هل حاولت التأمل في السماء من قبل لرؤية الشهب ؟ أعرف أن أضواء المدينة المزعجة المبهرة تحول بيننا وبين جمال السماء وتأملها كل ليلةٍ حتى نمل منها وأشك أننا سنكون قادرين على الشعور بالملل أمام هذا الجمال الخلاب، لكن ألم تمر في حياتك يومًا بليلةٍ قضيتها لأي سببٍ من الأسباب بعيدًا عن أضواء المدينة وحاجزها بيننا وبين السماء؟ أن تسترخي على الأرض ورأسك مرفوعٌ وعيناك معلقتان بالنجوم بينما تتسرب الراحة إليك ويغشى الهدوء نفسك، وإن فعلت ذلك فهل رأيت واحدًا من الشهب من قبل؟ سريعًا مضيئًا يشق السماء كشعاعٍ رحيمٍ جميلٍ من البرق يظهر في لحظةٍ خاطفةٍ ثم يختفي.
الشهب والتفسير العلمي لرؤيتها في الليل
جمال السماء
أعلم أننا رأينا تلك الأشياء كثيرًا في الصور بل وحفظناها عن ظهر قلب لكن هل جربنا رؤيتها على الحقيقة من قبل؟ إن الحياة والموت بدون أن نرى جمال هذه الأرض وروعة السماء الفاتنة من فوقنا وانتهاء العمر بدون أن نرى منظرًا خلابًا كهذا المنظر لهي فكرةٌ مرعبة، ثم هل فكرت يومًا في أن تنظر للسماء فتتأمل نجومها وشهبها وتذهب بعقلك لحقيقة أن تلك الكيانات الجميلة اللامعة البارقة تحترق وتشتعل فيها النيران ثم تتجدد وتتجدد لتعطينا هذا المشهد الساحر وذلك النور المهدئ؟ لا يسعني إلا أن أتخيل الصدمة التي تعرض لها هؤلاء الذين كانوا أول من اكتشف أن النجوم ليست مصابيح صغيرة معلقة في السماء تبعث بضوءٍ فضيٍ كالقمر وإنما هي أجرامٌ سماويةٌ عملاقة تتفجر فيها النيران وتغشاها ألسنة اللهب وتحترق كأن العالم أوشك على سطحها على الانتهاء، وفي بعض الأحيان كما هو الحال مع الشهب هي مجرد لحظاتٍ فحسب.. ثم انتهى العالم بالنسبة لها.
حقيقة الشهب
ما الشهب وما سر وجودها اللحظي في حياتنا وعدم دوامها كالنجوم؟ الشهاب يولد أمامنا وقبل أن تعد الثواني يختفي فما حكايته؟ هي أجرامٌ سماوية تتكون من الحديد والمعادن والكربون والغبار الكوني والغازات المتجمدة وأسباب وجودها في الأساس حسب العلماء هو كونها تفتت من كويكباتٍ ومذنبات وأجرام كونية أخرى أكبر حدث لها انفجارٌ وتفتت أو تصادم مع بعضها البعض كانت تلك نتيجته، تكون الشهب صغيرة الحجم جدًا وهي طافية في الفضاء خارج الأرض لكنها ما إن تدخل مجال الأرض حتى تتعرض لجاذبيتها فتبدأ سرعتها في التغير والازدياد، وبمجرد عبورها الغلاف الجوي بتلك السرعة الكبيرة المتزايدة تشتعل مكوناتها من الاحتكاك وتحترق بسرعةٍ جنونية وهي تعبر السماء حتى تتلاشى تمامًا وتلك هي اللحظة التي يموت فيها الشهاب ويختفي من أمام عيوننا، ليست ظاهرة الشهب أمرًا نادرًا لكننا نعود مرةً أخرى لواقع أن سماء المدينة نعجز فيها رؤية النجوم البراقة نفسها في بعض الأحيان فكيف بشهابٍ يظهر ويختفي في ثوان؟! السماء مليئةٌ بالشهب التي تدخل الغلاف الأرضي وتحترق فيها طوال الوقت ولو تأملنا قليلًا ولو لساعةٍ في السماء لحصدنا ما زاد عن أصابع اليد الواحدة في تلك الفترة القصيرة، ولو كان الشهاب جسدًا يحترق فلماذا نراه طويلًا كأن له ذيلًا؟ ذلك الذيل هو عبارة عن الغازات والمواد الصغيرة المفتتة المتطايرة من الشهاب مع سرعته أثناء حركته ليعطينا ذلك الشكل الجذاب.
الزخات الشهابية
هل سمعت قط أحدهم يقول أن السماء تمطر نجومها؟ هل تخيلت المشهد؟ أن تجد السماء فجأةً اشتعلت في الليل وأضاءت بينما تتساقط أجسامٌ مضيئةُ بسرعةٍ خلالها فيبدو كأن السماء ضاقت بنجومها فألقت بها علينا لتحترق وتموت، مشهدٌ من أجمل المشاهد التي سيراها الإنسان ومهما عرف وعلم وتقدم سيبقى صغيرًا عاجزًا ذاهلًا أمام روعة وجمال صورةٍ كصورة السماء المتحركة في تلك اللحظة، الزخات الشهابية هي عبارة عن تساقط عددٍ ضخمٍ من الشهب معًا على الأرض في وقتٍ واحد وفي إحداها ذات مرة تمكن الناس والعلماء من رؤية ورص ما زاد عن المائة ألف شهابٍ محترقٍ في كل أنحاء السماء خلال ساعةٍ واحدةٍ وحسب من الليل! السماء تصبح مضيئةً بالفعل لكنه ليس ضوء النهار ولا ضوء انفجارٍ مفزع وإنما ضوء فاتنةٍ تتألق بحلتها البهية، تحدث الزخات الشهابية في الكثير من الأوقات الثابتة والمحددة من العام وصار العلماء قادرين على تحديدها والتنبؤ بها ورصدها قبل حدوثها وهو أمرٌ مبهجٌ لمحبي الفلك والسماء الذين ينتظرون تلك المشاهد ليستمتعوا بها، هناك 11 زخة شهابية ثابتة في العام وقد تزيد وأغلبها يحدث في شهر نوفمبر، وسبب حدوثها أن الكويكبات وأجزاءها المفتتة تدور في فلك الشمس متأثرةً بجاذبيتها، وعند دخول الأرض في مدار تلك الكويكبات تجذبها إليها فتدخل غلافها الجوي على اختلاف أحجامها وسرعاتها وتموت في سمائنا.
الشهب والنيازك
على جمال الشهب وكونها أمرًا مسالمًا ممتعًا وخلابًا لا يضرنا في شيءٍ ولا يسبب لنا أي مشكلةٍ جاءت النيازك على النقيض، الشهاب يدخل الغلاف الجوي للأرض ويشتعل ويحترق حتى يتلاشى بمنتهى البساطة، لكن ماذا لو كان حجمه كبيرًا وكان أضخم وأكثر سرعةً وتأثير الجاذبية عليه ساحق ليصل إلى الأرض قبل أن يحترق؟ عندها سيصبح ببساطةٍ نيزك، النيازك تكونت من نفس ما تكونت منه الشهب وعاشت دورة حياةٍ في الفضاء مثلها لكنها كانت أكبر من أن تحترق وتنتهي ببساطةٍ في السماء، تخيل كتلةً ناريةً مشتعلةً ساخنةً من المعادن تتجه إلى الأرض بسرعةٍ جنونية! تخيل لو كانت النيازك بنفس كثافة وأعداد الشهب، إذًا لفنيت الأرض منذ زمن، واحدةٌ من أشهر الحوادث النيزكية في التاريخ كانت التي وقعت في عصر الدينوصورات عندما بدأت السماء تمطر كراتها المشتعلة واحترقت الأرض ومات الكثير من الدينوصورات، صحيحٌ أن ذلك سبق عهد الازدهار الذي عاشته تلك الكائنات الضخمة لكن من يدري لعل فناءها ونهايتها كانت على يد قنابل مشتعلة جديدة أغدقتها عليها السماء، كثيرًا ما حظيت النيازك باهتمام أصحاب الخيال الواسع وكتاب الخيال العلمي بسبب إثارة فكرة كونها شيئًا لا أرضيًا ولم يأتِ أصله من المكان الذي أتينا منه، بل هو كاملٌ خالصٌ بكل مكوناته ومركباته من الفضاءـ لعله يحمل بعض سكانه أيضًا؟ ربما! الخيال الواسع يصبح مرعبًا أحيانًا.
الشهب والاعتقادات
بالطبع كانت الشهب موجودةً قبل وجود العلم وقبل تطور علم الفلك وقدرته على دراسة جسمٍ يولد ويموت في السماء دون أن يصل إلينا ودون أن نلمسه وإنما مجرد نراه للحظاتٍ في السماء ويختفي، فكان الناس ينظرون لأعلى ويتخيلون ما هي تلك الأشياء المضيئة! في كثيرٍ من المعتقدات والحضارات انتشرت فكرة التمني عند رؤية الشهاب فلحظة ولادة الشهاب أمام عينيك وهي بالطبع اللحظة التي يدخل فيها الغلاف الجوي ويبدأ في الاشتعال تتمنى أمنيةً قبل أن يموت فتتحقق، لكن الزخات الشهابية لم تحصل على نفس الصدى الجيد فشكلها أصاب بعض الحضارات بالرعب واعتقدوا أن السماء تحترق وستهلك الأرض بمن عليها واعتبروها علامة سخطٍ وغضبٍ من آلهتهم، وبعضهم اعتبرها علامة جمالٍ ورضا، وفي القرآن الكريم جاء ذكر الشهب المتساقطة في سورة الجن أنها كانت وسيلةً من وسائل إبعاد الجن والشياطين عن السماء وتصيبهم كلما حاولوا الاقتراب لاستراق السمع ومعرفة أسرار الغيب.
أضف تعليق