الصفات الوراثية هنا ليس المقصود بها الصفات الجسدية كلون الشعر أو العينين، أو إذا كان طفلك سيكون لديه غمازتين جميلتين على خديه أم لا. الصفات الوراثية المقصودة هنا هي الصفات الشخصية المختلفة كالصدق والكذب والأمانة والخيانة والعنف والسلام وغيرهم الكثير من الصفات الشخصية المختلفة. ولكن، هل يمكنكم تصديق أن هذه الصفات الشخصية هي من الصفات الوراثية حقا؟! هل يمكنكم تصديق أن شخصيتكم هي شخصية جيدة، لمجرد أن جيناتكم الوراثية كانت تحمل هذه الصفات الوراثية الجيدة؟! أو أن شخصا سيئا تعرفونه، هو شخصية سيئة، لمجرد أن جيناته الوراثية كانت تحمل الصفات الوراثية السيئة؟! إذا كان هذا الكلام صحيحا حقا .. فهذا سيخلق مشكلة كبيرة إذا! لأن هذا معناه أن حياتنا وشخصياتنا وصفاتنا المختلفة التي نفتخر بأننا تحلينا بها، ما هي إلا عمل جينات خفي لم نره ولكنه ترك تأثيره علينا! أن شخصيتنا وبالتالي معظم جوانب حياتنا، لم يكونون من اختيارنا حقا، وإنما من المادة الوراثية المجتمعة من جينات آبائنا وأمهاتنا! فهل هذا الكلام الغريب هو حقيقي فعلا؟! هل شخصيتنا ليست من اختيارنا حقا؟!
دور الجينات في تحديد الصفات الوراثية
الدراسات تثبت ذلك
في طريقة لمحاولة معرفة تأثير الجينات المتشابهة على الأشخاص المختلفين، حاول بعض العلماء في جامعة “مينيسوتا” بإجراء تجارب على حوالي 350 زوجا من التوائم. المعروف عن التوائم هو أنهم يتشاركون معظم الجينات الوراثية من آبائهم، وخصوصا إذا كانوا متماثلين. لأن في كثير من الأحوال، يتكون التوائم نتيجة تخصيب حيوان منوي واحد لبويضة واحدة، فتكون المادة الوراثية مشتركة بين الجنينين، وبالتالي يتكون لديهم نفس المادة الوراثية التي ستأثر على صفاتهم الجسدية ، والصفات الوراثية على ما سيبدو أيضا.
كان هؤلاء التوائم يتعرضون لفحوصات مكثفة على مدى ستة أيام لدراسة جيناتهم وصفاتهم وشخصياتهم. وكان من ضمن هؤلاء الأزواج، توائم قد تم تفريقهم من صغرهم، وبالتالي، نشئوا في بيئتين مختلفتين تماما. والأكثر إثارة من ذلك، هو أن هناك زوجا من التوائم كانت مقابلتهم الأولى في حياتهم، هي في هذه التجربة! أي أنهم لم يعرفوا حتى بوجود بعضهم البعض!
فحوصات الشخصية لدى هذا الزوج من التوائم كانت مذهلة بحق. فعند إجراء كل الفحوصات اللازمة لفحص الشخصية، تبين أن أكثر من 50% من الصفات الشخصية ضمن تلك الفحوصات لدى التوأمين، كانت من الصفات الوراثية ! أي أنها كانت موروثة من الآباء سلفا، ولم يكن للبيئة أي تدخل فيها! بينما أقل من 50% كانت نتيجة البيئتين المختلفتين وطريقة تأثيرها عليهم. الأمر لم يقتصر على هذا الزوج من التوائم فقط. من ضمن الأزواج الموجودة بالدراسة، كان هناك 44 زوجا متطابقا من التوائم، أي لديهم نفس الصفات الوراثية تماما. و21 زوجا من التوائم المختلفة، أي يتشاركون الكثير من الصفات الوراثية. هذه الأزواج بالتحديد، تتميز عن باقي أزواج الدراسة بأنهم تم تربيتهم بعيدا عن بعضهم البعض. أي أن البيئة كانت مختلفة علي كل فرد من كل زوج من التوائم. وعند دراستهم بنفس طريقة التوأمين السابقين، تبين أن الأزواج المختلفة كانت تتشابه في الصفات الوراثية قليلا، لكن الأزواج المتطابقة كانت تتشابه بطريقة متماثلة جدا.
الطبع لا يغلب التطبع؟!
بإمكانكم أن تتخيلوا حجم البلبلة التي تسببت بها تلك الدراسة. فبعد عقود طويلة من النظريات الفلسفية. ونظريات “فرويد” وغيره من الفلاسفة حول الصفات الشخصية وتقلبها بين الطبع والتطبع وتأثير البيئة وقوتها على تكوين شخصية الفرد. ولن ننكر أن هذه هي قناعاتنا أيضا. تأتي دراسة مكثفة لتخبرك بأن نصف حياتك وصفاتك ليست من اختيارك، وإنما أنت ولدت هكذا! لا بد أن “فرويد” كانت ستصيبه خيبة أمل حتما إذا كان حيا حتى وقت هذه الدراسة.
لكن خيبة الأمل هذه ربما لم تكن لتدوم طويلا، لأنهم وجدوا أنه فيما يتعلق بموضوع الصفات الوراثية ، لن تتمكن البيئة المحيطة من تغيير هذه الصفة تماما، لكن بإمكانها على الأقل التأثير فيها. فمن ضمن الصفات الوراثية هي صفة الخوف مثلا. بإمكان البيئة أن تجعل الطفل أكثر أو أقل خوفا. لكن لن يمكنها تحويله إلى طفل شجاع تماما!
عند محاولة البحث عن المنبع الرئيسي لتلك الصفات الوراثية ، أو بمعنى أصح، الجين المسئول عن تلك الصفة أو هذه. وجد العلماء أن هناك العديد من الجينات المختلفة التي تتحكم في صفة واحدة من هذه الصفات. فصفة الخوف المذكورة سابقا مثلا، لا يتحكم فيها جين واحد، بل جينات كثيرة مختلفة من كلا الوالدين. وبالتالي، طريقة توريث هذه الجينات وعددها هي ما سيحدد درجة خوف أو شجاعة ذلك الطفل.
بهذه الطريقة سنتمكن من معاملة الصفات الوراثية كالصفات الجسدية بطريقة ظريفة. فنحن كما بإمكاننا أن نرى طفلا قصيرا قادما من أبوين طويلين. سنتمكن من أن نرى طفلا خائفا، قادما من أبوين شجاعين!
بعض الصفات الوراثية
اختبار الشخصية في هذه التجرية كان عبارة عن استطلاع ورقي يحتوي العديد من الأسئلة، تم تطويره بواسطة “أوكي تيليجين”. هذا الاستطلاع كان يحتوي على أسئلة مختلفة، وطريقة إجابة هذه الأسئلة كانت تحدد الصفة التي يتحلى بها صاحب الاستطلاع. فمثلا، الموافقة على جملة ” غالبا ما أستمر في العمل على مشكلة حتى وأنا متعب جدا” ستدل على أن هذا الشخص لديه رغبة عالية في الإنجاز وتحقيق شيئ ما. وبناءا على هذا الاستطلاع، كانت الصفات الوراثية التي استنتجها هؤلاء العلماء هي:
القيادة
من الصفات الوراثية التي تمكنوا من تتبعها، وجدوا أن الصفة القيادية هي إحدى هذه الصفات. فظهور صفة القيادة على كلا الوالدين، سيكون مؤشرا جيدا لاحتمالية أن يكون الطفل قياديا مثلهم إذا توفرت الجينات المناسبة بالشكل المناسب لدى طفلهم. ووجود نسبة عالية من جينات هذه الصفة، سيجعل الطفل متصدرا دائما عند الاحتياج إلى أشخاص يقودون مشروعا أو أمرا ما.
الحساسية من الضغط
الأشخاص الذين لديهم نسبة عالية من جينات هذه الصفة، يميلون غالبا إلى العصبية والتقلب، ويكون من السهل جدا إثارة غضبهم أو إحساسهم بالتوتر. وأيضا هؤلاء الأشخاص يكون لديهم الكثير من عدم الرضا على أنفسهم على عكس هؤلاء الذين لا يملكون نسبة عالية من هذه الصفة. وكما أوضحنا سابقا فيما يتعلق بقدرة البيئة على التأثير في قوة الصفة لا تغييرها تماما، ثبت أن العلاج النفسي مع هؤلاء الأشخاص بإمكانه أن يقلل حدة توترهم وقلقهم، لكنه لن يتمكن من تغيير هذه الصفة تماما.
التقليدية واتباع الأوامر!
كان هذا الأمر من أغرب الأمور التي توصل إليها العلماء في تلك التجربة. فمن كان يشك أن الالتزام بالتقاليد والأعراف المجتمعية هي صفة وراثية أصلا! جميعنا نظن أن هذه الصفة يتم تعليمها لنا منذ صغرنا وإجبارنا على الالتزام بها. لكن تبين أن الالتزام بهذه التعليمات التي نتلقاها في صغرنا، ستختلف نتيجة اختلاف هذه الجينات بداخلنا! وليس هذا فقط، بل يقول العالم النفسي “ديفيد لوكين” بأن هذه الصفة هي من أقوى الصفات تأثرا بالجينات والوراثة!
صفات أخرى
من الصفات الأخرى التي استخرجتها هذه التجربة كانت صفات مختلفة كالانفتاح على الحياة والإحساس بالصحة، الرغبة في الانعزال والوحدة، الهشاشة النفسية أو مقاومة الضغط، عدم الخوف أو حتى الرغبة في دخول المخاطر. وهناك صفة أخرى غريبة جدا وجدها هؤلاء العلماء، وهي الانغماس في النشاطات الجمالية، كالحفلات مثلا أثناء الغناء أو عزف الموسيقى! من كان يظن أن هذه صفة أصلا!
الصفات غير الوراثية
من الصفات التي وجدها هؤلاء العلماء، ولم تكن الجينات هي المتحكم الأول فيها كانت صفة الطموح والقدرة على الإنجاز. هذه الصفة هي إحدى الصفات التي تتحكم بها الجينات، ولكن وجد العلماء أن الجينات ليست صاحبة الكلمة الأولى فيها، وإنما التجارب الحياتية المختلفة التي يتعرض لها الإنسان.
من الصفات غير الوراثية الأخرى هي الارتباطات العاطفية للفرد. والمقصود بها هنا هو التقارب العاطفي بين الإنسان وأي شخص آخر في مجتمعه سواءا كان عاطفة أبوية أو صداقة أو غيرها من الاحتياج العاطفي العام. وجد العلماء أن هذه الصفة هي أقل الصفات تأثرا بالوراثة، وأن قوتها أو ضعفها أو تحديدها عموما، يتأثر بالبيئة المحيطة بالفرد نفسه.فالأفراد الذين حظوا بطفولة عاطفية جياشة، سيميلون إلى الرغبة في علاقات عاطفية قوية، أما الأشخاص الذي لم يتعرضوا لمواقف حميمة كثيرة في حياتهم، سيميلون إلى العلاقات السطحية أكثر.
نقد التجربة
ربما لم يكن “فرويد” ليصاب بخيبة أمل شديدة عندما يستمع إلى نقد العلماء الآخرين لتلك التجربة. فقد استشهد العلماء الآخرين في نقدهم بحقيقة أن استطلاع الشخصية كان ورقيا بحتا. وفي طريقة لإثبات أن الاستطلاع الورقي لم يكن أفضل الطرق لمعرفة شخصية شخص ما. فقد استدل هؤلاء العلماء بأن الطريقة التي يتحدث فيها أحد عن نفسه أو شخصيته قد تكون غير محايدة ومخالفة للواقع قليلا. فقد يعتقد شخص ما أنه شجاع جدا، ولكن عند مواجهة الخطر الحقيقي لن يكون بتلك الشجاعة التي يعتقدها. إذا، الإجابات الشخصية ليست بقوة المراقبة والملاحظة للمواقف الفعلية.
وفي نقد آخر أوضحه العالم “سيمور إيبستين”، أن هذه التجربة كانت على أفراد تجمعهم دائرة جغرافية صغيرة. فلم يكن هناك مساحة كافية لاختبار تأثير بيئات أخرى مختلفة، وكان من المنطقي أن نجد تشابها في الصفات المختلفة نظرا لتشابه البيئات، حتى وإن تباعدت قليلا. فلو استخدمت الدراسة أشخاصا من الإسكيمو مثلا مقارنة مع هؤلاء الأشخاص من أمريكا، وأظهرت نفس النتائج هذه، كان الأمر ليكون أكثر اعتمادا وثقة.
ولكن، هل هذين النقدين كفيلين بهد التجربة بأكملها وإثبات خطأها؟! في الحقيقة، ليس تماما. فربما تحمل التجربة بعضا من القصور في أداء التجربة نفسها. لكن النتائج ستظل تحمل الكثير من الصحة والمنطقية. وفي رد من “جاردنر ليندزي” مديرة مركز الدراسات المتقدمة في التصرفات البشرية، أوضحت أن نتائج هذه التجربة هي حماسية جدا، وستتسبب في فتح مجال واسع للدراسة العميقة والتعقيبية لهذه الدراسة.
الأدلة المادية على صحة هذه النتائج
ربما كانت تلك الدراسة تفتقر إلى الأدلة المادية والمراقبات الدقيقة للتصرفات البشرية ذاتها لتأكيد تلك النتيجة. ولكن على الجانب الآخر، هناك دراسات وأبحاث أخرى أحضرت أدلة ملموسة من تفاعلات داخل الجسد البشري لتؤكد أن الجينات لها دور في العديد من الصفات البشرية. والأمثلة القادمة ستكون جزءا بسيطا من تلك الاكتشافات:
العنف
سيدهشك أن تعرف أن العنف قد يكون صفة وراثية في الذكور عامة. فمن المعلومات البيولوجية البسيطة، سنجد أن هناك زوجان من الكروموسومات (الأجسام التي تحمل المادة الوراثية) يسميان الكروموسومات الجنسية. ويُطلق عليهما X و Y. هذين الكروموسومين هما المسئولان عن جنس الجنين سواءا كان ذكرا أم أنثى. فوجود كروموسوم Y يعني أن الجنين سيكون ذكرا، واختفاء كروموسوم Y يعني أن الجنين سيكون أنثى. كما أن هذا الكروموسومان يحملان بعض الصفات المختلفة، ولكن الكروموسوم X يتميز بحمل صفات أكثر بكثير من الكروموسوم Y. وليس معروفا بالتحديد نوعية الصفات التي يحملها الكروموسوم Y بجانب الصفات الذكورية المختلفة. فالكروموسوم Y هو المسئول عن تحديد جنس الذكر ، ونمو الأعضاء الذكرية للجنين.
في الحالة الطبيعية، يوجد زوجان فقط من هذه الكروموسومات، إما XX أو XY. ولكن في حالات أخرى ونتيجة لتدخلات مختلفة، قد يزداد عدد هذه الكروموسومات داخل الجسد. ويكون الأمر غير طبيعي في تلك الحالة. فمثلا، قد يوجد كروموسوم Y زائد في جسد الذكر. ولكن كما أوضحنا، نحن لا نعرف بعد الكثير عن الصفات الوراثية في الكروموسوم Y. كان هذا حتى تمت هذه الدراسة الغريبة.
في دراسة أجريت على الذكور الموجودين داخل السجون أو المتورطين في أعمال عنف، تم إجراء تحليل للمادة الوراثية ومحاولة إيجاد اختلافات بين هؤلاء الأشخاص العنيفين وبين الأشخاص الطبيعيين. لدهشة العلماء الذين قاموا بهذه الدراسة، وجدوا أن نسبة كبيرة من هؤلاء الأشخاص، لديهم حالة غير طبيعية من وجود كروموسوم Y زائد في أجسادهم! هذه النسبة الكبيرة من تلك الحالة غير الطبيعية، وتوافقها مع ارتكاب هؤلاء الأشخاص لأعمال عنيفة. جعل العلماء يفكرون في ربط صفة العنف، ببعض الجينات التي قد توجد على كروموسوم Y هذا. ربما لم يجد العلماء هذه الجينات المختصة بالعنف بعد. ولكن هذه النتائج ستجعلك تفكر أن هذه العلاقة ليست محض الصدفة بالتأكيد.
المثلية الجنسية
قد يبدو هذا الخبر صاعقا للكثيرين منا. من كان يظن أن المثلية الجنسية التي تنهى عنها جميع الأديان السماوية، وتتقزز منها الفطرة السليمة أيضا، قد تكون من فعل جينات لا دخل للشخص الذي يحملها بها! لكن الحقيقة هي أن هذه الصفة هي صفة وراثية فعلا. وأثبتت أبحاث علمية مختلفة عن وجود عدد كبير من الجينات التي تتحكم في الميول الجنسية للشخص. فأن تكون رجلا ينجذب إلى الفتيات ليس باختيارك أيضا، بل هي تجميعة هذه الجينات وطريقة عملها. فلو كان هناك بعض التغيرات البسيطة في تلك الجينات،؟ ربما كانت ميولك للتغير إلى الرغبة في أبناء جنسك أنت!
الاكتئاب
الاكتئاب هو مرض نفسي قد نظن أنه يحدث نتيجة الأحداث السيئة أو المشاعر السوداوية التي نختبرها على مدار حياتنا. لكن العلماء وجدوا أن هناك بعض الهرمونات في الجسد، والتي تؤدي ضعف إفرازها إلى زيادة احتمال إصابة الفرد بالاكتئاب. كأن يكون أقل قدرة على التكيف مع التغييرات المحيطة، أو أكثر عرضة لللتقلبات المزاجية السريعة. هذه الهرمونات يتم إفرازها بواسطة جينات مختلفة. فبالتالي، يمكننا القول أن الجينات المتحكمة في هذه الهرمونات، هي الجينات التي تتحكم في احتمالية الإصابة بالاكتئاب مثلا. من أمثلة هذه الهرمونات هي هرمون السيرتونين، الذي تؤدي إصابة الجين المسئول عنه إلى زيادة فرص الإصابة بالاكتئاب.
ولكن
حقيقة أن هناك جينات مختلفة تتحكم في الصفات الوراثية المختلفة، لا يعني أبدا أننا فقدنا السيطرة على حياتنا. أو أن اختياراتنا لم تعد ملكا لنا بعد الآن. الواقع يخبرنا أنه رغم تحكم الجينات في وجود أو عدم وجود هذه الصفات بعينها، إلا أن البيئة وتأثيرها لا تزال قادرة على التحكم في طريقة وقوة ظهور هذه الصفات. ففي حالة العنف مثلا، ربما كان الكروموسوم الزائد هو السبب في هذا العنف. ولكن هناك أيضا الكثيرين جدا ممكن يملكون كروموسوم Y زائد، ولكن لم يكن هذا مبررا لهم ليقوموا بأعمال عنف كهؤلاء الموجودون بالدراسة.
وحقيقة أن الميول الجنسية هي من فعل جينات، لا يجعل الضرب بالمعتقدات وتقاليد المجتمع عرض الحائط أمرا جائزا ومستباحا. فأمام كل شخص سمح لميوله الجنسية بأن تتحكم فيه، هناك المئات غيره ممن يحاولون التحكم في ميولهم الجنسية المختلفة، وعدم السماح لها بالتحكم فيهم.
وحقيقة أن نقص إفراز هرمون ما، يجعل الشخص أكثر عرضة للاكتئاب. لا يجعل هذا السبب الأول للاكتئاب. فالدراسة التي أجريت على هذه الظاهرة، أثبتت أن هذه الفرص لا تزيد إلا إذا تعرض الشخص أثناء طفولته إلى أحداث متوترة وصعبة.
فالبيئة أولا وأخيرا سيكون لها تأثير كبير على تكوين شخصياتنا. ومحاولاتنا نحن شخصيا عندما نصل إلى مرحلة الاستقلال عن قيود العائلة والمجتمع، ستساهم هي الأخرى في تشكيل حياتنا وشخصياتنا. فالدراسة المذكورة في أول المقال تتحدث عن 50% من الصفات الوراثية في حالة التوائم المتطابقة، هذا يترك لنا 50% للبيئة للتحكم فيها. غير أن هذه ال 50% من الصفات الوراثية ، بإمكان البيئة المساهمة في قوة أو ضعف هذه الصفات الوراثية حتى. فالأمر ليس خارجا عن إرادتنا تماما. وإنما بعض الأشياء تركت إلينا من أجل أن تكون اختبارنا وصراعنا مع الحياة.
إيجابيات وسلبيات
في هذا المقال، تم ذكر العديد من الصفات الوراثية الجيدة كالقيادة والقدرة على الإنجاز والاستمتاع بالحياة والشجاعة وغيرهم الكثير. هذه الصفات الوراثية عندما توجد في شخص ما، فإنما هي رزق له لم يسعى أو يتعب من أجله. ويجب على هذا الشخص وعلى أهله والمحيطين به أن ينموا هذه الصفات ويحسنوا استغلالها في أمر جيد ومفيد للمجتمع وللشخص ذاته. فاجتماع قوة التأثير البيئي، مع قوة الصفات الوراثية، سيؤديان إلى إنشاء فرد قوي جدا ومميز جدا في المجتمع. لذلك، تقع هذه المسئولية على الآباء والمجتمع عموما في اغتنام مثل هذه الفرص التي يجب استغلالها منذ الصغر جدا.
وفي المقابل، تم ذكر العديد من الصفات السيئة كالهشاشة النفسية والعنف الجبن وضعف الشخصية. ووجود هذه الصفات الوراثية في شخص ما، ليس مبررا له ليتحجج بها عند القيام بأمر سيئ، وليسا مبررا أيضا للوالدين أو المجتمع ليتحجج بها عند صدور فعل سيئ من طفله. فالبيئة كما أوضحنا بإمكانها أن تفعل شيئا بهذا الخصوص. فإن دكتور “ديفيد ليكن” المشارك في الدراسة المذكورة بهذا المقال يقول بأنه إذا كان هناك أخوين، أحدهما شجاع والآخر جبان. لا يجب على الوالد أن يحاول حماية الطفل الجبان والخوف عليه من أبسط المواقف، وإنما عليه أن يحاول تعريضه لمواقف تتطلب شجاعة والأخذ بيده حتى يقل تأثير صفة الجبن هذه إلى أقصى حد. أما الخوف عليه من الهواء الطائر، سيؤدي إلى زيادة تأثير صفة الجبن عليه، وسيتحول إلى شخص شديد الجبن في المستقبل. وفي المقابل مع الأخ الشجاع، يجب على الوالد أن يتعامل بحرص مع شجاعة طفله وألا يكسرها، حتي لا تقل قوة هذه الصفة فيصبح الطفل الشجاع جدا أقل شجاعة.
وفي النهاية، حقيقة أن هناك صفات وراثية ليس لنا الدخل الأول في ظهورها أو عدمها، يجب أن تجعلنا ممتنين للصفات الجيدة التي لم نتعب من أجل الحصول عليها، عوضا عن التشدق بعظمة أو فضل أفعالنا. وفي المقابل، سيكون من الضروري أن نعطي الآخرين الأعذار والحجج عند صدور فعل غير جيد منهم، ومحاولة مراعاة أن هذه قد تكون صفة وراثية يحاولون التغلب عليها. فيتمكنون من النجاح مرة، وقد يتمكن الفشل منهم مرة أخرى. فحقيقة أن هناك صفات وراثية يجب أن تجعلنا نرى الحياة بمنظر مختلف أكثر امتنانا ومراعاة، عوضا عن الجلوس على الطرقات والشكوى بأن حياتنا ليست من اختيارنا. فحياتنا ما هي إلا صراعات مختلفة مع جوانب الحياة المختلفة، وقد تكون الصفة السيئة هي الاختبار الذي قُدّر لنا.
أضف تعليق