراتهم ومواهبهم، وتلك المواهب التي قد تكون فنية، رياضية، أو حتى بعض القدرات الخاصة كالذاكرة البصرية التي يحتفظ بها الإنسان بالصور والأشكال والكلمات في ذاكرته بنفس الشكل الذي قد رأته عينه ولمدة طويلة، كذلك سرعة البديهة، والذكاء المتميز بالرياضيات والعلوم أو حتى القدرة على البرمجة والتعامل مع التقنيات الحديثة والأجهزة التكنولوجية بشكل مميز. ولكن الشخص الذي يتمتع بأكثر من موهبة تكون له طبيعة شخصية خاصة نظرا لما تفرضه عليه تلك القدرات المميزة من استهلاك لتفكيره ووقته وإدراكه، ويظهر ذلك جليا خاصة في مرحلة الطفولة حيث ينشط العقل بشكل كبير وتجتمع إرادة فعل كل ما هو جديد مع الرغبة في التطبيق والتأثر بكل ما هو دائر في محيطه مما يؤثر على شخصية الطفل متعدد المواهب .
الطريقة الصحيحة من أجل التعامل مع الطفل متعدد المواهب
طبيعة الطفل متعدد المواهب
الطفل متعدد المواهب يتميز بقوة الملاحظة، ورهافة الحس فغالبا ستجده أكثر الأبناء اهتماما بالتفاصيل واتصالا بالأحداث، فستجده منذ الصغر سريع التأثر بكل ما يجد من الأحداث. ونظرا لطبيعة الطفل متعدد المواهب سريعة التأثر فهو بالتالي أكثر الأبناء حاجة للرعاية والاهتمام والشحذ، وعلى عكس ما هو متوقع فتلك الفئة من الأطفال تنقسم إما لأطفال اجتماعيين، متصلين بالعالم المحيط بهم لأقصي حد، وإما لأطفال شديدي الانطوائية ولعل ما يسبب ذلك هو أنهم بطبيعتهم لديهم الكثير ليقدموه، ولطبيعة كونهم أطفال ذو سن صغير متسمين بالحساسية والترقب لكل ما هو حولهم، فهم دائما يتطلعون لرأي الآخرين-وخصوصا- الآباء فيما يقدموه ويأخذون دائما ذلك الرأي محمل جد، فإما يدفعهم ذلك القول لإكمال وتطوير الموهبة وإما يدفعهم للحزن والانطوائية. عندما قام مركز دراسات بريطاني بعمل استفتاء لمجموعة من الآباء، بسؤالهم عن ما هو اكثر شيء يميز الطفل متعدد المواهب كانت الإجابة هي أنهم حساسون للغاية.أيضا يتمتع الكثير منهم بقدرة عالية على الإبداع والتركيز والرغبة في العمل على موهبتهم لفترات طويلة.
الطب النفسي والموهبة
كثير من الأهالي في مختلف المجتمعات يقومون بخلط موهبة الطفل متعدد المواهب بالمرض النفسي خاصة إذا ما فرضت الظروف المحيطة سطوتها وأعطت تأثيرها الفعال على الطفل متعدد المواهب لتحيله إلى كائن منطوي أو محب للوحدة. ومن الأمراض التي دائما ما يتهم بها ذوو الموهبة الصغار كالاكتئاب، الوسواس القهري، اضطراب ثنائي القطب،اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط. بالطبع يؤدي هذا الخلط إلى كثير من المشاكل وإلى الإضرار بمصلحة الطفل متعدد المواهب ، لأننا نري أنه في اغلب الأحوال يقوم الأهالي بزيارة الطبيب والإصرار على التعامل مع أبناءهم على أنهم في حالة مرضية ظنا منهم أن ذلك في مصلحتهم وأنهم بتوجههم للطبيب يفتحون للعلم بابا لمساعدة أولادهم بينما هم في الواقع يجعلون الأبناء يمرون بتجارب لم يكن من الضروري أن يمروا بها أو يخضعوا إليها بل في كثير من الأحيان تسوء حالتهم، مما يزيد المنطوي انطواءا، أما بالنسبة للشخصية العنيدة فهي غالبا تكون أكثر من يتأثر من ذلك الخطأ، فتلك الشخصية تصر دائما على أنه ما من خطب بها وعلى أن ما بها ليس بمرض وغالبا ما ترفض التجاوب مع الأساليب الطبية التي قد تجبرها على التخلي عن موهبتها مما يزيد من حالتها سوءاً ويجعلها تبدأ بالفعل لتعاني من مرض نفسي ما. ولعلنا نتساءل عن آلية تعامل الطب مع الطفل متعدد المواهب ، وكيف يمكن أن يؤثر ما يفترض به علاجا بهذا الشكل السلبي والسيئ للغاية ؟!.
طريقة العلاج النفسي
قد يتعامل الطبيب مع الطفل متعدد المواهب بشكل مرن يعتمد فقط على الجلسات الطبية وبعض التمارين البسيطة بدون استخدام الأدوية أو الأجهزة التي قد يستخدمها الأطباء النفسيون وذلك التعامل لا يعتبر مضر ضررا بالغاً، هو فقط قد يؤدي بالطفل لنسيان أو تدارك موهبته المميزة لشخصيته مما يؤدي إلى أن يمسي ذلك الشخص شخصا عاديا، وقد يؤثر أيضا ذلك على كفاءته في العمل فيما بعد أو جعله يتوجه إلى أنشطة أخرى ليخرج بها تلك الطاقة والقدرة، وليس بشرط أن تكون تلك الأنشطة مرغوبة أو ذات تأثير جيد وهنا يقع الخوف أو القلق من تأثير العلاج النفسي.
و هناك بعض الأطباء الذين نستطيع أن نقول عليهم بأنهم قد يفضلون اللجوء للحلول السريعة، ويكون ذلك غالبا إرضاءً للأهالي الذين يرغبون في رؤية النتائج على أولادهم بشكل سريع، قد يستخدم أولئك الأطباء في تلك الحالة بعض الأدوية وذلك قد يضر بالطفل بالغ الضرر ويؤثر عليه تأثيرا سيئا يتعدى بعض التغيرات في شخصيته التي سبق وذكرناها كرد فعل للأسلوب الأول في العلاج، ولذلك حتى وإن أصر الوالدان على العلاج النفسي ووجدوا أنه لا مفر من اللجوء إلى الطبيب فعليهم أن يحرصوا على عدم توجه الطبيب إلى الطريقة الأخرى من العلاج.
كيف ننمى الطفل متعدد المواهب ؟
و الآن فلنتحدث عن حالة إذا كان الوالدين متقبلين لواقع أن طفلهم قد يتسم بتلك الصفات الشخصية كتفضيل الوحدة، السرحان، الحساسية وضعف المستوى الدراسي بسبب تمتعه بأكثر من موهبة تستهلك من تفكيره وإدراكه الكثير، وهنا يأتي دور الأهالي لمساعدة أولئك الناشئين على توجيه مواهبهم وشحذها من خلال الدعم، التدريب والمساعدة.
و لعلنا نجد كثير من المشاهير الذين يتمتعون بأكثر من موهبة متأثرين دائما بالدعم العائلي المحيط بهم، ولذلك قد يقل مستوي عالم أو فنان ما ونجد إخباره تنتشر في جرائد الفضائح والإعلام عندما يواجه مشاكل عائلية، أو عندما يكون الوضع في المنزل غير مستقر بين الأم والأب، أو من خلال مواجهة بعض التجارب والعلاقات السيئة مع البيئة المحيطة من الأصدقاء، ونجد الكثير من الشباب قد تسوء حالتهم النفسية والصحية ونراهم يتوجهون للكثير من الأنشطة الخطرة عندما يفتقدون الدعم اللازم في المنزل.
كذلك للانتقاد الدائم دور البطولة إذا ما تحدثنا عن تكوين الشخصية للإنسان وخاصة عندما نتحدث عن السن الصغير بالإضافة أيضا للأشخاص في سن المراهقة،فكم من شخص قد قرر التخلي عن مشروع ما، أو دفن مواهبه كرد فعل لقاء ما يواجه من انتقاد متكرر، لأن حساسية أولئك الأشخاص تركيزهم الدائم في كل ما يحدث حولهم يجعلهم دائمي التطلع للآخرين خاصة أولئك الأشخاص المقربين الذين يتم بناء الكثير من التوقعات على رد فعلهم كالأهل، مدرسي المدرسة،والأصدقاء المقربين، ولعل اكبر عدو للطفل متعدد المواهب هو ما يقابلونه من آراء الآخرين.
و لكن ما دور الأهل تجاه الطفل متعدد المواهب،وكيف يستطيعون حمايتهم مما قد يواجهونه من عقبات دون المساس بحرية الطفل متعدد المواهب على الإبداع ؟! تنقسم تلك العملية لعدة مراحل للحرص على الوصول لأفضل النتائج.
مراحل تطور الطفل متعدد المواهب
أولا، في المراحل الأولى من بدء الطفل التعبير عما يدور بذهنه، وقد نعبر عن تلك المرحلة بأنها تبدأ من سن ثلاث سنوات وحتى ست سنوات، حيث يبدأ الطفل في الإدراك وتحليل المعلومات والأفعال المختلفة ولكننا لا نستطيع أن نسمي ذلك إدراكا كاملا يجب على الأهل الحرص على توفير مناخ مناسب حول الطفل وتوفير الخامات والأدوات التي قد يحتاج إليها، كما يجب عليهم الحرص على توجيهه فيما يخص الأخلاقيات العامة ويفضل أن يبتعدوا تماما عن التدخل في تصرفاته الخاصة، فالطفل في تلك السن لا زال يكتشف الأمور حوله ولا زال يتعرف على قدراته واهتماماته وأي تدخل قوي في تلك المرحلة قد يؤثر بالسلب عليه.
كما يجب على جميع التعليقات أن تأتي متوسطة القوة وينصح دائما بالابتعاد عن نهر الطفل عما يفعله، فإن قام الطفل مثلا برسم صورة ما، وحتى وإن لم تكن الرسمة بالجمال المتوقع ومهما كانت قدرة الطفل على استخدام الألوان أو تحديد الخطوط يجب دائما تشجيعه وإبداء الآراء بشكل إيجابي فذلك سوف يحفزه لإكمال ما بدأه.
و هنا تكون مرحلة توفير الخامات المختلفة التي يستخدمها الطفل متعدد المواهب ضمن ألعابه مرحلة مهمة فإذا ضربنا مثلا بالألوان كخامة، سنجد بعض الأطفال قد يلونون بها، جزءا آخر قد يرتبها لعمل أشكال مختلفة والبعض قد يستخدمها حتى كتشبيه للميكروفون للغناء وهنا نجد أن ميول أبناءنا بدأت تنكشف وتصبح أوضح تبعا لطريقة تفكيرهم واستخدامهم لما هو متاح حولهم.
المرحلة الثانية التي نستطيع أن نقول أنها تقع بين السبع سنوات والثلاثة عشر سنة، يشوب تلك المرحلة بعض النضج غير المكتمل، فلا زالت شخصية الطفل لم تتكون بشكل صريح بعد ولكن إدراكه قد تزايد بشكل ملحوظ واهتماماته بدأت تنحصر في بعض الأشياء المميزة وفي تلك المرحلة مجرد المراقبة وتوفير الخامات لن تكون كافية، فيجب على الأهالي تقديم الدعم الكافي من خلال توفير التدريب وعرض الطفل على مجتمع لم يكن يعرفه قبلا وذلك من خلال أخذه للمكتبات، وإعطاءه دروسا في الرياضة والفن وفي تلك المرحلة ينصح بأن تكون الرياضة واجبة حتى يختار منها ما يلاءم شخصيته وميوله، ولعمر بن الخطاب قول مشهور يقول فيه” علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل” وهنا تتجلى أهمية الرياضة وضرورة اهتمام الأهل بها على مر العصور.
و هنا مازال لرأي الأهل بالغ الأهمية في نظر الأبناء بالإضافة لرأي كل من حوله مثل دائرة الأصدقاء التي سبق وكونها، وقد وضع أحد علماء التنمية البشرية نظرية مهمة تتعلق بإبداء الرأي وإعطاء ملحوظة على شيء ما وأسماها “طريقة الساندويتش” وفي تلك الطريقة يتم ذكر رأي حسن ثم الانتقادات ثم ذكر رأي إيجابي مرة أخري بالنهاية وذلك للحرص على إنهاء الحوار بالكثير من المشاعر الإيجابية مما يجعل الفرد ينظر للأمر غير الإيجابي بمنطق أنه نصيحة وليس انتقاد وشتان الفرق بينهما بالطبع، وبالتالي يأخذه بعين الاعتبار ونحقق التأثير الإيجابي المنشود ويساعد ذلك الطفل على تنمية قدراته وتطوير موهبته واكتشاف شغفه وميوله الحقيقية.
في أواخر تلك المرحلة يبدأ الطفل في الرغبة ببعض العزلة أو الحياة الخاصة ويصبح متأثرا بأصدقائه والعالم الخارجي المتمثل في المدرسة والتدريب والدروس أكثر من المنزل، وفى تلك الحالة يصبح من الصعب التدخل فيما يواجهه الابن من آراء مختلفة قد يكون بعضها حادا ولاذعا بشكل مضر وغير مطلوب ولكن ينحصر دور الأهل في المراقبة الجيدة لكل ما يحدث والعمل على محاولة تغيير من له وقع سيئ على قدرات الطفل، وهنا تظهر أهمية المرحلة الأولي في إنشاء رابط قوي بين الأهل والابن، فهذا يزيد من ثقة الابن نحو آراء أهله، كما يقلل من أى أثر سلبي قد يسببه العالم الخارجي، ولعلنا دائما نجد سهولة أكبر في التقليل من الآثار السلبية المسببة خارج المنزل أكثر من تلك المسببة داخل المنزل مما يوقع عبئا كبيرا على كتف الأهالي، لأن نجاح الابن يصبح رهنا بتصرفاتهم ومستوى إدراكهم لحاجاته ولما يمر به، وهنا يجب على الأهالي عدم التعليق على رغبة الطفل في العزلة لبعض الوقت مع الحرص على شغل أغلب أوقاته بالتمارين والتدريبات المختلفة كي لا تتحول تلك العزلة إلى عزلة مرضية ورغبة في الانطواء أو الاكتئاب، لكن بدون القضاء على تلك العزلة التي يحتاجها الطفل متعدد المواهب للراحة من كل ما سمع من آراء، فتلك العزلة تمثل المهلة التي يتخذها لإعادة ترتيب أوراقه وتحديد أولوياته وبلورة ميوله والتأمل في تجاربه المختلفة وانتقاء ما يناسبه.
في حالة كان للطفل موهبة علمية ورياضية، أو فنية وعلمية، أو رياضية وفنية لا يجب على الأهل التدخل وانتقاء أحدهما والعمل على التقليل من الموهبة الأخرى أو إبعاد الطفل عنها ولكن يجب التعامل معهم على حد سواء وتوفير التدريب والشحذ اللازمين دون تفريق.
المرحلة الثالثة والأخيرة، هي أصعب تلك المراحل وأهمهم على الإطلاق وتنحصر تلك المرحلة بين الثالثة عشر والثامنة عشر، أي مرحلة المراهقة وهنا يتعرض الطفل متعدد المواهب للكثير من التغيرات الجسدية والعقلية والشكلية ويصبح أكثر تأثرا ورغبة في الانفصال عن المنزل بفعل الهرمونات، ويصبح للأصدقاء والمجتمع خارج المنزل اليد العليا في تحديد أولوياته والتأثير على خلقه وشخصيته ويصبح أي تدخل من الأهالي في تلك المرحلة بالغ الحساسية لأنه قد يتم النظر إليه كفرض للرأي ومقابلته بالعند والجمود والنفور منه بل وقد يتطور الأمر للحرص على فعل عكسه تماما.
و كما لتلك المرحلة من بعض العيوب والميزات الخاصة لها أيضا الكثير من المميزات، ففي تلك المرحلة يبدأ الشخص في تحديد مواهبه التي سوف تستمر معه مدي الحياة بشكل قاطع كما أن وعيه وإدراكه لكل ما يحدث حوله من أحداث وتغيرات سواء كانت داخل المنزل أو خارجه، في وطنه أو عالميا ولذلك نجد أن وقود جميع الثورات هم شباب صغير السن، وأن جميع الأعمال الفنية التي تعبر عن الواقع غالبا ما تكون ناتجة عن إبداع أشخاص في سن المراهقة, لأن شخصية الطفل متعدد المواهب في تلك السن تكون في قمة اتصالها مع ما يدور حولها وتكون دائمة الثورة، متقدة الرغبة في التعبير وإخراج ما يدور بعقلها.
في تلك السن يجب أن يستمر حرص الأهل على التدريب والتمرين وتوفير الدعم اللازم لأبنائهم، وقد نلاحظ في تلك السن انشغال الأبناء بأصدقائهم وبعض الملهيات بجانب الدراسة مما قد يؤدي إلى إهمالهم لمواهبهم ولذلك يجب الحرص على التزامهم بمواعيد التمرينات والتدريبات ليستطيعوا بذلك شحذ مواهبهم وشغفهم حيالها.
بعض الأطفال متعددي المواهب قد تسبب لهم فترة المراهقة الاكتئاب أو الانطوائية ويندرج ذلك كرد فعل طبيعي لما يواجهونه من آراء مختلفة وضغوط من عدد كبير من الأشخاص ولذلك فدعم الأهل مع احترام الخصوصية والحرية في تلك السن له بالغ الأهمية في الحفاظ على أولئك الأطفال وعلى مواهبهم المميزة التي هي زخر وكنز للمجتمع.
أضف تعليق