الحب هو غاية الوجود دائماً، فلولا وجود الحب لما كان هناك مجتمع بشري، لأن الحب هو الذي يميز الإنسان عن سائر المخلوقات. فالحب ليس غريزة بقدر أنه تطور شعوري، حتى وصل بالإنسان أن يضحي بكل شيء من أجل الحبيب. والحب عبر التاريخ معروف بأنواعه الكثيرة ولكننا سنخص حب الرجل والمرأة. ومن القدم الرجل والمرأة يحبان بعضهما عندما يران بعضهما، وليس هناك محبة دون نظرات أو حتى ملامح حب تكون متبادلة. ولكن نحن الآن في القرن الواحد والعشرين، ومع تقدم الإنسانية تقدم معها الحب. حيث وجد في العالم النوع الجديد من الحب وهو الحب الإلكتروني، وهو الحب الذي ينتج عنه علاقة عاطفية ولكن وسيلة الاتصال لا تكون بشرية أو حسية بصورة مباشرة بل تكون عبارة عن مراسلات أو مكالمات الأشخاص من مكان لمكان أخر عن طريق الهاتف أو مواقع التواصل الاجتماعي أو الرسائل النصية الإلكترونية. وفي هذا المقال سنقول لك كل شيء عن الحب الإلكتروني بصورة مبسطة جداً.
الحب الإلكتروني : هل من الممكن أن تنشا علاقة عبر شبكة الإنترنت ؟
الحب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي
ظهر في بداية الألفية الجديدة تطور كبير جداً في التكنولوجيا وأجهزة الحاسوب عموماً، ومع هذا التقدم انتشر الحاسوب في كل مكان في البلاد. ومع هذا الوقت انتشر أيضاً في صورة موازية، أجهزة التليفون المحمول، وبتطور الشبكة العنكبوتية، صار العالم مثل القرية الصغيرة من خلال الإنترنت. ولكن ما أحدث الطفرة في العالم، هو موقع “فيس بوك” والذي يعد أشهر موقع تواصل اجتماعي في العالم حتى يومنا هذا والذي يستخدمه أكثر من واحد ونصف مليار شخص على مستوى العالم والعدد في تزايد. ومن ضمن المميزات في هذا الموقع أنك كمستخدم لك حساب شخصي تستطيع أن تنشر فيه ما يحلو لك من معلومات وصور، بمعنى أصح مجلتك الشخصية. ومن هنا بات فكرة الوصول إلى أي شخص في العالم سهلة جداً، مع وجود إمكانية المراسلة التي تمكنك من التحدث مع أي شخص في العالم بصورة مباشرة بخصوصية تامة بينك وبين.
ومن هنا أصبح لكل شخص مشترك في موقع فيس بوك دائرة أصدقاء افتراضيين، وطريقة التواصل بينهم هي المحادثات عن طريق الرسائل النصية، ومن هنا يبدأ الحب الإلكتروني. حيث الرجل يتكلم مع سيدة، وتتطور المحادثة وتستمر بصورة يومية، ومن هنا تصبح هذه المحادثة شبه إدمان، واحتياج عاطفي شديد، لدرجة أن الشخص يقع في غرام الشخص الذي يكلمه وربما هو لم يعرف شكله من الأساس. وهناك قصص حب كثيرة بدأت بهذه الطريقة حتى الآن من بداية وجود مواقع التواصل الاجتماعي.
الحب عن طريق المكالمات التليفونية
أصبح الآن وجود جهاز الموبايل أو الهاتف المحمول ضروري، الكل يمتلك هذا الشيء. ومن هنا ومع وجود منافسة بين شركات الاتصالات أصبحت المكالمات رخيصة نسبياً، ومن هنا بات يوجد نوع جديد من أنواع التواصل بين البشر والذي أدى في الآونة الأخيرة إلى أن عدد كبير من الشباب والفتيات يتكلمون ويتواصلون بشكل دائم عن طريق الهاتف المحمول. ومع التواصل اليومي وسماع صوت الشخص الأخر بصورة يوميه يصير التعلق بالشخص الأخر حقيقة لا مفر منها، وبدون استثناء في البلاد التي تمتلك شعوبها المقدرة على شراء هاتف نقال بشكل متسع، غالباً الجميع يستخدمه للاطمئنان على الأخر. حتى المخطوبين أصبح الأمر ليس مثل الماضي فلا يوجد تواصل بينهم إلا في زيارة أسبوعية أو حسب عادات وتقاليد البلد، بل الآن أصبح الأمر بسيط جداً فكل منهم لديه هاتف محمول ويستطيع أن يتكلم مع الأخر في أي وقت من اليوم ليأخذ رأيه في شيء أو يتفقان على شيء وهكذا.
سكايب
سكايب هو موقع تواصل ولكنه بصورة متقدمة أكثر عن الباقين، حيث يوفر لك هذا الموقع أن تتواصل عن طريق الكاميرا مع أي أحد في أرجاء العالم عن طريق شبكة الإنترنت بدون مقابل مادي. فقط كل ما عليك فعله هو أن تُفعل حساب شخصي لك وتتواصل مع الشخص الأخر، ومن هنا كانت طفرة جديدة في عهد الحب الإلكتروني. فالأمر بات لا يقتصر فقط على مجرد رسائل نصية أو مكالمات تليفونية ففي كلا الحالتين لا ترى الشخص نفسه ولا ترى ملامحه ولا ترى تعبيرات وجهه، مما يسبب العديد من سوء الفهم أحياناً في الحب الإلكتروني. ولكن بوجود موقع ساكيب بات الأمر سهل جداً، حيث تتكلم مع أي شخص في العالم وأنت تراه وهو يراك مباشرة دون تأخير.
بعدما تعرفنا على وسائل الحب الإلكتروني المستخدم في كل العالم تقريباً، الآن يجب علينا أن نتعرف على شيء أخر مهم جداً يخص علاقات الحب الإلكتروني وهو أسباب الحب الإلكتروني. بمعنى أبسط، لماذا الناس تلجأ إلى هذا النوع من العلاقات؟، لماذا الحب الإلكتروني انتشر كالنار في الهشيم بين الناس في السنوات الأخيرة حتى أن الأمر بات طبيعي جداً في حين أنه كان في البداية يقابل بقوة من قبل الأهل؟ لماذا أصبح الآن الموضوع متاح ولا أحد يسأل عن الموضوع أساساً؟ كل هذه الأسئلة سنجيبها لك في النقط التالية.
المجتمع الشرقي
المجتمع الشرقي لا يفضل الحرية المطلقة مثل المجتمع الغربي، ولذلك حالات الحب عموماً في المجتمع الشرقي لابد لها من ضوابط وشكليات وعادات أحياناً تكون قاتلة ومرهقة لمشاعر الحب نفسها. فالحب بين الأشخاص يكون خاص بالرجل والمرأة، ولكن لأن المجتمع الشرقي محافظ جداً فالحب يجب أن يكون حالة مُعلنة لكل الناس ويكون أخر هذه العلاقة زواج حتى تكون الأمور في نصابها الطبيعي. أما في الحب الإلكتروني العكس تماماً فالشاب أو الشابة لديهم حسابهم الشخصي برقم سري لا يستطيع أحد أبداً أن يفتحه سواهم، ومن هنا الخصوصية في التواصل باتت إمكانية موجودة على أرض الواقع وهذه الخصوصية وفرت كثيراً في العلاقات. حيث أن الشخص بكل بساطة لا يحتاج أن يقابل حبيبه كثيراً حتى يتكلم معه نصف ساعة يكون فيها الكلام في نطاق محدد، بل بات الأمر خاص بالاثنين فقط مما أطاح بقيود المجتمع على علاقات الحب بين الشاب والشابة.
الخجل
أحياناً يكون التحدث من خلف الشاشة أسهل بكثير من التحدث مباشرة مع الناس، والحب الإلكتروني وفر للناس عموماً الجرأة المطلوبة. لأن الشخص الذي يتكلم عن طريق الرسائل النصية، حتى لو كان خجول جداً، فكونه لا يرى الطرف الثاني ولكنه على علم أن الطرف الثاني يتواصل معه فهذا يعطيه نوع من الطمأنينة حتى يقول ما يريد دون الشعور بالخجل. وهذا يحدث بنسبة كبيرة للفتيات لأن الفتيات الشرقيات لديهم حدود معينة في التعامل مع الرجال عموماً بحكم العادات الشرقية، ولكن في الحب الإلكتروني تسقط كل هذه الحواجز فتشعر الفتاة أن لا أحد يراها أبداً. وهذا في حد ذاته يزيل الضغط من عليها لتبدأ في التعامل تدريجياً مع الحب الإلكتروني بصورة أفضل كثيراً من التعامل المباشر في الحب الطبيعي. حيث أن خجلها من الظهور أمام العامة مع شاب يطغي عليها أكثر من فكرة كونها غير مرئية.
بُعد المسافات
مما لا شك فيه، أن المسافات أصبحت ليست مشكلة في الحب الإلكتروني، أينما كنت موجود ليس هناك مشكلة في أن تتواصل مع من تحب أن تتكلم معه في أي وقت من اليوم. التواصل بمعظم أنواعه متاح سواء رسائل أو مكالمات صوتية أو حتى مكالمات صوت وصورة معاً، فالأمر بات واقع، وكثير من الأزواج يستخدمون برنامج سكابي للاطمئنان على أسرهم في جميع أنحاء العالم. وهناك الكثير من الظروف القاسية وعلى الزوج أن يسافر للعمل خارج البلاد وهو متزوج وأحياناً يكون لديه أطفال، وهنا يكون الحب الإلكتروني فعال جداً وليس كما يعتقد البعض أنه شيء سطحي عديم الفائدة. فاللحظات التي يرى فيها الشخص حبيبه في مكان أخر يطمئن الشخص ويجعله قادر على إكمال ما يكون ذهب من أجله. الموضوع مهم جداً في استمرار العلاقات، لم يعد الأمر مثل الماضي حيث يسافر الرجل للعمل خارج البلاد وزوجته لا تسمع منه أو عنه إلا كل شهر مرسال مكتوب أو مسموع. الآن أصبح الوضع بسيط جداً ويستطيع أفراد الأسرة الواحدة الاطمئنان على بعضهم يومياً طوال الأربعة والعشرون ساعة.
في المقابل ومن الجهة الأخرى، الحب الإلكتروني له بعض السلبيات السيئة جداً في حياة البشر. ونحن كما ذكرنا هو وفر كثيراً في الحياة اليومية، ولكن أيضاً لكل شيء وجه حسن ووجه سيء. في النقط التالية سنذكر لك سلبيات الحب الإلكتروني التي يجب عليك أن تأخذ بالك منها ولا تقع فيها.
المعرفة السطحية
الحب الإلكتروني لا يوفر لك الرؤية الواضحة تماماً للأشخاص، هو بالطبع يتخطى الحواجز ويتخطى المسافات، ولكنه في الأخير سيتسبب في عدم معرفتك بالحقيقة الكاملة عن هذا الشخص. والمشكلة الأكبر أنك من الممكن أن تتعلق بالشخص بصورة كبيرة جداً، عن طريق المكالمة بصورة يومية وهذا في حد ذاته سيستنزف مشاعرك بصورة كبيرة. فتخيل لو كان الشخص الذي تعلقت به في بلد أخرى تماماً وليس هناك إمكانية أن تجتمعا أبداً في القريب العاجل، فحينها ستكون قد أوقعت نفسك في فخ كبير حيث أنك تعلقت بأحد لن تستطيع أن تعيش معه في يوم من الأيام بصورة مباشرة طبيعية. فتصير حبيس أو سجين لعلاقة محكوم عليها بالسطحية مدى الحياة، لن تتعدى حاجز المكالمات والرسائل، لن تتحول إلى زواج أو علاقة شخصية حقيقية فيها تكونان معاً.
العلاقات في السن الصغير
مشكلة أخرى تنتج من الحب الإلكتروني وهي أن حالياً أصبحت الهواتف المحمولة تحتوي على جميع الإمكانيات اللازمة لعمل علاقة حب إلكتروني. ولذلك تجد الكثير من العلاقات في عمر صغير جداً بين الأولاد والبنات، والمشكلة هنا ليست في العلاقة بل المشاكل التي تنتج من خلف هذه العلاقات بالنسبة للفتيات والفتيان. فالحب يصبح مشوه وغير ناضج بصورة كبيرة لدرجة أن هذا الجيل من الممكن أن يكبر وهو لا يعرف الحب الحقيقي، لأن كل العلاقات العاطفية بالنسبة له هي الحب الإلكتروني، الذي من الممكن أن يتغير أطرافه كل شهرين لمجرد الملل أو الرغبة في التجديد لدى هذا العمر الصغير. في النهاية الحب الإلكتروني سبب كبير في تكوين علاقات غير ناضجة بين فتيان وفتيات، بسبب بسيط لأنهم يكونون في سن مراهقة وهذا السن متطرف جداً عاطفياً فأحياناً يحب بكل جوارحه وأحياناً أخرى يكره دون سبب وهذا هو عدم النضج الذي نتكلم عنه.
أخيراً عزيزي القارئ الحب الإلكتروني هو شيء لم يكن موجوداً في الماضي ولم يخرج للنور إلى في العشر سنين الأخيرة بفضل الإنترنت والهواتف المحمولة. ولذلك أتنبأ شخصياً بتطور الموضوع في القريب العاجل لأشياء لم نكن نتخيلها أبداً أكثر من الموجودة الآن.