لا يُنكر أي شخص أن الحالة الصحية للدول النامية تتخلف بمراحل عن الحالة الصحية للعديد من الدول المتقدمة والمتطورة، الصحة ليست أمرًا متفردًا بنفسه منفصلًا عن بقية أعضاء عوامل المجتمع الأخرى فليست مقتصرةً على الأوبئة والمرضى والأصحاء وانتهى الأمر، إنما الصحة هي عضد المجتمع وواحدةٌ من ركائزه القوية المتينة إذا ما اهتزت وجدنا أعضاءً كثرةً تسقط من جسد المجتمع ونتمنى فقط أن نكون بالسرعة والقدرة الكافيين لنعيد جمع ما تساقط وتثبيته مكانه مرةً أخرى حتى لا يسقط المجتمع ويضيع من أيدينا، الأفراد هم وحدات بناء المجتمع إن صحّوا صحّ المجتمع وإن انهاروا انهار بهم المجتمع وتساقطت سماؤه على رؤوسهم، تخيل معي مجتمعًا تتفشى فيه الأمراض والأوبئة ولا يجد أفراده العلاج أو العناية الطبية أو القدر القليل من الثقافة والتوعية الطبية، فقراء معدمون لا يجدون الطعام الذي يصلب أعوادهم المهدودة من التعب والمرض معًا، لا يجدون وقتًا ولا فرصةً للراحة لأن يوم الراحة يعني نوم الليلة بدون طعام لأسرهم وأطفالهم، تلك صورةٌ شديدة التبسيط للحالة الصحية للدول النامية وأفراد تلك المجتمعات البائسة التي كلما حاولت أن تقف على قدميها تسحق في طريقها عددًا غير قليلٍ من الضعفاء ثم تترنح بضعف لتسقط ثانيةً.
الحالة الصحية للدول النامية : سبل النهوض بها
من هي الدول النامية؟
عالمنا هو عالم تمييزٍ بلا شك، عالمٌ أنانيٌ بدل أن يمد فيه القوي يده للضعيف فهو يكتفي بالتقدم ويحتكره لنفسه ويمد يده بقطراتٍ لمن يسميهم دول العالم الثالث متأكدًا أن تلك القطرات لن تساعدهم إلا فيما يصب في مصلحته الشخصية، قانوننا هو قانون الغاب مهما أنكرنا ذلك وقاومناه وعالمنا لا يعترف بالبقاء إلا للأقوى، الدول النامية بالتعريف العالمي المُتفق عليه هي الدول التي تقع في المنطقة الحرجة الوسط بين التخلف والقدم والحداثة والتقدم، بمعنى أدق هي الدول التي خرجت من تصنيف التأخر والتخلف وأرادت أن تلتحق بركب الحضارة وعالم السرعة والتكنولوجيا لكنها لم تُفلح في الوصول بعد، تتسم تلك الدول بانخفاضٍ ملحوظ في مستوى المعيشة والتقدم الصناعي والإنتاج والموارد البشرية وأساليب الحياة وهناك فجواتٌ كبيرة بين طبقاتها وتحمل كل أنواع البشر ما بين طبقةٍ عاملةٍ كادحةٍ تحت خط الفقر يتم سحقها وطبقةٍ عاليةٍ جدًا مترفعة تنأى بنفسها ونسبها عن ذلك البلد، تعرف تلك الدول بالحضارة والتقدم والأساليب الحديثة في الحياة لكنها ما زالت عاجزةً عن وضع تلك المعرفة كلها في موضعٍ عمليٍ بعد، تتخبط في الظلام رغم أنها ترى النور في آخر الرواق وتحاول الوصول إليه بصعوبة.
الحالة الصحية للدول النامية
تُعاني الحالة الصحية للدول النامية من التخبط في عدة جوانب فأولًا تتضاءل الرعاية الصحية والخدمات العامة السريعة للجميع في مجال الصحة والطب، إن تفشى وباءٌ في تلك الدول فهو قادرٌ على قتل نصف سكانها قبل أن يبدأ أصحابها في اتخاذ إجراءاتٍ علاجيةٍ ووقائيةٍ ضد تلك الأمراض، وغالبًا ما يبدؤوا بتلك الإجراءات استنادًا على مساعداتٍ خارجيةٍ من الدول المتقدمة التي تمد لهم يد العون علميًا وآليًا، يفتقد الكثير من سكان تلك الدول للرفاهية التي يتمتع بها سكان العالم المتقدم وتعتبر الصحة والوقاية والثقافة الطبية من الرفاهيات التي لا يهتمون بها ولا يستطيعون تحملها إن أُجبروا على ذلك، فدخل الفرد بالكاد يكفيه هو وأسرته لضروريات الحياة فلن يذهب للطبيب للاطمئنان على صحته ويبذر الوقت والمال إلا إن أعجزه المرض، ولا يملك وقتًا أو ثقافةً كافيين للاهتمام بصحته والبحث عما يجعله أفضل وما يحتاجه جسده، وينعكس ذلك كله المجتمع بأكمله بسبب جهل أفراده ومرضهم الدائم وحالتهم الصحية المتردية ما يؤثر على العمل والإنتاج والدخل القومي ومسيرة التقدم بأكملها، المجتمع لن يتقدم وحده وإنما هو بحاجةٍ لأفراده ليتقدم.
حلقةٌ مفرغة
يعيش سكان البلاد النامية في حلقةٍ مفرغةٍ يدورون فيها ولا يستطيعون كسرها والخلاص منها، ففي البداية تأتي الزيادة السكانية وقلة التوعية بالنسل وتحديده وتقديره ما يزيد من الفقر وانعدام الموارد التي هي منعدمةٌ في الأساس، ثم تأتي البلد نفسها التي تعجز عن أن تقدم أبسط ضروريات الحياة لأفرادها كالماء النقي والطعام غير الملوث والبيئة النظيفة والحد الأدنى من التعليم والتوعية والخدمات العامة والصحية، إنها ببساطة عاجزةٌ عن تقديم أبسط أسباب الحياة لهؤلاء الناس ففي أحد المرات سأل أحد سكان البلاد المتقدمة أحد سكان البلاد النامية عن أحلامه فأجاب النامي “الحصول على وظيفة وبيت والزواج” فاستغرب المتقدم وقال له “سألتك عن أحلامك لا حقوقك!” إن دولةً تعجز عن إعطاء حقوق أفرادها كيف تتخيل أنهم سيقومون بواجباتهم؟ تنتشر كذلك المشاكل النفسية والاجتماعية وتكاد ثقافة الاهتمام بالصحة النفسية للفرد تنعدم في الأغلب الأعم في تلك الدول، فلو كانت ثقافة الصحة الجسدية منحدرة فكيف ينظرون للنفسية التي لا تُرى وليست ضروريةً بالنسبة لهم؟
لماذا لا توجد أمراض الدول النامية في الدول المتقدمة؟
لا أعني بكلمة لا توجد أن تلك الأمراض منقرضة في الدول المتقدمة بل هي موجودة لكنها نادرة أو موجودة بمعدل طبيعي على أقصى تقدير، لكنك تجد أمراضًا بسيطةً كهذه تتفشى في البلاد النامية ويُعاني منها أفرادها بشكلٍ مستمر، بعضها يكونون قادرين على علاجه والبعض الآخر لا يستطيعون فما السبب؟ السبب هو تلوث البيئة من حولهم بمسببات تلك الأمراض التي تدور في دائرةٍ مغلقة مثل بعض أمراض الجهاز الهضمي على سبيل المثال، فما بين الصرف الصحي والمياه الملوثة وتلك الدائرة السوداء تجد المرض ينتقل من شخصٍ آخر بشربة ماءٍ لا أكثر ويخرج منه لينتقل لشخصٍ آخر وهلم جر، التأخر الحضاري لديهم يجعلهم عاجزين عن تنقية المياه بالدرجة الكافية للتخلص من الميكروبات العالقة فيها قبل تقديمها للناس مرةً أخرى، الوعي بثقافة الوقاية خيرٌ من العلاج أكثر ضعفًا مما نتخيل، أما الأمراض المعدية والقاتلة كالإيدز والسل والملاريا فحدث ولا حرج، فهي قادرةٌ على القضاء على نصف سكان البلاد بلا أي مقاومةٍ تُذكر، وسببٌ آخرٌ من أسباب ضعف الحالة الصحية للدول النامية هو ضعف وعجز التمويل الصحي العام في البلد، فالبلد واقعةٌ تحت الأزمات والديون وسكانها أكثر جهلًا وعجزًا وفقرًا عن مساعدتها في تجاوز ذلك الخط ليصبحوا هم عاجزين عن مد يد العون لها وتبقى هي عاجزة عن مساعدتهم.
كيف نعلو بالحالة الصحية للدول النامية؟
في البداية يأتي النظر للأمراض المعدية والقاتلة المتفشية في تلك المجتمعات ووقاية أفرادها منها ودراسة وسائل تخليص تلك البلاد من تلك الأمراض تمامًا للحصول على فردٍ سليمٍ معافى قادرٍ على التقديم لتلك البلاد، ثانيًا علينا السعي في تقديم التوعية الصحية وفتح أبواب الثقافة المجانية والسهلة وتوفير وسائل الرعاية الصحية بشكلٍ يكون في متناول الجميع، بحيث لا تصبح عناية الفرد بصحته مجرد رفاهيةٍ هم عاجزون عن تحملها، يحتاج سكان تلك الدول أيضًا للتنظيم والتوعية ورفع الحالة المعيشية لهم وتوفير أقل الضروريات على الأقل وأساسيات الحياة التي تجعل سباقهم في الحياة سباق رفعةٍ وتقدم لا سباق حياةٍ من موت، وعلى المجتمع الدولي أن يبسط يده بالعون لهذه الدول وينظر في مشاكلهم وقضاياهم ويقدم لهم حلولًا عملية ويساعد في تطبيقها وليست مجرد مؤتمراتٍ واجتماعاتٍ وكلامًا على ورق. كون الإنسان وُ لد في مجتمعٍ معينٍ ليس خطأه، لكن الخطأ أن يختار طريق الجهل والكسل.
أضف تعليق