الذكور والإناث في صراع منذ قديم الزمان، ويخضعون للمعايير المجتمعية وآراء الأقدمين، فلفترة كبيرة كانت المرأة تعامل على أنها نصف إنسان، وأن مكانها هو المنزل فقط لضعف قدراتها العقلية، والآن نجد أن بعض النساء تتعاملن مع الرجال كأنهم مصدر للعمل وجلب المال فقط، متحججات بأن تلك هي الوظيفة التي خلق لها الرجل، إذن، فأي من هذا الكلام الصحيح؟ نوضح في هذا المقال الفرق بين مخ الذكور والإناث وبعض التأثيرات المجتمعية على طريقة التفكير.
استكشف هذه المقالة
المخ الذكري والمخ الأنثوي
يوضح علماء المخ الفروق بين مخ الذكور والإناث في أربع مستويات، وهم:
- معالجة المعلومات: نجد أن مخ الذكر يحتوي على المادة الرمادية بقدر أكبر بكمية أكبر سبع مرات، بينما تستخدم الأنثى المادة البيضاء بقدر أكبر عشر مرات؛ ويظهر ذلك عند أداء المهمات، فالذكر يصب تركيزه كله على مهمة واحدة، فينسى كل ما حوله من أشخاص وأشياء، أما الأنثى فإن أدائها يكون فعال أكثر بتركيز أقل وتستطيع أن تقوم بأداء أكثر من مهمة في وقت واحد والنجاح في كل منها.
- الكيمياء: يستخدم الذكر والأنثى نفس الكمية من المواد الكيميائية العصبية، مثل: السيرتونين والاستروجين والتستوستيرون، لكن بارتباطات مختلفة بالمخ وبدرجات مختلفة أيضا، ويظهر ذلك واضحا في اندفاع الرجال وعدوانيتهم عن النساء، واحتياجهم لاستراتيجيات تفريغ غضب تختلف عن استراتيجيات النساء.
- اختلافات البنية: والمقصود بها الاختلافات المتعلقة بحجم المخ وكيفية تكوينه، فللإناث قدرة عالية على استقبال المعلومات بصورة أكبر عن طريق الحواس، وبذلك يصبحن أقدر من الرجال على متابعة الأحداث حولهن. يعد مخ الرجال أكبر حجما من النساء بنحو 10%، لكن ذلك لا يعني أنهم أكثر ذكاءً، فوفقا للأبحاث والدراسات لم تكن هناك علاقة بين مستوى الذكاء وحجم المخ.
- نشاط المخ: والمسؤول عنه هو جريان الدم، يتدفق الدم بسلاسة عند النساء في أي وقت، فنجد أنهن أكثر قدرة على مراجعة الذكريات والتأمل فيها خصوصا العاطفية، أما الرجال فلا يميلون إلى تحليل الذكريات والتأمل فيها، بل يختارون الانتقال إلى مهمة أخرى، ويعتقد بعض الباحثون أن ذلك يعد هروبا.
وهناك بعض الاختلافات الأخرى بين مخ الذكور والإناث لكن هذا قد يجعلك تفكر أن المخ نوعين، نوع للذكور وآخر للإناث، لكن ذلك غير صحيح، فعلى الرغم من كل تلك الاختلافات إلا أنه لا يوجد مخ ذكري ومخ أنثوي بشكل يمكن تمييزه عند إجراء أشعة الرنين المغناطيسي، وإنما يكون المخ مزيجا من الاثنين، فلا يوجد مخ أفضل من الآخر، فكل له مزاياه وعيوبه.
ولا يمكن الجزم بوجود نمط معين لعمل المخ الذكري والمخ الأنثوي، فهناك عوامل كثيرة مثل التربية والبيئة والثقافة التي تتحكم في السلوك وطريقة التفكير ولها دور كبير في تشكيل المخ.
الاختلافات الجسدية بين الذكور والإناث
يختلف الشكل الظاهري للذكور عن الإناث بصورة واضحة، وتبدأ تلك الاختلافات في الوضوح عند بداية فترة المراهقة، فيصبح الذكر أكثر قوة ويكثر نمو الشعر في جسده، كما يصير صوته خشنًا، بينما يلين صوت المرأة وتبدأ علامات الأنوثة في الظهور، والسبب في ذلك هو إفراز الهرمونات مثل التستوستيرون في الذكور، والاستروجين في الإناث، وهما المسؤولان عن تمييز الصفات الجسدية والظاهرية، كما أنهما يتحكمان في رغبات الإنسان، مثل رغبة الذكر في أن يصبح أكثر قوة، ورغبة الأنثى في أن تصبح أكثر جمالا.
علم النفس والاختلافات بين الذكور والإناث
يضع علم النفس التطوري نظرية في غاية الأهمية، تفسر السلوكيات المختلفة بين الذكور والإناث فوجدوا أن الجنس الملزم بقدر أقل من الالتزامات الأبوية، يكون أكثر قابلية للتواصل الاجتماعي بشكل حر، وفي المجتمعات التي توجد بها مساواة بين الرجل والمرأة يكون هناك اختلافات كثيرة في طريقة تفكير كل منهما، واختلافات أخرى حتى في الصفات الجسدية، مقارنة بالشعوب التقليدية، ما يدل على أن للمحيط المجتمعي دور هام وأساسي في تكوين المخ وطرق التفكير، وتم إثبات ذلك بدراسات أجريت على مئات الشعوب، مما يثبت صحة تلك النظرية.
الذكور والإناث في التعليم
ظهر منذ حوالي ربع قرن تقرير من معهد أمريكي يشير إلى أن الذكور يتفوقون عن الإناث في الرياضيات، والغريب أن السبب الذي تم ذكره هو تفوق دماغي للذكور عن الإناث، وتسببت تلك المسألة في اشتعال الغضب لدى الكثيرين، من العامة والباحثين، ليحدث أمر غريب بعد مرور الوقت، وهو التدني في معدلات تحصيل الذكور عن الإناث، ففي دول مثل اليابان وتركيا وكوريا، يقصر ستة فتيان من أصل عشرة في تلبية المعايير الرئيسية لمواد الرياضيات والعلوم والقراءة، وتتفوق الفتيات بشدة في قدرتهن على القراءة، والتي تعد من أهم المهارات للتعلم في المستقبل. وترجع أسباب وجود الفجوة بين تعلم الذكور والإناث إلى الفروقات المجتمعية، فللذكور الحق في تقضية وقت أطول خارج المنزل، مما يقلل من قدرتهم على تحمل المسؤولية أو القدرة على أداء المطلوب، ويرفع من روح التهور عندهم والاندفاع، وهذا بالطبع ليس مناسبًا للنجاح.
الفرق بين الذكور والإناث نفسيا
تختلف الاستجابة النفسية للجنسين عند التعرض لبعض المواقف، فمثلا تختلف استجابة الذكور والإناث عند تقديم المساعدة لهم، فتشعر الإناث بالأمان والفرحة والحب، وذلك لأن من قيمها المشاركة والتواصل، بينما يشعر الذكور بالتهديد وعدم الراحة خصوصا إن لم يطلب المساعدة، لأنه يرى أن عليه أن يكون قويًا وكفء، فيشعره ذلك بعدم قدرته على الإنجاز وافتقاره لجزء من رجولته، فمنذ بداية الخلق وترى المرأة في نفسها الحنان والبساطة ويرى الذكر في نفسه القوة والدفاع عن الأنثى وتلبية احتياجاتها. قد يحتاج الذكر لنفس ما تحتاجه المرأة من جهة المشاعر، لكن أولوية كل منهما تختلف، فتحتاج المرأة إلى العناية ويتم إشباع تلك الرغبة بسعي الرجل إلى راحتها، بدءًا من توفير احتياجاتها المادية إلى التربيت على كتفها ومعاملتها بلطف، التفهم، الاحترام، والأمان، وتشبع تلك الرغبات عن طريق الرجل ليس بالكلام فقط وإنما بالأفعال أيضا.
أما الرجل، فيحتاج ليشعر بثقة شريكته فيه، وقبوله كما هو بعيوبه ومميزاته، وتقديره والإثناء عليه، وتشجيعه ومساندته.
ويختلف الذكور والإناث أيضا في استجابتهم للضغوط فيميل الرجل إلى الصمت والانعزال والتفكير المباشر في حل المشكلة، أما المرأة فتميل أكثر للتحدث عن مشكلاتها وتحتاج للتفهم والمشاركة والتعاطف وآخر ما تحتاجه هو الإرشاد والنصح.
هل عدد النساء أكثر من الرجال
انتشرت الكثير من الشائعات حول زيادة نسبة الرجال عن النساء، لكن هذا ما نفته هيئة الأمم المتحدة، حيث أصدرت تقريرا يوضح أن عدد الرجال يفوق عدد النساء بنحو 85 مليون رجل في العالم، على الرغم من ذلك، يولد يوميا ذكور أقل من النساء، لكن مقاومة الذكور للأمراض في مختلف المراحل العمرية يعوض ذلك الفارق، وتختلف نسبة الذكور والإناث في البلاد تبعا لحالتها الاقتصادية والسياسية وعمليات الهجرة، فمثلا في إفريقيا لا يوجد فرق كبير بين مواليد الذكور والإناث ويظل الفارق قليلا حتى مرحلة الشباب بتفوق عدد النساء عن الرجال، لكن يظهر بعد ذلك عدم التوازن بينهم بسبب انتشار الأمراض والأوبئة فتعيش المرأة الإفريقية ثلاث سنوات أكثر من الرجل الإفريقي، في حين أن المرأة الأوروبية تعيش أكثر من الرجل الأوروبي بحوالي عشرة سنوات.
بشكل عام، يمكننا أن نقول نعم، توجد اختلافات بين الذكور والإناث لكن ذلك لا يعني أفضلية جنس على الآخر، فحتى وإن اختلفت بعض الصفات الجسدية والعقلية، فالمحصلة في النهاية واحدة، ومعايير النجاح والتفوق ثابتة بالنسبة للجنسيين، والذي يميز إنسان عن الآخر هو اجتهاده وروحه الطيبة وحضوره القوي، وتلك الاختلافات بين الجنسين فهي للتكامل والتوافق ليست للخلاف أو المنافسة.
أضف تعليق