تسعة
الرئيسية » اعرف اكثر » تعرف على » الطبيعة المحيطة : كيف يستخرج البشر حكمتهم من خلالها

الطبيعة المحيطة : كيف يستخرج البشر حكمتهم من خلالها

الطبيعة المحيطة بنا لها تأثير مباشر علينا وعلى طريقة تفكيرنا، وكذلك على تصرفاتنا، في هذا المقال سنبحث دور الطبيعة المحيطة في تشكيل أحكامنا وتصرفاتنا.

الطبيعة المحيطة

الطبيعة المحيطة هي ببساطة كل شيء سوى الإنسان. أي أننا إذا نظرنا للكون حولنا بما يحتويه، ثم طرحنا منها عامل البشر. سيتبقى لنا الطبيعة المحيطة . الطبيعة كما وُجدت من قديم الأزل، هي نظام شديد الدقة وغاية في الحكمة. كل شيء فيها يتحرك بطريقة محددة ويؤدي وظيفة محددة. والطريقة التي تتناغم بها أجزاء الطبيعة سويا هي من أكثر الأشياء إبداعا على الإطلاق. ولذلك، عندما تم خلق البشر – أو تطورهم، أيهما تفضل عزيزي القارئ -، وكان البشر هم الكائنات الوحيدة القادرة على التفكير المثمر والإدراك والاختراع. كان أول شيء بحثوا فيه هو الطبيعة. حاولوا فهم الطبيعة المحيطة بكل ما تحتويه. وبالطريقة التي تتحرك بها وتتناغم بها سويا. حاولوا فهم الطبيعة بعقولهم، وأجبرتهم الطبيعة على التعامل معها بأرواحهم أيضا. وعند دراسة الطبيعة بشكل عميق، تمكن البشر من التوصل إلى الكثير من الاختراعات العلمية والاكتشافات الروحية. وأصبح بإمكاننا القول بأن الحكمة البشرية ما هي إلا نتاج دراسة الطبيعة المحيطة بنا. ولكن، ما هي بالضبط هذه الحكمة؟ وأي شيء استخرجه البشر من خلالها؟ هذا هو بالتحديد ما سنتحدث عنه في هذا المقال. سنتحدث على أنواع الحكمة المختلفة التي استخرجناها من رحم الطبيعة.

ما الذي تفعله الطبيعة المحيطة في تصرفاتنا وأحكامنا ؟

المحاكاة البيئية هي فرع كامل من فروع العلم. يتم فيها التركيز على طريقة عمل الطبيعة المحيطة ، ومحاولة محاكاتها للاستفادة من نظام عملها. فهناك الكثير من الاختراعات العلمية التي كان سببا فيها أشياء من الطبيعة، وهذه الاختراعات سنذكر منها بعض الأشياء الآن.

الطائرات

تعتبر الطائرات واحدة من أشهر أمثلة المحاكاة البيئية. ولم يتم محاكاة شيء واحد فقط من الطبيعة من أجل الحصول على الشكل النهائي للطائرات الآن. بل كل جزء وكل حركة بداخل كل نوع نمتلكه من الطائرة الهليكوبتر والطائرة البسيطة والطائرة التي تحمل الركاب، كل واحدة من هذه الأشياء كان لها قصة مختلفة مع الطبيعة قبل أن تظهر إلى أرض الواقع.

الأجنحة

الشيء الأول والمشترك في البشرية منذ قديم الأزل، هي الرغبة في الطيران والتحليق عاليا كما يرون الطيور تفعل بكل بساطة. وكان الجميع يعتقد أن السر يكمن في الأجنحة التي تمتلكها الطيور، فكانت المحاولات المختلفة لصنع أجنحة تناسب الإنسان وقادرة على حملة لمسافات بعيدة في الهواء. ومن هنا كانت محاولات صنع الطائرة البدائية بأجنحة ضعيفة، ثم أجنحة متينة تحمل فردا واحدا ووصولا إلى أول طائرة في التاريخ والتي كانت من صنع الأخوان رايت. فقد كانت أجنحة الطيور هي الدافع الأول لصنع أجنحة طائرة تحلق بنا عاليا في السماء.

الهبوط

الشيء الثاني الذي يتعلمه العلماء من الطبيعة المحيطة المتجسدة في الطيور، هي طريقة هبوط الطائرة بعد تحليقها. فإذا نظرت إلى عصفور صغير وهو يحاول الهبوط على سلك معلق مثلا، ستجده يقوم بعدة مناورات دقيقة جدا ومحسوبة جدا ليتمكن من الهبوط في بقعة محددة وبأكثر طريقة آمنة. هذه المناورات وطريقة الهبوط لا يتم استخدامها في الطائرات العادية التي تملك مطارات وطرق طويلة مخصصة لهبوط الطائرات فقط. بل تقوم الطائرات بحسابات خطية حول نزول الطائرة وطريقة تمركزها فوق أرض المطار، ويحتاج منها بعض الوقت قبل التوقف التام. هذه الطريقة المستخدمة في هبوط الطائرات العادية ليست أفضل الطرق، وليست أأمنها أيضا. ويحاول العلماء التوصل إلى طريقة يحاكون بها طريقة هبوط الطيور المختلفة، وعندما يكتشفون تلك الطريقة، سيكونون قادرين على الاستغناء عن المطارات والممرات الطويلة.

الأجنحة المعقوفة

تطوير آخر على أجنحة الطائرات تم استيحائه من الطبيعة المحيطة ، وتحديدا من الصقور هذه المرة، هي أن أجنحة الصقور يوجد بها بعض الانحناء للأعلى في نهاية طرف كل جناح. هذه ألانحنائه عندما درسها العلماء وجدوا أنها تساهم في توفير الكثير من العمليات الصعبة التي يحتاجون إلى إحكام التدقيق فيها. فعندما قاموا بإدخال هذا التعديل إلى بعض الطائرات، كانت النتيجة أنهم تمكنوا من تقليل قوة احتكاك الهواء بالطائرة. وبالتالي، زيادة كفاءة عملها. ووجدوا أيضا أن تقليل الاحتكاك هذا أدى إلى تقليل استهلاك الوقود الذي كان يُستهلك في محاولة غلب قوة الهواء!

المناورات

بطل هذه التقنية هذه المرة هو النحل والفراشات. وجد العلماء أن النحل والفراشات بإمكانهم التحرك من زهرة إلى أخرى ببراعة وسرعة واقل محاولة من أجل المناورة. وعندما درس العلماء هذه الخاصية، وجدوا أن تلك المخلوقات تحتوي على تكوين جسدي وبروزات وأشياء أخرى هي ما تساعدها على تلك المهارة. ولذلك، يقوم العلماء بمحاولة صنع طائرة لديها انحناءات وبعض المواصفات الشكلية التي تحتوي عليها هذه المخلوقات، أملا في أن تكون كفاءة تلك الطائرات في المناورة ككفاءة تلك المخلوقات.

الضوضاء

جميعنا لدينا تلك الذكرى عن ذلك الصوت العالي جدا الذي نخرج بعدها مسرعين إلى السطح أو البلكونة لمشاهدة الطائرة المارة بالسماء. الحقيقة أن هذا الصوت العالي هو أحد مصادر الإزعاج، وأحد الأشياء التي يحاول العلماء التغلب عليها أو الخفض من حدتها. وكما عودتنا الطبيعة بأن لديها الحل دائما، يقوم العلماء بدراسة العديد من الكائنات التي تعتمد خاصية الطيران الصامت! وأحد أهم هذه المخلوقات هي البومة. فالبومة تتمكن من إلغاء صوت تحليقها أثناء الانقضاض على فريسة، في محاولة لمنع الفريسة من الاستماع إلى انقضاضها فلا تهرب منها. وهناك مخلوقات أخرى قادرة أيضا على خفض مستوى ضوضائها عند الانقضاض على ضحاياها كبعض أنواع الجمبريات. هذه الكائنات تخضع لدراسة عالية من العلماء لمحاولة معرفة الطريقة التي يحاكونها في صنع طائرة أقل إزعاجا.

سهولة الطيران

بطل الطبيعة المحيطة هذه المرة ليس نوعا من الطيور. وإنما البطل هو سمك القرش! أجل، العلماء يطورون الطائرات استنادا إلى تصرفات سمك القرش. ما يحدث في حالة سمك القرش هي أنه يملك جلدا لديه خواص مميزة جدا. فجلد سمك القرش يحتوي على بعض الأخاديد التي تجعله يسبح في الماء بنعومة شديدة دون مقاومة للتيار أو غير ذلك. استخدم العلماء هذه الطريقة في صنع أجساد للطائرة حاملة الأخاديد، تشبه تلك الموجودة على جسد سمكة القرش. هذا التطوير أدى إلى سهولة سير الطائرة في الهواء وتقليل مقاومة التيار لها. أتذكرون المنافع الناشئة عن هذا التطوير في جزئية الأجنحة المعقوفة؟ هذا هو بالضبط ما سيحدث في تلك الحالة.

الطائرة الرصاصة

هذه الخاصية هي متعلقة بشكل جسد الطائرة حيث يكون تكوينها مشابها لتكوين الرصاصة. هذه الخاصية تقوم بجعل الطائرة أسرع بعدة مرات مع المحافظة على كفائتها. بطل الطبيعة المحيطة في هذه التقنية هي الطيور التي تقوم بالانقضاض على فرائسها كالرفراف الطائر وبعض أنواع البوم. فطريقة انقضاض هذه الطيور تكون عن طريق ضم أجنحتها بجانبها والهبوط سريعا فوق الفريسة كشكل رصاصة. هذه الوضعية تجعل حركة الطيور وانقضاضاتها أسرع بكثير وأكثر كفاءة. فهذه الطائرة ستحتوي على أجنحة قريبة من جسد الطائرة بدلا من المفرودة، وستكون المقدمة صغيرة ومشابهة لتلك الموجودة في الرصاصة. هذه الطريقة لا تستخدم في الطائرات فقط، بل في أنواع القطارات أيضا وتسمى القطار الرصاصة.

المواد الغروية

ربما لن تبدو هذه الخاصية عظيمة كالخواص السابق ذكرها في الطائرات، لكن بدون هذه الأشياء، لم نكن لنقدر على إغلاق أي شيء من متعلقاتنا الخاصة. ولا حتى الصناعات الكبيرة! الحكمة المستخرجة هذه المرة هي المواد الغروية المختلفة، وطرق اللصق التي تلتصق بها.

الصمغ

بطل الطبيعة المحيطة لهذه الخاصية هي بعض أنواع الرخويات المحارية. وجد العلماء أن هذه الرخويات تقوم بلصق أجسادها فوق الصخور، وتكون قادرة على البقاء هناك لأوقات طويلة دون أن تقدر الأمواج أو أية مؤثرات أخرى على التخلص منها. ما المميز في تلك المخلوقات إذا؟ كانت الإجابة تكمن في مواد كيميائية مختلفة تقوم تلك الكائنات بإفرازها. عند دراسة ومحاولة استخراج مواد كيميائية مشابهة، كانت النتيجة هي أنواع الصمغ المختلفة التي لدينا الآن باختلاف قوتها. فهناك شديدة المتانة التي تستعمل في لصق القطع المتناثرة في الصناعات الكبيرة، وبعضها أقل قوة كالذي نستعمله في حياتنا اليومية.

الفيلكرو

ربما يبدو الاسم غريبا، لكن صدقني، هذا الشيء هو شيء نستعمله كثيرا كل يوم. إنها العلامة التجارية المستخدمة في غلق أحذية الأطفال. تلك الشرائط السوداء التي نضعها فوق بعضها فتلتصقق سويا وتغلق أحذية أطفالنا دون تعب التعامل مع الأربطة التي لا يستطيعون ربطها. اتضح أن هذه اللاصقة تحمل اسما في النهاية! ولكن الحقيقة أن هذا الاسم ليس اسم هذا المنتج فقط، وإنما هو اسم بطل الطبيعة المحيطة لهذا الاكتشاف، وهو نبات الفيلكرو – وأنت أيضا تعرف نبات الفيلكرو -. هل تذكر عندما تنزهت قليلا في إحدى الحدائق، عندما التصق بملابسك الكثير من ذلك النبات الصغير المدور الذي يقوم بزغزغة قدميك؟ هذا هو بالضبط الفيلكرو. وهذا هو السبب في تلك اللواصق التي لدينا الآن. فعند دراسة هذه النباتات، وُجد أنها تحتوي على الكثير من الخطاطيف الصغيرة جدا والتي تمكنها من الالتصاق بملابسك وأحذيتك. وهذه هي التنقية التي تم استعمالها لإنتاج ماركة الفيلكرو.

الشريط اللاصق

بطل الطبيعة المحيطة هذه المرة هو حيوان البرص! أجل، ذلك المخلوق الذي تتقزز عند رؤيته وتحاول قتله بكل الأسلحة التي لديك من أحذية ومقشات، هو في الحقيقة السبب وراء الشريط اللاصق الذي تستعمله دائما. توجد في قدم هذا الكائن مجموعات كبيرة من أهداب تشبه الشعر، هذه الأهداب تمكن الأبراص والسحالي من تسلق الجدران والأسقف دون أن تسقط على الأرض. وهذه الأهداب هي أيضا الطريقة المستخدمة في صنع الشرائط اللاصقة التي أصبحت منتجا مهما في حياتنا.

اختراعات أخرى

هذه الاكتشافات المستوحاة من الطبيعة المحيطة لا تتوقف عند هذه الاختراعات إطلاقا. فهناك تقنية يتم تطويرها من العلماء لمحاولة مساعدة العميان في إيجاد طريقة للتواصل عن طريق نظارة يرتدونها. هذه النظارة ستكون قادرة على دراسة المكان المحيط بالشخص وإخباره عن المسافات المختلفة والأشياء الموجودة أيضا. هذه الطريقة تم استيحائها من الطريقة التي تتواصل بها الخفافيش مع البيئة ومع بعضها البعض.

وبالنظر إلى تصرف بعض أنواع القرود كالشمبانزي، وجد العلماء أنها تحصر غذائها في نوع معين من الأشجار أثناء إصابتها ببعض الأمراض. عند دراسة هذه الأشجار وجد أنها تحتوي على مواد طاردة للحشرات والكائنات الضارة. فكان هذا اكتشافا للمجالات الطبية والأدوية عموما.

وعند التفرس قليلا في طريقة محافظة أوراق الأشجار على نظافتها في الطبيعة رغم عدم وجود من يهتم بها، وجد أن تلك الأوراق لديها بعض النتوءات المنتشرة بطريقة معينة، هذه النتوءات لا تسمح للأتربة بالالتصاق بها، وإنما التزحلق عنها سريعا. هذه الخاصية تم استغلالها في صنع أسطح مقاومة للاتساخ. بدأت هذه الأسطح في جدران البنايات والمؤسسات الكبيرة، وأصبحت تتوغل داخل حياتنا اليومية وصولا إلى منتجات من الملابس والأحذية التي لا تتسخ أبدا.

الاختراعات التي تم استيحائها من الطبيعة المحيطة ليست سهلة الحصر أبدا. فكما أوضحنا، حياتنا كلها مستوحاة من الطريقة التي تتناغم بها الطبيعة المحيطة سويا. وكلما تعمقنا أكثر سنجد أشياء أكثر لتعلمها. وليس فقط على الجانب العلمي، بل أيضا على الجانب الروحي. وفي الحقيقة، الجانب الروحي يملك نصيبا كبيرا من طرق استخراج الحكمة بداخلنا. فكل شيء في الطبيعة يخبرنا شيئا لنستمع إليه ونتمكن من تطبيقه في حياتنا.

رسائل الطبيعة المحيطة

اقترح أحد الأشخاص في حديث له في مدينة نيويورك بأنه إذا كان لدى أحدهم مشكلة في التحكم في غضبه أو تقبله للأشياء من حوله. فإن عليه النظر إلى الطبيعة المحيطة كمعلم ومرشد له. محاولة تأمل النجوم والطيور والمحيطات، ومحاولة التساؤل عن كيفية حدوث هذا السلام والتناغم،بإمكانها أن تخبرك الإجابة التي تبحث عنها.

كان هذا الشخص يخبرك أن تلجأ إلى الطبيعة المحيطة التي تملك كل الأجوبة، وبإمكانها أن تملأ قلبك بالراحة والسلام. كأن تستمع بمشاهدة سحابة وهي تتكون أثناء ركوبك بعض المواصلات، الانبهار بألوان السماء المختلفة أثناء غروب الشمس، مشاهدة مجموعات الطيور وهي تهاجر في جماعات متشابكة ومتناغمة أو حتى إطالة النظر قليلا في عين حيوانك الأليف. كل هذه الأشياء بإمكانها أن تلقي الهدوء والراحة في قلبك لفرط جمالها.

الأشجار

إذا حاولت النظر قليلا للطريقة التي تعيش بها الأشجار. ستجد أنها تضرب بأصولها طويلا في جسد الطبيعة المحيطة بها، محتمية بها من الوقوع أو الانهيار. وفي مقابل هذا، تسمح للطبيعة بالتصرف في شئونها الخارجية طالما أنها تمسك بها من الجذور. تثق الأشجار بالطبيعة عندما يتحول لون أوراقها إلى الأصفر، ولا تتشبث بوريقاتها العزيزات عندما يحاولن السقوط أثناء فصل الخريف. بل تتقبل الأشجار التغيرات التي تنشأ عليها، والأشياء التي تتخلى عنها، لأنها على ثقة بأن كل شيء سيعود جميلا كما كان. هكذا عودتها الطبيعة، وهكذا طمأنتها.

المحيطات

بتلك المحيطات الشاسعة واسعة المدى. التي تغطي كل شبر من الطبيعة المحيطة بنا. والتي تمتد لتغطي ثلاثة أرباع كوكب الأرض. ذلك الضخم الهادر لم يكن ليوجد بقوته وعظمته هذه إلا بوجود كل قطرة ماء صغيرة بجوار بعضها البعض. هذا الضخم الهادر ما هو إلا تجميعة لنقاط غاية في الصغر. وكل تلك العظمة، ومنظر السماء وهي تنطبع فوقه كأنه سماء أخرى، أو منظر النجوم وهي تتلألأ فوق سطحه أثناء الليل كأن المجرة انقسمت نصفين. نصف بقي مكانه، والنصف الآخر تبرع بنفسه للهبوط على وجه الماء. كل هذا الجمال أثناء انطباعات المياه على سطحه، وكل هذا الغضب أثناء اهتياجه وسخطه. كل هذه الأشياء لم تكن لتوجد لولا تلك التفاصيل الصغيرة. لولا تلك القطرات. كذلك، حياتنا لم تكن لتحتوي على تلك اللحظات شديدة السعادة، وتلك اللحظات شديدة الحزن، لو لم نكن قد سمحنا للتفاصيل الصغيرة بغزو حياتنا، وسمحنا بتكون الصور المختلفة فوق سطحها.

الطيور

تلك المخلوقات الصغيرة بحجم عصفور لا يتجاوز حجم الكف، أو الكبيرة كصقر لا يستطيع أحد أن ينظر في عينيه. كل هذه المخلوقات تطير بعيدا وعاليا في السماء. لا تطلب شيئا سوى حريتها. لا تطلب سوى أن تُترك لتتأمل في الكون بمفردها، بدون قيوم أو شروط أو رغبة في الاحتفاظ بها. كل هذه المخلوقات تخوض اختبارات الطبيعة المحيطة بها دون خوف أو ملل. يحاول الطائر الصغير الطيران لأول مرة رغم صعوبة هذه المهمة عليه، لكن حلمه في الحرية يكون أقوى من المشقة. فيسقط مرة ليحاول ثانية. ويسقط ثانية فينظر إلى السماء حيث تحلق الطيور الحرة المختلفة، فيقسم أن لا يمر يومه دون أن يكون حرا مثلهم. تعانده الرياح بقوتها وضعف حجمه، فيعاندها بقوته وكبر عزيمته. وينجح في النهاية. لأنه عافر، ولأنه على ثقة بأنه يستطيع الطيران.

الحيوانات الأليفة

هذه الحيوانات لم يطلق عليها لفظ “أليفة” إلا لأنها اتصفت بالألفة. والألفة هي التقارب والتراحم والتواد. فالمخلوقات الأليفة بإمكانها أن تملأ قلبك بالحب والدفء لفرط ألفتها التي تخصك بها. حيوانا أليفا كالكلب يهبك حبا صافيا لا غاية من ورائه أو رغبة سوى أن تكون سعيدا. حبا لا مشروطا تصبح غير قادر بعده على الحزن للحظة. قدرة على النسيان والمغفرة. لا تتذكر تلك الحيوانات أذيتك لها، عندما تعتذر إليها وتحاول تعويضها. تصفح بسرعة وكأن شيئا لم يكن. تعد إليك محملة بنفس قدر الحب، وكأن خطأك لم يُنقص منه شيئا.

النمل والنحل

الطبيعة المحيطة بجوارك تحتوي على الكثير والكثير من مجتمعات النحل والنمل المختلفة. هذه المجتمعات تشعرك بالعظمة في تكوينها وطريقة عملها. تعمل تلك المجتمعات سويا في تحقيق هدف واحد سامي، وهو المصلحة العليا للمجتمع. لا تغدر نحلة بنحلة أخرى، ولا تكذب نملة على أخرى، ولا تحاول نحلة عرقلة نشاط وهمة نحلة أخرى. هذه المجتمعات يسودها النشاط وحب العمل والاهتمام والرعاية. هذه المجتمعات توصلت إلى الغاية العظمى، السلام النفسي والحفاظ على احتياجات الآخرين.

السماء!

ربما لو فتحنا الحديث عن السماء، لم نقدر على إنهاءه أبدا! فعن ماذا نتحدث بالتحديد؟ عن السماء في الصباح حيث تبدأ بألوان الشفق التي بإمكانها محو حزنك في لحظة. أم تحول لونها إلى الأزرق الصافي. أم تجمع السحب وتشكلها على أشكال كثيرة، وكأن السحب ترغب في تسليتنا أثناء مشاهدتها. أم في تلك السحب وهي تجري خلف بعضها كأنها طفل صغير يريد الاستمتاع فقط! أم عندما تحتضن تلك السحب بعضها، فتسقط دمعات تملأ حياتك بالمتعة والجمال. ثم تتساقط قطرات الماء النقية على وجهك وأنت تسير فاتحا ذراعيك لاستقبالها. أم في ألوان الطيف الناشئة بعد تلك الأمطار.

أو ربما نتحدث عن المساء؟ عند انتهاء كل متعة الصباح بألوان شفقية أخرى، تصحبها بعد ذلك سواد حالك تضيئه ملايين النجمات. وقمر مدور يشع بياضا، يبدو لوهلة وحيدا هناك، لكن في الحقيقة أن النجوم تصحبه في كل تحركاته. هل نتحدث عن النجوم التي ترغب في لمسنا كما نرغب نحن في لمسها، فتبدأ بالتساقط. وكأنها تظن أن سقوطها هذا سيوصلنا إلى بعضنا البعض! أم نتحدث عن القصة التي ترويها صفحة السماء السوداء هذه، وتجمعات النجوم سويا لتشكيل بروجنا ودلالاتنا التي ترشدنا في سيرنا. وكأن النجوم أدركت أن سقوطها لن يفيدنا، فاكتفت بإرشادنا متى ما ضللنا الطريق. عن أي شيء نتحدث حقا عندما يتعلق الأمر بالسماء! عندما تتجسد الطبيعة المحيطة في السماء، علينا أن نصمت وننصت جيدا إليها. فالصمت في حرم الجمال .. جمال.

أفنان سلطان

طالبة جامعية، أهوى القراءة واعتدت الكتابة كثيرا منذ صغري. على أعتاب التخرج ولا أدري بعد ماذا سأفعل.

أضف تعليق

سبعة + ثمانية عشر =