منذ ان اصبحت تنتشر القنوات الفضائية، اصبحنا نرى العديد والكثير من البرامج الحوارية ، ان كانت على الصعيد السياسي او الفني او الاجتماعي، والتي جميعها تنتهي عادة بالصريخ والعويل من المشاركين بالبرنامج بصورة ساخرة احيانا، وبصورة محزنة في بعض الاحيان الاخرى، فهل يمكن ان يصل الحال بمثقفي الامة ان ينحدروا الى هذا المستوى في النقاش والسباب بحيث يصلوا الى السباب والتشابك بالايادي؟.
كما ان للجلسات العائلية طعم اخر ان كان بها نقاش حول نقطة ما، لكن هل يبقى للحوار طعم ان انتهى الى شجار، او على ادني حل الى اللاشيء، مشاكلنا العويصة ان الحوار في الوقت الحالي دوما ما ينتهي الى اللامكان، ويبقى الشجار وذا الصوت الاعلى هو سيد الموقف، لذلك كان لا بد ان نتحدث في مقال ما عن الاسلوب الحضاري في الحوار والذي يبقي الانسان ضمن نمط معين من الانسانية، ويبقى متعاونا مع شخصيته وشخصيات من حوله حتى يصل الى النتيجة التي يرغب بها ويتمناها.
مازالت الامم الحاضرة والتي استطاعت ان تخترق حاجز الصوت بإختراعاتها، وبذكائها، تحترم اراء الاخرين وتسعى الى الاستفادة قدر الامكان من كل ما هو عامل و يسري ضمن المنطق والمطلق، وما زلنا نخوض في مبدا ايهما الاول البيضة ام الدجاجة؟
سنخصص في هذا المقال عن بعض اداب الحوار، وعن اهمية ذلك في العلاقات الانسانية، وحتى يكون للحوار طعم سأبدا بكلمات رائعة للامام الشافعي فيها من النصائح والعبر الكثير،
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباإذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
فـإن كلـمته فرَجت عنه وإن خليته كمداً يـموت
ماهو الحوار :
هو بكل بساطة فن لغوي واسلوب للتواصل بين البشر يقوم على تداول الحديث والكلام حول موضوع معين بين شخصين او اكثر، ويتم هذا الحديث بوسيلة تبادل الاراء والاحاديث، وكل شخص يبدي قناعاته ورايه حول هذا الموضوع، حتى تتلاقى النقاط الرئيسية للحوار ويتم الوصول الى نتيجة معينة يتفق عليها الكل، وفي بعض الاحيان قد لا يتفقوا ولكن يكون الاساس ان النقاش ودي واصولي وذو نتيجة، و للنقاش البناء شرطين مهمين: الاول وهو بديهي ان يكون النقاش بين شخصين او اكثر ، والثاني مهم جدا بحيث يدلي كل شخص برأيه بكل حرية و احترام المتناقشين جميعهم، لما نتيجة الحوار فليست من شروطه برأيي الشخصي، فالاهم هو الادلاء بهذه الاراء.
اهمية الحوار :
للحوار البناء اهمية عظيمة على مر التاريخ ويمكن ذكرها بالنتائج التي ظهرت في العديد من الكتب والتي اشير اليها في مؤلفات العظماء وعلى مر التاريخ ومنهم سقرط ومحمود عباس العقاد، ويمكن اجمال اهمية الحوار البناء فيما يلي:
الوصول الى نتائج عظيمة :
لولا الحوار لما وصل الانسان الى العديد من النتائج العظيمة والتي اثرت على الانسانية ككل، فالحوار والنقاش، ان كان على الصعيد العلوم الانسانية، او العلوم التطبيقية، فهذه النقاشات ادت الى تنوير العقول على الاماكن التي كانت مظلمة من قبل ودما كان يقال راي الاثنين افضل من راي الواحد وهكذا
تطوير وسائل التفكير :
ان النقاش والحوار البناء يعني تبادل الاراء واحلال الفكر مكان الفكر، والفكرة مكان الاخرى، وقد يعني تزاوج الافكار في جميع الاحوال بناء منهاج جديد يختلف عما سبق من مناهج كانت معروفة، لم تاتي بجديد، ولعل هذا المنهاج الجديد هو ما سيدر على الانسان اللامر النافع او درء السيء.
انتاج انواع جديدة من العلوم :
ان انتاج انواع جديدة من العلوم ما كان ليتم لوةلا اتفاق العديد من العلماء عبر حواراتهم ونقاشاتهم، ولولا ذلك لما وجد علم التحليل النفسي، او العلوم السياسية وغيرهان ولبقي الانسان حبيس التطور البطيء للعلوم وبقاء الانسان ضمن دائرة مفرغة.
اسلوب ابداء الرأي و الحوار :
الاحترام الى الطرف الاخر :
لن تستطيع ان تصل الى الطرف الاخر ان لم تكن تحترمه، وهو ايضا يحترمك، وبعكس ذلك فلا مجال للنقاش اصلا، ولا غاية له، فالاحترام يولد الثقة بفكر الطرف الاخر، وان اختلفتم في النتيجة او الفكرة النهائية، لكن يجب القول ان هذا الاحترام سيجعل للحديث معنى واسلوب، وبالتالي غاية غير النقاش دون فائدة.
الحديث بصوت خافت ولكنه مسموع :
ان كنت ترغب بإبداء رايك فعليمك ان تحاول ايصاله باسلوب حضاري، وهذا يعتمد على الصوت واسلوب الكلام، ونبرة الصوت، فالكلام بصوت عال لابد ان يستفز الطرف الاخر مما يؤدي الى رفع صوته هو الاخر، وهذا الامر سينقل الحوار لا محالة الىجدال غذائه، ووقوده الصراخ دون طائل منه، فالاجدى ان يكون النقاش بناء ولطيف وذو مغزى، ويعتمد على ايصال الفكرة بطريقة اهم من حشوها.
الاستماع بأدب حتي ينتهي الطرف الاخر من الحديث وعدم المقاطعة :
ومن اداب الحوار ان تستمع الى من يحاورك بادب ولطف حتى ينتهي من كلامه ومن طرحه لفكرته، فالهدوء سيجعل من امر فهم الفكرة واستيعابها اسهل، وسيؤدي الى ان يكون المتلقي عالما وفاهما لما يقال، وبعكس ذلك فإن كثرة المقاطعة بين الطرفين ستعني غياب الفكرة وعدم اكتمالها وبالتالي عدم الفهم الدقيق للمعني منها، وما وراءها.
استخدام لغة الجسد لايصال المعلومة ولكن اللغة ذات المعنى الادبي :
لغة الجسد امر مهم وعملي في وسائل الاتصال بين البشر، وهي لغة لا يتقنها الكثيرين، ولكنها امر تساعد على ايصال الافكار بشكل اوضح عند من يتقنها، فالعين بإمكانها ان توصل الفكرة، وحركة اليد كذلك، المهم ان يندمج ذلك مع بعضه البعض بحيث يظهرالكلام والاشارة مع بعضهما البعض بشكل واحد لا يمكن تجزئتهما.
الابتعاد عن الطعن والتجريح اللغوي :
هناك الكثيرون ممن يلجؤن الى اسلوب الكلام البذيء، والمليء بالعبارات الجارحة في نقاشه، ولعل هذا ظهر في اكثر من برنامج تلفزيوني مشهورة، وفي المطلق ان ذلك يخرج عن حدود اللياقة الادبية ولايجلب الاحترام للمناقشين.
عدم تتقيه المعتقدات والافكار التي تخص الطرف الاخر :
البعض يعمد حتى يوصل فكرته الى التجريح بإفكار الاخرين، وتسفيهها، فبهذا يرغب بإظهار ان ما يرد على لسان الاخرين لا يرقى الى ان يكون حتى فكرة، ولكن بالمطلق يعد هذا العمل قبيحا بحد ذاته، ونقيصة في هذا الشخص، فإحترام افكار الاخرين على ما تكون ونقاشها بأدب، سيجعل الطرف الاخر يحترم افكارك انت الاخر، ويستمع لها وينتقدها ان رغب بإدب ايضا.
جزاك الله خيرا